تفاقمت أزمة العملة التركية اليوم الجمعة إذ هوت ثمانية بالمئة إلى انخفاض قياسي جديد أمام الدولار، ما أدى إلى إغلاق بورصة اسطنبول. ويأتي ذلك وسط مخاوف بشأن دوامة التضخم التي أحدثتها خطة الرئيس رجب طيب أردوغان لخفض أسعار الفائدة في مواجهة ارتفاع الأسعار.
ووصل سعر الليرة إلى 17.0705 للدولار مما أدى إلى تدخل مباشر في السوق من جانب البنك المركزي لدعم العملة التركية المتعثرة في خامس تحرك له هذا الشهر لمواجهة ما وصفه بالأسعار "غير الصحية".
وقلص شراء البنك للدولار خسائر الليرة إلى 16.5 بحلول الساعة 1116 بتوقيت جرينتش. وببلوغ هذا المستوى، فقدت الليرة التركية 55 بالمئة من قيمتها هذا العام بما في ذلك 37 بالمئة في آخر 30 يوما فقط مما زعزع اقتصاد السوق الناشئة الكبيرة.
وأدى قرار أردوغان بالمضي قدما بخفض سعر الفائدة الرئيسي 500 نقطة أساس منذ سبتمبر (أيلول) بما في ذلك خفض كبير آخر أمس الخميس، إلى ارتفاع التضخم إلى أكثر من 21 بالمئة. ويقول خبراء اقتصاديون إنه من المرجح أن يتجاوز التضخم 30 بالمئة العام المقبل بسبب ارتفاع أسعار الواردات وزيادة في الحد الأدنى للأجور.
وكانت الآثار غير المباشرة سريعة ومؤلمة حيث شهد الأتراك مدخراتهم وأرباحهم تتلاشى.
وأعلن أردوغان زيادة 50 بالمئة في الحد الأدنى للأجور إلى 4250 ليرة (275 دولارا) شهريا العام المقبل. ولكن من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة تضخم أسعار المستهلكين الإجمالية بمقدار 3.5 نقطة مئوية إلى 10 نقاط مئوية.
أسعار الفائدة
وخفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة للشهر الرابع على التوالي. حيث قامت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي بخفض سعر الفائدة الأساس (الريبو لأسبوع واحد)، بنحو 100 نقطة أساس إلى مستوى 14 في المئة. وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنحو 500 نقطة أساس منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، في الوقت الذي قامت بعض البنوك المركزية المماثلة بزيادة أسعار الفائدة للحد من زيادة معدلات التضخم. يأتي ذلك في الوقت الذي تشهد العملة التركية المزيد من التراجع.
وهبطت الليرة التركية في تعاملات، الخميس، مجدداً إلى مستوى تاريخي لتسجل 15.20 مقابل الدولار، في أول رد فعل بعد إشارات الفيدرالي الأميركي باتجاهه لرفع أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية. وكانت العملة التركية واجهت تراجعاً بنسبة 2.8 في المئة خلال تعاملات الأربعاء، متأثرة بخفض أسعار الفائدة المحلية الذي كان متوقعاً.
ووفق البيانات التي أعدتها "اندبندنت عربية"، فقد قفزت خسائر الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي إلى نحو 54 في المئة. حيث ارتفع سعر صرف الدولار من مستوى 7 ليرات في بداية العام الحالي إلى نحو 15.2 ليرة في الوقت الحالي، ليربح الدولار الأميركي نحو 8.2 ليرة خلال تداولات العام الحالي. وبذلك حافظت العملة التركية على صدارة العملات الأسوأ أداءً خلال عام 2021.
ضغوط لتعزيز النمو قبل انتخابات 2023
وعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقتها شركات الأبحاث والدراسات وحديثها عن الخسائر الضخمة التي تلاحق الاقتصاد التركي بسبب اتجاه البنك المركزي التركي إلى تنفيذ تعليمات الرئيس رجب طيب أردوغان بخفض أسعار الفائدة، لكن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي تجاهلت هذه التحذيرات، كما تجاهلت المستويات الخطيرة التي بلغها معدل التضخم الذي بلغ في الوقت الحالي أكثر من 21 في المئة وسط توقعات بأن يواصل الارتفاع مع استمرار خفض أسعار الفائدة.
وعلى الرغم من التحذيرات، خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرئيس بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماعه الأخير خلال العام الحالي، متجاهلاً زيادة حادة في التضخم بينما يمارس الرئيس رجب طيب أردوغان ضغوطاً عليه لتعزيز النمو قبل انتخابات 2023.
لكن هبوط الليرة التركية الذي كان متوقعاً جاء بعد إعطاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي مؤشرات متعددة على اقتراب نهاية سياسته الواسعة للتيسير الكمي منذ بداية جائحة كورونا، ما يشير إلى تحركات صارمة في السياسة النقدية استجابة لارتفاع التضخم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الفيدرالي الأميركي، "إنه سيسرع في خفض مشترياته الشهرية من السندات، التي سيقلصها إلى 60 مليار دولار بدءاً من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو انخفاض من 120 مليار دولار شهرياً قبل نوفمبر (تشرين الثاني) في ما يعد تسريعاً كبيراً للبرنامج الذي انطلق الشهر الماضي عبر خفض تدريجي بقيمة 15 مليار دولار، وتضاعف الخفض إلى 30 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ثم سيتضاعف من جديد في يناير المقبل.
كما يتوقع البنك المركزي الأميركي البدء في رفع أسعار الفائدة أواخر الشتاء أو أوائل الربيع، التي ظلت ثابتة في اجتماع هذا الأسبوع. وتشير التوقعات الصادرة يوم الأربعاء، إلى أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يتوقعون ما يصل إلى 3 زيادات في أسعار الفائدة قادمة في عام 2022، يليها اثنتان في العام التالي واثنتان أخريان في 2024.
أردوغان يعود إلى سياسة الإقالات
على خلفية الانهيارات التي تلاحق العملة التركية والخسائر التي تطارد الاقتصاد وتسببت في ارتفاع معدلات التضخم، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "أنه سينفذ إجراءات جديدة في الأيام المقبلة لوقف انهيار الليرة التركية"، مؤكداً "أن أسعار الفائدة لن تحدد مصير تركيا". وقرر رفع الحد الأدنى للأجور في تركيا بنحو 50 في المئة، بعد إعلان خفض أسعار الفائدة بنحو 100 نقطة أساس إلى 14 في المئة. ومنذ سبتمبر (أيلول) الماضي، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنحو 500 نقطة أساس، في الوقت الذي قامت بعض البنوك المركزية المماثلة بزيادة أسعار الفائدة للحد من زيادة معدلات التضخم.
كما أعلن أردوغان، إقالة نائبي وزير المالية والخزانة، على وقع تراجع تاريخي تشهده الليرة. ووفق القرار أقيل نائبا وزير المالية والخزانة شاكر إرجان غول ومحمد حمدي يلدريم، ليحل محلهما كل من محمود غورجان ويونس إليطاش. إضافة إلى ذلك، تم فصل المدير العام للمالية العامة عبدالله بيازيد والمدير العام للبرامج والبحوث الاقتصادية أحمد يالتشين قايا وفقاً للمادة 4 من المرسوم الرئاسي. كما كان هناك تغيير في مهام مجلس التنظيم والرقابة المصرفية حيث تم تعيين يعقوب أسارقايا رئيساً ثانياً لمجلس الإدارة. وتم تعيين مصطفى بالجي وأولكاي توران كعضوين في مجلس التنظيم والرقابة المصرفية.
تأتي هذه التغييرات على وقع تراجع تاريخي تشهده العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، لا سيما الدولار الأميركي. وكان استطلاع حديث قد أجرته وكالة "رويترز"، أظهر أنه على الرغم من ارتفاع التضخم متجاوزاً 21 في المئة، ما زال من المتوقع أن يخفض البنك المركزي سعر الفائدة الأساس 100 نقطة أساس إلى مستوى 14 في المئة خلال اجتماعه الأخير الخاص بالسياسات النقدية والمالية خلال العام الحالي.