Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقياس النيل بالقاهرة ثاني أقدم أثر إسلامي في مصر

يقع في منطقة المنيل ويعكس روعة العمارة وتم تشييده إيماناً بأهمية النهر

يعكس مقياس النيل طابع العمارة الإسلامية، ويُعد من أقدم الأبنية التي تعود لهذا العصر في مصر (اندبندنت عربية)

في واحد من نماذج العمارة الإسلامية الفريدة يقع مقياس النيل في منطقة الروضة بحي المنيل في القاهرة، ويصنف حالياً باعتباره ثاني أقدم أثر إسلامي في مصر بعد مسجد عمرو بن العاص، الواقع في منطقة الفسطاط. فدائماً ما كان النيل محط اهتمام حكام مصر على مر التاريخ، باعتباره يمثل روح الحياة للمصريين، وواحداً من عوامل الحضارة التي بُنيت على ضفافه.

ومن هنا، فإنه مع بداية الحكم الإسلامي في مصر عُني الحكام ببناء المنشآت المرتبطة بالنيل باعتباره عاملاً رئيساً من عوامل الأمان المائي للبلاد، وارتباطه دائماً بالأمن القومي، إضافة إلى كونه أحد رموز السيادة على البلاد.

وقد وقع اختيار المسلمين الأوائل في مصر على منطقة الروضة على نيل القاهرة ليتم بناء مقياس للنيل فيها، ليكون واحداً من أولى المنشآت التي تعود للعصر الإسلامي في مصر، وليعكس جانباً من العمارة الإسلامية عندما تمتزج بجزء مصري أصيل، وهو نهر النيل. فالمقياس من الداخل تزينه زخارف إسلامية وطراز معماري فريد، وما يزيد من جماله كونه واقعاً على شاطئ النيل.

فيضانات دمرت الكثير من المقاييس

فالنيل في مصر يتجاوز فكرة النهر، ولكنه يمثل رواسب ثقافية وحضارية تدفقت معه في جريانه من أقصى البلاد إلى أقصاها على مر التاريخ والعصور، لتنعكس على الفنون والتراث والعمارة والحياة الاجتماعية للمصريين التي كان دائماً للنهر نصيب منها.

وكان قياس معدل فيضان النيل دائماً من اهتمامات الدولة المصرية على مر العصور، لذا تم بناء مقاييس متنوعة تختلف في مدى دقتها وتطورها على مر التاريخ، فقد كان يفيض النيل كل عام، ويعلو منسوبه قبل بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي. ولطالما كان هناك حرص على قياس منسوب النيل في كل أوقات السنة لارتباطه بالزراعة وبكافة شؤون الحياة في مصر.

وعن بناء مقياس النيل في القاهرة، يقول سامح الزهار، الباحث في التاريخ الإسلامي: "جاء بناء مقياس النيل في جزيرة الروضة بإطار الحرص على متابعة وقياس منسوب نهر النيل على مدار العصور، ولكن لم يبقَ الكثير من المقاييس التي بناها المصريون قبل الإسلام وبعده، نظراً لتعرضها للتدمير نتيجة الفيضانات المستمرة للنهر. وبحسب النص التأسيسي للمقياس، يتضح أنه أنشئ عام 248هـ/862م، وذلك في عهد الخليفة المتوكل على الله في العصر العباسي، ثم أجري له عديد من عمليات الترميم في العصور الطولوني والفاطمي والمملوكي والعثماني، ولذلك يعد مقياس النيل ثاني أقدم أثر إسلامي موجود في مصر".

ويضيف، "استمر هذا المقياس في أداء وظيفته حتى فترة قريبة من بناء السد العالي الذي منع الفيضان عن مصر. والمقياس عبارة عن بئر تم حفرها في باطن الأرض ويدور سلم حلزوني حول جدرانها من الداخل وفي منتصف البئر عمود القياس، وتتصل البئر بالنيل من خلال ثلاث فتحات في مستويات مختلفة".

 

النيل في التراث الإسلامي

دائماً ما ارتبط النيل بالحضارة المصرية القديمة باعتباره مصدر الحياة، فأطلقوا عليه النهر العظيم، وكان له مكانة كبرى في كل ما يتعلق بحضارة مصر القديمة التي قامت على ضفافه. وقد يعتقد البعض أن الحضارات اللاحقة التي قامت في مصر تقلص فيها الاهتمام بالنهر، باعتبار أن الحقبة الإسلامية عنيت ببناء نمط آخر من الإنشاءات في منطقة القاهرة القديمة، أبرزها يتمثل في المساجد العديدة التي تزخر بها القاهرة القديمة، حتى إنه أطلق عليها مدينة الألف مئذنة... فيقول الزهار: "كان التراث العربي الإسلامي في مصر من أكثر الحضارات التي كان لها اهتمام بالمنشآت المائية، ونهر النيل هو من أهم سمات الحياة في مصر على مر التاريخ، لذا فمن الطبيعي أن يكون للعمارة المائية حضور في المشهد الحضاري الإسلامي في مصر. ومقياس النيل هو من أوائل الإنشاءات التي تعود للحقبة الإسلامية في مصر، لذا يمكن أن نطلق عليه أثر مؤسس، بمعنى أنه تم إنشاؤه كشكل من أشكال توطيد الحكم وإظهار أثره في البلاد من خلال منشاة ضخمة على النيل".

ويضيف، "استمر اهتمام حكام الدولة الإسلامية في مصر بمثل هذه المنشآت المرتبطة بالنيل. ففي الدولة الطولونية تم إنشاء قناطر على نهر النيل، وفي الدولة الأيوبية حدث كثير من التطوير للمنشآت على النيل، وفي حقبة المماليك كان هناك اهتمام كبير بالأسبلة، كما شهد عهد الفاطميين إقامة الاحتفالات والمهرجانات على ضفاف النيل في المنطقة المعروفة حالياً بشارع الخليج المصري وشارع بورسعيد، والذين اشتهر عهدهم بمثل هذه الاحتفالات، حتى إن المقريزي ذكر أنهم كانوا يقيمون احتفالاً سنوياً برأس السنة الميلادية يوزع فيه السمك وعصير الليمون على الناس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دلالة بناء مقياس النيل

وباعتبار أنه مشروع ضخم يحتاج إلى جانب العمارة، حسابات دقيقة في القياس والهندسة لينجح في أداء الوظيفة المنوطة به، فماذا يمثل بناء مقياس للنيل في عهد مبكر من انتشار الإسلام في مصر؟ وما دلالته؟ يقول الزهار: "كان بناء مقياس النيل يمثل مشروعاً قومياً كبيراً مثل بناء السد العالي في العصر الحديث. فحقيقة أن منسوب النيل وفيضانه هي إحدى وسائل حفظ الأمن القومي لمصر، أدركها المصريون منذ آلاف السنين، وتعاملوا معها كحقيقة وواقع، ومن بينهم كل من جاء على حكمها من الخارج. وجدير بالذكر أن عمارة القاهرة منذ إنشائها هي عمارة وظيفية تؤدي دور ووظيفة مثل المساجد والمدارس والأسبلة، ومنها أيضاً المنشآت مثل مقياس النيل".

ويضيف، "ارتبط نهر النيل دائماً على مر التاريخ بالبعد العسكري والدفاعي. فالمياه تمثل عائقاً وإحدى وسائل التأمين، بالإضافة إلى ارتباطه بالحياة الاجتماعية، فهو المتنزه الرئيس للمصريين من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وعلى ضفافه يحرص الحكام وعلية القوم على السكن. كما أنه دائماً ما يرتبط بالاحتفالات مثل زفة العروس في القرى، كما يعتبر أحد عوامل الرزق لبعض الناس في مجالات مثل الزراعة والصيد والمراكب. ومن هنا جاء اهتمام المصريين بقياس منسوب مياهه... فتدفق النيل يعني استمرار الحياة عند المصريين".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات