Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإسلاميون في تونس يتنصلون من عشرية الخراب في البلاد

"الحكم كان برلمانياً وأكثر من ثلث النواب هم من حركة النهضة"

معارضو الرئيس التونسي قيس سعيد يشاركون في احتجاج على ما يسمونه انقلاب 25 يوليو في تونس العاصمة (رويترز)

 

تصر قيادات حركة "النهضة" الإسلامية على تنصّلها من الحكم طيلة 10 سنوات مضت، وأثار التصريح الإعلامي الأخير لأحد قياديها علي العريض، الذي شغل منصب رئيس حكومة عام 2013 من أن "حزبهم لم يحكم وحده منذ ثورة يناير (كانون الثاني)"، أي بعد أول انتخابات تشريعية، كما اعتبر العريض خلال مؤتمر صحافي أن "هناك محاولة لتشويه وتزوير التاريخ من خلال وصف العشرية التي تلت الثورة بعشرية الخراب"، مؤكداً أنه كما يوجد فشل في عدد من الملفات، هناك أيضاً إنجازات تم تحقيقها في مجالات أخرى.

طريق مسدود

وبحسب مهتمين بالشأن العام في تونس، هذه ليست المرة الأولى التي ترمي فيها "النهضة" فشلها في سلال الآخرين، وتعتمد في تفسيرها على أن الحكومات المتعاقبة منذ الثورة، لم تضم أسماء كثيرة من الحركة، وأن الرئاسة لم تكن لها، إلا أن النظام البرلماني الذي شكل عائقاً في البلاد، وأوصلها إلى طريق مسدود، والذي فاقم الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية، أي البرلمان ورئاسة الجمهورية، جعل من حركة "النهضة" اللاعب الأساسي الذي يحرك خيوط اللعبة السياسية، باعتبار أنها أغلبية داخل مجلس نواب الشعب، بالتالي، لا يمكن مرور أي حكومة أو أي وزير من دون رضا الحركة، وبخاصة زعيمها راشد الغنوشي، الذي قال عنه عدد من السياسيين والمقربين منه، أن بيته أو مكتبه في مقر الحزب، مزار لكل من يطمح لمنصب.

وبالرجوع إلى أهم المحطات في تاريخ تكوين الحكومات بعد الثورة، يتبين، بشكل واضح، تحكم "النهضة: في تركيبة كل فريق حكومي من خلال البرلمان الذي يخول له القانون التونسي المصادقة من عدمها على مرور أي حكومة، ويتضح أن "النهضة" لعبت دوراً أساسياً في المشاورات التي تجرى قبل تكوين أي منها، كما لها دور كبير في إسقاط بعضها أو إجبار بعض رؤسائها أو وزرائها على الاستقالة.

وفي السياق، تحدث رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد الذي سحب منه مجلس النواب الثقة سنة 2016، في تصريح إعلامي، أنه تعرض لضغوط خلال فترة توليه رئاسة الحكومة تهدف لتقديم استقالته من منصبه. وقال إن "رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، هاتفه ليلة الجلسة العامة التي خصصت للتصويت على تجديد الثقة، وطلب منه الاستقالة قبل التوجه للبرلمان".

حديث الذاكرة

وفي كتابه الصادر أخيراً "حديث الذاكرة"، (صفحة 243)، قال الصيد إن "مداولات المجلس الأعلى للأمن كانت تتجه إلى مونبليزير، حيث يقع مقر حركة النهضة، وتُعرض هناك، وتُغربل، وتطبخ على نار أخرى، ثم يعود منها ما يتم الاتفاق عليه ليحال على الإنجاز، ويسير الباقي إلى سلة المهملات"، شهادة من رجل دولة تؤكد مدى تمكن "النهضة" في كل المجالات، وبخاصة الجانب الأمني.

كما عاشت تونس هزة سياسية اعتبرها البعض أنها بداية النهاية، وذلك خلال تجربة الحكومة التي أتت عقب انتخابات 2019، إذ تبين مدى تحكم "النهضة" في دعم الحكومات أو إسقاطها، من خلال إجبار إلياس الفخفاخ على الاستقالة من منصبه كرئيس حكومة، من طرف "النهضة"، وحلفائها في البرلمان، الاستقالة التي اعتبرها مراقبون كرة الثلج التي خرجت وعظمت، وساهمت في تأجيج الأزمة بين قيس سعيد وراشد الغنوشي، وأيضاً القشة التي قصمت ظهر حركة "النهضة"، من خلال الانشقاقات والاستقالات، على خلفية تحميل الغنوشي ما وصلت إليه البلاد. وقال  الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي، وأحد وزراء حكومة الفخفاخ، محمد عبو، "النهضة أسقطت الحكومة خوفاً على مصالحهم". أضاف، "إلياس الفخفاخ منحه كل الصلاحيات كي يقاوم الفساد"، باعتباره وزير الحوكمة ومكافحة الفساد آنذاك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما النائب المجمد محمد عمار فقال إنهم "خلال 10 سنوات، الحكم كان برلمانياً، وأكثر من ثلث النواب، هم نواب حركة النهضة، بالإضافة إلى "عدد كبير من النواب الآخرين ذوي المرجعية الدينية، وآخرين كانوا يبحثون عن موطئ قدم لهم داخل الحكومات المتعاقبة"، مضيفاً، "النهضة المسؤولة الأولى عن الخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي حصل، ولا يمكن تكذيب الأرقام الاقتصادية ومستوى الفقر الذي حصل للمواطن التونسي بسببها".

خداع الرأي العام

هذه بعض الوقائع والشهادات التي تؤكد مسؤولية "النهضة" في الحكم، عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس.

ويرى المحلل السياسي بسام حمدي أن "حركة النهضة تعترف ضمنياً بفشلها في إدارة البلاد من خلال إقرارها باهتراء الوضع الاقتصادي والاجتماعي طيلة السنوات التي أعقبت الثورة، والتي تولت فيها قيادة البلاد". ويضيف، "تنصل النهضة من تدهور الوضع العام في البلاد يعد تأكيداً على عدم قدرتها على تقديم حلول ناجعة خلال الفترة التي سيرت فيها الحكم واعترافاً ضمنياً بمحدودية برامجها ومشاريعها". ويعتبر أيضاً أن الحركة الإسلامية "تحاول خداع الرأي العام التونسي والدولي بتصريحات قياداتها التي تتظاهر بكونها تندد ببطء حل الأزمات التنموية والاجتماعية، والحال أنها (القيادات) واعية كونها المسؤولة الأولى عن هذا البطء". ويتابع حمدي أن "جزءاً مهماً من الشعب التونسي أصبح واعياً بأن النهضة فشلت في الاستجابة لمطالب الثورة، وكذلك في مراجعة خياراتها عبر الاعتراف أولاً بالفشل، ثم محاولة الإصلاح".

وتدل الانقسامات التي أصابت هذا الحزب الإسلامي، بحسب ما يرى حمدي، "على أن قيادته تسببت في اتباع خيارات فاشلة أنهكت البلاد ودمرت البيت الداخلي للحزب".

دور المظلومية

من جهته، يرى الكاتب الصحافي صغير الحيدري، أنه "لا يمكن لحركة النهضة أن تتنصل من حصيلة عشرية تحكمت خلالها إما مباشرة عبر قيادات بارزة على غرار حمادي الجبالي، وعلي العريض، أيام الترويكا، أو من وراء الكواليس من خلال التحكم في قرارات الحكومات وتوجهاتها الكبرى"، لكن "النهضة" بحسب تحليل الحيدري "تواصل المناورة والاعتماد على أكثر من خطاب"، مضيفاً، "خطابات موجهة لأنصارها وخطابات موجهة لخصومها وخطابات موجهة لعموم الناس، لكن كل هذه الخطابات لا تستهدف سوى التهرب من المسؤولية للخروج من هذه الفترة بأخف الأضرار". وتابع، "لأن هناك إمكانية لحظر حركة النهضة وحل البرلمان، لم يبقَ للنهضة من خيارات سوى لعب دور المظلومية، وهو ما دأبت عليه في الواقع لـ10 سنوات، ولم تنجح في الابتعاد عن هذه السياسة".

جدير بالذكر أن 13 حكومة مرت على قصر القصبة، في تونس، بعد ثورة يناير 2011 بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي عصف بكل الحكومات بسبب انعدام التوازنات داخل برلمان الشعب، وأيضاً بسبب فشل نظام الحكم في البلاد، بحسب جميع المهتمين بالشأن السياسي، إلى أن حل زلزال 25 يوليو (تموز) الماضي، وجاءت قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيد التي أوقفت عبث مجلس نواب الشعب في انتظار إعادة تنظيم الحياة السياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي