يعول جزء كبير من التونسيين على المنظمات الوطنية الكبرى في إخراج البلاد من أزماتها على غرار أزمة سنة 2013، عندما توافق الاتحاد العام للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وهيئة المحامين، في التوصل إلى اتفاق ينهي حكم الترويكا، إثر الاغتيالات السياسية والذهاب إلى انتخابات تشريعية لسنة 2014. اليوم تواجه تونس أزمة سياسية جديدة ناتجة من أزمة حكم تواصلت لسنوات وتجلت في عدم التناغم بين السلطات الثلاث (البرلمان ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة)، ما دفع رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى اتخاذ إجراءات استثنائية علق بمقتضاها أعمال البرلمان وأقال الحكومة في الخامس والعشرين من يوليو (تموز) الماضي. بينما تعاني حركة النهضة عددا من الاستقالات الجماعية آخرها تجميد عضوية 15 قياديا في مجلس شورى الحركة. فأي دور سيضطلع به الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل الخروج بتونس من الوضع الراهن؟ وما تأثيرات الاستقالات التي تهز حركة النهضة؟
خط وطني ثالث
أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، "أن المنظمة الشغيلية رحبت بالتدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 من يوليو الماضي"، واعتبرتها "منطلقاً لإنهاء التجاوزات، ولكبح جموح المصالح الحزبية المتدافعة، ولتجاوز فشل العشرية السابقة"، مضيفاً، أن "الاتحاد سيعمل على توسيع المشاورات بالتنسيق مع الشخصيات والمنظمات الوطنية التي يتقاطع معها في الثوابت والمبادئ، للدعوة للقاء يمثل قوة سياسية واجتماعية وحقوقية ومدنية لا يستهان بها في مسعى نحو توجه وطني ثالث عنوانه الإنقاذ في كنف السيادة الوطنية".
ويؤكد محمد علي البوغديري، الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل، لـ"اندبندنت عربية"، أن "الاتحاد الآن أمام فرصة تاريخية بامتياز ليلعب دوره الوطني الذي عُرف به عبر تاريخ تونس المعاصر". ويعتبر أن "لحظة 25 يوليو، أنقذت تونس من براثن التجاذبات السياسية الحادة التي كانت ستؤدي بالبلاد إلى الإفلاس والفوضى"، مشيرا إلى "أن الحوار مع الحكومة مستمر من أجل حسن إدارة الأزمة الراهنة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من خلال العمل على تحسين الأوضاع المهنية للشغالين ومحاصرة الاقتصاد الموازي ومسالك التهريب وضمان مناخ اجتماعي سليم". وشدد على أهمية الحوار مع الشباب "لصياغة رؤية لتونس المستقبل"، لافتاً إلى "أن لجان الشباب في الاتحاد العام التونسي للشغل منخرطة في هذا الحوار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاتحاد أسهم في بناء الدولة الوطنية
من جهته، يؤكد أستاذ التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد، في تصريح خاص، أن "دور الاتحاد لا يمكن أن ينحصر في الجانب الاجتماعي والنقابي فقط، بل يشمل السياسي والوطني أيضاً، لأن أساس شرعية الاتحاد مستمدة من ثنائية السياسي والوطني، والاجتماعي النقابي"، ويعتبر أن "فرحات حشاد لم يكن زعيماً نقابياً فقط، بل كان أيضاً زعيماً وطنياً ملتحماً مع قيادة حزب الدستور الجديد وقتها".
ويضيف أستاذ التاريخ السياسي المعاصر، "أن الاتحاد العام التونسي للشغل أسهم في بناء الدولة الوطنية مع القيادات السياسية آنذاك، ويبقى دوره محورياً، وعليه أن يكون في الفترة الراهنة بوصلة من خلالها يمكن خلق نوع من التوازن داخل الساحة السياسية بالنظر إلى أننا نعيش اليوم انخراطاً حقيقياً في المشهد السياسي". وخلص إلى أن "آليات خلق هذا التوازن غير واضحة الآن، فالبلاد في حالة ترقب"، معرباً عن "أمله في أن يبدي كل طرف مزيداً من الليونة من أجل المصلحة الوطنية".
15 قيادياً في النهضة يجمدون عضويتهم في الشورى
بالتوازي مع ذلك، أعلن 15 قيادياً في حركة النهضة تجميد عضوياتهم في مجلس شورى الحركة، ولجان مؤتمرها، مطالبين رئيس الحركة راشد الغنوشي وعلي العريض ونور الدين البحيري بالتعهد بعدم الترشح خلال المؤتمر المقبل.
وجاء في بيان الخمسة عشر قيادياً، أن "الإصلاح الداخلي الذي نادى به المؤتمر العاشر للحركة، ووعد به رئيس الحركة راشد الغنوشي، ظل حبراً على ورق وشعاراً للاستهلاك والتنفيس وتجاوز بعض المطبات لا أكثر". كما اعتبروا أن "مؤسسة مجلس الشورى فقدت وظيفتها الرقابية واستقلالية قرارها، وتحولت إلى ما يشبه لجنة وظيفية ملحقة بالمكتب التنفيذي".
النهضة في مواجهة تحديات داخلية وخارجية
يقول الصحافي والنائب السابق في البرلمان التونسي هشام الحاجي، إن "حركة النهضة تواجه اليوم تحديات داخلية من استقالات ودعوات لإبعاد راشد الغنوشي والمقربين منه، من الحركة، وتحديات خارجية لجمت طموحها السياسي". يضيف أن "حركة النهضة تعودت أن تخوض معاركها السياسية متماسكة، إلا أن تعدد الاستقالات وتلويح القيادات المستقيلة حديثاً بإعلان حزب سياسي جديد، سيؤثر في وزن الحزب سياسياً وانتخابياً".
ويعتبر النائب السابق أن "استقالة عدد من أعضاء مجلس شورى حركة النهضة تمثل رسالة قوية لراشد الغنوشي مفادها وجود تيار داخل الحركة له تحفظات حول كيفية إدارته للأزمة وللمرحلة السابقة"، ويطالب هذا التيار "بنقد ذاتي وبالتداول على رأس الحركة، إلا أن راشد الغنوشي يعتبر أن الوضع ليس مناسباً للقيام بعملية نقد ذاتي أو مراجعات، وأن ذلك موكول للمؤتمر المقبل للحركة". وقلل الحاجي من أهمية تجميد عضوية القيادات، معتبراً أن "راشد الغنوشي يسيطر إلى الآن على أهم مؤسسات النهضة".
"النهضة" قادرة على استيعاب الضغوط
في المقابل، أكد المسؤول عن الإعلام في حركة النهضة، عبد الفتاح التاغوتي، في تصريح صحافي أن "تجميد عدد من القيادات لعضويتهم في مجلس شورى حركة النهضة يحدث في كل الحركات والأحزاب"، مضيفاً، "أن الحركة في حاجة اليوم إلى هذا التقييم الجاد وإلى مراجعات وبرامج وخطاب جديد، وضخ دماء جديدة في الحركة".
وشدد على أن الحركة تعودت على هذه الخلافات وعلى "عكس أحزاب أخرى تؤدي مثل هذه المواقف بداخلها إلى انقسامات فإن الحركة قادرة على استيعاب مثل هذه الضغوط"، مشيراً إلى أن "المؤتمر المقبل للحركة سيكون مفصلياً ومحدداً للحركة وحاسماً في عدد من القضايا بعد تجربة الحكم والاستفادة مما حدث في تونس بشكل عام".