ما يقرب من مليوني عامل في أكبر اقتصاد بأوروبا مهيأون لزيادة كبيرة في الأجور، في ظل اتجاه الحكومة الألمانية لمواجهة التضخم التي تلوح في الأفق، وبدأت بالفعل في غالبية دول العالم وعلى رأسها الاقتصادات المتقدمة، ووافقت ثلاثة أحزاب سياسية على تشكيل حكومة جديدة يوم الأربعاء، إذ من المقرر أن يخلف أولاف شولتز، الديمقراطي الاشتراكي ذو الميول اليسارية، أنغيلا ميركل في منصب المستشارة بعد مفاوضات ائتلافية مطولة.
وكجزء من اتفاقية الائتلاف، تخطط الدولة لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 12 يورو (13.46 دولار) في الساعة، من المعدل الحالي البالغ 9.60 يورو (10.77 دولار) في الساعة. ويمكن لهذه الخطوة أن تعزز دخل ما يقرب من مليوني شخص في ألمانيا يتقاضون الحد الأدنى من الأجور، أو نحو خمسة في المئة من العمال.
خطوة لتعزيز النمو الإجمالي للأجور
يرى كارستن برزيسكي، رئيس قسم الأبحاث الكلية في بنك "آي أن جي"، "إن هذه الخطوة مهمة بشكل واضح. فقد تم تحديد الحد الأدنى للأجور بالفعل للارتفاع إلى 10.45 يورو (11.72 دولار) حتى يوليو (تموز) 2022". ولم يذكر نص اتفاق التحالف متى ستدخل الزيادة الأكبر لمرة واحدة حيز التنفيذ.
وقال المحلل الاقتصادي في "يو بي إس"، فيليكس هوفنر، "يجب أن تتعزز الخطوة بنمو الأجور الإجمالي عبر الاقتصاد الألماني"، بينما حذر من أنها قد "تسهم في ضغوط الأجور الأوسع".
واتخذ البنك المركزي الألماني المتشدد خطوة غير عادية بانتقاد الإجراء علناً هذا الأسبوع، واصفاً الوضع الحالي بأنه "مقلق". وقال "هوفنر"، "إنه سيكون لها تأثير غير مباشر في أجور أصحاب الدخول الأعلى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الوقت نفسه، يراقب الاقتصاديون وصناع السياسات في جميع أنحاء العالم من كثب ارتفاع الأجور كعنصر رئيس بالتضخم في ألمانيا، فقد بلغ معدله خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي نحو 4.5 في المئة، وهو أعلى مقياس منذ ما يقرب من ثلاثة عقود مع ارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع تكلفة الغذاء.
كيف تتحرك الأجور في ألمانيا؟
وفيما قدمت ألمانيا للمرة الأولى حداً أدنى للأجور يبلغ 8.50 يورو (9.54 دولار) في عام 2015، فقد نما دعمه في أوروبا مع تراجع قوة النقابات العمالية. تقول المفوضية الأوروبية "إن هناك انخفاضاً في نسبة عمال الاتحاد الأوروبي المشمولين باتفاقات المفاوضة الجماعية بين عامي 2000 و2015، مع انخفاضات قوية بشكل خاص وسط وشرق أوروبا". وتهدف مسودة قانون الاتحاد الأوروبي الجديدة التي تم الإعلان عنها في وقت سابق من هذا الشهر إلى تعزيز الحد الأدنى للأجور عبر الكتلة بمتطلبات جديدة.
وقالت عضو البرلمان الأوروبي، أغنيس جونجيريوس، التي رعت الإجراء، في بيان، "خلال الأزمة السابقة، كان خفض الحد الأدنى للأجور وتفكيك المفاوضة الجماعية القطاعية العلاج القاسي الموصوف للعديد من الدول الأعضاء. الآن نحن نكافح من أجل زيادة الحد الأدنى القانوني للأجور وتعزيز المفاوضة الجماعية في أوروبا". ويعد الحد الأدنى للأجور في ألمانيا بالفعل من بين أعلى المعدلات في الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التضخم عند أعلى مستوى في 3 عقود
ووفقاً للقياس بالمؤشر المنسق للأسعار الاستهلاكية، ارتفع التضخم في ألمانيا 4.6 في المئة في أكتوبر مقارنة بالعام السابق، وهو أعلى مستوى له منذ ما بعد وقت قصير من إعادة توحيد البلاد قبل ثلاثة عقود. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يتجاوز خمسة في المئة بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتعد الأسعار المتصاعدة موضوعاً حساساً في بلد لا يزال نهج الناس فيه تجاه المال يخيم عليه شبح التضخم المفرط في عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي، الذي قضى على معظم مدخرات الألمان.
وتبرز هذه القضية في جدول أعمال الحكومة المقبلة، التي لا تزال قيد التشكيل بعد انتخابات سبتمبر (أيلول) الماضي، وسط انتقادات لسياسات البنك المركزي الأوروبي النقدية المتساهلة للغاية. ويرى رئيس قسم الأبحاث الكلية في بنك "آي أن جي"، "أن ألمانيا بلد المدخرين. والجدل حول التضخم مرتبط بالنقاش حول شعور الناس بأنهم يتعرضون للسرقة بسبب أسعار الفائدة السلبية. بعض أجزاء البلاد تشك في أن المركزي الأوروبي يريد فقط حماية بلدان جنوب أوروبا المثقلة بالديون وليس البحث عن مصالحها".
على الحكومة أن تتصرف لمواجهة التضخم
وتشير البيانات إلى أن الأسعار ترتفع بشكل أسرع أيضاً حتى في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت 6.3 في المئة خلال أكتوبر مقارنة بالشهر نفسه في العام الماضي، وهي أكبر قفزة في ثلاثة عقود. فبمجرد بدء تطعيم الناس ضد "كوفيد-19" ورفع حالات الإغلاق، انتعش النشاط الاستهلاكي والتجاري وكافحت إمدادات كثير من السلع، من أشباه الموصلات إلى الغاز الطبيعي، لمواكبة الطلب، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. ويشكل انتعاش أسعار الطاقة عاملاً رئيساً وراء ارتفاع التضخم.
لكن اختناقات الإمداد العالمي تعني أيضاً عدم وجود أجزاء كافية، مثل أشباه الموصلات، لإنتاج جميع السلع التي يرغب الناس في شرائها. وأدى هذا إلى ارتفاع أسعار المنتجين في المصانع الألمانية 18.4 في المئة خلال العام المنتهي في أكتوبر وهو أعلى ارتفاع له منذ عام 1951.
وإذا ظل التضخم مرتفعاً سيشتد الجدل السياسي الألماني على الأرجح، حيث حذر فولكر ويلاند، وهو أستاذ في جامعة جوته في فرانكفورت ومستشار للحكومة، وقال، "إذا مررنا بعام آخر من التضخم خمسة في المئة، فسيصبح بالتأكيد موضوع جدل على الساحة السياسية، وسيكون من الصعب على الحكومة عدم التصرف واتخاذ موقف حاسم بشأن موجة التضخم وارتفاعات الأسعار".