تضاربت التفسيرات بخصوص عدم مشاركة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في مؤتمر باريس حول ليبيا، وبين من يرى الخطوة كتعبير عن غضب، ومن يشير إلى ضعف أهمية اللقاء، يبقى التنافس على اقتسام كعكة إعادة الإعمار والبحث عن الاستقرار أبرز ما يميز مشهد ما قبل استحقاق 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
تأويلات
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي توليه الجزائر إلى الوضع في الجارة الشرقية ليبيا من أجل استعادة استقرارها وأمنها، فإن تخفيض تمثيلها الدبلوماسي في مؤتمر باريس، من الرئيس تبون إلى وزير الخارجية رمطان لعمامرة، فتح أبواب التأويلات على مصراعيها، غير أنه بالعودة إلى الأحداث التي سبقت الموعد يتبين أن الجزائر لم تعتبر المؤتمر مهماً، ثم إنه ليس مناسبة لطي الخلاف مع فرنسا التي تسببت تصريحات رئيسها إيمانويل ماكرون في توتر يبدو أن نهايته ليست بالغد القريب.
غياب رؤساء دول
يقول أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية، مبروك كاهي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، "الشيء الملاحظ في مؤتمر باريس أنه لم يغب تبون فقط، بل غاب رؤساء كل من الولايات المتحدة وتركيا وروسيا، وكذلك رئيس الوزراء البريطاني، ولم يرسل ممثلاً عنه، ما يعني أن مؤتمر باريس غير مهم باعتبار أن الأمور حسمت نهائياً في مؤتمر برلين 1 و2". وقال إن حضور الرئيس تبون حتى من دون الخلافات والتشنج اللذين تمر بهما العلاقات بين الجزائر وفرنسا لم يكن ليضفي أي شيء، موضحاً أن الجزائر تعاملت مع الوضع كما تعاملت الدول الفاعلة، وأكدت أن موقفها من الأزمة الليبية مستقل، وليس تابعاً لفرنسا أو أي جهة أخرى.
وتابع كاهي، أن بلاده تعاملت بحكمة مع الوضع، فهي "تجنبت أن يبقى مقعدها فارغاً ولم تترك الليبيين كما حاولت جهات الترويج، بل التزمت بتعهداتها بمرافقتهم إلى ما بعد الانتخابات، مشيراً إلى أن حضور لعمامرة هو رسالة اطمئنان لليبيين قبل كل شيء بأن الجزائر إلى جانبهم، خصوصاً في ظل حروب افتكاك عقود الإعمار، وقضية إخراج المرتزقة، وشدد على أنه يجب وضع مؤتمر باريس في حجمه الحقيقي، وهل كان حضور تبون ضرورياً أم لا"، مضيفاً: "الحقيقة أن باريس فشلت في إقناع الشركاء الدوليين بالمؤتمر"، وقد وسعت دائرة المشاركة إلى دول لا علاقة لها بالملف الليبي في محاولة لتجاوز الحرج الذي وقعت فيه.
"ترميم صورة فرنسا"
في السياق نفسه، تعتبر أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عابر نجوى، أن مؤتمر باريس "لا يخرج عن رغبة فرنسا في ترميم صورتها كفاعل مؤثر على الساحة الدولية، وهي الرغبة التي لاقت شيئاً من المجاراة السياسية الأميركية كنوع من تلطيف الأجواء بعد التوتر الحاصل نتيجة صفقة "إيكوس" التي تراجعت فيها أستراليا عن اقتناء الغواصات الفرنسية في مقابل فوز الولايات المتحدة بالصفقة الكبيرة، ما أظهر حضور نائبة الرئيس الأميركي كرأب للصدع بعيداً عن تعقيدات الملف الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتواصل نجوى، أن "الصراع بين فرنسا وعدة أطراف فاعلة في ليبيا على غرار تركيا التي غاب رئيسها، وإيطاليا وروسيا، يبقى أحد أهم العوائق التي جعلت مؤتمر باريس مجرد دعاية". وقالت "إنه يمكن إرجاع تخفيض الجزائر مستوى التمثيل لحالة التوتر التي ما زالت غالبة على مشهد العلاقات الثنائية مع فرنسا، كما أن مؤتمر باريس عُقد خدمةً لفرنسا بعيداً عن إنجاح العملية السياسية في ليبيا التي ما زالت تشهد الكثير من التعقيدات على خلفية التدخلات الأجنبية".
"انقلاب" الجزائر على الليبيين
وكانت مشاركة لعمامرة بمستوى الاهتمام الذي توليه بلاده للأزمة التي تعيشها ليبيا، في رسالة موجهة إلى عدة أطراف حاولت ربط عدم حضور الرئيس تبون بـ"انقلاب" الجزائر على مساعدة الليبيين، إذ أجرى وزير الخارجية جلسات عمل ولقاءات مع عدد من ممثلي الدول، على هامش مشاركته في المؤتمر، لترسيخ الالتزام المشترك بمرافقة ومساعدة الليبيين نحو استعادة الاستقرار وبعث التنمية بالبلاد، واسترجاع ليبيا مكانتها الطبيعية على الصعيدين القاري والدولي.
ودان لعمامرة، في كلمته خلال المؤتمر، "تواصل التدخلات الأجنبية عبر جميع أشكالها في الشؤون الداخلية لهذا البلد الشقيق، وتورط عدد من الأطراف الخارجية في خرق حظر توريد الأسلحة، على الرغم من التزامها بمخرجات مؤتمر برلين وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة". وأكد ضرورة احترام الموعد الليبي - الليبي بامتياز، والذي ينتظر منه أن يكرس إرادة وسيادة الشعب الليبي بجميع أطيافه ومختلف مكوناته في اختيار قادته وممثليه وتحديد مستقبل بلاده من دون أي ضغوط أو إملاءات، داعياً إلى تضافر جهود المجتمع الدولي لتمكين دولة ليبيا من تخطي الصعوبات الراهنة بالاعتماد على سواعد وقدرات أبنائها. وختم: "ستبقى بلادي تُرافع من أجل وحدة وسيادة ليبيا في كل المحافل الدولية".
مؤتمر باريس مهم
بالمقابل، يبين الناشط السياسي الليبي، عبدالحميد القطروني، أن موقف الجزائر ثابت، وهو في مصلحة استقرار ليبيا، أما في ما يتعلق بعدم مشاركة تبون في مؤتمر باريس، فإنه يرجع إلى الأزمة القائمة بين الجزائر وفرنسا، لكن حضور وزير الخارجية لعمامرة كان كافياً، وسعى إلى التوافق بين الأطراف في ليبيا، كما أنه عبر عن استعداد بلاده لإرسال مراقبين من أجل مرافقة الانتخابات المنتظرة نهاية العام الحالي، وعليه فإن دور الجزائر لا يزال مطلوباً بقوة.
ويرفض القطروني اعتبار عدم مشاركة الرئيس تبون ترجع لعدم أهمية المؤتمر، وقال إن من مصلحة الجزائر أن تكون ليبيا مستقرة تحكمها الشرعية الدستورية، مشدداً على أن أهمية مؤتمر باريس حول ليبيا تكمن في التأكيد الجاد على إجراء الانتخابات في الموعد المحدد في 24 ديسمبر المقبل.