Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحرك العربي بين لبنان والسعودية يصطدم بالخلاف والعجز في الداخل

تشبث "حزب الله" بقرداحي يرمز إلى التمسك بنفوذ إيران الذي يتعرض للتآكل والتعثر إقليمياً

كان الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي واضحاً خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية، التي جرت تحت عنوان استكشاف إمكان لعب دور من قبل الجامعة في معالجة الأزمة اللبنانية - السعودية والخليجية.
وأصر زكي على أن البداية التي تسمح بفتح حوار بين بيروت والرياض وسائر الدول الخليجية هي استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، معترفاً بأنه "كان يمكن لهذه الأزمة ألا تكون، وكان يمكن من البداية احتواؤها، أما الآن فحصلت تطورات وتصريحات، وأخذت الأزمة منحى آخر"، مشيراً بذلك إلى رفض "حزب الله" وتيار "المردة" استقالة قرداحي.
حدد زكي "نقطة البداية من هنا (أي الاستقالة)، فنتجاوز هذه الأزمة من أجل حوار أكثر عمقاً وجدية في مسار العلاقة اللبنانية - الخليجية بشكل عام".
أما "المنحى الآخر" الذي لمح إليه الأمين العام المساعد للجامعة، فهو تحدي الحزب توجهات أكثرية القوى السياسية اللبنانية والحكومة التي يترأسها نجيب ميقاتي، بالحؤول من دون استقالة وزير الإعلام، مستنداً إلى انسجام حلفائه معه في سياسته الهادفة إلى تثبيت نفوذه، والتأكيد على أن الكلمة الأخيرة له، بصرف النظر عن الآثار السلبية لذلك على اللبنانيين في الداخل والخارج، لا سيما في دول الخليج.

ميثاق الجامعة يحتم التضامن

حديث السفير زكي عن "الحوار الصريح" مع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون الذي ألحقه بالإشارة إلى أن "العلاقات بين الدول العربية لها أسس وهناك ميثاق جامعة الدول العربية والجميع ملتزم به"، فهمته أوساط مراقبة في بيروت بأنه بحث مع عون تدخلات "حزب الله" في المنطقة ومشاركته في حرب اليمن، ودعمه الحوثيين في الهجمات التي ينفذونها ضد السعودية، كما أن تذكيره بالميثاق لا يعني سوى أنه يحتم التضامن مع المملكة ضد هذه الاعتداءات بدلاً من إدارة الظهر لها من قبل السلطة الحاكمة.
وإذ تقتضي الأصول الدبلوماسية قول الأمور مواربة وتجنب الظهور بمظهر المتدخل في شأن سيادي مثل تنحي وزير ارتكب خطأً، أجاب زكي عن سؤال حول استقالة قرداحي بالقول إن "الجميع يعلم أن هذا الأمر كان يمكن أن يحل الموضوع منذ البداية، ونأمل بأن يجد الجميع لديه الحس الوطني الكافي ليتعامل مع هذه الأزمة بما يليق بها من أهمية".
بهذا المعنى كانت زيارة وفد الجامعة العربية إلى بيروت بهدف نقل نصيحة إلى المسؤولين اللبنانيين بقوله، "الأغلبية تعرف الطريق إلى حل الأزمة، لكن لم يبدأ أحد بهذا الطريق ولم يتقدم أحد فيه".
أما وساطة الجامعة بين لبنان والسعودية فهي مرهونة بحسب قول زكي، حين سُئل إذا كان سيزور الرياض، بأن "نشعر أن هناك حلحلة في الأزمة حتى يمكن أن نأخذها إلى مرحلة مقبلة".

"الثقب في الباب" وحرب اليمن

وعلى الرغم من إدراكه سلفاً بأن المسؤولين اللبنانيين يعجزون عن ثني "حزب الله" عن تمسكه ببقاء قرداحي، فإن زكي حاول أن يُبقي على خيط أمل باستعانته بعبارة أطلقها رئيس الحكومة ميقاتي بأن هناك "ثقباً في الباب نحاول أن نمر منه"، فميقاتي ذهب أبعد من الرئيس عون في إبداء الحرص أمام الموفد العربي على "أفضل العلاقات مع الدول العربية، لا سيما السعودية ودول الخليج"، فجدد "إلتزام لبنان بكل قرارات جامعة الدول العربية تجاه الأزمة اليمنية المنطلقة من قرار مجلس الأمن الدولي والمبادرة الخليجية ومبدأ الحوار بين الأطراف المعنية".

واعتبر المراقبون أن ميقاتي تناول لب الموضوع الذي يهم الجانب السعودي ودول الخليج، لأن موقفها السلبي من لبنان يعود بشكل رئيس إلى عدم قيام السلطة اللبنانية بأي عمل لوقف مشاركة "حزب الله" في حرب اليمن وتوجيه قياديين منه للحوثيين في عملية منع الحل السياسي، واستخدام خبراته لقصف أراضي المملكة ومنشآتها، بدليل مقتل أحد مسؤولي الحزب، وهو خبير صواريخ، خلال اليومين اللذين سبقا زيارة زكي في محيط مدينة مأرب التي يستميت الحوثيون للسيطرة عليها منذ زهاء سنة.
المخارج التي تردد أنه جرى التداول بها في محادثات الأمين العام المساعد للجامعة، ومنها إقالة قرداحي تحتاج إلى أكثرية الثلثين، وليصوّت "حزب الله" وحلفاؤه ضده، لم تلق تجاوباً من "الثنائي الشيعي"، ولا أمل بأن يُقدم قرداحي نفسه على الخطوة.

الحزب لا يأبه لأضرار تشدده على اللبنانيين

النتيجة كانت أن "الثقب في الباب" هو استقالة قرداحي، والتي إذا تمت ينتقل البحث إلى دور السلطة اللبنانية في ترجمة الأقوال إلى أفعال حتى لا يبقى "حزب الله" مختبئاً خلف التغطية اللبنانية الرسمية في استخدامه الساحة اللبنانية كمنصة لتصدير الضرر إلى المملكة، إلا أن السفير زكي كشف عما سبق له أن خبِره عن الخلاف اللبناني الداخلي بشأن تدخلات "حزب الله" الإقليمية، حين قال بوضوح إزاء استقالة قرداحي والمواضيع الأخرى العالقة مع دول الخليج، إن "البعض له آراء مختلفة عن الآراء التي نعتقد أن فيها مصلحة وطنية للبلد، ومن الوارد أن تكون هناك خلافات في وجهات النظر وحتى في الرأي العام، ولكن عندما تدرك بأن هناك تحركات مطلوبة لمصلحة الوطن، فهذا يجب أن يأخذ أسبقية على كل شيء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع إدراك جميع المعنيين بمعالجة الانهيار في العلاقات اللبنانية - الخليجية، بأن استقالة قرداحي مجرد خطوة رمزية تختبر مدى استعداد السلطات اللبنانية للكف عن تغطية سلوك "حزب الله" العدائي تجاه السعودية وسائر دول الخليج، فإن خصوم الحزب يعتقدون أن الأخير لا يأبه لأضرار ذلك الانهيار على وضع اللبنانيين المأزوم جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشونها منذ أكثر من سنتين.

ما سيلي استقالة قرداحي

وشاءت الصدفة أن يأتي تحرك الجامعة العربية غداة إعلان دولة الكويت اكتشاف خلية تقوم بجمع المال لمصلحة "حزب الله" وتوقيف بعض أعضائها، فالحزب ليس في وارد مراجعة سلوكه حيال دول الخليج، في ظروف خضوع أدوات إيران لضغوط فاعلة من المجتمع الدولي ومن التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن، نجحت حتى الآن في منع خطة طهران لاحتلال مدينة مأرب التي تعتبرها مكسباً حيوياً لها، فالمدينة ما زالت في عهدة الشرعية اليمنية وتتمتع بموقع استراتيجي، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضاً على صعيد تمكين الحوثيين من الحصول على موارد مالية منها كونها مدينة نفطية وتجارية مهمة اقتصادياً.

وتجهد طهران لسيطرة الحوثيين عليها لأنها تساعد في إدامة صمودهم في وقت تعاني إيران داخلياً من شح في السيولة الداعمة لتلك الميليشيات الموالية لها، وتأمل بالاستحواذ عليها قبل استئناف مفاوضات فيينا حول العودة لالتزام بالاتفاق النووي، والتي يصر الأميركيون وسائر الدول العربية والغربية على أن تشمل وضع حد لتدخلاتها في نزاعات وحروب الإقليم.
وفي اعتقاد خصوم الحزب في لبنان أن تشبث الحزب ببقاء قرداحي يعود إلى إدراكه بأنه سيلي ذلك طرح الجانب السعودي وجوب أخذ السلطة اللبنانية موقفاً واضحاً حيال انخراطه في حرب اليمن، مما يعني أن قضية قرداحي هي خط الدفاع الأول عن سياسات الحزب الإقليمية، وهذا ما يفسر اشتراط الحزب وقرداحي التأكد من أن السعودية ودول الخليج ستعتبر الأزمة منتهية إذا استقال.
من اليمن إلى الكويت والعراق وسوريا
ويضيف خصوم الحزب أن إيران تعتبر أن نفوذها في لبنان هو الموقع الأقوى في الدفاع عن طموحاتها بالتسليم بنفوذها الإقليمي، في ظل الاندفاعة الدولية والعربية من أجل تثبيت هذا النفوذ الذي يتعرض للتآكل في العراق، بدليل ما تشهده بلاد الرافدين من تناقص شعبية "الحشد الشعبي" والفصائل العراقية "الولائية" التي اضطرت بعد خسارتها الكتلة النيابية الوازنة بنتيجة الانتخابات المبكرة إلى التكشير عن أنيابها في التظاهرات المعترضة على النتائج، وصولاً إلى اتهام بعض هذه الفصائل بالمحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مع الإشارة إلى أن التحقيقات فيها أثبتت أن الصواريخ التي استهدفت منزل الكاظمي إيرانية الصنع، وأن المناطق التي أطلقت منها الطائرات المسيّرة التي حملت تلك الصواريخ أُطلقت من منطقة سبق أن كانت قاعدة لإطلاق الصواريخ على مقر السفارة الأميركية في بغداد قبل أسابيع، أي أن دور طهران والحرس الثوري الإيراني المناهض لانفتاح الكاظمي على الدول العربية، وسعيه إلى إخراج مركز القرار في بغداد من أحادية النفوذ الإيراني، كما كان في عهد أسلافه، أخذ ينكشف ويسبب أضراراً لنفوذها هناك.

ويلاحظ الذين يربطون بين تشدد الحزب في لبنان وبين تعرض نفوذ أوراق طهران الإقليمية لضغوط شديدة، أنه فور الإعلان عن نجاة الكاظمي، كيف أن المعلقين على الحدث في بيروت شبهوا تلك المحاولة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري عام 2005، والذي دانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أحد مسؤولي الحزب بأنه هو من نفذه.

ولا يغفل خصوم الحزب أن يذكروا بمواصلة إسرائيل قصفها لمواقع "الحرس الثوري" و"حزب الله" في سوريا في شكل شبه يومي للحؤول من دون توسع نفوذه وقدرته على تخزين الأسلحة والصواريخ، وذلك بإجازة روسية كاملة، بهدف تقليص رقعة التمدد الإيراني الواسعة في بلاد الشام، والتي أخذت تزيد من حساسية القيادة في موسكو، الساعية إلى إحراز تقدم في الحلول السياسية للحرب. 

لكل هذه الخلفيات في قراءة المشهد الإقليمي الذي يحيط بسبل معالجة أزمة العلاقات اللبنانية - الخليجية، يبدو صعباً توقع انفراجة قريبة، طالما يوظف "حزب الله" موقفه المعادي للسعودية في الرغبة بإثبات سطوة المحور الذي ينتمي إليه على القرار اللبناني، في إطار تمسك طهران بدورها في عدد من الدول التي لها قاعدة تأثير معاكسة للمنظومة العربية، وعليه فإن الحزب يخشى إذا تنازل عن قرداحي أن يستضعفه خصومه في لبنان بعد أن توسعت في الآونة الأخيرة جرأة معارضيه.

المزيد من العالم العربي