Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية تتجاوز قرداحي وخارجية لبنان تطلب الحوار

قال الوزير عبدالله بو حبيب إن قضية "حزب الله" تحل بتفاهم مع إيران وإن بيروت لا تستطيع حلها بمفردها

لم يعُد الأمر بالنسبة إلى الرياض يتعلق بوزير الإعلام جورج قرداحي، على الأقل هذا ما بات عليه الأمر بعد أيام من صدور التصريحات التي اعتبرتها السعودية "عدائية" ولم يترتب عليها موقف صارم من قبل الحكومة اللبنانية.

فعلى الرغم من دعوة وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب، السعودية إلى "الحوار لحل الأزمة الراهنة"، إلا أن الرياض تجاوزت من خلال تصريحات مسؤوليها الأزمة القائمة حالياً، معتبرة ما صدر عن قرداحي يمثل واقع الحال في بيروت وبدأت بالتعامل مع الحكومة اللبنانية على أساسه.

ففي آخر ظهور إعلامي لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، قال "نحن وصلنا إلى نتيجة مفادها بأن التعامل مع لبنان بحكومته الحالية هو أمر غير مفيد ولا مجدٍ مع استمرار هيمنة حزب الله على المشهد السياسي"، مبدياً استياءه مما اعتبره تردداً مستمراً في هذه الحكومة في تحقيق إصلاحات تدفع بيروت بعيداً من نقاط التأزم، وهو ما بنت عليه الرياض موقفها الدبلوماسي بسحب سفيرها وإبعاد السفير اللبناني من الرياض.

مؤشر إلى الحالة السياسية

لكن نظيره اللبناني لديه رأي آخر، إذ يعتقد أن هناك فرصة للحوار، هذه المرة بالتحديد، بأن يصوغ حلاً "لكل المشكلات العالقة، وليس الخلاف الأخير فقط لكي لا تتكرر الأزمة ذاتها في كل مرة".

في المقابل، يقول فيصل بن فرحان إن بلاده نظرت إلى تصريحات قرداحي بشكل متعدٍّ للتصريح ذاته، والتعامل به بوصفه مؤشراً إلى الحالة اللبنانية ونخبتها السياسية، الأمر الذي جعل الرياض تعتقد أن "الانخراط معهم في هذا الوقت غير مجدٍ وليس ضمن اهتماماتنا". الأزمة التي أخذت منحىً تجاوز السعودية إلى تضامن خليجي ضد الدولة المأزومة سياسياً، تجاوزت بدورها في نظر السعوديين التصريحات الخاصة باليمن، وهو ما يبدو أن بو حبيب بات يدركه وإن لم يصرّح به.

وحمل حديث عبدالله بو حبيب لوكالة الصحافة الفرنسية حديثاً عن جوهر الأزمة التي يأمل السعوديون في إصلاحها قبل العودة والتعامل مع الحكومة اللبنانية، حين قال "لا يمكن أن يطلب أي طرف منا إزاحة حزب الله من المشهد، فكيف لنا أن نفعل ذلك وهو مكون لبناني شئنا أم أبينا؟". ويضيف "نحن نتعاطى مع حزب الله اللبناني، أما كل ما يخص حضوره في الإقليم وفي أي ساحة خارجية، فهذا يجعل القضية تتجاوز قدرة بيروت على حلّها".

ميقاتي يسعى إلى حل الأزمة

وبعد الأزمة التي تسببت بها تصريحات قرداحي، أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي عزمه "معالجة ملف العلاقة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الشقيقة وفق القواعد السليمة"، مشيرا إلى أنه لن يترك هذا الملف أبداً عرضة للسجال السياسي.

وقال ميقاتي ، في مؤتمر صحفي من السرايا الحكومي :"مخطئ من يعتبر أنه يستطيع إخراج لبنان من حضنه العربي وخصوصاً السعودية"، مشيرا إلى أن المواقف الشخصية لوزير الإعلام أدخلت لبنان في محظور المقاطعة من قبل دول الخليج.

أما حزب الله فدافع على لسان نعيم قاسم، نائب أمينه العام عن تصريحات قرداحي وأعرب عن تأييده لعلاقات طبيعية مع السعودية.

بو حبيب بين تصريحين

حديث بو حبيب كان صريحاً بطريقة مفاجئة، فبعد أن أكد عدم قدرة البلاد على احتواء نشاط "المكون اللبناني" إقليمياً، دعا إلى حلها عن طريق تفاهم القوى الإقليمية والدولية مع إيران.

وأضاف "أي تفاهم أميركي إيراني وأي اتفاق سعودي إيراني، يمكن أن يساعد على حلّ هذه القضية، لكننا وحدنا هنا لا نستطيع حلها". وأكد "نريد أفضل العلاقات مع السعودية لكن يجب أن تتعاون معنا لنجد حلولاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا الحديث الذي أدلى به بو حبيب إلى الوكالة الفرنسية، يناقض تصريحاً سابقاً بساعات أدلى به الوزير ذاته على قناة "الجديد" المحلية، نفى فيه فكرة تعدّي نفوذ الحزب على الحكومة، حين قال "حزب الله مكون قوي في لبنان لكن لا يهيمن عليه، لبنان فيه مكونات كثيرة ولا يستطيع الحزب السيطرة عليها، مثلاً في انتخابات الرئاسة حزب الله ’مشي‘ مع الجنرال عون، وبري اختار طريقاً آخر، ولم يستطِع حزب الله إقناعه بدعم مرشحه، لا يوجد تناغم كامل بين حزب الله والقوى الأخرى"، وهو ما اعتبره الوزير دليلاً على عدم صحة المزاعم بهيمنة الحزب المدعوم من إيران على لبنان.

سياسة الحزب خارج لبنان تؤثر في داخله

التسليط على هذا الارتباك في الموقف السياسي، ليس من قبل الحكومة اللبنانية بل من وزير واحد فيها، يقابله ما يشبه الإجماع في الدولة الخليجية أن التعامل مع البلد يجب أن يتم بطريقة جذرية، حل كامل أو قطيعة، لمبررات أوردها عبد الرحمن الراشد، رئيس مجلس تحرير قناتي "العربية" و"الحدث"، في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، حين قال "حوّلت إيران لبنان إلى مركز لإدارة معاركها الإقليمية والدولية، بحيث كلّفت حزب الله بمجموعة نشاطات لخدمة القوى العراقية التابعة لها، وإدارة معركة الانقلابيين الحوثيين الإعلامية من داخل الضاحية عبر قنوات مثل ’المسيرة‘. أيضاً تدير إيران منظمات حقوقية ومراكز أبحاث ضمن تسخير كل ما يمكن من كفاءات لاستخدامه، إلى جانب أن حزب الله يستخدم لبنان قاعدة للحرب في سوريا، للتدريب والتمويل والتخزين، وانفجار المرفأ جاء من مستودعاته للنيترات المستخدمة في الحرب هناك. كما جعل الحزب لبنان مزرعة كبيرة للمخدرات تصدّرها إلى ’الأسواق العدوة‘".

وعطفاً على هذا، يرى الراشد أن أمام لبنان قليل من الأمل في إصلاح العلاقات السعودية اللبنانية في ظل وجود الميليشيا، معتبراً أن هيمنتها على الحياة السياسية هي مشكلة للبنانيين بالدرجة الأولى، بناء على نتائج انعكست على حياتهم العامة على مدى أعوام هيمنته. وكتب الراشد، "انكمشت الطبقة الوسطى، ورحل المستثمرون العرب والأجانب، وهاجرت الكفاءات إلى الخليج والغرب، وانهارت الصادرات والمصارف والسياحة، وخسر أكثر من مليون إنسان مدخراتهم، وتدهورت الأوضاع والخدمات من الكهرباء إلى جمع القمامة نتيجة لفرض عقوبات دولية، وبشكل خاص عقوبات من وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين بقانون ’قيصر‘ وكذلك ’ماغنتسكي‘ وقوانين محاربة الإرهاب على الحزب ولبنان، وعطّل حزب الله فرصة لبنان في أن يصبح بلد غاز غنياً بتعطيله ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل"، كل هذا يجعل من الضروري أن يخوض اللبنانيون معركتهم في تحديد تأثير الحزب في القرار السياسي.

أما سلمان الدوسري، الصحافي السعودي ورئيس التحرير الأسبق لصحيفة "الشرق الأوسط"، فيرى أن ما اتُّخذ من إجراءات يمثل الحد الأدنى مقابل ما تلقّته السعودية، معللاً ذلك بالقول "مع تحوّل الدولة اللبنانية إلى معبر دولي رئيس للمخدرات يستهدف السعودية، وعدم تجاوب الحكومة اللبنانية مع المطالبة السعودية بوقف تصدير المخدرات من خلال الصادرات اللبنانية للمملكة، إلى تبني قيادة حزب الله استراتيجية معلنة للعداء مع السعودية، إضافة إلى دعم وتدريب وتجهيز الحوثيين"، ووصولاً إلى تصريح قرداحي الذي أكد أنه لن يتراجع عنه، كل ذلك يجعل ما اتخذته الرياض معقولاً، بالنسبة إلى الدوسري.

وما يجعل الدوسري أيضاً يعتبر الإجراءات بالحد الأدنى هو أن موقف بلاده فرّق بين السلطة والشعب، إذ شدد الموقف السعودي الرسمي على أن "اللبنانيين المقيمين في المملكة الذين نعتبرهم جزءًا من النسيج واللحمة التي تجمع بين الشعب السعودي وأشقائه العرب المقيمين، ولا نعتبر ما يصدر عن السلطات اللبنانية معبّراً عن مواقف الجالية اللبنانية المقيمة"، بحسب بيان الخارجية السعودية.

لكن سلمان الدوسري اعتبر أن هذا التقسيم لم يعُد كافياً في التعاطي مع الأزمات التي تتعرّض لها العلاقة، مضيفاً "الكرة أصبحت في مرمى القوى اللبنانية الباقية، بحسابات لا تحتمل الخطأ مجدداً. وإذا كانت الإجابة بالرد القديم المستهلك والمتهالك: ’ليس في أيدينا حيلة‘... فالطبيعي ألا يتوقعوا من الآخرين أن يدافعوا عن مصالحهم أكثر منهم".

هذه التعليقات تتماشى والموقف الرسمي للسعودية، وتبلور على ما يبدو قرار الرياض بشكل جليّ، وهي التي قررت عدم الاستمرار في علاقة تراها غير مجدية، بحسب التصريحات الرسمية، في حين لا تبدو المواقف في المقلب الآخر واضحة، فالوزير مشعل الأزمة اعتذر ثم تمسّك بتصريحه، ورئيس الحكومة يرى أن تصريح وزيره لا يمثل الكيان السياسي الرسمي، والحزب الداعم لوجود قرداحي في المجلس الوزاري يعدّه خطاً أحمر أمام مطالبات باستقالته لاحتواء الأزمة.

المزيد من العالم العربي