Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأزمات تغرق القرن الأفريقي وتطفئ شعلة الأمل

خلفت الكوارث الناشئة في إثيوبيا وإقليم تيغراي والسودان والصومال عواقب وخيمة على ملايين الأشخاص وقوضت أي تفاؤل [أمل] هش في المنطقة

جينيت ميهاري، 5 سنوات، يعالج من سوء التغذية ولكن بأدوية محدودة  في مستشفى الإحالة آيدر في ميكيلي، في منطقة تيغراي الإثيوبية (أ ب)

تقف إثيوبيا على قاب قوسين أو أدنى من اندلاع حرب أهلية شاملة. وتتضاعف حدة المواجهات بين القوات المسلحة الاستبدادية والشعب الساعي للديمقراطية في السودان، فيما يزيد زخم حركة الشباب الصومالية المتطرفة على الأرض، إذ عادت لتشكل تهديداً على الحكومة في مقديشو.

منذ أشهر قليلة فقط، استقر الوضع في منطقة القرن الأفريقي المضطربة منذ زمن، إذ دخل فترة هدوء نسبي، لكنه واعد، وحملت إشارات على تقدم اقتصادي واجتماعي وآمالاً باستقرار سياسي دائم، ولكن معظم هذه الآمال قد تبدَّد [انفرط عقدها] الآن، ويبدو أن هذه المنطقة التي ارتبطت منذ فترة بعيدة بالعنف والنزوح والتطرف بلغت شفير الكارثة ومزيداً من الانهيار [الدمار] الاقتصادي.

أما أسباب الكارثة الحاصلة [والتي تكُرّ سبحتها] فمتعددة، فيما التبعات التي قد تخلفها وخيمة.

وعلى الرغم من عدم ارتباط هذه الصراعات مباشرة بعضها ببعض، فالعوامل التي تحفزها مشتركة، ومن بينها الضرر المستمر لجائحة فيروس كورونا التي فاقمت الاستقطاب السياسي، وضاعفت اليأس الاقتصادي في المنطقة. ويتكلم الخبراء في شؤون أفريقيا أيضاً عن إعادة ترتيب الفضاء الجيوسياسي، بعد رفع الولايات المتحدة وأوروبا يدهما [ووقف تدخلهما] عن القارة مع تحول القرن الأفريقي إلى ميدان معارك تتناحر فيه الجهات الإقليمية الناشئة المتخاصمة.

ويقول رافايللو بانتوتشي، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة "لديك بيئة [منطقة] ما عاد العالم يعمل جاهداً على إدارة الوضع فيها وحل مشاكلها، وقد تركها تتخبط لمصيرها. ولديك كذلك قوى خارجية مثل تركيا وروسيا دخلت [إلى المشهد]، وأصبحت تلعب دوراً فيه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشهد إثيوبيا أشد الأزمات إلحاحاً وعجلةً، حيث تستعد حكومة آبي أحمد لصد هجوم من متمردي إقليم تيغراي الشمالي، وحليفهم جيش تحرير أورومو. وهدفهم هو الوصول إلى العاصمة أديس أبابا التي تمتد على مساحة تقطنها 5 ملايين نسمة، وتعد إحدى أهم المدن الأفريقية. وتحتضن أديس أبابا المقر الرئيس للاتحاد الأفريقي، كما فيها مركز نقل رئيس للقارة وموقع عدة منظمات دولية.

ويقول كاميرون هدسون، المحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية، المعني بالشأن الأفريقي، الذي يشغل الآن منصب كبير الباحثين في مركز أبحاث "المجلس الأطلسي" Atlantic Council في واشنطن، "جل ما تأمله كثيراً الولايات المتحدة وغيرها هو عدم وصول الاشتباكات إلى أديس أبابا لأن العواقب ستكون كارثية على البلاد والمنطقة وما وراءها [المناطق الأبعد]. فلا يمكن تصور مشهد اندلاع حرب شوارع هناك".

هذا الأسبوع، أعلن السيد آبي حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر، ودعا المواطنين إلى حماية العاصمة. وتتهم قواته المسلحة بقتل عشرات الأشخاص في غارات استهدفت شمال البلاد، وهي آخر حلقة في سلسلة من الفظائع التي ارتكبها الجيش ومجموعات المتمردين على حد سواء، ووثقها تقرير للأمم المتحدة.

يوم الجمعة، أفادت "رويترز" بأن تسع مجموعات مناهضة لآبي كانت على وشك إعلان قيام تحالف بينها.

واجتذبت الأزمة الإثيوبية التي بدأت منذ عام حين شن السيد آبي هجوماً كان من المفترض به أن ينتهي سريعاً على متمردي إقليم تيغراي، إريتريا التي تولي دعمها لحكومة أديس أبابا.

 

وحذرت الأمم المتحدة منذ وقت قريب من اندلاع "أزمة إنسانية هائلة" في إثيوبيا، حيث يواجه أكثر من 400 ألف شخص أوضاعاً أشبه بالمجاعة.

ويتزامن هذا الوضع مع انقلاب كبير في السودان، حيث وضعت القوات المسلحة أغلب شخصيات القيادة المدنية تحت الإقامة الجبرية فهددت الازدهار الديمقراطي الذي لقي ترحيباً واحتفاءً كبيراً بعد ثورة عام 2019.

وتجري مباحثات بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة من جهة، وقائد الجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان من جهة أخرى، بهدف إعادة تنصيب الحكومة الانتقالية، ولكن في الوقت الحالي، ما زال رئيس الوزراء المخلوع عبدالله حمدوك قيد الإقامة الجبرية على الرغم من تأكيد الجيش الإفراج عنه.

وإن توغلنا أكثر باتجاه الشرق، نجد تنظيم "حركة الشباب" المسلحة سيئة السمعة المرتبطة بـ"القاعدة" التي تهدد حكومة الصومال منذ سنوات، وقد ازدادت جرأةً وزخماً فوضعت يدها على عدة مناطق كانت واقعة سابقاً تحت سيطرة السلطات.

في السودان، كما في إثيوبيا، أدت التغييرات السياسية الضخمة خلال السنوات القليلة الماضية إلى حلول فترات انتقالية هشة تطلبت مهارات قيادية دقيقة. خلع عمر البشير، الذي حكم السودان فترة طويلة جداً - ويزعم بأنه مجرم حرب - في عام 2019 بانقلاب وقع في أعقاب انتفاضة شعبية. وفي إثيوبيا، أسقطت موجة شعبية نظاماً ديكتاتورياً ظل متجذراً فترة طويلة وأوصلت السيد آبي إلى سدة الحكم في عام 2018.

ولكن لا السيد آبي ولا مجموعة الجنرالات الذين يمسكون بالسلطة النهائية في السودان أظهروا اهتماماً كبيراً في تأسيس وإرساء بيئة سياسية تجمع جميع الأطياف [شاملة وغير إقصائية].

ويقول محلل الشأن الأفريقي في "تشاتام هاوس"، أحمد سليمان، "شهد البلدان تحولاً من حكم إلى أخرى. وقد ظهرت حقبات [أنظمة] سياسية جديدة. ولدينا فترات انتقالية بالغة الهشاشة في البلدين".

يصف السيد هدسون الذي تقاعد من وكالة الاستخبارات المركزية في عام 2012، أزمة القرن الأفريقي على أنها ردة فعل متأخرة على تخلي الولايات المتحدة عن أفريقيا في ظل حكم الرئيس ترمب الذي أعطت تصرفاته الضوء الأخضر للشخصيات الديكتاتورية المحتملة والقوى الإقليمية لكي تحاول ملء الفراغ، ومنها روسيا وتركيا مصر.

ويشرح بأن "الولايات المتحدة قضت السنوات الأربع أو الخمس الأخيرة في إرسال إشارات على انسحابنا من المنطقة ووضعنا أميركا أولاً. شكك ترمب في فائدة وجود القوات الأميركية في القارة. وظل يتكلم باستخفاف عن قيمة الانخراط الدبلوماسي فيها. لم يزر أفريقيا. وخلق تراجع النفوذ والتفاعل وسحب الوجود الأميركي فراغاً في السلطة وما نراه الآن هو تبعاته [آثاره]".

كما في باقي العالم، أضعف التركيز الغربي الكامل على مكافحة الإرهاب وإقامة الروابط مع القوات الأمنية وقادتها كذلك كل مسعى إلى تعزيز الحوكمة والشفافية الفعالة والشاملة.

ويقول السيد سليمان، "إن القوات التي يعمل معها الغرب في الميدان هي الجهات المستعدة للتصرف باستبداد".

سوف تصعب الصدمات الارتدادية للأزمات عودة المنطقة إلى وضع طبيعي أو أي شيء شبيه.

ارتفع الإنفاق العسكري في إثيوبيا ارتفاعاً جنونياً فيما يستمر الاستثمار الأجنبي المباشر بالانهيار على الرغم من الإشارات الإيجابية التي ظهرت قبل اندلاع الصراع الحالي. وسوف تكلف إعادة الإعمار مبالغ طائلة.

وفي هذه الأثناء، علقت حزمات المساعدات الاقتصادية الدولية إلى السودان، حيث كانت [مساعي] القيادة المدنية التي أصبحت إلى حد كبير قيد الاحتجاز، تتقدم تترك أثراً كبيراً في أوساط الجهات المقرضة والمجتمع الدولي.

كما أحبطت محاولات الصومال في ترخيص الصفقات النفطية [منح رخص استخراج النفط] والحصول على مساعدات إضافية بسبب الاضطراب السياسي والاستمرار في إرجاء الانتخابات التي كانت مقررة لوقت سابق من هذا العام.

ويرى باتريك هاينيش، الباحث في شؤون أفريقيا والشرق الأوسط في "هيلابا"، أحد أكبر المصارف التجارية الألمانية "حصل تدهور ضخم".

"وعلى الرغم من دعم المجتمع الدولي، لم تنجح هذه البلدان في تأسيس اقتصاد ثابت أو استقرار سياسي مستدام من أجل تشجيع الاستثمارات الأجنبية. وهذا مخيب للآمال".

© The Independent

المزيد من دوليات