Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يبدو قريبا من قبول "الأمر الواقع" وموسكو "تنتفض"

الناتو في طريقه إلى ضم جورجيا وأوكرانيا واحتمالات لحاق "جنوب شرقي أوكرانيا" بالقرم قائمة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ب)

وتتساقط "الخطوط الحمراء"... ويعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الأبواب وكأنما صارت مفتوحة أمام انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويتحول الإعلام الروسي إلى ما قد يبدو أقرب إلى "قبول الأمر الواقع"، من خلال الكثير من البرامج الحوارية التي تدفقت لتغطية هذه الأخبار والتعليقات على شاشات القنوات الإخبارية الرسمية. 

وذلك في توقيت يتابع العالم فيه ما يجرى من تحولات جذرية راديكالية تقول بإنجاز دوري جديد لفكرة "الثورات الملونة" التي يعقبها تشكيل حكومة أقرب إلى تبني "التوجهات الأوروبية" لتولي شؤون الدولة، والتحول بها إلى تنفيذ ما طرحته "الثورة الملونة" من شعارات تنادي بالانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي. 

وها هو وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن يقوم بزيارات "مفاجئة" لكل من جورجيا وأوكرانيا ورومانيا يصدر خلالها العديد من التصريحات التي سرعان ما أعقبتها العديد من التصريحات التي يمكن أن يكون أهمها ما أعلن عنه الرئيس فلاديمير بوتين في معرض الجلسة الختامية لمنتدى "فالداي" في سوتشي، حول أن زيارة أوستن لكييف وتصريحاته هناك "تفتح الأبواب عملياً أمام انضمام أوكرانيا إلى الناتو". وألحق بوتين تعليقه على زيارة الوزير الأميركي لأوكرانيا بتصريح آخر يقول فيه "إن ما يتردد حول أن الدستور الأوكراني يحظر إقامة القواعد الأجنبية في أراضي أوكرانيا، لا معنى له نظراً لأن مراكز التدريب التي يقيمها الناتو ليست سوى غطاء بديلاً لهذه القواعد العسكرية".

وكان وزير الدفاع الأميركي كشف خلال زيارته لكييف عن منحة لأوكرانيا تقدر بـ 60 مليون دولار لتمويل شراء أسلحة أميركية، مؤكداً أنه "لا يوجد بلد ثالث لديه حق النقض على قرارات عضوية الناتو". وأضاف الوزير الأميركي "أن أوكرانيا، وكما سمعتم أقول سابقاً، لها الحق في تقرير سياستها الخارجية المستقبلية، ونتوقع أنها ستكون قادرة على فعل ذلك من دون أي تدخل خارجي". ولعل ذلك هو ما يتوقع الكثير من المراقبين في العاصمة موسكو حدوثه في القمة المرتقبة لرؤساء البلدان أعضاء حلف الناتو في قمتهم المرتقب انعقادها في 29-30 يونيو (حزيران) من العام المقبل بحسب إعلان بيدرو سانشيز رئيس الوزراء الإسباني عقب اجتماعه الأخير مع يانس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الناتو. ومضى الوزير الأميركي ليقول "إن روسيا بدأت الصراع في شرق أوكرانيا وكانت عقبة أمام حله السلمي"، على حد قوله. وهي التصريحات التي سرعان ما تلقفها الأمين العام لحلف الناتو ليضيف إليها تصريحه حول "أن الحلف يدرس احتمالات وإمكانيات نقل التعزيزات بسرعة إلى منطقة البحر الأسود إذا لزم الأمر". 

وأضاف في مؤتمر صحافي عقده في بروكسل على هامش اجتماعات مجلس "شمال الأطلسي" على مستوى وزراء الدفاع "لقد عززنا وجودنا في منطقة البحر الأسود، بحراً وجواً وبراً، رداً على الأعمال العدوانية لروسيا". وذكر أن وزراء دفاع الحلف وافقوا يوم الخميس الماضي على "خطة شاملة للدفاع عن أراضي الناتو". ولم يكتف ستولتنبرغ بهذه التصريحات، ليضيف إليها قوله إن حلف الناتو "يعتبر منطقة البحر الأسود منطقة استراتيجية"، وأن "3 من الدول في الناتو هي دول ساحلية - تركيا ورومانيا وبلغاريا، إضافة إلى أن شريكينا، جورجيا وأوكرانيا، موجودان في المنطقة نفسها". وإذا أضفنا إلى هذه التصريحات ما خلص إليه 30 من وزراء دفاع البلدان الأعضاء، فإننا نكون أمام صورة تنذر مفرداتها بالكثير من القلق والإثارة. وكان وزراء دفاع بلدان الناتو خلصوا إلى "تقييم التقدم الذي تم إحرازه رداً على ما وصفوه بـ "التهديدات المتزايدة من جانب أنظمة الصواريخ الروسية، وسلوك روسيا المثير لعدم للاستقرار" على حد تعبيرهم.

احتمالات الحرب

وفي محاولة لإعداد الساحة الأوكرانية لاحتمالات الحرب التي سبق وأعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أنه لا يستبعدها مع روسيا، انضم غريغوري جالاغان قائد قوات العمليات الخاصة للقوات المسلحة الأوكرانية بتصريحات مماثلة قال فيها: "إنه لا يستبعد غزو روسيا ويرى أنه من الضروري إعداد جميع مناطق البلاد لذلك". وذلك ما عاد ليدعمه زيلينسكي بما وقعه في نهاية يوليو (تموز) الماضي من قانون "أسس المقاومة الوطنية"، الذي ينص على أقصى مشاركة للمواطنين في "إجراءات لضمان الأمن العسكري" من أجل "إلحاق خسائر غير مقبولة بالعدو، مما يؤدي إلى إجباره على وقف عدوانه على أوكرانيا".

ويدخل هذا القانون حيز التنفيذ في 1 يناير (كانون الثاني) 2022. ومن اللافت أن اختيار منطقتي البحر الأسود وبحر البلطيق في شمال غربي روسيا يستهدف ليس فقط النيل عسكرياً من قدرات روسيا وأمنها، بل وأيضاً شل قدراتها الاقتصادية والحيلولة دون تفعيل اثنين من أهم مسارات وعصب الاقتصاد الروسي الذي يعتمد في الكثير من جوانبه على مسارب نقل الغاز "التيار الشمالي 1،2 " في الشمال والجنوب في اتجاه تركيا وجنوب أوروبا. ومن هذا المنظور تلعب أوكرانيا دوراً شديد الأهمية بوصفها دولة ساحلية تطل على البحر الأسود الذي يظل إحدى المناطق الرئيسية للتنافس الجيواستراتيجي بين الناتو وروسيا. ومن المعروف أن البحر الأسود جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الروسي، الذي يعتمد في بعض مكوناته وكما تقول المصادر الروسية "على خط أنابيب الغاز Blue Stream الغاز الطبيعي عبر البحر الأسود إلى تركيا، وتعمل محطات النفط الرئيسية في مدينتي توابسيه ونوفوروسيسك الروسيتين كمراكز نقل رئيسية للتسليم إلى سوق البحر الأسود الأوسع. ويمر جزء كبير من الصادرات الروسية غير المتعلقة بالموارد عبر مضيق البوسفور والدردنيل. وذلك بالإضافة إلى الميناء البحري سيفاستوبول القاعدة الرئيسية لأسطول البحر الأسود، التي تكفل لموسكو ممارسة نفوذ جيوسياسي أكبر في شمال أفريقيا". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذاً نحن أمام تحول نوعي جديد يقول إن ثمة من يحاول الزج بأوكرانيا إلى أتون الحرب لتحقيق مآرب في مناطق أخرى. ومن هنا يمكن النظر إلى ما وراء الإعلان عن مناورات جديدة في منطقة البحر الأسود قد تنذر باحتمالات الحرب النووية، وهو ما حذر منه الرئيس الروسي في حديثه الأخير أمام منتدى "فالداي"، بقوله إن "الأسلحة النووية مسؤولية ضخمة تتحملها الدول العظمى، في الوقت الذي تظل فيه تحمل بين طياتها أخطار الدمار الشامل لكل العالم". 

وكان بوتين حذر أيضاً من مغبة انجرار أوكرانيا إلى مغامرة التورط في حرب قد تُفْقِدها "وضعيتها كدولة" وذلك في تلميح قد يرقى حد التصريح باحتمالات بقائها دولة مستقلة ذات سيادة على كل ما هو ضمن حدودها اليوم من أراض. وفي هذا الصدد تطرق الكثير من المراقبين الروس في معرض تعليقاتهم ومشاركاتهم في البرامج على شاشات القنوات التلفزيونية الإخبارية الرسمية إلى احتمالات رد الفعل من جانب روسيا، الذي قد يتجلى في اعتراف موسكو بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك اللتين أعلنتا عن انفصالهما من جانب واحد عن أوكرانيا في 2014. وقالت مصادر روسية إن الاعتراف المتبادل لا بد أن يتبعه توقيع العديد من اتفاقيات التعاون والشراكة الاستراتيجية ومنها العسكرية، الأمر الذي قد يقضي بإنشاء القواعد العسكرية والدفع بالأسلحة والقوات إلى أراضي هاتين الجمهوريتين "الأوكرانيتين". وذلك على غرار ما سبق وفعلت روسيا في آبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في أعقاب حربها مع جورجيا في صيف عام 2008. 

مواجهة الصين

على أن الأمر قد لا يقتصر عند هذا الحد، في الوقت الذي تظل فيه الصين تقف على مقربة، تتابع تحركات الناتو وأبعاد سياسات الولايات المتحدة التي طالما أفصحت تارة بالتلميح وأخرى بالتصريح أن الصين هي "الحلم المؤجل". في هذا الصدد نشرت صحيفة "أوراسيا ديلي" مقالاً تناولت فيه "عدم رغبة أعضاء الناتو الأوروبيين في الانجرار وراء واشنطن إلى مواجهة الصين". ونقلت الصحيفة نقلاً عن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي إن الحلف يواجه اليوم تحديات عالمية، بما في ذلك "قوة الصين المتزايدة"، ويرى أن العلاقات الوثيقة بين الصين وروسيا تعني ضرورة الحذر من كلا البلدين، على حد تعبيره. وأضاف ستولتنبرغ "إن حماية دول الناتو من هذه التهديدات ستنعكس "بعناية" في عقيدة جديدة تحدد سياسات الحلف للعقد المقبل. سيتم تبني المفهوم الاستراتيجي الجديد في قمة الناتو، في صيف عام 2022. فالنسخة القائمة حالياً من العقيدة، التي تم تبنيها في عام 2010، لا تذكر الصين كتهديد". 

ومن المنظور نفسه، استشهدت الصحيفة الروسية بما أدلى به أندريه كوشكين رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية بجامعة الاقتصاد الروسية، من تصريحات في حديثه إلى إذاعة "سبوتنيك" الحكومية الروسية حول "أن الولايات المتحدة ترغب في تحويل اهتمامات الناتو صوب منطقتي المحيطين الهندي والهادئ". واستند المتخصص الروسي في ذلك، إلى ما خلصت إليه الدراسة التي أجرتها المؤسسات المعنية في 12 من دول الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع، وكشفت نتائجها عن أن المجتمع الأوروبي لا يعتبر بعد الصين تهديداً مباشراً. ومع ذلك تقول المصادر إن معظم الأوروبيين يميلون إلى قبول اعتبار أن الولايات المتحدة في حالة حرب باردة مع الصين، لكنهم لا يريدون القتال في المنطقة. وأضاف كوشكين أن ستولتنبرغ يأخذ في الاعتبار هذا العامل، إلى جانب حقيقة أن الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو تبدو وكأنها أقرب إلى حالة "الحرب الباردة" مع روسيا. فالأوروبيون "في حلف الناتو، يصرون على رؤية روسيا كما كانوا يرونها خلال سنوات الحرب الباردة، ولا يريدون تغيير أي شيء. ويعلمون أن روسيا لن تهاجمهم، وأن الناتو يمكن ان يلوح بما في حوزته من أسلحة، ويشن ما يحلو له من حملات إعلامية ضدها، من دون أن يجد من جانبها رداً يُذكر. ومع ذلك فهم لا يريدون الانجرار إلى منطقتي المحيطين الهندي والهادئ". 

وذلك كله ما تدركه موسكو منذ أن اتخذت قرارها في تسعينيات القرن الماضي بالتوجه شرقاً بحثاً عن حليف بديل لاحتمالات تدهور علاقاتها مع الشركاء الأوروبيين والولايات المتحدة ممن حاولت مراراً خطب ودهم. وهو أيضاً ما تحاول الدوائر الأميركية وحلف الناتو اللعب على أوتاره سعياً من جانبها للنيل مما تحقق من توافق واتفاق بين موسكو وبكين. وما تحقق كثير. فقد توصلت موسكو مع الصين إلى اتفاق يزيل ما علق بينهما من خلافات حدودية بين البلدين للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين روسيا والصين. وعلى الرغم من عدم توقيع الجانبين لأية معاهدات عسكرية ترقي إلى مستوى "التحالفات العسكرية"، فإن البلدين يرتبطان بعلاقات وثيقة في إطار الكثير من المنظمات متعددة الأطراف ومنها "بريكس" و"شنغهاي"، إلى جانب ما يجريانه بشكل دوري من مناورات عسكرية، منها ما تدور أحداثها في أرجاء متفرقة من الأراضي الواقعة في غرب روسيا المتاخمة لحدود فضاء الناتو في الأراضي التي لطالما كانت خاضعة للنفوذ السوفياتي السابق.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير