Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا وراء تلويح زيلينسكي باحتمالات الحرب "الحقيقية" ضد روسيا؟

لافروف يتندر بتاريخ "الكوميديان" ويصف تصريحاته بـ"الباطلة التي لا تستحق اهتماماً"

الرئيس الأميركي جو بايدن مستقبلاً نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي (أ ف ب)

ما كادت الأوضاع على صعيد الأزمة الأوكرانية تجنح نحو "الهدوء النسبي" بعد ذلك "التصعيد المتعمد" من جانب عدد من الأطراف ذات الصلة في ربيع العام الحالي، وبكل ما واكب ذلك من تهديدات باستخدام القوة المسلحة مع احتمالات تدخل حلف "ناتو"، حتى عادت كييف إلى التلويح باستخدام القوة ضد روسيا لحسم النزاع الذي يتواصل منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير (شباط) 2014. وفيما عادت موسكو إلى الحديث عن احتمالات لقاء قمة بين رئيسَي البلدين فلاديمير بوتين وفلاديمير زيلينسكي بعد عودته من مباحثاته مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، مع تأكيد أن لا مجال في هذه القمة لموضوع "شبه جزيرة" القرم، وهو ما تناولته "اندبندنت عربية" في تقرير لها من موسكو خلال الأيام القليلة الماضية، حتى عاد  زيلينسكي إلى مواصلة تنشيط جهوده الرامية إلى حشد التأييد العالمي لبلاده في "معركتها" مع روسيا على صعيد محاولاتها لاستعادة شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا الى أراضيها بموجب نتائج الاستفتاء الشعبي الذي جرى هناك في مارس (آذار) 2014، ومحاولات استعادة السيطرة على جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك اللتين أعلنتا انفصالهما من جانب واحد عن أوكرانيا.

"منتدى يالطا للاستراتيجية الأوروبية"

وكان زيلينسكي استهل هذه الجهود بعقد "منصة القرم" التي غاب عنها كل زعماء بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة، مكتفين بتمثيل أدنى، ليعود ويدعو إلى "منتدى يالطا للاستراتيجية الأوروبية" في كييف. وفي هذا المنتدى، كشف  عن احتمالات "اندلاع حرب شاملة بين أوكرانيا وروسيا"، مؤكداً أن "الخطر قائم"، على الرغم من إعلان موسكو عن تمسكها باتفاقيات مينسك التي سبق التوصل إليها في فبراير 2015 بمشاركة رئيسَي أوكرانيا وفرنسا والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، فضلاً عن إعلان بوتين عن استعداده للقاء نظيره الأوكراني، وإن أوضح عدم استعداده لبحث قضية القرم من منظور مواقف كييف. وعلى الرغم من أنه صاحب التصريح القائل باحتمالات نشوب الحرب الشاملة، أعلن زيلينسكي عن تحذيره حول أن "الحرب بين الدولتين ستكون أكبر خطأ لموسكو، وأن السيناريو سيؤدي إلى تدمير علاقات الجيران بين روسيا وأوكرانيا وبيلاروس"، منظور اقتصر على تحديد رؤيته الذاتية تجاه أن الحرب التي يلوّح بها ستكون اعتداءً من جانب روسيا ضد بلاده، وبغض النظر عن أنه صاحب فكرة "التلويح باحتمالات الحرب الحقيقية".

وكان من اللافت أن هذا التصريح بالغ الخطورة، جاء متزامناً مع حدثين محوريين يفرضان نفسيهما على خريطة اهتمامات الأوساط السياسية الإقليمية والعالمية، أولهما: توصّل الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو إلى اتفاق حول برامج تعزيز بناء دولة الاتحاد بين البلدين يوم الخميس الماضي 9 سبتمبر (أيلول) بما تتضمنه هذه البرامج من تعهدات حول التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والدفاع المشترك، في توقيت يشهد مناورات "الغرب 2021" التي يعدّونها من أكبر المناورات التي جرت على الجبهة الغربية في الأعوام القليلة الماضية. أما الحدث الثاني، فيتمثل في إعلان مؤسسة "غازبروم" الروسية عن إتمام أعمال بناء خط أنابيب "السيل الشمالي-2"، الذي سيتيح لموسكو ضخ الغاز إلى أوروبا التفافاً حول أراضي أوكرانيا، وإن كانت موسكو قطعت على نفسها وعداً بأخذ المصالح الأوكرانية في الاعتبار.

الحرب "الافتراضية"

وعلى الرغم مما اتسمت به تصريحات زيلينسكي من ابتعاد عن التقدير الصحيح لتوازن القوى بين البلدين، وعدم صحة التوقعات القائلة إنه يعتمد في ذلك على الدعم المنتظر من جانب الولايات المتحدة و"ناتو" في حربه "الافتراضية" ضد روسيا بكل أسلحتها العصرية وقواتها النووية، اتخذت موسكو موقفاً أقرب الى الدبلوماسية المفعمة بالقدر المناسب من "الاستخفاف" بمثل هذه التصريحات. وكان دميتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين، اكتفى بالإعراب عن الأسى، قائلاً إن موسكو "لا تريد التورط في أية توقعات مروعة". أما سيرغي لافروف، عميد الدبلوماسية الروسية والمعروف بحسن إجادته انتقاء مفرداته "اللاذعة"، فلم يكُن بعيداً من مثل هذا التوجه، وإن اتسم تعليقه بقدر أكبر من الواقعية المفعمة بالأسى والأسف معاً، بما قاله حول "أن مثل هذه التصريحات تعيده إلى أجواء البرنامج الروسي (كي في أن)"، وهو برنامج تلفزيوني كوميدي ساخر يشارك فيه الهواة من "الكوميديانات" المبتدئين، والذي طالما كان زيلينسكي أحد المشاركين الدائمين فيه. ومضى لافروف ليعلن بوضوح أن تصريحات الرئيس الأوكراني التي وصفها بـ"الباطلة" حول "إمكانية اندلاع حرب شاملة مع روسيا لا تستحق أي اهتمام". وأعاد لافروف إلى الأذهان  الوعود الانتخابية السابقة التي أطلقها زيلينسكي، وحظي بسببها على أصوات الناخبين الناطقين بالروسية، ممن يطالبهم الرئيس الأوكراني بمغادرة الوطن إلى روسيا، فضلاً عن إدانته لمواقفه التي يرفض فيها التزام ما تعهد به سلفه بيتر بوروشينكو بموجب اتفاقيات مينسك، المشار إليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهنا يتوجب التوقف عند ما يقوله كثيرون من المراقبين في موسكو، حول أنها تبدو مضطرة إلى التعامل مع زيلينسكي نظراً إلى أنه منتخب من الشعب الأوكراني، في الوقت الذي لم تعُد وإلى حد كبير، تأخذ تصريحاته على محمل الجد. وعلى الرغم من عدائها الشديد للرئيس الأوكراني السابق بيتر بوروشينكو الذي ناصب روسيا العداء على طول الخط منذ مشاركته في دور شديد النشاط والفاعلية في أحداث "الثورة البرتقالية" الأولى عام 2004، والثانية في فبراير 2014، إلا أنها تظل تعترف له بالخبرة، مقارنة بخلفه الذي جاء إلى السلطة من "مسارح" أخرى، وهي حلقات "هواة الكوميديا" التي تعتمد بحسب ما نعتقد، على "الدعابة اليهودية"، انطلاقاً من انتمائه إلى الطائفة اليهودية.

"اللعب بالنار"

وثمة من يقول إن زيلينسكي انطلق في تصريحاته التي استهدفت الإيحاء باحتمالات تعرّض بلاده لعدوان من جانب روسيا، من محاولات "استجداء" الدعم والعون لدى الأوساط الغربية المعروفة بعدائها التاريخي لموسكو، بعد أن فشل عملياً في الحصول على وعد قاطع بالاستجابة لطلب بلاده الانضمام إلى "ناتو"، أو تلقّي ما يفيد موافقة الولايات المتحدة على إمداده بأحدث الأسلحة العصرية في حربه "الافتراضية" مع روسيا. وكان بوتين حذّر القيادة الأوكرانية السابقة من اللعب بالنار، في الوقت ذاته الذي أكد أن موسكو لا تضمر عدواناً ضد أوكرانيا، لأنها لو أرادت ذلك فإنها تستطيع الاستيلاء عليها في غضون أسبوعين لا أكثر، وهو التصريح الذي لا تكف الأوساط السياسية في كييف عن ترديده في معرض تأكيدها لـ"عدوانية موسكو".

ويقول المراقبون في العاصمة الروسية إن قراءة أحداث الساعة، وما استبقها من وقائع وتطورات، تكشف بما لا يدع مجالاً للشك عن أن الولايات المتحدة اليوم، غيرها بالأمس الذي كانت تندفع فيه صوب التدخل العسكري، قبل أن تعود وتعرب عن ندمها، لتسارع بسحب قواتها من دون تحقيق أية مكاسب تذكر. واستعاد هؤلاء إلى الأذهان ما فعله الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في سوريا، وكان جو بايدن نائباً له في ذلك الحين، فضلاً عما عاد الرئيس السابق دونالد ترمب وأكده حول ضرورة اعتماد حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا على أنفسهم. واستشهد المراقبون بما صدر عن عدد من الخبراء والمسؤولين الأميركيين من تعليقات حول ما قدّمته واشنطن إبان ما وصفته بـ"غزو" روسيا لشبه جزيرة القرم في 2015، من دعم اقتصر في معظمه على "الوسائد والبطانيات" التي أرسلتها إلى الجيش الأوكراني، وإن يتوقف آخرون بالكثير من الاهتمام عند الدعم العسكري الذي عادت وقدّمته، مدعوماً بقوات أخرى من جانب "ناتو" في ربيع العام الحالي، بحجة مواجهة تبعات المناورات العسكرية الروسية وتعزيز الحشود العسكرية على مقربة من الحدود الأوكرانية في جنوب شرقي أوكرانيا. كما أن الأحداث الأخيرة في أفغانستان، والانسحاب الذي يصفه المراقبون الروس بـ"المهين" بحسب التقديرات الروسية والعالمية، تعيد إلى الأذهان ما يمكن أن تواجهه أوكرانيا أو أي من حلفاء أميركا من غير أعضاء حلف "ناتو"، في حال "وضع كل البيض في سلة الولايات المتحدة"، وهو ما يحتدم الجدل حوله بين ممثلي الأوساط السياسية المعنية في أوكرانيا. وثمة من يشير ساخراً أو "على سبيل الدعابة"، إلى احتمالات أن تضطر أوكرانيا إلى التفاوض مع "طالبان" لشراء ما تركته القوات الأميركية وحلفاؤها من أسلحة ومعدات عسكرية في أفغانستان.

"تخويف أوروبا"

وفيما تواصلت التصريحات والتعليقات التي صدرت بحق إعلان زيلينسكي حول احتمالات "الحرب الحقيقية مع روسيا"، واتسمت بطابع انتقادي، ساخر في بعض جوانبه، سارع آخرون في كييف ومنهم أليكسي أريستوفيتش، مستشار مدير مكتب الرئيس الأوكراني، الذي قال إنه لا يتفق مع تصريحات رئيس الدولة فلاديمير زيلينسكي بشأن خطر اندلاع حرب شاملة مع روسيا. كما أكد أن "خطر العدوان من جانب موسكو ضد بلاده منخفض حالياً". وذلك ما اقترب منه الكثيرون في روسيا ومنهم روسلان بالبك، عضو مجلس الدوما عن شبه جزيرة القرم، الذي قال تعليقاً على تصريحات زيلينسكي، "إنه يريد تخويف أوروبا بنزاع عالمي مزعوم مع روسيا من أجل الحصول على تمويل للحرب". وأردف "إن الحيلة التي استخدمها زيلينسكي عفا عليها الزمن بالفعل"، كما استشهد بعشرينيات القرن الماضي، التي شهدت فشل قيادات النازحين من روسيا إبان أعوام الحرب الأهلية التي اندلعت في أعقاب ثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية عام 1917، في استمالة الدول الأوروبية إلى حملات تمويل حربهم مع روسيا السوفياتية. وذلك في الوقت الذي قال آخرون إن زيلينسكي يحاول استعادة ما بقي من شعبية، كانت طاغية في الأشهر الأولى لتولّيه السلطة بعد انتخابات رئاسية فاز في جولتها الثانية، مكتسحاً الرئيس السابق بيتر بوروشينكو بنسبة تقترب من 74 في المئة من الأصوات، وهي نسبة تتضاءل مع كل تصريح جديد يصدر من جانبه "خالياً من الدسم"، كما يقولون.

وذلك كله يعيد إلى الأذهان الكثير من ردود الأفعال التي صدرت عن ممثلي الأوساط السياسية والبرلمانية الروسية، ومنها ما قاله سيرغي تشيكوف، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد، حول أن "مثل هذه الحرب ممكنة في حالة واحدة فقط، إذا غزت أوكرانيا، لسبب ما، الأراضي الروسية". أما السبب، فأعلنه بوتين غير مرة حين تعهد بحماية أمن المواطنين الروس في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك غير المعترف بهما. وكانت موسكو بادرت بتسهيل منح الجنسية الروسية لعشرات الآلاف من أبناء منطقة الدونباس في جنوب شرقي أوكرانيا، فضلاً عن تعهدها بضمان أمنهم ودعمهم اقتصادياً ودفاعياً. وقال عضو مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ) إنه على يقين بنسبة 100 في المئة من أن روسيا لن تبدأ حرباً ضد أوكرانيا، وإن ما يمكن أن تقوم به لن يتعدى تقديم كل أشكال الدعم العسكري لسكان "الجمهوريتين" في حال تعرضتا لغزو من جانب القوات الأوكرانية، مؤكداً أن الدعم سيكون "قوياً للغاية"، في تلميح يرقى إلى حد التصريح باحتمالات ما سبق وهدد به بوتين حول أن "روسيا قادرة على الاستيلاء على كل أوكرانيا في غضون أسبوعين".

الخطوط الحمر

ولعلنا نذكر أيضاً ما سبق وقاله الرئيس الروسي قبيل لقائه نظيره الأميركي جو بايدن في جنيف في 16 يوليو (تموز) الماضي، حول الخطوط الحمر التي تضعها بلاده، في معرض درء التهديدات من جانب حلف "ناتو"، وحول احتمالات نشر أسلحته على مقربة مباشرة من حدوده المتاخمة لكل من جورجيا وأوكرانيا، إلى جانب موقفه المعارض لوجود أية قواعد عسكرية أميركية في آسيا الوسطى. وفي هذا الصدد أيضاً، يستعيد الكثيرون من المراقبين ما لحق بجورجيا المجاورة من هزيمة مهينة حين غامر رئيسها الأسبق ميخائيل ساكاشفيللي الهارب اليوم إلى أوكرانيا بعد منحه الجنسية الأوكرانية، بمحاولة ضم أوسيتيا الجنوبية التي أعلنت انفصالها عن جورجيا من جانب واحد في مطلع التسعينيات، وما واكب ذلك من مصرع عدد من أفراد القوة الروسية لحفظ السلام في أوسيتيا الجنوبية. وكانت القوات الروسية سارعت بإخماد الهجوم الجورجي، وتوغلت داخل الأراضي الجورجية حتى مسافة 35 كلم فقط من العاصمة تبيليسي. وكان ذلك دليلاً دامغاً على أن تمنية النفس بوعود الحماية وتقديم الدعم من جانب "ناتو" ليس دائماً القرار الصحيح، في الوقت الذي تظل الأحداث الأخيرة في أفغانستان مثالاً حيّاً يقول إن "المتغطي بالأميركيين عريان!"، وهو القول المأثور الذي يجب استبداله بما يؤكد ضرورة الاعتماد على الذات بالدرجة الأولى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير