Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والتفتيش عن "الجزرة" الأميركية

لا تمانع طهران من فتح ملفات نفوذها في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين

الادارة الأميركية تستعمل العصا للحصول على تنازلات من طهران (رويترز)

لا تأتي الدعوة التي أطلقها مستشار وزير الخارجية الإيرانية حسين جابري أنصاري لفتح حوار مع السعودية من فراغ لدى بعض المسؤولين الإيرانيين، بل تصدر عن إدراك حقيقي بصعوبة المرحلة التي وصلت إليها الأمور نتيجة التصعيد الأميركي الاقتصادي والسياسي المترافق مع الحشد العسكري في المحيط الجغرافي لإيران، والتحذير الصريح من العواقب الوخيمة لأي عمل عدائي قد يصدر عن طهران أو أذرعها في المنطقة.

قد يقول البعض إن الادارة الأميركية تستعمل العصا للحصول على تنازلات من طهران، وهذا صحيح، فواشنطن لم تتردد في تأكيد هذا الأمر على لسان كبار المسؤولين فيها من الرئيس دونالد ترمب إلى وزير خارجيته مايك بومبيو، وصولاً إلى وكيل وزارة الدفاع باتريك شاناهان، وإن هدف الحشود العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ليس شن حرب ضد إيران، بل الهدف منها إرغام طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد يتضمن برنامجها النووي والبرنامج الصاروخي والنفوذ والدور الإقليمي.

الإيرانيون في المقابل رفضوا الشروط والتهويل الأميركي بالآلة العسكرية، إنطلاقاً من اعتقادهم بأن الحرب لن تكون في مصلحة أي من الأطراف المعنية بأزمات الشرق الأوسط، وهي قد تؤدي إلى تعميق الهوة أمام إمكانية التوصل إلى حلول سياسية، والرفض الإيراني لم يقف عند حدود رفض الشروط، بل تعداه إلى رفض التفاوض مع إدارة ترمب، كما أكد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي "لا حرب ولا تفاوض".

الرفض الإيراني لا ينسحب على "مبدأ التفاوض"، فالرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف وغيرهما من المسؤولين، أكدوا أن إيران "مستعدة للتفاوض" على مبدأ الاحترام المتبادل وسحب الشروط المسبقة، ما يعني في المحصلة أن طهران قد شاهدت ورأت التهويل العسكري الأميركي ورفع العصا بوجهها، لكنها حتى الآن لم تشاهد "الجزرة" التي من المفترض أن تحصل عليها في حال وافقت على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الإدارة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الإطار العام، قد لا تمانع طهران من فتح ملفات نفوذها الإقليمي في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين، إلا أنها تسعى لمعرفة حجم وحدود التنازلات المطلوبة منها أميركياً في هذه السياقات، من خلال إيصال رسالة إلى واشنطن بصعوبة القضاء النهائي على هذا النفوذ والدور، وأنه لا بد من التفاهم على حدوده أو التشارك في رسم الحلول لهذه الملفات على قاعدة التقاسم وليس على قاعدة الإلغاء.

ولعل بوادر الانفراج في ملف ترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل والدور الذي يقوم به مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ساترفيلد قد تشكل مؤشرات على إيجابية التعاون الإيراني - الأميركي في حل أزمات الشرق الأوسط، فالإيجابية التي أبداها الإسرائيليون مع ساترفيلد والإيجابية التي أبداها حزب الله اللبناني في التعامل مع نتائج المفاوضات، تشكلان مؤشرَيْن واضحَيْن على إنتاجية هذا التعاون.

دعوة جابري أنصاري إلى فتح باب الحوار مع السعودية، وهو هذه المرة سيكون من بوابة الملف اليمني، تصب في إطار مساعي طهران لتوجيه رسائلها الإيجابية للإدارة الأميركية، وأن طهران لا تسعى إلى زعزعة استقرار أي من جيرانها، وعلى مبدأ صعوبة إلغاء دور أي طرف لمصلحة طرف آخر، ويحمل إقراراً إيرانياً بموقع السعودية كلاعب أساسي في المنطقة، ولا يمكن للّاعبَيْن السعودي والإيراني حذف أو إلغاء الواحد للآخر، والعودة إلى قواعد التنافس المتعارف عليها بين الدول المتجاورة والإقليمية.

يقول الإيرانيون إنهم لم يسعوا ولم يريدوا إخراج السعودية من المعادلات الإقليمية، وإنهم يعتقدون بإمكانية قيام كل لاعب في المنطقة بدوره في المعادلات الإقليمية والدولية على أساس من مصالحه وهواجسه، وهذا كلام يمكن وصفه بـ "الجميل"، إلا أن الحقائق والوقائع لا تتطابق معه.

فالأزمة الإيرانية مع السعودية لا يمكن حصرها فقط في الموضوع اليمني على الرغم من أهميته الاستراتيجية للرياض والعالم العربي والمنطقة، بل تتعداها إلى كل الساحات العربية التي أعلنت طهران أنها باتت في قبضتها، أي العراق وسوريا ولبنان، وهو موقف سارعت طهران للإعلان عنه في محاولة لتثبيت معادلة الغالب في الإقليم.

وتصاعد الحديث الإيراني عن ضرورة فتح قنوات الحوار مع الرياض، يمر من بوابة الاعتراف الإيراني بضرورة تقديم تنازلات في الملفات التي تشكل مساحة الاشتباك بينهما، ولعل البوابة الأولى بغية إظهار حسن النوايا الإيرانية بجدية دعوتها للحوار، تمر عبر الملف اليمني من خلال الضغط على حليفها الحوثي بالتخلي عن طموحاته في السيطرة على اليمن وفرض إرادته مدعوماً من طهران على الحل السياسي، ويمر أيضاً من خلال القبول الإيراني بالحل في اليمن على مبدأ مؤتمر الرياض ومخرجات الحوار الوطني في إطار شراكة وطنية يمنية بين كل القوى السياسية الأساسية.

الحديث الإيراني عن ضرورة الحوار مع السعودية لتخفيف التوتر بين البلدين والتفاهم على القضايا الإقليمية، قد يكون البوابة التي تبحث عنها طهران للتخفيف من حدة الضغوط الأميركية ضدها، ويشكل مؤشراً على استجابة طهران للشرط الأميركي بالتفاوض على النفوذ الإقليمي الذي وضعته إدارة البيت الإبيض، على غرار ما يحدث في ملف ترسيم الحدود اللبنانية مع إسرائيل، ما يعني تخلي طهران عما اعتبرته مناطق نفوذ بلا منازع أو منافس، والقبول بالشراكة والاعتراف بدور الدول الإقليمية الأخرى، بما يحفظ لها حقها ودورها بالحجم المناسب في المعادلات الجديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات