Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حلب تحتفي بالرسام الراحل وحيد مغاربة

وثق معالم عمرانية وعادات وأزياء ومهناً شعبية في عاصمة الشمال السوري

أعمال الرسام الحلبي وحيد مغاربة جسدت جداريات مزجت بين الأصالة والمعاصرة (اندبندنت عربية)

ضم ملتقى الفنان فاتح المدرس في صالته وعلى مدى أسبوع 12 جدارية من الحجم الكبير للفنان وحيد مغاربة (1942-2018) شكلت معرضاً استعادياً للرسام الذي وثق في أعماله أبرز مشهديات عاصمة الشمال السوري، مازجاً بمهارة بين الأصالة والمعاصرة منذ بداية مسيرته التي بدأها عام 1961 بمعرضه الفردي في مركز أصدقاء فتحي محم، الجهة التي نظمت هذه الفعالية، مصدرة فيلماً وثائقياً عن الفنان السوري الراحل اشتمل على أبرز محطات حياته وعن عشرات المعارض والملتقيات الدولية التي شارك فيها بين كل من حلب ودمشق وبيروت وأوروبا.

وصور المعرض دور البيئة الشعبية التي فتح مغاربة عينيه عليها، ولعبت دوراً حاسماً في تكوينه البصري الأول، لا سيما الفنون والسير العربية التي قارب فيها أعمال المصور الدمشقي أبو صبحي التيناوي (1988-1973)، فقد شكلت البيئة المحلية تكوينه الاجتماعي والنفسي، حيث عاش سنين طفولته ويفاعته في حي الكلاسة الحلبي العريق الذي خرج منه العديد من الفنانين والمثقفين، وعلى رأسهم الشيخان صبري مدلل وعمر البطش، وهما أبرز رواد الغناء والتلحين في بلاد الشام.

 

 

وعكست الأعمال الاستعادية في المعرض الحلبي اختراقاً للمواضيع التقليدية الاتباعية التي كانت تهمين على الوسط التشكيلي السوري ستينيات القرن الفائت، فلئن تأثر مغاربة في بداياته بالنقل المباشر من الطبيعة الصامتة، فإنه سرعان ما تمرد على تلك الصبغة الوثائقية في لوحاته، منعتقاً من المواضيع القومية، وبعض ملامح الحياة الاجتماعية التي كانت تنجز وقتها بأدوات فنية واقعية تحرص على المحاكاة والتسجيلية، ليذهب مباشرة إلى رسم تكوينات مبتكرة على نحو تبدو فيه آثار المدرسة التكعيبية في بنائية الشكل وتحليله عبر مساحات متداخلة بين القاتم والمضيء، وعلى أكثر من مستوى لمناخات لونية كثيفة تتنوع بين العتمة والنور والبارد والدافئ، كان مغاربة برع في تشكيلها مستلهماً مواقف درامية من حكايات وأساطير شرقية جسدت عوالم ملحمية لبلاد الشام والرافدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتأتي مبادرة "جمعية أصدقاء الفنان فتحي محمد" لما تعرض له هذا الفنان من إهمال في حياته، ومن غبن لتجربته الخاصة والفريدة داخل المحترف السوري والعربي المعاصرين، وعن هذا قال الفنان سعد يكن "رحل مغاربة وحيداً كاسمه، متألماً من التجاهل وفراغ التقدير لموهبته ولتجربته التي قدم من خلالها قيماً فنية على المستويين المحلي والعالمي، فلقد قدم التراث بشكل رائع بعيداً من الاستعراض والتمثيل، وكان ظاهرة فنية نادرة لن تتكرر هنا قريباً".   

 

 

كلام الفنان سعد يكن يحيلنا إلى عشرات المشهديات التي أنجزها مغاربة عن مدينة حلب وأسواقها وعمارتها وحرفها الشعبية، فلقد زخرت أعمال هذا الرسام بها، مدوناً عبرها سجلاً لونياً ضخماً، لا سيما صناعة العطور والسيوف والقلائد والأساور والحلي والقناديل، وكثير من الزخارف الحجرية والخشبية ورسوم الميناتور القديمة، إضافة لحفلات مسرح خيال الظل والعرائس ودمى الخصب ومصابيح الزيت.

كل هذا يمكن ملاحظته في الأعمال النادرة المعروضة من مقتنياته الخاصة.

وأوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية أحمد كسار لـ "اندبندنت عربية" أن "هذه الأعمال تعتبر من أكبر الجداريات التي اشتغل عليها مغاربة في تجربته التصويرية، وفيها نلاحظ تداخل جسد المرأة مع معالم من مدينة حلب، ويبدو الرجل إلى جانبها يشاركها البطولة في محيط اللوحة المفعمة بالمناخات الشرقية والأسطورية، ناهيك عن صور المنمنمات الإسلامية التي لعبت دوراً جوهرياً في لوحاته، لا سيما من الناحية التكوينية واللونية".

وتشكل منمنمات يحيى بن محمود الواسطي (القرن الـ 13 ميلادي) ومدرسة بغداد التي تألقت في القرون الوسطى نبعاً من الينابيع الأساسية التي ارتكز مغاربة عليها في جدارياته المدهشة، مستلهماً التكوين الفطري والتلوين الشرقي.

 

 

ويضيف كسار، "غرف مغاربة من معين الأسطوري والملحمي، حيث نلاحظ تلك الصلابة التي استقاها من الوجه والجسد الآشوريين، إضافة إلى نهله من النحت الفرعوني وفن الخط العربي في طريقة السبك والرمزية، وهذا ما تكاثف وتطور بعد دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في روما عام 1975، إذ تعرف هناك عن كثب على روائع التصوير والنحت في العالم، فأضاف وجدد على تجربته التي لم تتجمد في قالب نهائي ولم تخضع لأسلوب واحد في الرسم والتفكير باللوحة".

ويعتبر وحيد مغاربة من أبرز الفنانين العرب الذين نقلوا كتاب "ألف ليلة وليلة" إلى الجمهور الغربي بلغة بصرية سردية بديعة من خلال الألوان، فكانت معالجة هذا الفنان لقصص "الليالي العربية" معالجة خاصة زاخرة بالدفء وبمشاعر الحب وتداعيات الأحلام، لا سيما تلك الظلال التي برع مغاربة في نقلها عبر مساحات لونية كثيفة.

 ولعل الناظر إليها يشعر مباشرة بإحساس الرمل والتراب والحجر في معظمها، وتنقل إلى المتلقي شحنة سحرية تتدفق حين النظر إليها عوالم وشخصيات ماورائية، وفانتازيا شرقية تنبض بغصون الزيتون وسعف النخيل وثنايا القماش الناعم، منضوية تحت راية شهرزاد وما تعكسه بوجودها في اللوحة من حيوية طقوس، واستعراضات راقصة تتجلى في المباني والقصور الملكية.

 

 

الكاتب وليد إخلاصي سجل حضوره في هذه التظاهرة على كتيب الفعالية فقال، "تخرج من لوحات وحيد مغاربة أشعة ألوانه واحدة فواحدة، فإذ بالمقدّس عنده هو الشعبي، وإذ بالفطري لديه هو الحضاري، وإذ بالتاريخي يصبح كشفاً عن رؤية المستقبل لتتراكم أيقوناته المدهشة، وتشكل كلاً واحداً في جدارية يرتفع بها بصلابة الحجر الحلبي ورقة الحنين إلى الأم الأرض، فأعماله كنز استمر مشعاً في ألوانها لتتحول إلى مهرجان حافل بالضوء والعمارة والإنسان".

وشكلت المرأة في الأعمال المستعادة الموضوع الأول لجداريات مغاربة، وتبدو فيها عبر توشيحات لمناخ شرقي تزييني ضمن علاقات ودودة مع طيور ونباتات وأزهار وخيول وغيرها من الكائنات، إذ تتوضح فيها براعة الراحل في تصوير أنوثة المرأة عبر معالجة خاصة للوجوه والأيدي النسائية بحساسية مرهفة.

ولعل أبرز من سجل وقدم لتجربته نقدياً هو الناقد التشكيلي الراحل طاهر البني في كتابه الذي تم توقيع نسخ منه في المعرض الاستعادي، ووزعت مجاناً على الزوار، وجاء بعنوان "وحيد مغاربة.. مسيرة الإبداع بين التأصيل والتحديث"، وفيه أوضح مراحل من تطور تجربة مغاربة والذهاب إلى رسم المجردات بعد عودته من إيطاليا في ثمانينيات القرن الفائت.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة