Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شقيق بوتفليقة يدلي بتصريحات تراوح تصنيفها بين التهديد والابتزاز

يرى مراقبون أنه "لا يمكن اعتبار كلام السعيد مسؤولاً وواعياً لأنه في السجن وليست له أي حرية للتصرف بالمعلومات الحساسة والسرية للدولة"

السعيد بوتفليقة متوسطاً عدداً من المسؤولين السابقين خلال تشييع الفنانة وردة الجزائرية في 19 مايو 2012 (أ ف ب)

عاد اسم بوتفليقة ليستولي على المشهد في الجزائر، وجاء ظهوره هذه المرة ليس بسبب حكم الرئيس الراحل أو ملفات فساد "العصابة" (كما يُسمى رجالات النظام السابق في الجزائر)، وإنما إثر تصريحات السعيد شقيق الرئيس السابق، التي أثارت الرأي العام، إذ قال إنه يملك أسراراً لو باح بها لاهتزت أركان الدولة.

تصريحات تشعل جدلاً

وأشعل السعيد بوتفليقة جدلاً واسعاً على مختلف المستويات، بعدما أشار خلال جلسة محاكمته بتهم تخص التدخل في عمل القضاء، إلا أنه فضل الصمت على البوح بأسرار من شأنها زعزعة أسس الدولة، مضيفاً أنه "ضحية مواقع التواصل الاجتماعي وصحافيين". وشدد على أنه تم توريطه في هذه القضية، وقال "لقد هددني عقيد، ومثلت كشاهد في هذه القضية فأصبحت متهماً في محضر مزيف، سؤال وجواب من دون أن أجيب عن الأسئلة"، موضحاً "قطعت عهداً أن أسير على درب السابقين، نزولاً عند قول شقيقي عبدالعزيز بوتفليقة للراحل هواري بومدين: نم قرير العين فقد علمت كيف يموت الرجال".

الإطار القانوني ضعيف وغير فعال؟

وحركت تصريحات السعيد نقاشات واسعة حول خلفياتها وأهدافها وتوقيتها، على الرغم من أن الجميع صنفها في خانة "التهديد" دون معرفة من المقصود، إذ كتب وزير الاتصال السابق، الدبلوماسي عبد العزيز رحابي أن "الإطار القانوني، حالياً، ضعيف وغير فعال، فلا القاضي ولا السلطات العامة ذكّرت علناً وبشدة بأن الأسرار هي ملكية حصرية للدولة، وأن حاملها يخضع لقواعد صارمة لحماية المعلومات المكتسَبة أثناء ممارسة وظائف في الدولة مهما كان مستواها، أو من خلال المشاركة في مسار صنع أي قرار استراتيجي".

وأضاف رحابي، "لم أتوقف عن التنديد بذلك منذ عام 2008 عندما لاحظت المصادرة التدريجية للسلطة في الجزائر من قبل مغامرين مجرَدين من أي روح للدولة، ومن المؤسف أن نرى الإفلات الكلي من العقاب مستمر في هذه السوق الحقيقية غير الرسمية لمعلومات حساسة يتم استخدامها كأداة للابتزاز أو كوسيلة لحسم صراعات الزمر بصفتها ورقة مساومة، أو حتى تعهداً بالولاء وعرضاً للخدمة لصالح قوى أجنبية".

المادة 75 من الدستور

من جهتها، اعتبرت المستشارة القانونية آمال لعروسي، أنه "لا يمكن اعتبار تصريح السعيد بوتفليقة مسؤولاً وواعياً، ذلك لأن الرجل يقبع في السجن وليست له أي حرية للتصرف بالمعلومات الحساسة والسرية للدولة، علماً أن الدستور الجزائري في مادته 75 ينص على أنه يجب على كل مواطن أن يحمي ويصون استقلال البلاد وسيادتها وسلامة ترابها الوطني ووحدة شعبها وجميع رموز الدولة". وقالت إنه "من المؤسف جداً أن نقرأ آخر تصريحات المتهم السعيد بوتفليقة أمام القضاء بصوت أجده يساوم ويفاوض، لا بل يهدد بورقة أمان أخيرة له زاعماً أنه يملك أسراراً تُزعزع أركان الدولة، وهو أمر بعيد عن التحقيق أو الصحة، لأن لا السعيد ولا غيره يمكنه زعزعة ركن من أركان الدولة"، مشددةً على أنه "ربما قصد امتلاكه معلومات سرية أو حساسة حول النظام السياسي في الجزائر والفاعلين فيه".

وزادت لعروسي أنه "يجب التشديد على أن مثل هذه التصريحات تُعد بمثابة اعتراف مباشر بالخيانة ومساس بأمن الدولة، إذ إن القانون الجزائري يعاقب كل من خان أو تجسس أو كشف أو سرب أي معلومات حساسة تشكل خطراً على أمن الدولة ودفاعها"، مضيفةً أنه "لا يجب إهمال نقطة مهمة في تصريح السعيد بوتفليقة الذي يحيلنا إلى القيادات الأمنية والسياسية التي توجد في حالة فرار من العدالة وإمكانية تسريبها لمعلومات سرية وحساسة بخاصة في شأن الدولة، وهو ما يدعو السلطات الجزائرية إلى اتخاذ تدابير مستعجلة باتجاه هؤلاء الفارين من قبضة العدالة، الذين صدرت في حقهم أحكام نهائية". وختمت أن "المشكلة ليست في تصريح السعيد بوتفليقة الذي يفتقد إلى الدراية والحكمة والمسؤولية، بل في الشخصيات التي كانت مسؤولة في إدارات السلطة والتي هي محل متابعة إلى يومنا هذا".

تفسيرات

من جانب آخر، يرى الحقوقي عابد نعمان، أن "التصريحات أثارت جدلاً لدى الشعور العام سياسياً ومدنياً نتيجة لما تحتله الشخصية على الساحة السياسية والمدنية والإعلامية، وهو المعروف لدى الساحة الوطنية أنه الرجل الأول، بعد مرض الرئيس الراحل، في تسيير البلاد. وقال "لو نبتعد قليلاً لنقترب من الموضوعية، نجد أن القاعدة العامة تقول، إن كل شخص أوكِلت له مهمات وظيفية فهو ملزم بالسر المهني، فما بال مهمة سيادية في قصر المرادية"، مضيفاً "قد يكون تصريحه من أجل التأكيد على عدم البوح حفاظاً على أسرار الدولة، بينما هناك مَن يرى أنه تعمد الإشارة والتلميح للاستفادة من تغطية جهة نافذة للتعامل معه، كما قد يكون رداً على ضغوط وتهديد يمس حياته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشدد نعمان على أن تصريح السعيد هو "خطاب مشفر"، مبرزاً أنه "من الناحية التطبيقية، فإن التلميح جاء بصيغة الرفض السلبي المستجيب للقانون، وهو فعل أمر به القانون في ظاهره، لأن حتى مسألة التكييف صعبة طالما نتقيد باستبعاد أي نظرة سياسية في فحص التصريح إن كان مجرَّماً بالقانون أم لا. من جهة أخرى، التصريح مدلى به أمام جهة قضائية، بالتالي نعود إلى القاعدة التي تنص على أن حديث المتهم يُفسَّر طبقاً لما يريد المتهم أن يعبر عنه، وهي محمية من أي استغلال باسم القانون".

وختم بالقول، "قضائياً لا أرى أي مؤاخذة حيال تصريحات تم الإدلاء بها في جلسة محاكمة وهو يجيب عن أسئلة وجِهت إليه من طرف قضاة المحكمة، وتضمن أحد الأسئلة ما جعله يرد بتلك الصيغة، هذا لو استبعدنا كل ما ذكر أعلاه على فرض أن التصريح كان ذا صيغة سياسية وليست توجيهية".

براءة وأحكام بالسجن

وكانت المحكمة العسكرية في البليدة (وسط) أصدرت حكماً في 25 سبتمبر (أيلول) 2019، بالسجن 15 سنة على السعيد بوتفليقة، ومسؤولين آخرين بجناية "التآمر ضد سلطة الدولة، والمساس بسلطة الجيش"، قبل أن تحكم بعدها بالبراءة خلال الاستئناف في يناير (كانون الثاني) الماضي.

ويتواجد السعيد بوتفليقة، في سجن الحراش بالعاصمة، منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020، حيث يُحاكم في 3 قضايا فساد، أولاها جرت أطوارها الثلاثاء الماضي، وشهدت إطلاق التصريحات المثيرة المُشار إليها. ويُلاحَق السعيد إلى جانب وزير العدل السابق، الطيب لوح، ومسؤولين آخرين، بتهم "عرقلة سير العدالة" و"إساءة استغلال الوظيفة" و"التحريض على التحيز وعلى التزوير في محررات رسمية".

وقضت محكمة الجنايات في العاصمة الجزائرية، بسجن السعيد بوتفليقة، سنتين مع النفاذ، بعدما أدانته بتهمة "عرقلة سير العدالة" في القضية، في حين طلبت النيابة العامة من المحكمة عقوبة السجن لمدة سبع سنوات مع النفاذ بحقه.

المزيد من العالم العربي