Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إمدادات الغاز تنذر بمشكلة عالمية لعقود مقبلة

محللون: أسعار النفط والغاز ستواصل ارتفاعاتها وأهداف خفض الانبعاثات الكربونية قد لا تحقق

العالم يترقب أزمات الطاقة في المستقبل  (رويترز)

تمتد أزمات الطاقة في أوروبا والصين إلى التوقعات الاقتصادية وسلاسل التوريد وما وراءها. وتواجه القارة العجوز منذ أسابيع ارتفاعاً شديداً في أسعار الغاز الطبيعي والطاقة، بينما تواجه الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، نقصاً في الكهرباء يعوق المصانع، كما دخلت الهند في أزمة كهرباء. وعلى وقع تلك الأزمات ترتفع أسعار الطاقة في أنحاء العالم قبيل انطلاق شتاء يتوقع أن يكون قاسياً هذا العام. 

وأدى انقطاع التيار الكهربائي في ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى تباطؤ أو إغلاق المصانع في جميع أنحاء الصين خلال الأيام الأخيرة، مما أضاف تهديداً جديداً للاقتصاد المتباطئ في البلاد، وربما يزيد من تعقيد سلاسل التوريد العالمية قبل موسم التسوق المزدحم المرتبط بأعياد الميلاد في الغرب.

نقص الكهرباء في الصين يرفع سعر الفحم 

وكان انقطاع التيار الكهربائي قد امتد لمعظم أنحاء شرق الصين، حيث يعيش ويعمل الجزء الأكبر من السكان. وقام بعض مديري المباني بإغلاق المصانع. وتم إغلاق بعض محطات الضخ الكهربائي في البلاد، مما دفع إحدى المدن إلى حث السكان على تخزين مياه إضافية خلال الأشهر العديدة المقبلة، على رغم أنها سحبت النصيحة في وقت لاحق بحسب "نيويورك تايمز". ويقابل أزمة الغاز والكهرباء الخانقة قفزات في أسعار النفط بعد أن قررت "أوبك" عدم زيادة الإنتاج بما يتجاوز الزيادة المتواضعة التي حددتها في السابق. وتضاعفت أسعار كل من النفط والغاز الطبيعي تقريباً خلال العام الماضي، وارتفع البنزين في مضخات الولايات المتحدة بنحو 50 في المتوسط.

وهناك عدة أسباب لنقص الكهرباء فجأة في معظم أنحاء الصين. حيث تتم إعادة فتح المزيد من مناطق العالم بعد عمليات الإغلاق التي تسببت بها جائحة كورونا، ما أدى إلى زيادة الطلب بشكل كبير على مصانع التصدير الصينية المتعطشة للكهرباء. وكان الطلب على تصدير الألومنيوم قوياً، وهو أحد أكثر المنتجات كثافة في استخدام الطاقة. كذلك على الصلب والأسمنت أيضاً، وهما عنصران أساسيان في برامج البناء الضخمة في الصين. 

أزمة عالمية في الطاقة 

ويرى خالد بودي، المحلل النفطي الكويتي، "أن العالم يشهد بداية أزمة عالمية في الطاقة قد تستمر لعدة عقود مقبلة"، وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، الأسباب قائلاً، "إنها عديدة أبرزها عودة النشاط الاقتصادي وزيادة الطلب على الطاقة بعد انحسار الجائحة التي أصابت العالم وزيادة عدد سكانه إضافة إلى التحول إلى الطاقة النظيفة وتقليص استخدام الفحم لتقليل الانبعاثات الكربونية، مما زاد الطلب على الغاز الطبيعي وأدى إلى ارتفاع أسعاره، فضلاً عن أن إمكانيات تخزين الطاقة من المصادر الطبيعية مثل الشمس والرياح محدودة جداً، وهذا يعني أنه في فترات سكون الهواء تقل الطاقة الصادرة عن الرياح كما أنه خلال فترات حجب الشمس بالغيوم يتقلص الحصول على الطاقة الشمسية وهذا بالضرورة يعني العودة إلى استخدام الوقود الأحفوري (النفط والغاز بشكل رئيس) في هذه الأحوال، ويتبع ذلك استمرار نمو الطلب عليه إلى أن يتم تطوير التكنولوجيا لتخزين الطاقة المتجددة من الشمس والرياح".

هدر الطاقة 

وتحدث بودي عن وجود هدر على مستوى العالم في استخدام الطاقة نتيجة عدم تطبيق وسائل الاقتصاد في استخدام الطاقة إلا بشكل محدود. ويرى، "أن عملية التحول إلى الطاقة النظيفة قد تستغرق عقوداً يتم خلالها خفض الاعتماد على مصادر الطاقة الأعلى تلويثاً للبيئة والاتجاه إلى استبدالها بمصادر الطاقة التقليدية الأقل تلوثاً للبيئة مثل الغاز إلى أن يتم تحقيق درجة عالية من التحول إلى الطاقة المتجددة. وكل هذا يعني أن العالم سوف يستمر بالاعتماد على الوقود الأحفوري وبالذات النفط والغاز للعقود الخمسة المقبلة على الأقل، وهذا يعني أيضاً أن هذه المصادر سوف تحافظ على مكانتها وارتفاع أسعارها خلال مرحلة التحول، كما يعني ذلك أن جهود خفض الانبعاثات الكربونية قد لا تحقق أهدافها خلال تلك المرحلة". 

ارتفاع أسعار الفحم في الصين 

ارتفاع الطلب على الكهرباء في الصين، أدى أيضاً إلى ارتفاع سعر الفحم لتوليد تلك الكهرباء. لكن المنظمين الصينيين لم يسمحوا للمرافق برفع الأسعار بما يكفي لتغطية التكلفة المتزايدة للفحم. لذلك كانت المرافق بطيئة في تشغيل محطات الطاقة الخاصة بها لساعات أكثر. 

ليس من الواضح إلى متى ستستمر أزمة الطاقة. وتوقع الخبراء في الصين أن يقوم المسؤولون بالتعويض عن طريق توجيه الكهرباء بعيداً من الصناعات الثقيلة كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الصلب والأسمنت والألومنيوم، وقالوا إن ذلك قد يحل المشكلة. 

وقالت شركة ستيت غريد، الموزع الكهربائي الذي تديره الحكومة، في بيان الاثنين الماضي، "إنها ستضمن الإمدادات، وتحافظ بحزم على الحد الأدنى لسبل عيش الناس وتنميتهم وسلامتهم". 

 

 

ومع ذلك، دفع نقص الطاقة على مستوى البلاد الاقتصاديين إلى تقليل تقديراتهم لنمو الصين هذا العام. حيث خفضت "نومورا"، وهي مؤسسة مالية يابانية، توقعاتها للتوسع الاقتصادي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام إلى 3 من 4.4 في المئة. 

كما تسبب نقص الكهرباء في تفاقم مشكلات سلسلة التوريد. حيث أدت إعادة التشغيل المفاجئ للاقتصاد العالمي إلى نقص في المكونات الرئيسة مثل رقائق الكمبيوتر وساعدت في إثارة اختلاط في خطوط الشحن العالمية، ووضع العديد من الحاويات والسفن التي تحملها في الأماكن الخطأ. 

ومقارنة بالعام الماضي، فإن الطلب على الكهرباء ينمو هذا العام في الصين بما يقرب من ضعف وتيرته السنوية المعتادة. في حين أدت الطلبات المتضخمة للهواتف الذكية والأجهزة المنزلية والمعدات وغيرها من السلع المصنعة التي تنتجها المصانع الصينية إلى ارتفاع الأسعار. 

وتسهم مشكلات الطاقة في الصين جزئياً في ارتفاع الأسعار في أماكن أخرى، كما هي الحال في أوروبا. وقال الخبراء إن ارتفاع الأسعار في بكين أدى إلى جذب موزعين للطاقة لإرسال سفن محملة بالغاز الطبيعي المسال إلى الموانئ الصينية، مما ترك الآخرين يندفعون للبحث عن مصادر أخرى. 

وتعد مشكلة الطاقة التي تواجهها الصين اليوم فريدة من نوعها، حيث يأتي ثلثا الكهرباء في الصين من حرق الفحم، الذي تحاول بكين كبحه لمواجهة تغير المناخ.  ومع زيادة الطلب على الفحم ارتفعت أسعاره هي الأخرى. ونظراً إلى أن الحكومة تحافظ على أسعار الكهرباء منخفضة، لا سيما في المناطق السكنية، فقد ارتفع استخدام المنازل والشركات له. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مواجهة خسارة المزيد من الأموال مع كل طن إضافي من الفحم تحرقه، أغلقت بعض محطات الطاقة أبوابها للصيانة في الأسابيع الأخيرة، قائلة، "إن هذا ضروري لأسباب تتعلق بالسلامة". وقال لين بوكيانغ، عميد معهد الصين لدراسات سياسة الطاقة في جامعة شيامن، "إن العديد من محطات الطاقة الأخرى تعمل بأقل من طاقتها الكاملة، وتتخوف من زيادة التوليد عندما يعني ذلك خسارة المزيد من الأموال". 

كما أمرت وكالة التخطيط الاقتصادي الرئيسة في الصين، اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، 20 مدينة ومقاطعة كبيرة في أواخر أغسطس (آب) بخفض استهلاك الطاقة لبقية العام. وإلى جانب الفحم، توفر السدود الكهرومائية الكثير من الطاقة المتبقية في الصين، بينما تلعب توربينات الرياح والألواح الشمسية ومحطات الطاقة النووية دوراً متزايداً. 

 وكان الشعور بالاضطرابات الناجمة عن نقص الطاقة جلياً في دونغقوان، قلب حزام التصنيع في جنوب الصين. حيث تنتج مصانعها كل شيء من الإلكترونيات والألعاب إلى السترات. 

وأصدرت هيئة نقل الطاقة المحلية في هوجي، وهي بلدة في شمال غربي دونغقوان، أمراً بقطع الكهرباء عن العديد من المصانع من الأربعاء إلى الأحد الماضي.  

أوروبا تواجه أسوأ أزمة غاز مع دخول الشتاء 

وفي أوروبا، حيث ترتبط أسعار الغاز الطبيعي بالقوى الإقليمية والعالمية، تتشكل عاصفة مثالية تتراوح من ارتفاع الطلب على الغاز بسبب الشتاء البارد وسياسات تصريح الكربون في الاتحاد الأوروبي؛ مع رياح خفيفة تأتي عبر العرض الروسي المُرتبط بأجندات سياسية أبرزها رفع الحصار الأوروبي عن روسيا وخلق ضغط أوروبي على الولايات المتحدة لرفع العقوبات الأميركية عن البلاد. 

وقد تصبح إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة وأماكن أخرى في أوروبا غير موثوقة بشكل أكبر هذا الشتاء. بخاصة أن المملكة المتحدة ودول أوروبا تعتمد أكثر من أي وقت مضى على الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل وسط جهود للإقلاع عن الفحم وزيادة استخدام مصادر الطاقة الأنظف. ولكن لا يوجد ما يكفي من الغاز بحسب الخبراء لتغذية التعافي بعد جائحة كورونا وإعادة ملء المخزونات المستنفدة قبل الأشهر الباردة. وتحاول البلدان المزايدة على بعضها البعض على الإمدادات مع تحرك المصدرين مثل روسيا للاحتفاظ بالمزيد من الغاز الطبيعي في الداخل الروسي. ويتوقع أن تزداد الأزمة سوءاً عندما تنخفض درجات الحرارة مع اقتراب فصل الشتاء. 

هل سيكون الغاز الأميركي هو البديل؟ 

تشيع حالياً فكرة أن الغاز الطبيعي المسال الأميركي يمكن أن يساعد أوروبا في مواجهة اضطراب الغاز الروسي، حيث صرح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يوم الخميس، "بأن الولايات المتحدة ستعمل مع أوروبا لضمان مواكبة إمدادات الطاقة للطلب المتزايد"، وفقاً لبوليتيكو. 

وهي فكرة يرفضها نيكوس تسافوس من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية حيث يقول، "الغاز الطبيعي المسال الأميركي، مثله مثل غيره، يستجيب لقوى السوق، وإذا كانت الأسواق الأخرى على استعداد للدفع مقابله أكثر من أوروبا، فلن يكون لدى أوروبا علاج فوري". ويضيف، "كما أنه يوفر أداة مساومة للحد من أسعار الغاز على المدى المتوسط والطويل".

25 في المئة ارتفاع تكاليف الطاقة 

كما تعمل سلع مثل النفط والغاز في الأسواق العالمية، لذا فإن الولايات المتحدة ليست محصنة ضد آثار ارتفاع الأسعار. وبالنظر إلى مؤشر أسعار المستهلك، وهو مقياس رئيس للتضخم، أظهرت قراءته الأخيرة في سبتمبر (أيلول) ارتفاع تكاليف الطاقة بنسبة 25 في المئة مقارنة بالعام الماضي. وتؤثر تكاليف الطاقة المرتفعة في انتعاشنا الاقتصادي. فكل دولار يتم إنفاقه على فواتير الكهرباء والتدفئة لا يتم إنفاقه على التسوق في العطلات أو الخروج لتناول الطعام في الخارج. 

مبادلة الغاز بالنفط 

وقد ترتفع الأسعار أكثر هذا الشتاء. حيث يقدر محللو بنك أوف أميركا أن سعر خام برنت قد يصل إلى 100 دولار للبرميل، وهو سعر لم نشهده منذ عام 2014. ويقول لوك تيلي، كبير الاقتصاديين في ويلمنغتون ترست، لموقع أكسيوس، "إن مسار السعر الحالي هو نتيجة اعتدال العرض بينما يتجه الطلب في الارتفاع الكبير". 

وعلى صعيد الطلب، "أدى إعادة فتح الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي إلى زيادة احتياجات الطاقة في أنحاء العالم"، كما يقول تيلي. وأدى ارتفاع الطلب إلى نقص الغاز الطبيعي في أوروبا والصين. ودفع ذلك بعض شركات الطاقة إلى مبادلة الغاز بالنفط، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار كليهما. 

في المقابل، فإن جانب العرض أكثر تعقيداً، حيث انخفض إنتاج النفط في بداية الوباء عندما تضاءل الطلب على كل شيء من وقود الطائرات إلى البنزين. وكان المنتجون المستقلون في الولايات المتحدة أكثر حذراً بشأن فتح الحنفية في كل مرة ترتفع فيها الأسعار بفضل الموجة الأخيرة من حالات الإفلاس والمستثمرين الذين يطالبون بمزيد من التركيز على العائدات. كما أن "أوبك" لا ترفع العرض بشكل كبير في محاولة للحفاظ على الأسعار عند مستويات مربحة. 

في حين "كان الإنتاج أكثر تقييداً لأن أكبر الاقتصادات في العالم جعلت الانتقال إلى المزيد من الطاقة المتجددة أولوية قصوى"، كما يقول فيل أورلاندو، كبير استراتيجي سوق الأسهم في فيديريتد هيرميز. ويضيف، "في النهاية كل هذه العوامل المتحركة المختلفة أدت إلى انخفاض إنتاج الطاقة الأميركية بنحو مليوني برميل يومياً على مدار العام الماضي، في وقت ارتفع الطلب على أساس إعادة فتح التجارة العالمية".

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز