Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تهديد أمن رئيس الوزراء أظهر قوة عصابات المخدرات في هولندا

ثمة 80 ألف خط من الكوكايين تستنشق كل يوم في مدينتي أمستردام وروتردام

زهور توضع لتكريم الصحافي بيتر دي فرايس المتخصص بشؤون الجريمة الذي اغتالته عصابات أمستردام (أسوشيتدبرس)

طيلة الـ11 سنة الماضية من ولاية مارك روته رئيساً للوزراء في هولندا، بدا مألوفاً رؤيته في شوارع لاهاي، يقود دراجته الهوائية بفرح إلى مكتبه عادة من دون وجود أي حضور أمني ظاهر.

في المقابل، عمدت الشرطة الهولندية هذا الاسبوع إلى تغيير ذلك كله، مع تعزيز واضح لحراسته. ولم يكن يظهر تبرير رسمي عن الإجراءات الجديدة المتخذة، بيد أن مسؤولين ذكروا في السر أن روته بات في حاجة إلى الحماية، إذ إن عصابات المخدارت التي تبدي جرأة متزايدة، تخطط لاختطافه.

في ذلك الصدد، جاء اشتداد حدّة العنف وتزايد نفوذ عصابات المخدرات القوية في هولندا، سريعاً وصادماً.

وأُفيد أيضاً أن تلك العصابات على علاقة بجريمة قتل من نوع بارز راح ضحيتها بيتر دي فريس، مراسل صحافي متخصص بشؤون الجريمة، في يوليو ( تموز) الماضي، إضافة إلى صلتها مع قائمة طويلة من جرائم القتل الوحشية في السنوات الاخيرة. وتشتمل تلك القائمة إنهاء حياة غوينيت مارتا أحد اباطرة الجريمة، في 2014/ بوابل من الرصاص إذ اخترق جسده ما يزيد على 80 رصاصة عند مدخل محل لبيع الكباب. وفي السياق نفسه، جاء ترك رأس مقطوع فوق الرصيف خارج صالة لتدخين الشيشة في أمسترادم 2016. كذلك ترد في القائمة نفسها جريمة قتل محامي أحد شهود الدولة في محاكمة كبيرة للمافيا، بإطلاق الرصاص عليه أمام زوجته أمام منزلهما في 2019.

وإلى جانب جرائم القتل، هناك فظائع أخرى مروعة تُنسب إلى عالم الجريمة. مثلاً، اكتشفت الشرطة العام الماضي غرفة تعذيب سرية بالقرب من الحدود الهولندية مع بلجيكا، وقد بُنِيَتْ داخل حاوية شحن عتيقة. وكذلك جرى بث لقطات عن عملية تعذيب أعضاء عصابة بلجيكية تُدعى "السلاحف" بواسطة كاوية لحام المعادن، على شبكة الإنترنت (وأُعيد تمثيل تلك العملية في وقت لاحق في مسرحية بلجيكية من نوع الكوميديا السوداء أُطلق عليها اسم غانغيستا).

واستطراداً، لم تعد الهجمات تقتصر على أعضاء العصابات المتنافسة، بل تجاوزت حدود عالم الجريمة لتطاول مدّعين عامين ومحامين وشهود وصحافيين، ولا سيما أن مكاتب إحدى كبريات الصحف قد استُهدفت بصاروخ مضاد للدبابات في 2018.

وتُعرف تلك العصابات محلياً باسم "المافيا المغربية"، أو "موكرو مافيا". ويعود الفضل في وضع ذلك المصطلح إلى فوتر لومان، مراسل صحافي مهتم بشؤون الجريمة، إذ اتخذ منه عنواناً لروايته التي باتت من الأعمال القصصية الأكثر مبيعاً، وتدور حول تزايد أهمية عائلة مجرمة في أمستردام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكذلك يشير مصطلح "مكرو مافيا" إلى حلقة وصل شمال أفريقية في السلسلة العالمية لتجارة المخدرات، تبدأ بالكوكايين الخام من كولومبيا يُشحن إلى غرب أفريقيا ثم يُهرّب إلى روتردام عبر المغرب. وفي بعض الأحيان، تتجسد تلك الصلة من خلال الاقرباء أنفسهم الذين كانوا يهربون الحشيش والماريجوانا قبل جيلين.

ويشير لومان إلى أن "شباب المغرب ممثلون بشكل قوي في [عصابات المخدرات]، وكذلك أبناء جزر الأنتيل وسورينام. ويمكنك أن تذكر بسخرية ،  إن الاندماج العرقي يفيد تلك العصابات بشكل كبير". ويوضح أيضاً أن عنف العصابات يتصاعد، وقد بات المدنيون محاصرون بشكل متزايد بفعل ما يسمى "القتل خطأً".

ويتابع لومان، "إن الوضع يزداد سوءاً. ويثير كل حادث جديد، استجابة من قبيل "واوو" أو شهقة تنم عن الدهشة والاستغراب. ويتساءل الجميع عما سيحصل لاحقاً. وفيما تواصل السلطات عملها، باتت عصابات المخدرات كالتنين "هيدرا" صاحب الرؤوس الكثيرة [بحسب الأساطير اليونيانية]. وصار ايقافهم عند حدّهم أكثر صعوبة".

في الحقيقة، تصادر الشرطة الهولندية شحنات من المخدرات تتزايد أحجامها باضطراد. وقد اعترضت في ميناء روتردام يوم الأربعاء الماضي 1400 كلغ كوكايين أُخفيت في شحنة كاكاو، علماً أن قيمة تلك الكمية من المخدرات في سوق الممنوعات تقدر بـ105 مليون يورو (90 مليون جنيه إسترليني).

وكذلك صادر عناصر الجمارك العام الماضي 48 طناً من الكوكايين في الموانئ وفي "مطار سخيفول" في امستردام، بزيادة 24% عمّا صادرته في  2019.

إن الوضع يزداد سوءاً. ويثير كل حادث جديد، استجابة من قبيل "واوو" أو شهقة تنم عن الدهشة والاستغراب. ويتساءل الجميع عما سيحصل لاحقاً.

فوتر لومان، مراسل صحافي مهتم بشؤون الجريمة

كذلك داهمت الشرطة عدداً قياسياً من مختبرات المخدرات الاصطناعية التي تصنع مواد "كريستال ميث" [منشط قوامه مادة ميث أمفيتامين التي تهيج الجهاز العصبي]، و"مادما" [أحد المصطلحات التي تشير إلى عقار النشوة المعروف إكستاسي]، ومادة "أمفيتامين". في المقابل، لا تعدو تلك الأمور عن كونها جزءاً صغيراً من كميات تلك المخدرات الاجمالية المتوفرة في سوق الممنوعات، وتزيد قيمتها كلها عن 20 مليار يورو (23 مليار دولار) في السنة الواحدة.

في الاسبوع الماضي، كشف فرد غرابرهاوس، وزير العدل الهولندي، عن أن صناعة المخدرات التي يتعامل بها عالم الجريمة، تكلّف المجتمع 4.1 مليار يورو (4.75 مليار دولار) سنوياً، تُضاف إلى زيادة في خدمات الشرطة تقدر كلفتها بـ1.1 إلى 1.6 مليار يورو و250 مليون يورو (289 مليون دولار) أخرى تنفقها الدولة على معالجة إدمان المخدرات.  

في سياق موازٍ، تشعر السلطات بشكل متزايد أن العصابات قد تفوقت عليها. وعلى ذلك النحو، حذّر تقرير أُعدّ في 2019 بتكليف من سلطات أمستردام، من أن تلك المدينة "قد أطلقت العنان لمجموعة متنوعة من مجرمي المخدارت، وعصابات مؤلفة من محتالين وطفيليين ووسطاء وأشخاص يبتزون الآخرين، وكُتّاب عدل مشبوهين ووكلاء عقاريين".

واستكمالاً، كشف فرد ويستيربيك، كبير مفوضي الشرطة في روتردام، أن نتائج بحوث أجريت على مياه الصرف الصحي أظهرت أن 40 ألف خط من الكوكايين تستَنْشَقْ يومياً في كل واحدة من المدينتين.

وتعترف نقابات الشرطة بأنها تتعرض للهزيمة على يد العصابات التي تغسل الأموال من خلال المتاجر والمطاعم وسوق العقارات المزدهر. وكذلك أوضح يان ستروجيس المنتمي إلى نقابة الشرطة (إن ب د) أن "المجرمين يتواصلون خلسة مع عناصر من الشرطة. لذا، باتت الشرطة محتاجة اليوم الى تدريب في كيفية التعامل مع هذا الوضع".

بصورة عامة، لماذا استطاعت تلك العصابات العنيفة السيطرة بهذا الشكل على هولندا؟ لعل السبب في ذلك يعود إلى كون ذلك البلد بوابة أوروبا، باعتباره أكبر مركز لوجستي في القارة ، بحسب البروفيسور هانز نيلين، استاذ علم الجريمة  في "جامعة ماستريخت" ورئيس "مركز المعلومات والبحوث حول الجريمة المنظمة".

ويضيف البروفيسور نيلين، "كنا على الدوام تجاراً عبر التاريخ، ويعود ذلك  إلى العصر الذهبي، بل يشمل ذلك زمن تجارة الرقيق. لدينا الخدمات اللوجستية بفضل ميناء روتردام و"مطار سخيفول". وعندنا أشخاص مستعدون لكسب المال". ويشير إلى وجود عوامل إضافية على غرار حدود الاتحاد الاوروبي المفتوحة، والحوافز المالية التي تجتذب الاستثمارات غير المشروعة.

ويعتبر البروفيسور نيلين أن جيلاً جديداً من رجال العصابات الأصغر سناً والأكثر قسوة، قد برز في العقد الماضي.

ويتابع نيلين، "حينما يبدأون في إطلاق النار على الناس في الشارع، تدرك أنهم يريدون توجيه رسالة إلى السلطات والمجتمع ككل مفادها أنه لا يمكن المساس بهم إلى حد ما. إنهم يرفعون الأصبع الوسطى لنا".

وفي مقلب مغير، يحذر نيلين من أن العصابات ستواجه مقاومة في نهاية المطاف، إذا بالغت في تحدي السلطات والقيم الاجتماعية . ويضيف، "في اللحظة التي يفعلون فيها ذلك [المبالغة في التحدي]، سيحرضون على ردّة فعل مضادة ستُتوج باستجابة عنيفة ضدهم. وقد رأينا ذلك يحدث في إيطاليا حينما شرعت المافيا هناك باستهداف القضاة".

في تلك الاثناء، يقود سوق الكوكايين المزدهر في أوروبا حرب المخدرات. ويذكر كل من "يوروبول" [وكالة إنفاذ القانون الأوروبية] و"يونودك"، وهو "مكتب الجريمة والمخدرات" في الأمم المتحدة الذي يتخذ من فيينا مقراً له، أن قيمة تلك السوق الاوروبية تعادل قيمة نظيرتها الاميركية.

وفي الشهر الماضي، نشرت هاتان الوكالتان تقريراً جاء فيه أن هولندا وبلجيكا أصبحتا مركزين للكوكاكين في أوروبا، فقد تجاوزتا إسبانيا التي تعتبر طريق التهريب الرئيس.

وكذلك أفادت الوكالتان أن "مركز سوق الكوكايين في أوروبا قد انتقل باتجاه الشمال". ولاينافس ميناء "روتردام" الهولندي سوى ميناء "أنتورب" الذي يبعد عنه حوالي 100 كلم (60 ميلاً)، لجهة كميات الكوكايين التي صودرت فيه، إذ اعترضت السلطات حوالي 65.6 طناً العام الماضي في "أنتورب". 

وعلى الرغم من تصدّر السلوكيات الغرائبية للعصابات عناوين الاخبار، فإن السلطات والجمهور يصران على أن هولندا لم تهبط بعد إلى درك "دولة مخدرات".

وفيما تبدو الجرائم صادمة، فإن معدلاتها ما زالت بعيدة عن ما تسجله المكسيك حيث تحصد الجرائم المتصلة بالمخدرات أرواح حوالي 14 ألف شخص سنوياً. وكذلك يعتبر معدل جرائم القتل في هولندا، 0.6 لكل مئة ألف نسمة، من بين الأدنى عالمياً. وفي 2019، سجلت جرائم القتل رقماً قياسياً في تدنيه، إذ لم يزد عددها على 125 جريمة. وحاضراً، تنخرط الحكومة في اتخاذ إجراءات ضد تلك الظاهرة. وفي الأسبوع الماضي، تضمنت ميزانية 2022، مبلغاً إضافياً مخصصاً لمكافحة الجريمة المنظمة مقداره 524 مليون يورو.

في ذلك الصدد، تقر البروفيسورة ليزلوت بيشوب، المتخصص في علم الجريمة بـ"جامعة إيراسيموس" روتردام، بحدوث ارتفاع في جرائم المخدارت لكنها تعتقد أن هولندا لا تزال أرضاً للسلام.

وتضيف، "لعله من المبالغة الذهاب إلى أن العصابات قد خرجت عن السيطرة. إذ ما زلنا نمتلك شرطة تعمل بكفاءة، إضافة إلى نظام قضائي يمكنك الوثوق فيه. وبصورة عامة، لا زالت هولندا مجتمعاً آمناً، لكن بعض المساحات فيه تحتاج إلى إدخال تحسينات عليها".

   

© The Independent

المزيد من تقارير