Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سنغافورة تكافح التدخل الأجنبي الرقمي بقانون يثير الجدل

يتخوّف البعض من أن يتسبب في إجراءات تحد من الحقوق الدستورية لبعض المواطنين

تعدّ سنغافورة من أوائل الدول التي ستقر تشريعاً عن التدخل الأجنبي الرقمي في الشؤون الداخلية (أ ف ب)

تسعى سنغافورة، البلد الصغير المتعدد الأعراق، إلى سن قانون جديد يعمل على منع التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد. ويستهدف القانون الحملات الإلكترونية التي تقدم معلومات مضللة أو معادية للدولة، فيما علل مطالبو تمرير القانون كون سنغافورة بلداً معرضاً للتدخل الخارجي من أطراف متعددة.

وخلق القانون المقترح حالة من الجدل ولغطاً محلياً ودولياً واسعاً فيما وصفته بعض شركات التواصل الاجتماعي الشهيرة بالقانون الفضفاض. فيما يرى مشرعون أنه سيقوض دور القضاء السنغافوري في مراجعة القرارات التي ستتخذها الحكومة، وقد يمس حرية التعبير، ومن الممكن إساءة استخدامه من قبل السلطات.

وسيسمح القانون لوزارة الشؤون الداخلية بإزالة أي محتوى إعلامي أو رقمي، وحظر حسابات المساهمين والمستخدمين لتلك المنصات الرقمية والإفصاح عن أي دعم داخلي أو خارجي.

قانون لمنع تدخل الأجانب

يهدف قانون "مكافحة تدخل الأجانب" المقترح إلى منع واكتشاف حملات المعلومات العدائية والوكلاء المحليين من جانب المنظمات الأجنبية، بهدف التدخل في الشؤون الداخلية السياسية للبلاد، وقد طُرح، أخيراً، على البرلمان للمرة الأولى من جانب الحكومة ممثلة في وزير الشؤون الداخلية.

وفي حالة إقراره، يمنح القانون الجديد وزير الشؤون الداخلية السلطة لإزالة المحتوى الذي يُعتبر جزءاً من حملة إعلامية معادية، فعلى سبيل المثال يمكن لوزير الشؤون الداخلية توجيه منصات وسائل التواصل، للكشف عن بعض المعلومات حتى قبل نشر أي معلومات عدائية، أو أن يطلب من صحيفة ما نشر رسالة إجبارية عن حملة إعلامية معادية وشيكة، حتى لو لم تكن تنشر المحتوى المسيء.

ومن بين الإجراءات التي ستصبح لدى السلطات الحكومية في حالة إقرار القانون، حذف المحتويات الإلكترونية التي ترى الحكومة أنها تقدم معلومات عدائية عن البلاد مدعومة من أطراف خارجية، وحظر حسابات المستخدمين المساهمين في هذه المحتويات لمواجهة هذه الجهات المعادية.

ويستهدف القانون الأشخاص "البارزين سياسياً"، وهم وفقاً للقانون الأشخاص والمنظمات المنخرطة بشكل مباشر في العملية السياسية السنغافورية، وسيكونون هدفاً للإجراءات الصارمة من قبل القانون المقترح، ويتضمن ذلك الأحزاب السياسية والنواب ورئيس المجلس ورئيس المعارضة والمرشحين في الانتخابات ووكالاتهم الانتخابية.

وسيكون على هذه الشخصيات والكيانات السياسية أن تفصح عن علاقتها بالمنظمات الخارجية، إلى جانب الإبلاغ عن التبرعات الداخلية والخارجية التي يتلقونها.

كما يستهدف القانون المقترح إنشاء واستخدام حسابات وهمية لنشر الرسائل التي تهدف لإثارة البلبلة والانشقاق بين المجتمعات المحلية في البلاد، واستخدام البوتات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي أو إظهار الإعلانات غير مباشرة لإيصال رسائل معينة. فيما سيعطي القانون الجديد صلاحية لوزارة الشؤون الداخلية السنغافورية بإصدار تعليمات مباشرة لأي شخص أو وسيط على الإنترنت بالتوقف عن نشر محتوى تراه ضمن قائمة الحملات العدائية أو المضللة، وفي حالة عدم التوقف عن نشر المحتوى المضاد ومخالفة التوجيهات سيجري حظر الوصول إلى المحتوى في سنغافورة واتخاذ إجراء قانوني بذلك.

قانون "فضفاض"

وعلى ما يبدو فإن القانون المقترح قد أثار بعض الجدل، نظراً لكونه فضفاضاً في تعريفه لـ"التدخل الخارجي"، وكذلك مصطلح "المصالح العامة". إذ يشير بعض المحللين لكون مشروع القانون المقترح يسعى لتقويض دور القضاء السنغافوري في مراجعة القرارات التي ستتخذها الحكومة بموجب القانون، كما يتخوف البعض من أن يتسبب القانون في إجراءات تحد من الحقوق الدستورية لبعض المواطنين والمقيمين الذين ستلحق بهم التهم المتعلقة بالتعامل مع طرف أجنبي لنشر معلومات كاذبة.

ولم تكن مخاوف حرية التعبير من قبل المؤسسات الحقوقية فقط، بل اتسعت دائرة المعارضين للقانون المحتمل، لتشمل أيضاً شركات من منصات مواقع التواصل الاجتماعي. فقد أوضحت شركة "فيسبوك" أنه بالنسبة لصياغة القانون المقترح فإنه "فضفاض للغاية" رغم انسجامها مع مبدأ ضرورة كبح التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للبلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما أوضح رئيس سياسة الحماية الرقمية في "فيسبوك"، ناثانيال جليتشر، أن سنغافورة ومنصة "فيسبوك" يتشاركان نفس الهدف الذي يتضمن منع التدخلات الخارجية، فيما يرى ناثانيال أن مصطلح "التدخل الأجنبي" واسع للغاية، ومن الممكن أن تقع بعض المنظمات غير الحكومية المصرح بها أو مجموعة من الناشطين في وسائل التواصل في دائرة الاتهام، مؤكداً ضرورة التفريق في التنفيذ بين التدخلات الأجنبية، وهذه الأنشطة للمنظمات غير الحكومية.

كما أعلن حزب العمال المعارض عن رفضه القانون المُقترح بصيغته الحالية، داعياً الحكومة لإجراء عدد من التعديلات، ليصبح القانون أكثر وضوحاً وشفافية. فيما أكد الحزب في بيانه ضرورة تقنين ومكافحة الأنشطة الأجنبية، التي تتدخل بشكل مباشر في الشؤون الداخلية، وأعرب الحزب عن رفضه القانون المقترح بشكله الحالي، وطالب بإجراء تعديلات للقانون تمكن القضاء من إجراءات تنفيذية وتحديد نطاق أكثر دقة للسلطات التنفيذية لتقليل احتمالية إساءة استخدام السلطة، إلى جانب توفير مزيد من التوضيح والشفافية بشأن ماهية الكيانات والأفراد الذين ستتخذ ضدهم أي إجراءات مستقبلية.

من جانبٍ آخر، تؤكد الحكومة على لسان وزير الشؤون الداخلية، أن القانون المقترح لن يتعرض لأي من المواطنين الذين يعبرون عن آرائهم في الشأن السياسي، ولن يشمل القانون الأجانب أو المطبوعات والإعلام الذي يُبدي رأيه في الشأن السياسي السنغافوري بطريقة حرة وشفافة، حتى وإن كان نقداً مباشراً للبلاد أو حكومتها.

التدخل الأجنبي في سنغافورة

سبق القانون مؤشرات وتوجهات حكومية قبيل طلب إقرار القانون الذي يمنع التدخل الأجنبي في البلد المتطور. فقد أعلنت لجنة الأكاذيب المتعمدة عبر الإنترنت التي شُكلت قبل أعوام عن حدوث أنشطة مضللة من قبل دول أجنبية ضد سنغافورة، مطالبة بوضع قوانين صارمة لمنع  تلك التدخلات.

وفي عام 2019، وصف وزير الشؤون الداخلية والقانون، كي شانموجام، تأثير التدخل الخارجي بكونه أكثر خطراً من القوة العسكرية في تهديد الاستقرار السياسي للبلاد. وخلال تصريحات له في مؤتمر حول تقنيات التدخل الخارجي وكيفية مكافحته، شدد وزير الشؤون الداخلية على حاجة سنغافورة لإقرار قوانين جديدة لمواجهة المخاطر المتزايدة الناتجة عن التدخل الخارجي.

وفي مارس الماضي، أشارت الوزيرة الثانية للشؤون الداخلية، جوسيفين تيو، إلى وجود حاجة لأدوات تشريعية للتعامل مع الحملات الإعلامية المعادية، وأن الحكومة تدرس كل الخيارات والمناهج التي تعاملت بها الدول الأخرى مع الحملات الأجنبية المعادية بهذا الشكل.

كما أعرب وزير الشؤون الداخلية عن كون حملات التدخل الخارجي والمعلومات العدائية تستخدم أدوات وتقنيات لتضليل المستخدمين في صالح بلد أجنبي معين، مما يهدد الأمن والسيادة السنغافورية، وذكر الوزير أن الجهات الأجنبية المعادية يمكنها أن تسعى لتضليل السنغافوريين في قضايا ذات شأن سياسي أو خلق انشقاقات بين المواطنين من خلال إثارة موضوعات خلافية مثل العرق والدين أو سعيها لتقليل الثقة في المؤسسات الحكومية.

وبحسب ما ترى الوزارة فإن سنغافورة بلد مُعرض لخطر التدخل الخارجي بشكل كبير، كونها بلداً مفتوحاً وحراً وشديد الاتصال رقمياً إلى جانب أنها بلد متعدد الأعراق.

وحتى قبل الحديث عن إقرار قانون مختص لمكافحة الحملات المعادية الأجنبية، رصدت سنغافورة عدداً من الحوادث البارزة التي كان للتدخل الأجنبي دور كبير فيها. ومن أبرز تلك الحوادث في الفترة الأخيرة، استبعاد أستاذ العلوم السياسية الأميركي من أصل صيني، هوانغ جينغ، في عام 2017 لاتهام الحكومة له بكونه وكيلاً لإحدى جماعات المخابرات الأجنبية بإحدى الدول.

وذكرت وزارة الشؤون الداخلية وقتها أن أستاذ العلوم السياسية استخدم منصبه للتأثير على السنغافوريين، وحاول التأثير على كبار المسؤولين في البلاد لتغيير السياسة الخارجية.

كما رُصد عدد من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من حسابات مجهولة تهاجم سنغافورة وحكومتها أثناء الأزمة بين سنغافورة وماليزيا في عامي 2018 و2019. كما أشار تحليل أميركي في 2019، إلى أن الحزب الشيوعي الصيني يستخدم عدداً من الشركات في البلاد، لكسب المواطنين المحليين للجانب الصيني ومصالحه.

التدخل الأجنبي الإلكتروني في آسيا

تعد سنغافورة من أوائل الدول التي ستقر تشريعاً عن التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية بهذا الشكل، فيما أقرت دول آسيوية وغربية كأستراليا وفرنسا والهند قوانين تهدف لمكافحة التدخل الخارجي والأجنبي. وأعلنت  سنغافورة في 2019 أنها تدرس تشريعات أستراليا في هذا الشأن تمهيداً لإقرار قانونها الخاص.

وتسن دول آسيان عدداً من القوانين الخاصة بالحماية الرقمية، التي تحاول من خلالها السيطرة على المحتويات الموجودة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي. فقد أقرت فيتنام قانون الحماية الرقمية في 2018، الذي يهدف لحماية الأمن القومي، ويضمن تنفيذ القانون والأمن في الفضاء الإلكتروني، ويمكن القانون السلطات من التحكم في مشاركة أو حذف المعلومات التي تحتوي على محتويات غير قانونية، ويهدف لوقف حملات الدعاية ضد الحزب الشيوعي الفيتنامي أو الأنشطة التي تدعو إلى الاضطرابات العنيفة والإخلال بالأمن والنظام العام.

فيما أقرت تايلاند في العام الذي يليه قانون الأمن الرقمي، وقد شكل حالة من الجدل، حيث منح الحكومة سلطة استدعاء الأفراد والكيانات للاستجواب ودخول الممتلكات الخاصة دون أوامر المحكمة في حالة وجود "تهديدات إلكترونية" خطيرة فعلية أو متوقعة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات