Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سنغافورة تكبح جماح التطرف المتزايد بالتأهيل الديني

تعد الأقل تعرضا للحوادث الإرهابية إذا ما قورنت بجيرانها لكنها لم تكن بعيدة تماما عن مرمى تلك الهجمات

تتميز سنغافورة بتنوعها العرقي والديني والثقافي (أ ف ب)

في العاشر من مارس (آذار) الحالي، ألقت قوات الشرطة في سنغافورة القبض على شاب عشريني يعمل في الجيش قام بالتخطيط لطعن وقتل مصلين في كنيس يهودي، وسط البلاد، كما خطط للسفر إلى غزة والانخراط في إحدى الحركات المسلحة لمحاربة إسرائيل. 

هناك موجة للتطرف في سنغافورة بدأت ملامحها قبل أعوام مما أثار قلقاً في دولة متعددة الأعراق والأديان، والتي عُرفِت بكونها متقدمة اقتصادياً وتقنياً، كما تسعى الدولة الصغيرة إلى سن قوانين وُصفت بالصارمة لمكافحة التطرف والإرهاب. كما تعمل سنغافورة على إضافة محتوى دراسي يهتم بالتناغم العرقي في مناهجها الدراسية.

بلد الأعراق

سنغافورة أكثر البلدان تطوراً في العالم، فاقتصادها المزدهر يُنظر إليه على أنه الأكثر تقدماً بين كل دول جنوب شرقي آسيا. كما تتميز بتنوعها العرقي والديني والثقافي. ويشغل العرق الصيني أكثر من ثلثي سكان البلد كاملة بسبب الهجرات السابقة. فيما يشكل عرق الملايو النسبة الأكبر بعد الصينيين في سنغافورة، يليه ذوو الأصول الهندية.

ونتيجة لهذا التعدد العرقي، فإن اللغات الرسمية المعروفة في سنغافورة أربع لغات هي الإنجليزية والمندرين (الصينية) والملايوية والتاميل، مع استخدام الإنجليزية بشكل واسع في الوسائل الإدارية والتجارية والصناعية، وهي اللغة الأولى في التعليم. كما تتسم سنغافورة بتعدد الأديان أيضاً، إذ يدين سكانها بالبوذية والإسلام والمسيحية والهندوسية، ولكن تعد البوذية هي الديانة الأوسع انتشاراً، إذ تقدر نسبة أتباعها بـ43 في المئة من إجمالي سكان سنغافورة.

التأهيل ديني

وتعد سنغافورة الأقل تعرضاً للحوادث الإرهابية إذا ما قورنت بجيرانها، بخاصة مع تزايد خطر حوادث الإرهاب في إندونيسيا وماليزيا والفيليبين. لكنها لم تكن بعيدة تماماً عن مرمى الهجمات الإرهابية، فقد أوشكت سنغافورة على تعرضها لعملية إرهابية على يد التنظيم المعروف في جنوب شرقي آسيا "الجماعة الإسلامية" التي على وشك استهداف محطات النقل الجماعي السريع ووزارات حكومية وسفارات أجنبية. وتمكنت السلطات السنغافورية من اعتقال الخلية الإرهابية بقانون الأمن الداخلي قبل عقدين وأُحبط الهجوم الإرهابي.

وعملت سنغافورة على وضع القوانين التي تحمي أمنها وتحول دون تعرض نسيجها العرقي للخطر. فلديها قوانين عديدة كقانون الأمن الداخلي الذي يوفر لسنغافورة الاحتجاز الوقائي، لمدة 30 يوماً كحد أقصى، ثم يمكن إصدار أمر للاحتجاز يطيل المدة إلى عامين كحدٍ أقصى، ومنع التخريب وقمع العنف المنظم ضد الأشخاص والممتلكات في مناطق محددة بالبلاد. وهو قانون يمكن السلطات من التصرف الاستباقي قبل حدوث الهجمات الإرهابية لمنع الإصابات والخسائر في الأرواح والآثار المدمرة على المجتمع.

وشكلت سنغافورة مجموعة خبراء للتأهيل الديني للمسلمين في عام 2003 بقيادة اثنين من رجال الدين البارزين في البلاد وهما أستاذ حجي علي حجي محمد وأستاذ حجي محمد حاسبي حسن ضمن مجموعة تطوعية من علماء المسلمين الذين يهدفون لفهم عقلية المحتجزين وتقديم الاستشارة لهم وتغيير عقليتهم ونظرتهم لجعلهم مؤهلين للمشاركة في المجتمع. وتسعى الحكومة لتجديد وسن قوانين صارمة من أجل محاربة ومكافحة التطرف والإرهاب، فقد أقرت قانون قمع تمويل الإرهاب في أبريل (نيسان) عام 2019، وذلك لمنع التوسع في تمويل الأنشطة الإرهابية ليشمل التدريب على الإرهاب وزيادة العقوبة على عدم كشف المعلومات المتعلقة بتمويل الإرهاب. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تطرف متزايد 

غير أن الآونة الأخيرة أظهرت مشكلة التطرف في سنغافورة، فقد صرح وزير الشؤون الداخلية كي شانموغان بأن اليمين المتطرف يتصاعد في البلاد وعده تطوراً مقلقاً وأنه جزء من موجة عالمية تلوح في الأفق.

ووفقاً لتقرير صادر عن وزارة الشؤون الداخلية في يونيو (حزيران) 2017، فإن التطرف قد بلغ أشده خلال السنوات الأخيرة. إذ أشار التقرير لزيادة استهداف البلاد من قبل الجماعات الإرهابية المرتبطة بـ"داعش" في جنوب شرقي آسيا.

كما أظهر التقرير وجود 11 حالة من المتطرفين بين المواطنين فقط خلال الفترة بين 2007 و2014 وتم التعامل معها وفقاً لقانون الأمن الداخلي، في حين شهدت هذه الأعداد قفزة بين عامي 2015 و2019 إذ وصلت أعداد المتطرفين الذين رصدتهم السلطات 22 حالة، وهو ما يعادل الضعف في فترة أقل. كما قبضت السلطات على أول حالة لسيدة بموجب قانون الأمن الداخلي بعد أن خططت شابة تبلغ من العمر 22 عاماً للسفر لسوريا للزواج من مقاتل بتنظيم "داعش".

وتوصلت التحقيقات في سنغافورة بعد تأثر طفل في الخامسة عشرة من عمره بمواقع التواصل الاجتماعي سلبياً ونشره صورة للرئيسة حليمة يعقوب، مطالباً في منشور له تنظيم "داعش" بقطع رأسها، فيما أكدت التحقيقات إيمانه بالدعاية الموالية لـ"داعش". ورغم قلة أعداد السنغافوريين الذين استطاعوا السفر إلى سوريا للمشاركة في الحرب هناك، فإن الحكومة قد أعلنت في 2018 عن انخراط اثنين من مواطنيها في الصراع حيث سافرا إلى سوريا مع عائلتيهما. 

وشهدت سنغافورة قبل عامين أول قضية لتمويل الإرهاب في البلاد، إذ اتهم المواطن، عمران قاسم، بتمويل شخص في تركيا لنشر دعاية تنظيم "داعش" في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014، وحُكِم عليه في أوائل فبراير (شباط) الماضي بالسجن 33 شهراً. كما يؤكد مختصون أن القضية تكمن في وجود تحدي الإرهاب في سنغافورة واستجابة البلاد لذلك التحدي.

وفي أعقاب الهجمات الإرهابية على فرنسا العام الماضي أقدمت السلطات في سنغافورة على التحقيق مع 37 شخصاً منهم 14 مواطناً للاشتباه في ميولهم الراديكالية أو التحريض على العنف عبر الإنترنت وإذكاء الاضطرابات المجتمعية.

كما ألقت السلطات أواخر العام الماضي القبض على طالب شاب من العرقية الهندية خطط لهجمات ضد المسلمين ومهاجمة مسجدين تزامناً مع ذكرى حادثة كرايست تشيرش في نيوزيلندا. 

الحادثة الأخيرة جعلت وزير الشؤون الخارجية يعرب عن قلقه في تصريحات له مطلع العام الحالي، بعد إلقاء السلطات القبض على خمسة شباب دون العشرين بموجب قانون الأمن الداخلي بعد تطرفهم وتغذيتهم فكرياً من خلال الشبكة العنكبوتية. وقال الوزير إن استراتيجية بلاده هي التواصل مع المجتمع والمنظمات الدينية لتحقيق التناغم العرقي والديني، واستخدام قانون الأمن الداخلي لالتقاط الأفراد المتطرفين قبل الانخراط في أي أنشطة تسبب أضراراً. 

الشبان وموجة التطرف 

وفي إطار سعيها لإيقاف موجة التطرف الجديدة، بدأت سنغافورة في عمل مبادرة تسمى "حركة الأمن" والتي تهدف إلى توعية الشباب وتدريب المجتمع لمكافحة الإرهاب. كما تضم المبادرة عدداً من القادة الشعبيين ومنظمات دينية متنوعة ورجال أعمال. علاوة على ذلك، سعت السلطات إلى الوصول للشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت لمواجهة تهديد المواد المتطرفة المنشورة على الشبكة العنكبوتية.

وتعمل سنغافورة على إضافة وحدات دراسية وموضوعات تركز على التناغم العرقي في مدارسيها، فذكرت الحكومة أن معلمي المدارس الثانوية يتلقون تدريباً متخصصاً لتسهيل المناقشات في القضايا المعاصرة مثل العرق والدين لصقل وجهات نظر الطلاب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير