Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السندات التونسية تحت ضغط الأزمة السياسية وصعوبات الاقتراض

ترقب في السوق المالية مع صعود مخاطر العجز وتردي الوضع الاقتصادي

مقر البنك المركزي التونسي  (أ ف ب)

 ألقت مستجدات الساحة السياسية في تونس بظلالها على تعامل الأسواق المالية العالمية مع السندات في البلاد، إذ شهدت أسعارها اضطراباً خلال الأسابيع الأخيرة ارتبط بكلفة مخاطر تداولها، ويعود ذلك إلى التأخير في تكليف حكومة جديدة في البلاد التي شهدت أحداثاً متسارعة في الشهرين الأخيرين أدت إلى ضبابية المشهد بعد أن جمد الرئيس قيس سعيد البرلمان وحل الحكومة في 25 يوليو (تموز) الماضي.

ومرت البلاد بفترة ترقب أثرت في السوق المالية، لكن ينبئ تكليف الرئيس قيس سعيد منذ يومين لنجلاء بودن تشكيل حكومة بتراجع طفيف لكلفة مخاطر تداول السندات وفق محللين اقتصاديين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" أجمعوا على أنه رغم توجيه تونس رسالة طمأنة إلى الممولين بالانطلاق في تشكيل حكومة جديدة بعد فترة من الشك وعدم اليقين في مستقبل البلاد، فإن هذا لا يمنع النتائج السلبية لارتفاع كلفة المخاطر للسندات على السوق المالية في ظل حاجة تونس العاجلة إلى الاقتراض لمواجهة العجز المالي وعدم القدرة على وضع الميزانية التكميلية لسنة 2021.

مستويات قياسية

وبلغت كلفة مخاطر تداول السندات التونسية في الأسواق الدولية مستويات قياسية، لامست 840 نقطة أساس يوم 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، مسجلة زيادة بنحو 22 نقطة أساس، مقارنة مع جلسة الإغلاق ليوم الاثنين 27 من الشهر ذاته، في حين تراجعت قيمة السندات السيادية التونسية التي يتم تداولها بالسوق الدولية، في عملية معاكسة للكلفة بسبب تردي الوضع الاقتصادي الذي بلغته البلاد منذ مطلع 2021، وسجل الارتفاع في كلفة تغطية مخاطر ديون السندات الخارجية مستويات قياسية. ما جعل المستثمرين يطلبون علاوات في حدود 8.4 في المئة، في حين لا تتجاوز نظيرتها الموظفة على السندات "عديمة المخاطر"  حدود الـ1 في المئة.

وتزيد هذه المعطيات في السوق المالية العالمية من حدة الأزمة المالية في البلاد، حيث تحتاج تونس إلى تعبئة 6.5 مليار دينار (2.3 مليار دولار) من السوق الدولية لتمويل ميزانية الدولة لسنة 2021، ولم تقم الحكومة التونسية بالخروج إلى السوق الخارجية إلى الآن. ويقارب إجمالي حاجيات تونس من التمويل الأجنبي المبرمج لسنة 2021 حوالى 13 مليار دينار (4.6 مليار دولار) تتوزع بين تمويلات على شكل قروض من مؤسسات مالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وعن طريق التعاون الثنائي، أو السوق المالية عبر طرح السندات.

 أساسيات الاقتصاد

 يرى المحلل الاقتصادي، المدير العام السابق للسياسات النقدية في البنك المركزي التونسي محمد سويلم، "أن الارتفاع المسجل في كلفة مخاطر تسديد السندات الخارجية أمر بديهي، بسبب عدم الاستقرار الذي شهدته البلاد في الفترة الأخيرة، إضافة إلى المؤشرات الاقتصادية السلبية، إذ يتحتم توفر التأمين على السندات كشرط أساس لمواصلة تداولها، وترتفع كلفة التأمين على السندات كلما زادت المخاطر"، وأشار إلى هذه المخاطر تتمثل في "عدم قدرة البلاد على سداد ديونها، أو تأثر نسبة الأرباح سلباً أو الانعكاس على الفائدة المحددة بالنقص عند استرجاعها".

وأوضح، "أن المعطى المالي والاقتصادي السلبي في البلاد يؤثر في تقييم مستوى المخاطر بحكم تراجع احتياطي العملة الأجنبية إلى 134 يوماً توريد بقيمة 21.79 مليار دينار. إضافة إلى مستوى النمو الذي بلغ 2 سلبي في الثلث الأول من 2021 مقارنة مع الفترة نفسها من 2020، و0.2 مقارنة مع الثلث الأخير من 2020". وأشار إلى أن "الثلث الثاني من السنة الحالية سجل نمواً بنسبة 16.2 في المئة مقارنة مع نظيره الثاني من 2020 بحساب الانزلاق السنوي. ولكن هذا لا يعني التعافي بل يفسر استعادة النشاط بعد الأزمة الصحية. كما يتواصل ارتفاع مستوى العجز التجاري الذي بلغ في يوليو الماضي 8.72 مليار دينار (3.11 مليار دولار)".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف، "أن سوق السندات الخارجية ترتبط بأساسيات الاقتصاد ودعائمه، وهو ما يشهد فترة أزمة في تونس بتراجع موارد العملة الصعبة، أهمها إنتاج الفوسفات الذي يوفر 35 في المئة فقط من معدل طاقته الاعتيادية، علاوة على انعكاسات الأزمة الصحية على القطاع السياحي الذي تراجعت عائداته بنسبة 52 في المئة، كما تسببت الاحتجاجات في توقف نصف إنتاج تونس من النفط، ويبلغ إنتاج البلاد من النفط 37.8 ألف برميل في اليوم، مقارنة مع حوالى 70 ألف برميل عام 2010، كما تراجع إنتاج الغاز بنسبة 15 في المئة".

كلفة الاقتراض

ويذهب سويلم إلى "أن تكليف نجلاء بودن بتشكيل حكومة من شأنه أن يوجه رسالة إيجابية إلى الممولين ويقلل من كلفة مخاطر تسديد السندات، لكن يبقى ذلك مشروطاً بنجاح المسار السياسي باستقرار حكومي وهدوء اجتماعي وتحسن أداء القطاعات الاقتصادية والرفع من إنتاجية موارد العملة الصعبة، حيث يحدد مخزون العملة الصعبة وضعية السندات في السوق الخارجية".

وتابع، "كما لا يمثل عجز تونس على توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي عائقاً أمام القدرة على الاقتراض، لكن يبقى الخروج إلى السوق المالية الدولية مكلفاً في ظل المعطيات الحالية، ويتحتم تحسين الأداء الاقتصادي للتمكن من الاقتراض بآجال مريحة وفائدة غير مرتفعة".

آفاق سلبية

ذكرت المحللة الاقتصادية عبير بن عون، "أن وضعية السندات التونسية مشروطة بعودة المؤسسات التونسية إلى نسق أدائها الطبيعي، الأمر المرتبط في المستقبل بالوضع السياسي في البلاد، وقد استقر العائد على السندات منذ تعيين نجلاء بودن لتشكيل الحكومة قبل يومين. كما ستؤثر الخطوات التالية لها في تكلفة مخاطر تسديد ديون السندات. ويظل التأثير مؤقتاً بحكم تواصل الخوف من تخلف تونس على سداد بقية أقساط قروض2021"،

يأتي ذلك بعد توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وقد ارتفع الدين الداخلي بنسبة 30 في المئة، ورفضت البنوك التونسية إقراض الدولة بسندات طويلة المدى لسد عجز الميزانية بسبب شح في السيولة بعد محاولات تمويل عجز الميزانية برقاعات طويلة المدى من البنوك التونسية بعد تعطل الاقتراض الخارجي. وتدخل البنك المركزي في أغسطس (آب) الماضي، بضخ 12 مليون دينار (4.2 مليون دولار) يومياً، لتمويل البنوك مقابل 9 ملايين دينار (3.2 مليون دولار) في يونيو (حزيران )2021 و8.7 مليون دينار (3.1 مليون دولار) خلال فبراير (شباط).

وتنمي جميع هذه المعطيات المخاوف من عدم قدرة تونس على سداد مستحقاتها، وترفع من مستوى مخاطر تداول السندات، فالعائد على السندات يتأثر بالأزمة السياسية وعدم الاستقرار المالي، والغياب الكلي للنمو الاقتصادي والآفاق السلبية، وقد زاد التصنيف الجديد من قبل وكالة "فيتش" من "ب" إلى "ب سلبي" في يوليو 2021 من تكريس حالة عدم اليقين.

اقرأ المزيد