Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغرب بعد عصر ميركل... المستشارة الآتية من الشرق

"هي الوحيدة التي اختارت مغادرة السلطة بعد 16 عاماً من النجاح والشعبية، وكان الناخبون الذين أسقطوا سواها مستعدين لإعادة انتخابها"

ما ستفتقده ألمانيا هو القيادة وما سينقص أوروبا هو القيادة الألمانية للقارة العجوز (أ ف ب)

في مقال نشرته "فورين أفيرز"، يقول البروفيسور كونستانز ستلزغوللر إن ثلاثة يستحقون لقب "المستشار العظيم" في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية: كونراد أديناور، فيللي برانت وهلموت كول. على ساعة الأول، دخلت ألمانيا الغربية في "ناتو" وتصالحت مع فرنسا وإسرائيل. وبقرار من الثاني ورؤيته كانت الاستدارة نحو سياسة "الأوست بوليتيك" أي الانفتاح على الشرق. وآخر ما حققه الثالث هو إعادة توحيد ألمانيا. أما أنغيلا ميركل، فإنها "المستشارة الاستثنائية". هي الوحيدة التي اختارت مغادرة السلطة بعد 16 عاماً من النجاح والشعبية، وكان الناخبون الذين أسقطوا سواها مستعدين لإعادة إنتخابها. ابنة القس البروتستانتي ودكتورة الكيمياء في مركز بحث أكاديمي التي دفعها سقوط جدار برلين إلى العمل السياسي وجاء بها من ألمانيا الشرقية إلى الغربية. تبنّاها سياسياً هلموت كول وعيّنها وزيرة مرتين وكان يقول عنها "هذه البنت" التي بدت عادية جداً كوزيرة. وحين وقع في فضيحة بخصوص تمويل الحزب، دعته بصراحة وجرأة إلى الاستقالة قبل أن يختارها الاتحاد الديمقراطي المسيحي زعيمةً وأن يضعها الناخبون على كرسي المستشارية بعد ستة أعوام.
وما فعلته كمستشارة كثير. ازدهار إقتصادي. تركيز على "ألمانيا أوروبية" في مواجهة التيار الداعي إلى "أوروبا ألمانية". فتح الحدود أمام مليون لاجئ سوري على الرغم من كون القرار غير شعبي وقد دفع حزبها ثمنه انتخابياً. مواجهة أزمات مالية حادة في منطقة اليورو، لا سيما في اليونان. استقرار سياسي وأمني. وقوف في وجه البيت الأبيض والكرملين، مع الحفاظ على معادلة موجزها: ألمانيا تعتمد على روسيا في الطاقة، وعلى الصين في التصدير، وعلى أميركا في الحماية. ومزيج من المرونة والصلابة في إدارة الشأن العام، وصمود في المواقف التي تقتنع بها، ولو كانت ضد الموجة. ولكن لا شيء اسمه "مبدأ ميركل". لا أفكار كبيرة ولا "رؤية" أيديولوجية. مجرد أسلوب عملي براغماتي من النوع الذي ينتج حلولاً للمشكلات المهمة للناس.

والصور معبّرة في المشهد: مستشارة ناجحة وحزب فاشل. الحزب الديمقراطي المسيحي الذي رشّح أرمين لاشيت خسر مما كان يربحه دائماً. الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي رشّح أولاف شولتز ربح مما كان يخسره في معظم الدورات الانتخابية. والرجلان معاً عاديان. لا كاريزما. ولا قدرة على إكمال مسار ميركل، على الرغم من ادعاء شولتز، وزير المال، أنه المؤهل لذلك. ومن هنا، قول 52 في المئة من الألمان في أحدث استطلاع للرأي إن "العصر الذهبي" لألمانيا ولّى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فما ستفتقده ألمانيا هو القيادة. وما سينقص أوروبا هو القيادة الألمانية للقارة العجوز بعدما حازت ميركل على لقب "زعيمة العالم الحر" وسط التدني في مستوى الرؤساء الأميركيين. ومَن سيتقدم لدور القيادة، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو الرئيس إيمانويل ماكرون أو مَن سيأتي مكانه في الانتخابات المقبلة. والمعادلة التي رسمها الجنرال ديغول بعد النجاح في العمل مع المستشار الأسبق كونراد أديناور لا تزال سارية المفعول: "أوروبا هي قضية الفرنسيين والألمان. فرنسا هي المحرك. وألمانيا هي الحصان". وخلال اهتزاز الثقة الأوروبية بالضمانات الأمنية الأميركية منذ هدد الرئيس الأسبق دونالد ترمب بالخروج من "ناتو"، الذي قال عنه ماكرون إنه في "موت سريري"، والدعوات الفرنسية الى "الاستقلال الاستراتيجي"، فإن ميركل أضافت شيئاً مهماً "الحاجة الى إعطاء روح لأوروبا".

حين سُئلت ميركل عن المميز في ألمانيا، أجابت: "لا بلد يستطيع إقامة هذه المباني المُحكمة السد وهذه النوافذ الجميلة". وهي واجهت ترمب وبوتين وتجاهلت محاولات بايدن للتحبب وتركت مسافة مع شي جينبينغ، وحافظت على العلاقات مع البلدان. فحين جاءت إلى السلطة عام 2005 كان جورج بوش الابن في أميركا، وتوني بلير في بريطانيا، وجاك شيراك في فرنسا، وسيلفيو برلسكوني في إيطاليا وبوتين في روسيا وهو الوحيد الذي لا يزال في الحكم. وهي رفضت أخيراً كل العروض لمناصب دولية، قائلة: "تعبت من اتخاذ القرارات السياسية". أما جوابها عما ستفعله بعد مغادرة المستشارية، فإنه: "لا شيء. ربما سفر وتمتع بالحياة العادية". لكن نتائج الانتخابات التي جاءت متقاربة بين الحزبين الكبيرين ستجعل تأليف الحكومة مهمة صعبة وطويلة. وإجازة ميركل من السياسة والقرارات مرشحة للتأخر إلى نهاية العام.

المزيد من تحلیل