Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن وعد بإنهاء سياسة ترمب حيال الهجرة.. لكن لم يتغير شيء للآن

استقطب تعامل إدارة بايدن مع أزمة الحدود في ديل ريو، تكساس، انتقادات من كل الجهات، كما يكتب ريتشارد هول في التحقيق التالي

أحد عناصر حرس الحدود الأميركي يحتجز مهاجراً من هايتي في وقت سابق من سبتمبر (غيتي)

تنزل أم وطفل من حافلة دوريات حدودية يغطيها الغبار. يحمل كل منهما حقيبة صغيرة وملامح القلق التي ترتسم على وجهه. وكان هذان اثنان من آلاف المواطنين الهايتيين الذين التجأوا في الأيام القليلة الماضية إلى معسكر حقير في طرف مدينة ديل ريو في ولاية تكساس، بعدما عبروا نهر "ريو غراندي" من المكسيك.

وبعد إخضاعهما إلى الفحص النهائي، تم توجيههما من قبل عناصر حرس الحدود الذين يرتدون زياً أخضر اللون، على مجموعة من المتطوعين في جمعية خيرية محلية الذين كانوا ينتظرون الوافدين على الرصيف. في تلك اللحظة، وبعد رحلة محفوفة بالمخاطر ومهلكة استغرقت على الأرجح أشهراً، فإن لهما الحرية في الذهاب حيث يريدان، ويستطيعان البدء في تقديم طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة.

ويعتبر هذان من المحظوظين. فهناك حافلات لم تأت إلى مركز كهذا، بل واصلت السير بركابها إلى المطار حيث كانت طائرة بانتظارهم لتحملهم في رحلة العودة إلى هايتي، تلك البلاد التي يعصف بها العنف والاضطراب السياسي والكوارث الطبيعية. ولم يتم إبلاغ العديد من هؤلاء الركاب ما هي وجهتهم حتى وصلوا إلى المطار، كما لم تُتح الفرصة لأي منهم لتقديم طلب اللجوء.

وقد أُعيد إلى هايتي نحو 2000 شخص من أصل 15000 من مواطنيها الذين تم احتجازهم تحت ذلك الجسر الذي ذاع الآن صيته السيئ. وتعني هذه الأرقام التي أعلنتها وزارة الأمن الداخلي أن تلك كانت واحدة من أكبر عمليات الطرد الجماعي في تاريخ الولايات المتحدة الحديث. ويُشار إلى أن جو بايدن كان قد وعد خلال حملته الانتخابية بإجراء إصلاحات شاملة في سياسة الهجرة الأميركية من أجل جعلها "عادلة وإنسانية". بيد أن الأحداث في هذه المنطقة الحدودية الصغيرة قد خلقت الانطباع لدى البعض بأن الوضع لم يتغير كثيراً عنه في عهد ترمب.

وقد استقطب استخدام بايدن بمنتهى الحرية أسلوب الطرد انتقادات حادة من جانب جماعات الهجرة والديمقراطيين، وأيضاً من المبعوث الخاص للحكومة الأميركية إلى هايتي الذي استقال احتجاجاً على اتباع هذه الطريقة. وقد جرى تطبيق هذا الأسلوب بموجب قانون تمّ سنه قبل عقود عدة، ويسمح للحكومة بمنع دخول الأفراد إلى أراضيها في أوقات الطوارئ الصحية. وقلما جرى تطبيق هذا البند الذي يدعى "العنوان 42"، إلى أن استعان به ترمب في مارس (آذار) 2020 بغرض طرد المهاجرين وطالبي اللجوء بشكل سريع، مشيراً إلى جائحة "كوفيد-19" كمبرر لذلك.

وشجبت مجموعات حقوق الإنسان بقسوة هذا التصرف، معتبرة أنه غير قانوني، كما حاولت تفنيده في المحكمة، إلا أنه بقي موضع تنفيذ في ظل إدارة بايدن، لا بل وبوتيرة أعلى مما مضى. فقد جرى طرد 605509 أشخاص بموجب قانون "العنوان 42"، خلال الأشهر السبعة التي تلت تنصيب الرئيس بايدن، حسبما تفيد هيئة "الجمارك وحماية الحدود" الأميركية. واللافت أن هذه الحصيلة تزيد على ضعفي الذين تم طردهم بين مارس 2020 ويناير (كانون الثاني) 2021 خلال ولاية ترمب، والذين بلغ عددهم 255163 شخصاً.

وكان الغضب ملموساً في أوساط المدافعين عن المهاجرين على الأرض في ديل ريو، المدينة التي يسكنها نحو 35 ألف نسمة.

وقال ويد مكمولين، وهو محامي حقوق إنسان يعمل لدى جمعية "روبرت أف كيندي لحقوق الإنسان" إنه "أمر فظيع ومريع أن تواصل إدارة بايدن السياسة التي صممتها إدارة ترمب لإبقاء الناس بعيداً عن هذه البلاد، بما يخالف القانون، وعلى نحو يمثل انتهاكاً لحقوقهم في السعي إلى الحصول على اللجوء". يُذكر أن مكمولين قد جاء خصيصاً إلى ديل ريو لمساعدة المهاجرين.

وأوضح المحامي الذي أمضى أياماً في مركز النقل الذي يقع على مرمى حجر من الحدود لاستقبال المهاجرين الذين احتجزوا تحت الجسر، أن السياسة المتبعة ليس لها أي مبرر قانوني أو عملي.

وذكر مكمولين لصحيفة "اندبندنت" أنه "إذا كانوا يستخدمون حالة الطوارئ الصحية العامة لتبرير عمليات الطرد، فإما أنهم يعرفون أن شخصاً ما مصاب بفيروس كوفيد-19 ويرسلونه مع أشخاص آخرين، وهذا موقف محفوف بالمخاطر كما أنه غير مستقر إلى حد بعيد، وإما أنهم لا يجرون اختبارات لهؤلاء الأشخاص في الحقيقة، وهم لا يعرفون ما إذا كانوا يشكلون خطراً على الصحة العامة، لكنهم يطردونهم على أي حال".

وكانت الأزمة الأخيرة قد بدأت بوصول نحو 15 ألفاً من أبناء هايتي إلى مدينة ديل ريو الواقعة على حدود المكسيك مع أميركا. لم يأت معظم هؤلاء اللاجئين من بلادهم مباشرة، بل جاؤوا من تشيلي والبرازيل ودول أخرى في أميركا الجنوبية كانوا قد فروا إليها في السنوات التي أعقبت آخر زلزال مدمر ضرب هايتي في عام 2010، ما أسفر وقتها عن سقوط 200 ألف قتيل وتشريد نحو مليوني شخص.

وأدت مجموعة من العوامل إلى الزيادة الأخيرة في أعداد مواطني هايتي الذين حاولوا عبور الحدود إلى الولايات المتحدة. فقد جددت إدارة بايدن في وقت سابق من العام الحالي وضعية الحماية المؤقتة للهايتيين في الولايات المتحدة. واعتقد الكثيرون أنه سيسمح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة، لكن وضعية الحماية المؤقتة تنطبق فقط على أولئك الذين كانوا سلفاً في البلاد. وكان انتخاب بايدن في حد ذاته سبباً كافياً لتشجيع البعض على أن يحدوهم الأمل في أن يسمح لهم بدخول الولايات المتحدة.

في هذه الأثناء، ارتفع عدد عمليات عبور الهايتيين الحدود حتى بلغ مستويات قياسية في العام الماضي. وواجه مسؤولو هيئة "الجمارك وحماية الحدود" الأميركية ما يقرب من 28000 حالة تسلل غير قانوني لمهاجرين هايتيين على طول الحدود الجنوبية الغربية بين أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وأغسطس (آب) 2021، علماً أن 24000 واحدة من هذه المواجهات قد وقعت في تكساس.

وسرعان ما شعرت السلطات بالإرهاق مع وصول مثل هذه المجموعة الكبيرة دفعة واحدة إلى مدينة ديل ريو. وأثارت أوضاع المخيم المريعة عاصفة إعلامية، لم تلبث أن ازدادت تأججاً عندما ظهرت صور لعناصر حرس الحدود على ظهور أحصنتهم وهم يحاولون احتجاز المهاجرين لدى عبورهم نهر "ريو غراندي".

وإذ أثارت الصور غضب الديمقراطيين، فقد استغل الجمهوريون مشاهد الفوضى من أجل إحراج إدارة بايدن. وأرسل حاكم ولاية تكساس الجمهوري غريغ أبوت عشرات المركبات من "إدارة السلامة العامة" في الولاية لإقامة ما وصفه بأنه "حاجز فولاذي" ظهر وكأن الهدف منه هو منع المهاجرين من عبور النهر.

في غضون ذلك، كانت مدينة ديل ريو قد تحولت إلى ما يشبه المنطقة العسكرية. فقد كانت قوافل سيارات دوريات الحدود وسيارات شرطة الولاية تمضي منطلقة في عجالة على طرقها السريعة. وملأ عناصر وكالات الولاية والحكومة المطاعم والفنادق حين لم يكونوا على رأس عملهم يقومون بحراسة الحدود.

ولم يطل الوقت حتى صار النمو السريع للمخيم تحت الجسر الدولي في ديل ريو الذي يعبر إلى المكسيك، عبارة عن أزمة بالنسبة إلى البيت الأبيض. وسرعان ما صدرت الأوامر بتفكيك الخيام التي انتشرت هناك ومعالجة حالات الآلاف ممن التجأوا إليها.

 وشوهدت مركبات البناء والهدم متجهة إلى الموقع الحدودي، كما ظهر بعد ذلك بوقت قصير شريط فيديو للمركبات وهي تهدم هياكل البناء المؤقتة. وقال مسؤول في دورية حدودية لصحيفة "اندبندنت"، إنه لم يبقَ سوى 150 شخصاً فيه بحلول صباح الجمعة.

وفي الوقت الذي كانت عملية تفكيك المخيم جارية، زادت إدارة بايدن من عمليات الطرد بشكل كبير. هكذا انطلقت الحافلات الصغيرة مسرعة من المخيم الحدودي إلى المطار ليلاً ونهاراً، وهي تحمل أشخاصاً إلى الطائرات التي كانت ستعيدهم إلى هايتي.

وراقبت تايشا سانتيل، وهي من مجموعة "تحالف جسر هايتي" المدافعة عن المهاجرين الهايتيين، الحافلات تأتي وتروح ، من دون أن تستطيع فهم سبب طرد بعضهم والسماح لآخرين بالبقاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفتت سانتيل، فيما كانت تقف خارج مركز النقل في ديل ريو حيث توقف المهاجرون بعدما تمت معالجة حالاتهم من قبل سلطات الحدود، إلى أنه "على الرغم من أن عائلات قد سمح لها بالبقاء، فإن العديد من العائلات كانت لا تزال تتعرض للطرد". وطبقاً لبيانات الطيران التي اطلعت عليها وكالة الأنباء الفرنسية فإن نحو نصف الهايتيين المطرودين، وعددهم الإجمالي 327 شخصاً، كانوا دون الخامسة من عمرهم وقد ولدوا خارج هايتي.

ورأى أولئك الذين انتقدوا عمليات الطرد أنها حرمت الأشخاص من حقهم بطلب اللجوء، كما أجبرت الناس الذين فروا من هايتي قبل سنوات عديدة على العودة إليها وهي تعيش أوضاعاً غير مستقرة. وبعد أيام عدة شهدت حركة دائبة للحافلات التي سافرت بشكل متكرر بين المطار والحدود، قدم المبعوث الخاص لإدارة بايدن إلى هايتي استقالته احتجاجاً على ما كان يجري.

وأعرب دانيال فوت، الذي تم تعيينه في هذا المنصب في شهر يوليو (تموز)، عن معارضته "القرار القاضي بترحيل الآلاف من اللاجئين الهايتيين والمهاجرين غير الشرعيين إلى هايتي لكونه لا إنسانياً ويؤدي إلى نتائج عكسية، علماً أن المسؤولين الأميركيين في هايتي محاصرون في مجمعات سكنية آمنة، بسبب الخطر الذي تشكله العصابات المسلحة على الحياة اليومية".

وزاد المبعوث الخاص السابق في رسالة بعث بها إلى أنتوني بلينكن وزير الخارجية أن "نهج سياستنا حيال هايتي يعاني خللاً عميقاً، وقد تم تجاهل توصياتي السياسية ورفضها، وذلك حين لم تتعرض للتغير بحيث صارت تعبر عن رواية مختلفة لروايتي".

ووصف أليخاندرو مايور كاس، سكرتير وزارة الأمن الداخلي، عمليات الطرد بأنها "أمر لا بد منه للصحة العامة"، وذلك حين ظهر في برنامج "لقاء مع الصحافة" الذي بثته قناة "أن بي سي" الأحد.

وأضاف أن الإجراءات كانت ضرورية "لحماية المهاجرين أنفسهم، والمجتمعات المحلية، وموظفينا والجمهور الأميركي".

ولم ترد وزارة الأمن الوطني على أسئلة وجهتها صحيفة "اندبندنت" لها حول المعايير المتبعة في عمليات الطرد، بيد أن مايور كاس نفى طرد الأطفال الذين لا يرافقهم أهلهم.

وتأتي عمليات الطرد السريعة في وقت تزداد فيه الحالة الأمنية تدهوراً مطّرداً في هايتي في الأشهر القليلة الماضية فقط، إذ شهدت البلاد اغتيال رئيسها من جهة، كما ضربها زلزال مميت أوقع ما يزيد على 2000 ضحية وشرّد نحو 112000 إنسان، كما أدى إلى زيادة كبيرة في عنف العصابات.

من جهتها، رأت آريانا سوير، الباحثة في شؤون الحدود الأميركية لدى "هيومان رايتس ووتش" التي تتعقب تدفقات الهجرة، في لقاء لها مع "اندبندنت"، أن "دولة هايتي حالياً في حالة انهيار أمني كامل". وأردفت "لا يجد الناس أماكن للعيش فيها، وليس لديهم ما يسد الرمق، وهناك عصابات مسلحة تتحكم بالشوارع، ولذا فإن فكرة إعادة الحكومة الأميركية الناس إلى هايتي الآن، خصوصاً خلال جائحة عالمية، من شأنها أن تسبب حتماً مزيداً من الانفلات الأمني وبالتالي تؤدي إلى مزيد من تدفقات الهجرة".

 وجادلت سوير أن إدارة بايدن قد استأنفت عمل إدارة ترمب من حيث انتهت، وذلك من خلال التعامل مع الحدود على أنها قضية أمنية وليس بوصفها مسألة إنسانية.

وتابعت "هناك أزمة إنسانية على الحدود تحتاج إلى استجابة إنسانية. غير أن هذه الإدارة استمرت في الاستثمار في سياسات الردع العنيفة التي تنطوي على التمييز".

وأضافت "نحن نتحدث عن بعض الأشخاص الأكثر عرضة للخطر في العالم، ولا تنقصهم الحيلة أو التصميم مع أنهم مستضعفون. وقد ذاقوا سلفاً في أغلب الحالات ألم الكثير من الصدمات، ونحن نتبع هذه السياسات المروعة المصممة لجعل عبور الحدود أكثر الأعمال إيلاماً أو تعسفاً أو صعوبة بالنسبة إلى هؤلاء الناس الذين يعتبرون الأقل قابلية للردع في المقام الأول".

أما سانتيل التي كانت قد هاجرت هي نفسها إلى أميركا مع والديها وهي طفلة، فلا يزال لديها أقارب في هايتي. وحفزتها معرفتها بأوضاع تلك البلاد على مساعدة الوافدين الجدد من هناك.

واعتبرت سانتيل "أن الأمر مفجع حقاً. ففي هذه الأشهر الأخيرة فقط شهدنا اغتيال الرئيس، ورأينا عصابات تسيطر على مدن رئيسة، ونرى عمليات الخطف إلى ازدياد، ونرى الفقر، فالناس يعيشون على أقل من 15 سنتاً في اليوم الواحد. ولديك الآن أشخاص تتم إعادتهم إلى ذلك الوضع. كأن لديك بيتاً يحترق فتسكب عليه الزيت".

وأضافت موضحة أن المطلوب هو سياسة من شأنها أن تتيح للمهاجرين الهاربين الفرصة للتقدم بطلب اللجوء. واعتبرت أن "الناس يحتاجون إلى القدرة على السعي للحصول على اللجوء، فهذا حق قانوني. ولو كانت هناك حدود مفتوحة يستطيع الناس أن يدخلوا عبرها ويقولوا (أخشى على حياتي) فإن هذا لم يكن ليحصل".

وأضافت "يجب إلغاء [القانون] (العنوان 42) بشكل فوري، وينبغي أن تكون هناك عملية عادلة وفعالة لا تسيء للناس، لا سيما المهاجرين ذوي البشرة السوداء منهم، لأننا جميعاً رأينا الصور".

© The Independent

المزيد من تقارير