Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أدمغة غزة" تهاجر وإجراءات لمنع الأطباء من المغادرة

61 ألفاً من السكان سافروا من معبر رفح ولم يعد منهم سوى 37 ألفاً

سكان من غزة عند الإفطار قرب مبان دمرت اثناء المواجهات بين حركة "حماس" وإسرائيل (أ.ف.ب)

لم تفاجئ التقارير التي تحدثت عنها منظمات دولية تابعة للأمم المتحدة بشأن الارتفاع الخطير في نسبة الغزيين الذين يقررون الهجرة إلى أوروبا لضمان أمنهم الاجتماعي والاقتصادي. فالحصار المتواصل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، والخوف الذي يرافق الغزيين من احتمالات تصعيد يؤدي إلى قصف إسرائيلي مفاجئ، دفعا بالكثير إلى التفكير بالهجرة، عبر معبر رفح إلى تركيا، ومن هناك يُنقلون عبر القوارب ومن دون ضمان سلامتهم وأمنهم، إلى اليونان ومن ثم إلى الدولة الأوروبية التي يختارونها.

في الشهر الماضي لم تنفع كل المحاولات التي قام بها 13 غزياً للهروب من حياة الجحيم التي يعيشونها في غزة. فقد بذلوا جهوداً مضنية حتى حصلوا على تأشيرة خروج من معبر رفح، ومن هناك توجهوا إلى تركيا، لكن أوضاعهم المالية الصعبة التي دفعتهم إلى قارب مزدحم بالمهاجرين بأقل ما يمكن من التكاليف، لنقلهم إلى اليونان، أودت بحياتهم. فقد غرق القارب وماتوا جميعاً، وفق تقرير دولي.

المعطيات الأخيرة تشير إلى أن 61 ألفاً من سكان غزة غادروا معبر رفح ولم يعد منهم سوى 37 ألفاً، وذلك على خلفية الوضع الاقتصادي الصعب في القطاع. معظم المغادرين من المهنيين المبدعين، أو "أدمغة غزة"، كما يسمونهم، وهناك نسبة كبيرة من المثقفين من طبقة اقتصادية عالية نسبياً، من بينهم 150 طبيباً من مستشفيات غزة.

بحسب ما ادعى أمنيون إسرائيليون، مطلعون على وضعية المعابر والتصاريح، فقد فرضت قيود كبيرة على الأطباء ومنعوا من المغادرة خشية أن تخلو غزة من أطبائها، بالتالي يشكل الأمر خطراً على صحة المرضى والسكان.

سجن كبير

يزج الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة، سكانه داخل سجن كبير يحرمهم أدنى الحقوق الإنسانية. فمساحة القطاع لا تتجاوز 362 كيلومتراً مربعاً، ويعيش فيه حوالى مليوني فلسطيني، ويعتبر أشد مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان، إذ أكثر من 70 في المئة من سكانه من لاجئي عام 1948.

على أرض الواقع تهيمن إسرائيل على ربع مساحة القطاع، أي حوالى 87 كيلومتراً مربعاً، تعتبرها مناطق عازلة، بذريعة الحفاظ على أمنها وأمن سكان الجنوب. بموجب هذه الإجراءات يتعرض للقتل كل من يصلها من فلسطينيي غزة سواء للعمل أو لزراعة أرضه.

وبحسب تقرير لمركز "بتسيلم" لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم تسمح إسرائيل للفلسطينيين من دخولها، كما لم يوضح الجيش للغزيين المساحات التي يُحظر دخولهم إليها، مما فاقم الأخطار التي يتعرض لها السكّان. وأمام هذا الخطر طبّقت إسرائيل في هذه المناطق "تعليمات إطلاق نار" على الفلسطينيين الموجودين داخلها حتى إذا لم يعرِّضوا أحداً لخطر. نتيجة لتطبيق هذه التعليمات بلغ عدد القتلى المدنيّين خارج جولات القتال 83 فلسطينياً حتى نهاية سبتمبر (أيلول) 2017. من بين هؤلاء قُتل 39 أثناء وجودهم هناك كجزء من مجريات حياتهم العاديّة، بعضهم من سكّان هذه المناطق وبعضهم ومزارعون. كذلك قُتل 12 آخرون لدى اقترابهم من الشريط الحدودي بقصد الدخول إلى إسرائيل بحثاً عن عمل.

في الماضي زرع السكّان في هذه الأراضي الأشجار المثمرة ودفيئات الخضار، كما استخدموها لرعي الأغنام والأبقار التي يربونها للاستهلاك المنزليّ. ولكن بسبب سياسة إسرائيل هذه، وفي أعقاب تدمير الجيش لمساحات شاسعة من المزروعات في المنطقة، اضطرّ مزارعون كثيرون إلى الانتقال لزراعة محاصيل تتطلب عناية أقل، وفي الوقت نفسه لا يستطيع الجيش الإسرائيلي الادّعاء بأنّها تحجب الرؤية عنه. لذلك تنتشر اليوم في هذه المناطق الزراعة البعلية، التي لا تحتاج للريّ وتشمل الحنطة والشعير والفاصولياء ومختلف أنواع الخضار.

4 آلاف دولار من دون أمان

ما ذكر أعلاه يشكل جانباً صغيراً من معاناة الغزيين، الذين يعيشون تحت حصار يشكل خطراً على حياتهم وصحتهم، ويضعهم أمام مأزق لا حل له إلا بالهجرة.  

يتبين من تقارير لمنظمات مساعدة دولية تابعة للأمم المتحدة تسجيل 60967 حالة خروج من القطاع إلى مصر عبر معبر رفح عام 2018، مقابل37075 حالة دخول إلى غزة.

إسرائيل، التي ادعت في تقرير لها أنها مدركة لكل التفاصيل، تقول إن تكلفة السفر لفلسطيني يريد المغادرة إلى تركيا تصل حتى 4 آلاف دولار، وفي معظم الحالات تتجند العائلة لدعم المهاجر، وتوفير المبلغ على أمل أن يستقر في دولة أوروبية ويجد عملاً، يضمن من خلاله إرسال المال للعائلة. وتشير المعطيات إلى أن ألمانيا والسويد من أكثر الدول المفضلة للغزيين.

وبحسب ما يؤكد مركز "بتسيلم"، فإن قطاع غزة يواجه مأساة إنسانية خطيرة غير ناتجة من كارثة طبيعية، إنما صنيعة إسرائيل، التي تفرض على نحو مليونيْ مواطن في القطاع حياة فقر مدقع في ظروف غير إنسانية.

المزيد من العالم العربي