Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي تعلمه مطلق النار على ريغان بعد 40 عاما من القيود؟

جون هينكلي سيتمتع بحريته في عمر 67 سنة بعدما سبب الحسرة والألم لكثيرين

قبل 40 عاماً، كان جون هينكلي شاباً يتمتع بحريته في ربيع عمره الـ25، لكن الهوس بنجمة هوليوود الصاعدة آنذاك جودي فوستر غيّر حياته تماماً، فطاردها أكثر من مرة، وحينما فشل، أراد جذب انتباهها فأطلق النار على الرئيس الأميركي رونالد ريغان عام 1981، متأثراً بأحداث فيلم كانت فوستر بطلته. وأمضى أكثر من 35 عاماً محتجزاً في مستشفى للأمراض العقلية وخمسة أعوام أخرى في حرية مقيدة تحت المراقبة، قبل أن يمنحه أحد القضاة أخيراً حريته الكاملة في يونيو (حزيران) المقبل، إذا ما حافظ على استقراره العقلي. فما الدرس الذي تعلّمه هينكلي وغيره من المهووسين بالمشاهير؟

ليست مفاجأة

لم تكن موافقة أحد القضاة الفيدراليين في العاصمة الأميركية واشنطن، على رفع جميع القيود المتبقية عن جون دبليو هينكلي جونيور الذي حاول اغتيال ريغان، مفاجئة لمحاميه أو الادعاء، فكانت متوقعة منذ أن سمح القضاء بإطلاق سراحه المشروط عام 2016 بعدما أكدت تقارير طبية اختفاء أعراض مرضه النفسي، إذ كان مصاباً بمرض الذهان الحاد والاكتئاب الشديد والاضطراب في شخصية النرجسية قبل أن تستقر حالته طوال العقدين الماضيين.

ولم يصدر عنه أي سلوك عنيف أو اهتمام بالأسلحة منذ عام 1983، إضافة إلى وفاة والدته في يوليو (تموز) الماضي، وتقاعد معالجه في يناير (كانون الثاني) المقبل. لهذا، وافقت وزارة العدل الأميركية على ضرورة منح هينكلي الإفراج غير المشروط، وإن طالبت بعدم رفع القيود رسمياً، حتى يونيو 2022، كي يتمكن المدّعون من متابعة مراقبة هينكلي أثناء انتقاله إلى العيش بمفرده بعد وفاة والدته.

ولولا فداحة الحادثة التي صدمت الولايات المتحدة الأميركية والعالم بمحاولة قتل الرئيس، لكان أُطلق سراحه من دون قيد أو شرط منذ فترة طويلة، وفقاً لما قاله القاضي الفيدرالي الذي أوضح أن إعادة النظر في القرار ستتطلب من المدعين تقديم طلب جديد وإظهار انتهاك هينكلي الشروط السابقة للإفراج، مثل السفر لأكثر من 75 ميلاً من ويليامزبرغ في ولاية فيرجينيا، حيث يقيم حالياً، من دون إخبار المحكمة، على الرغم من أن الجميع مرتاحون بعد الدراسات والتحليلات والمقابلات التي أُجريت لتقييم تجربة هينكلي خلال الأعوام الماضية، والتي كان آخرها تقييم لمخاطر العنف، إذ تأكد أن هينكلي لن يشكّل خطراً إذا أُطلق سراحه من دون قيد أو شرط.

حسرة وألم

وبينما ينتظر هينكلي بفارغ الصبر الإفراج النهائي بعد أشهر قليلة، فإن بعضاً ممن تضرروا نتيجة إطلاق النار على الرئيس ريغان ومساعديه لم يغفروا فعلته حتى الآن ولم ينسوا الحادثة في أي وقت، فعارضت باتي ديفيس ابنة ريغان، إطلاق سراح هينكلي وأعلنت في مقال رأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أنها تخشى الآن من أن يتمكّن من الاتصال بها على الرغم من أمر المحكمة بمنعه من ذلك، كما أنها ما زالت تشعر بالقلق لاعتقادها أنه لا يشعر بالندم.

وفي حين لا يتذكر أكثر من 60 في المئة من الأميركيين محاولة اغتيال ريغان، إذ كانوا صغاراً أو وُلدوا بعد 1981، إلا أن الحادثة تسببت في صدمة واسعة داخل أميركا وحول العالم، خصوصاً بعد إصابة الرئيس ريغان برصاصة في الصدر ارتدّت من سيارته وأحدثت ثقباً في رئته قبل أن يتعافى بعد ذلك. وأُصيب ثلاثة آخرون من الرصاصات الست التي أطلقها هينكلي خلال أقل من ثانيتين، ومنهم السكرتير الصحافي للبيت الأبيض جيمس برادي، الذي تلقّى رصاصة في الرأس تسببت في تلف بالدماغ، وظل عاجزاً عن الحركة حتى وفاته عام 2014. واعتبرت محكمة وفاته بمثابة جريمة قتل، لكنها لم توجّه اتهامات جديدة إلى هينكلي الذي قضت محاكمته الأولى عام 1982 بأنه غير مذنب لأنه غير مسؤول عن تصرفاته بسبب إصابته بالهوس والجنون، واكتفت بإيداعه مستشفى في واشنطن لتلقّي العلاج.

سبب الهوس

يعود السبب وراء هذه الحادثة بهوس جون هينكلي بالممثلة الأميركية جودي فوستر، إذ شاهد فيلم "سائق التاكسي" عام 1976 للمرة الأولى، وكان وقتها شاباً مبعداً عن عائلته، مدمناً على الحبوب المهدئة، ومطروداً من مجموعة مناصرة للنازيين الجدد بسبب تطرفه الشديد. لكنه رأى نفسه في هذا الفيلم من خلال بطل غريب الأطوار، وهو جندي سابق في حرب فيتنام كان يُدعى في الفيلم ترافيس بيكل الذي أدى دوره الممثل المعروف روبرت دي نيرو، بينما لعبت فوستر التي كانت شابة مراهقة آنذاك، دور بائعة هوى تُدعى إيريس ولفتت انتباه ترافيس بيكل الذي فشل في اغتيال مرشح رئاسي، واتجه إلى إطلاق النار على القواد الذي تعمل إيريس لمصلحته، فأضحى بطلاً.

ولاحقاً، اعتبر هينكلي أن خلاصه يكمن في شخصية إيريس، التي تؤديها فوستر ثم بدأ يتبنّى مظهر ترافيس بيكل، ويرتدي ملابس عسكرية ويكتب يومياته على غرار بيكل حتى أصبح مهووساً بفوستر.

وعلى الرغم من أن فيلم "سائق التاكسي" احتل مكانة شبه ثابتة في قوائم أفضل الأفلام، وشكّل انطلاقة في مسيرة فوستر المهنية، إلا أنه حفّز بشكل غير مقصود سلسلة من الحوادث الغريبة والمؤلمة. ففي عام 1980، بدأت فوستر الدراسة في جامعة ييل في ولاية كونيتيكت، حيث لم تكُن مهتمة بكونها شخصية معروفة وانغمست في الحياة الجامعية من دون أن تدرك أن هينكلي تبعها إلى الولاية.

وعندما بدأ بتوصيل رسائل باليد إلى مسكنها، تجاهلت الرسائل، إذ لم يكُن هينكلي الشخص الوحيد الذي يعبّر عن إعجابه برسائل مكثفة، تتضمن عشرات القصائد والملاحظات التي يفصح من خلالها عن غرامه. وعندما لم ترد على مراسلاته، بدأ يتصل بها هاتفياً، لكنها تجنّبته وفي النهاية، سلّمت رسائله إلى عميد الكلية.

إزدياد الهوس

غير أن تجاهلها إياه زاد هوسه بها، إذ ذكر في تسجيل خلال ليلة رأس السنة الجديدة عام 1981 أن فوستر هي الشخص الوحيد المهم الآن وأن كل ما سيفعله في عام 1981 سيكون من أجلها وحدها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مارس (آذار) 1981، كتب هينكلي رسالته الأخيرة إلى فوستر لكنه لم يرسلها إليها بل تركها في غرفته في الفندق قبل أن يطلق النار على الرئيس ريغان. وأعلن في رسالته تلك خطته بشأن إنجاز "عمل تاريخي" يعكس حبكة الفيلم الذي افتُتن به، قائلاً "كما تعلمين جيداً الآن، أنا أحبك كثيراً جودي، سأصرف النظر عن فكرة اغتيال ريغان مباشرة إذا تمكّنت من الظفر بقلبك وتمضية بقية حياتي معك، سواء كان ذلك في السر تماماً أو عبر أي صيغة أخرى. سأعترف لك أن السبب وراء المضي قدماً في هذه المحاولة الآن يتمثل في أنني لا أستطيع الانتظار أكثر كي أثير إعجابك، يجب أن أفعل شيئاً الآن لأجعلك تفهمين بما لا يدع مجالاً للشك أنني أفعل هذا كله من أجلك".

وبعدما كتب رسالته، توجّه هينكلي إلى فندق "واشنطن هيلتون" بعيد إنهاء ريغان خطاباً هناك وراح ينتظر حتى ظهر الرئيس، وأطلق عليه الرصاصات الست.

وفي مقال نشرته مجلة "إسكواير" عام 1982، تحدثت فوستر للمرة الأولى والأخيرة عن تفاصيل التجربة، فروت بشكل مؤلم الوهم الذي يحيط بالمشاهير. لكنها لم تكتفِ بمواصلة العمل، بل واصلت التألق والازدهار، فخلال الأربعين عاماً التي تلت محاولة هينكلي تدمير حياتها، فازت بجوائز "أوسكار" و"غولدن غلوب" و"إيمي" و"سيسيل بي ديميل"، وهي جائزة فخرية تمنحها "رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية" لأصحاب الإسهامات البارزة في صناعة السينما والترفيه.

الخصوصية أولاً

لم يتمكّن أحد من معرفة ما إذا كان هينكلي هو السبب وراء شعار "الخصوصية قبل كل شيء"، الذي تتبنّاه  فوستر. ففي مقال مجلة "إسكواير"، جاء حديثها عنه بمزيج من الغضب والتعاطف والاشمئزاز. فعبّرت عن الأسف تجاه الأشخاص الذين يخلطون بين الحب والهوس. فالهوس كما وصفته هو ألم وتوق إلى شيء غير موجود، بينما تمثلت الجريمة الكبرى التي ارتكبها هينكلي في الخلط بين الحب والهوس. وأكدت أنها لن تسامحه أبداً على تتفيه الحب، لأن الحب يثير الفرح، بينما يثير الهوس الشفقة والانغماس في الأهواء الشخصية.

تعلّمت فوستر الدرس، لكن لا أحد يعلم حتى الآن إذا كان المهووسون من أمثال هينكلي تعلّموا درس الهوس الذي لا يجلب سوى الألم للآخرين والندم للنفس.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير