ما زال "مؤتمر أربيل" للسلام مع إسرائيل محور جدالات سياسية ارتفعت وتيرتها في الساعات الأخيرة، وبعد أن واجه المؤتمر تنديداً واسعاً في العراق على الصعيدين السياسي والجماهيري، استنكر الشيخ وسام الحردان، رئيس صحوة أبناء العراق وهو أحد المشاركين في المؤتمر، في بيان، مشروع السلام مع إسرائيل، وأوضح أنه فوجئ بزج هذا الأمر في البيان الذي ألقاه، وأوضح أن تصوره عن المؤتمر الذي عُقد في أربيل، أنه كان دعوة إلى المحبة والسلام والتعايش بين أبناء الشعب العراقي بعد الانتصارات التي تحققت على الإرهاب "الداعشي".
وشاركت جماهير عشائرية في تظاهرات تندد وتتبرأ من القائمين على المؤتمر، كما أعلنت مناطق الأنبار وصلاح الدين والموصل وبغداد، رفضها هذا المؤتمر.
وقال الشيخ غانم العيفان العيثاوي، السياسي المستقل، عن محافظة الأنبار، "كي لا يشَكّك في وطنتينا، نعلن أن المؤتمر يشكل تهديداً وتقاطعاً مع المبادئ الأساسية التي تربى عليها أهلنا وأبناؤنا، ومبادئنا تناهض مشروع التطبيع وتؤيد القضية الفلسطينية تأييداً مطلقاً".
وعقدت مؤتمرات رفض وشجب واستنكار، كما صدرت أوامر بإلقاء القبض بحق الشيخ الحردان والقائمين على المؤتمر، وتم التأكيد على أن هناك إجراءات قانونية ستطالهم.
كما أعلنت الكتل السنية براءتها من أي متبن للسلام مع إسرائيل، كما تبرأت عائلة الشيخ الحردان من "الشيخ وسام الحردان"، في اجتماع عقد لشيوخ العشائر في الأنبار وبقية المناطق.
وفي قضاء الخالدية، في مضايف الشيخ محمد الهرّاط، قائد الحشد العشائري في الأنبار، تبرأ شيوخ العشائر "مِن كُل مَن يَروم الولوج في مشروع التطبيع، أو العمل به"، وأوضحوا أن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، وهم بعيدون كل البعد عن مواطني أو عشائر المحافظة.
استدعاء الشيوخ
وفي كلمة له، قال الهرّاط إن الهدف من استدعاء الشيوخ، كان مناقشة موضوع رواتب "الصحوات" المعلّق مع الحكومة المركزية، والبحث عن السبل الكفيلة لإطلاقها، وصُدم الشيوخ بعد إعلان موضوع السلام، واعتبروا العملية "ضحك على ذقون المشايخ" واستغلالهم لشأن آخر بعيد عما حضروا من أجله.
أضاف الهرّاط، "الفتنة الأكبر هي إشاعة الفوضى وزعزعة الثقة بين الشعب والحكومة المركزية، لكننا بدأنا بتلافي الموضوع ومحاربة كل من يقف بوجه العراق، وصوتنا هو النداء بتحرير فلسطين وتخليص المسجد الأقصى، وسنكون العنصر الأساس في عملية التحرير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتردّد على لسان العشائر شعارات، "كلاّ كلاّ للمقسمين، كلا كلا للصهيونية والطائفية، لن نساوم وقضيتنا خط أحمر"، وقال الشيخ علي التركي، الممثل عن العشائر المتصدية للإرهاب، "وعدنا المحافظ والحكومة أننا سنقف ضد (عملاء التطبيع) كما وقفنا ضد "داعش"، والإرهابيون لا مكان لهم في الأنبار وسنسحقهم. ونطالب حكومة الإقليم بتسليمهم للحكومة المركزية، وتنفيذ أوامر القبض بحقهم، ونعلن البراءة منهم."
المسؤول عن تدبير المؤتمر
وأكدت مصادر أن المسؤول عن تدبير الموضوع شخص يدعى جوزيف براودي، وهو يهودي من أصول عراقية، وبدعم من مؤسسة تدعى "مركز اتصالات السلام" ومقرها في نيويورك. وتقف خلف هذا المشروع شخصيات معروفة مثل السفير دنيس روس (مسؤول ملف الشرق الأوسط) في عهد الرئيس باراك أوباما، وروب ساتلوف (رئيس معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط) الذي أسسه مارتين إنديك (دبلوماسي وباحث في شؤون الشرق الأوسط).
وعلى خلفية الموضوع، قال وزير الثقافة العراقي حسن ناظم إن السلطات الأميركية سبق أن اعتقلت جوزيف براودي في مطار نيويورك، عام 2003، حيث وجدت عدداً من القطع الأثرية بحوزته وعليها علامة "IM" ومرقمة، أي أنها تحمل علامة المتحف العراقي، ويثبت ذلك واقع سرقتها. وتمت محاكمة براودي عام 2004 وسجن على إثرها، وبذلك "يعدّ، بحسب العرف الأميركي، مجرماً مداناً".
قلب الطاولة
الخبير الأمني والمحلل السياسي في أربيل كاظم الجحيشي الذي كان حاضراً في المؤتمر قال، "وجِّهت لي دعوة من وسام الحردان بصفتي مستشار المعهد العراقي لدعم الفيدرالية، وبحسب الدعوة، أن الموضوع يتعلق بتطبيق الفيدرالية والسلام، واستقبلني الحردان إلى حيث الاجتماع، وخارج القاعة لوحة كتب عليها "مؤتمر السلام والاسترداد"، أنني مخطئ وتردّدت، ثم بدأ الحردان بقراءة نص البيان والدعوة لاسترداد أموال اليهود في العراق، طلبت الخروج من المؤتمر، وجاهرت بإعلان رفضي، لأن المؤتمر يبشر بالتطبيع مع إسرائيل. واستطرد الجحيشي، رفضوا أن يسلمونا "هواتفنا الخلوية" لحين انتهاء المؤتمر".
إجراءات حكومة الإقليم
وعن إمكان التصريح عن الإجراءات التي ستتخذها حكومة الإقليم، قال عدنان المفتي رئيس البرلمان الأسبق، إنه يتوقع أن تتم تهدئة الأمور، لضخامة ردود الفعل الصادرة، وسيتم التحقق من الإجراءات القانونية للمؤتمر، إن كان مجازاً من وزارة الداخلية وهل أُعلن الغرض من الاجتماع المذكور أم لا.
وأعلنت حكومة إقليم كردستان في بيان استنكارها للمؤتمر، وأكدت أن الشخصيات الحاضرة لا تمثل أهالي وسكان المحافظات العراقية التي تتحدث باسمها، وفسّرت حكومة الإقليم "الواقعة المذكورة"، في بيانها، بأنها ورشة عمل عُقدت لصالح إحدى منظمات المجتمع المدني جمعت شخصيات عدة من مختلف محافظات العراق للعمل على مفهوم العيش وتطبيق أسس الفيدرالية في العراق، وعلى ضوء الدستور العراقي الدائم، لكن القائمين على ورشة العمل هذه، سوّلت لهم أنفسهم تحريفها عن مسارها واستغلالها لأغراض سياسية بعيدة كل البعد عن شروط منح الرخصة لإقامة مثل هذه الورش.
وأكدت الحكومة التزام الإقليم بالسياسة الرسمية الخارجية لدولة العراق، باعتباره كياناً دستورياً في إطار العراق الاتحادي، ولن يسمح مطلقاً باستغلال الحرية والديمقراطية السائدة فيه لأغراض ونوايا سياسية أخرى، وسيتم استبعاد المتسببين بذلك من الإقليم، وتوعدت حكومة الإقليم الفاعلين، بأن إجراءات قانونية ستتخذ ضد الأشخاص الذين حرّفوا مسار هذا الاجتماع، وستنزل العقوبات بحق المخالفين أياً كانوا.
استفهام عن مصادر التمويل
ويبقى التساؤل عمن يمكنه أن يكون الداعم المادي لهذا المؤتمر، وذكر مصدر أن أحد أهم العاملين على مشروع "اتفاقية إبراهام" في البيت الأبيض، خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، يترأس مؤسسة اسمها "معهد اتفاقيات إبراهام للسلام"، ولا يستبعد أن يكون هو مصدر التمويل، وقد يكون هناك غيره.
دعم القضية الفلسطينية
وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي أن "الحكومة العراقية تعرب عن رفضها القاطع للاجتماعات غير القانونية، التي عقدتها بعض الشخصيات العشائرية المقيمة في مدينة أربيل بإقليم كردستان، من خلال رفع شعار التطبيع مع إسرائيل".
وأكدت الحكومة أن العراق ثابت في دعم القضية الفلسطينية، و"طرح مفهوم التطبيع مرفوض دستورياً وقانونياً وسياسياً في الدولة العراقية، والحكومة عبرت بشكل واضح عن موقف بغداد التاريخي الثابت الداعم للقضية الفلسطينية العادلة، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني".