سوف تشعر أي امرأة حاربت من أجل الحصول على زيادة في الأجر، أو استمتعت بمشاهدة فيلم "معركة بين الجنسين" (Battle of the Sexes)، أو "صُنع في داغنهام" (Made in Dagenham) المذهل، بالتعاطف مع محنة منتخب الولايات المتحدة الوطني لكرة القدم للسيدات.
ويتابع فيلم LFG (هيا بنا) الجديد الذي يستوحي عنوانه من هتاف الفريق الحماسي، المعركة القضائية التي تحتدم منذ سنوات بين لاعبات النخبة هؤلاء وربّ عملهنّ من أجل تحقيق المساواة في الأجور. وحذار أن يودي ما سأكشفه بمتعة مشاهدة الفيلم- فهو لا ينتهي بخاتمة هوليودية سعيدة. ما زال منتخب السيدات الوطني الأميركي يكافح بلا كلل أو ملل من أجل تحصيل المساواة في الأجر، على الرغم من أنه قدّم أداء أقوى من أداء منتخب الرجال مراراً وتكراراً.
ففي رصيد منتخب الولايات المتحدة لكرة القدم للسيدات أربع بطولات لكأس العالم، وأربع ميداليات ذهبية أولمبية، إضافة إلى سلسلة طويلة جداً من الجوائز. ولا شكّ في أنهن حقّقن نجاحاً أكبر بكثير من الذكور في المنتخب الأميركي لكرة القدم على الصعيد العالمي، وبحسب زعمهنّ في نص الدعوى القضائية التي رفعنها، هنّ يدررن مالاً أكثر على اتحاد كرة القدم الأميركي. ومع ذلك، يجني فريق الرجال دخلاً أكبر.
وتقول ميغان رابينو، الممثلة السياسية للفريق صاحبة الشعر الأرجواني التي اشتهرت برفضها زيارة البيت الأبيض عندما كان دونالد ترمب رئيساً للجمهورية "إن القصة هي نفسها في كل مكان، تكسب النساء دخلاً أقل لقاء المهام نفسها".
ويتابع الفيلم الوثائقي القضية القانونية التي رفعها الفريق في محاولة لمقاضاة اتحاد كرة القدم الأميركي، المسؤول عن تقسيم المكافأة الإضافية التي يقدمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) لقاء الفوز ببطولة كبيرة. وتوثّق المشاهد معاناة النساء والفوارق الموجودة في مجالات أخرى ضمن سياق الفيلم، من إلزامهنّ بلعب المباريات المحلية على عشب اصطناعي، وهو أقسى على جسم اللاعب من العشب الطبيعي (الذي يحصل عليه الرجال)، وتخصيص رحلات جوية أقل جودة لهمّ وإنزالهن في فنادق أقل مستوى من فنادق الرجال.
وتقول لاعبة قلب الدفاع في المنتخب الأميركي بيكي ساوربرن، "أغلبية زميلاتي في الفريق في دوري السوبر للسيدات [أبرز دوري في كرة القدم للسيدات] لا يجنين دخلاً كافياً". وتشرح لاعبة الهجوم في المنتخب جيسيكا ماكدونالد بأنها كانت تجني نحو 15 ألف دولار أميركي سنوياً لفترة خلال مسيرتها المهنية في لعب كرة القدم، وتقوم بعمل إضافي في تعبئة الصناديق في شركة أمازون لقاء 12 دولاراً في الساعة. وتضيف ماكدونالد، فيما توضح بأنها كانت تحضر معها ابنها الصغير إلى التدريب لأنها غير قادرة على تحمل كلفة خدمة رعاية الأطفال "مع أنني لاعبة في منتخب الولايات المتحدة للسيدات، عليّ أن أعمل أيضاً في التدريب لكي أجني مدخولاً كافياً".
وأكثر فقرة صادمة في الفيلم هي الدفاع السافر المتعصّب للرجال الذي يقدّمه الاتحاد لعدم مساواته بين أجور الرجال والنساء. وجاء في أوراق المحكمة التي قدمها الاتحاد عندما كان يرأسه كارلوس كورديرو "يتطلب عمل اللاعب في المنتخب الوطني للرجال (في منافسته الفرق الوطنية الكبيرة للرجال) مستوى مهارة أعلى استناداً إلى السرعة والقوة، مقارنةً باللاعبة في المنتخب الوطني للسيدات (في منافستها الفرق الوطنية الكبيرة للسيدات)".
وردّت مولي ليفينسون، الناطقة باسم المنتخب الوطني الأميركي للسيدات بقولها "تنتمي هذه "الحجة" التافهة إلى العصر الحجري. ويبدو أنّ الذي طرحها هو من رجال الكهف".
دائماً ما تُستخدم الحجج غير الوجيهة ذاتها لمعارضة المساواة في الأجر في الألعاب الرياضية، النساء لا يتمتعن بنفس القوة الجسدية ولا يركضن بنفس السرعة. وما الذي يهمّ إن لم يتمتعن بقوة الرجال البدنية؟ فهنّ لا ينافسن الرجال. ولو تفرّدت النساء بالقدرة على دخول مجال الرياضة لمئات السنوات، كنّ ليجدن أيضاً أعذاراً فيزيولوجية لإقصاء الرجال عنه، فهم لا يتمتعون بالمرونة ولا الرشاقة نفسها، مثلاً. لا داعي لكل هذا. لقد حدد الرجال النقاط الجديرة بالإعجاب في الرياضة لأنهم يسيطرون على المجال. ألا تستحق النساء اللواتي يشكّلن 50 في المئة من السكان، فرصاً ونجمات يُعجبن بهنّ [أن يتحولن إلى قدوة]؟.
في المملكة المتحدة، وصل الأمر باتحاد كرة القدم إلى منع النساء من لعب الرياضة بعد الحرب العالمية الأولى. كانت كرة القدم للسيدات قد أصبحت مشهورة جداً، والمباريات تستقطب حشوداً هائلة، تصل إلى أكثر من 50 ألف متفرج حتى. حملت النساء على أكتافهن مسؤولية استمرارية البلاد وإبقاء الرياضة حية. لكن النساء دُفعن إلى المطبخ مجدداً فيما اعتبر الاتحاد أن كرة القدم "غير ملائمة للسيدات" جراء مخاوف من أن تصبح كرة القدم النسائية أكثر شعبية من مباريات الرجال. وقد قمع لعب السيدات حتى عام 1969 حين رفع الاتحاد الحظر في النهاية.
ومن الحجج الشائعة أيضاً لتبرير عدم إعطاء النساء أجراً يساوي أجر الرجال أنّ: الرياضات النسائية لا تدرّ المبالغ المالية نفسها. وقد رفض منتخب السيدات الأميركي لكرة القدم هذه الحجة بشدة في دعواه، وأصرّت اللاعبات أنهن يجلبن للاتحاد مالاً أكثر من منتخب الرجال.
وقد يسأل المرء عموماً: هل استُثمرت المبالغ نفسها في رياضات النساء؟ من النادر حصول النساء على المنابر والتسهيلات والبرامج التدريبية والمنح ذاتها التي تُعطى للرجال. حتى أنهن يُمنعن في دول عدة من ركل كرة قدم. كلما زاد الاستثمار، ازداد النمو.
أوضحت مباريات كأس العالم في كرة القدم للسيدات في فرنسا لعام 2019 بما لا شكّ فيه الفرق الذي يحدثه الحصول على منصة كبيرة. كنت في الصين في عام 2007 لمشاهدة المباراة النهائية لكأس العام في كرة القدم للسيدات بين منتخبي ألمانيا والبرازيل، وكانت المدرجات فارغة بشكل محبط وكئيب للغاية بسبب الترويج والتغطية الضعيفين للحدث. أما في عام 2019: عُرضت مباريات كأس العالم على المحطات التلفزيونية في وقت الذروة وحصدت أكثر من مليار مشاهدة عبر العالم.
وتقول ساوربرن علىLFG "مثّلنا الإنجازات الممكنة للنساء عندما يحصلن على منصة معنية". وصلت لعبة كرة القدم للسيدات إلى مراحل متقدمة جديدة بفضل زخم مبارياتها الناجحة.. وقد سجّلت مباراة دولية ودية بين منتخبي ألمانيا وإنجلترا قبل الجائحة في ويمبلي عدد حضور قياسياً لمباريات النساء في إنجلترا، تخطّى 77700 شخص في المدرجات. كان الجو حماسياً، أمهات وآباء وعائلات يتابعون المباراة بكل تركيز وحماسة. وساد شعور التضامن؛ أبناء وبنات يهتفون لفريق اللبوات ويشجعونه، ويغيرون تعريف الرياضة كلياً.
لكن بالوعات كره النساء النتنة ما زالت موجودة في كرة القدم. وبصراحة، من المحرج أن تكون هذه اللعبة الجميلة متخلفة إلى هذا الحد عن رياضات أخرى في مجال المساواة في الأجور. حلّلت دراسة لإذاعة "بي بي سي" في عام 2021 المكافأة المالية في 48 رياضة. وجدير بالثناء أن معظم الألعاب الرياضية من مستوى النخبة تقدّم مكافآت مالية متساوية للرجال والنساء، لكن في كرة القدم أقبح فجوة في الأجور بين كل الرياضات. فاز منتخب الولايات المتحدة للسيدات بمبلغ 4 ملايين دولار في بطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2019، مقابل 38 مليون دولار أحرزها منتخب فرنسا للرجال في عام 2018.
ولسوء حظ لاعبات المنتخب الأميركي، أيّد قاضٍ فيدرالي في عام 2020 اتحاد كرة القدم الأميركي. وقد حكم بأنه لا أساس لدعوى السيدات من أجل الحصول على أجر متساوٍ لأنهن وافقن في عقودهنّ على هيكلية أجور مختلفة.
وتشرح رابينو في الفيلم "سئمت للغاية من الجدل حول قيمتي الشخصية"، وهو أمر يمكن أن تفهمه كل نساء العالم بغض النظر عن مهنتهن. "طبعاً النقطة التي لم ينتبه لها القاضي برأيي هي أنه لم تسنح لنا أبداً الفرصة لكي نقبل بالاتفاق نفسه".
قبل العرض الأول لفيلمLFG ، اعترفت الرئيسة الجديدة لاتحاد كرة القدم الأميركي سيندي بارلو كون عبر محطة "سي أن أن" بأن الاتحاد قد ارتكب "أخطاءً في الماضي" وزعمت أنها تريد "التطلع إلى المستقبل". هل تكون هذه نقطة تحوّل؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الحقيقة، الموضوع أكبر بكثير من قضية كرة القدم الأميركية للسيدات. تحتاج الرياضة إلى تغيير منهجي وثقافي. وهذه رسالة إلى الرجال، سواء من مشجّعي كرة القدم أو اللاعبين أو مديري المنتخبات أو الرجال الذين يديرون النوادي: حان وقت الاستثمار في المواهب النسائية والتحالف معهنّ في معركة المساواة في الأجور. قفوا في الجانب الصائب من التاريخ. واقنعوا زملاءكم بتغيير آرائهم التي عفا عنها الزمن، لأن المساواة في الأجور مع السيدات لا يعني أنكم ستكسبون مالاً أقل؛ ولن ينتقص ذلك من استمتاعكم باللعبة، بل يعني المزيد من الرياضة والفرص للأجيال القادمة. وتقول رابينو عن كارهي النساء "إن ربحوا، لن يربح أحد".
بُث العرض الأول لفيلم LFG على "سي أن أن" في تمام الساعة التاسعة في الثامن من سبتمبر على أن يُعرض في المملكة المتحدة في وقت لاحق من هذا العام.
© The Independent