Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستطيع إيران الهروب من العقوبات عبر بوابة العملات المشفرة؟

محللون: جهود طهران في البحث عن منافذ اقتصادية "مجهولة" ستكون خاسرة وسط وجود عيون الرقابة الدولية

الدخول من بوابة العملات الرقمية خطة طهران للهروب من العقوبات الدولية (رويترز))

هل تستطيع إيران استخدام العملات المشفرة للتغلب على المشكلات المرتبطة بالعقوبات الدولية المفروضة عليها؟ السؤال يطرح نفسه حالياً بعد أن قال غلام رضا المتحدث باللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني يوم الخميس الماضي "لا يمكننا أن نظل غير مبالين بظاهرة العملات المشفرة"، مضيفاً "أن تحويل الأموال بالعملات المشفرة يمكن أن يكون وسيلة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية وتخفيف آثارها"، وتابع أن "الإدارة الجيدة للعملات المشفرة يمكن أن تخلق فرصاً للاقتصاد الإيراني". وجاءت تصريحات غلام رضا بينما كان البرلمان يناقش تقريراً عن حجم سوق العملات المشفرة في إيران وأفضل طريقة لاستخدام هذه التكنولوجيا.  

 ما الذي تبحث عنه طهران؟

ولعل السؤال الذي يتراود... إذا تمكنت إيران من صناعة العملات فإن عليها العثور على مستثمر آخر يشتريها؟ في الوقت ذاته يتعين على طهران إيجاد شركات أو جهات تقبل بتبادل المنتجات بالعملات وليش الكاش؟

 قد تكون هذه المشكلة الأساسية لإيران والتي قد تبحث عن أطراف مجهولة يصعب كشفها في دائرة العقوبات.
عيون طهران على العالم الخارجي باتت ترصد أي ثغرة تمكنها من الهروب من القيود الاقتصادية العالمية، حيث يتوقع المحللون أنه مهما حاول النظام الإيراني فإن ذلك لن يؤثر في تغيير المعادلة خصوصاً أن صدقية العملات الرقمية ما زالت على المحك بعد تشدد القوانين حيال التعاملات معها وأن عيون الرقابة الدولية ما زالت عليها.

الأنشط عالمياً

وتعتبر إيران واحدة من أكثر دول العالم الناشطة للغاية في مجال التعدين، فعلى الرغم من أن عدد سكانها يبلغ قرابة 85 مليون نسمة بما لا يتجاوز 1 في المئة من مجموع سكان العالم، إلا أن نحو 6 في المئة من عمليات تعدين العملات الرقمية كانت تُنفذ داخل إيران.  ولا توجد حتى الآن إحصاءات دقيقة عن مقدار استخراج العملات الرقمية، بما في ذلك الـ"بيتكوين"، في إيران. 

حملة حظر التعدين 

وقال محمد جميل المحلل المالي "كانت إيران من بين أوائل الدول في العالم التي شرعت تعدين العملات المشفرة عام 2018، وفي مايو (أيار) الماضي شنت حملة لحظر التعدين بعد انقطاع للكهرباء لا يعلم سببه الحقيقي على وجه اليقين، ما يعطي انطباعاً أن موقف الحكومة يرفض التعدين، إلا أنه وفقاً للتقرير نفسه الذي ناقشه البرلمان يتم تعدين 700 عملة "بيتكوين" يومياً في إيران، ما يجعلها تستحوذ على حصة من حجم تعدين الـ"بيتكوين" على مستوى العالم"، وتساءل "من الذي يقوم بالتعدين إذا؟".  

وتابع جميل: "أتوقع أن ما قامت به السلطات المحلية في إيران من إغلاق بعض مزارع التعدين التي يمتلكها أفراد هو من قبيل ذر الرماد في العيون". وأضاف أن "كل ما يتطلبه الأمر لإنشاء مزارع التعدين هو مصادر للطاقة، ويتوفر بالفعل احتياطات نفطية وغازية كبيرة لدى إيران، التي تدفقت عليها أجهزة تعدين "بيتكوين" مع معدنين غادروا الصين إلى إيران بسبب رخص الطاقة، بعد أن حظرت بكين تعدين العملات المشفرة، علاوة على ما اشتراه الإيرانيون من هذه الأجهزة، بعد أن أصبح هناك ضغط كبير على مالكيها إما ببيعها أو إخراجها من الصين".  

اللامركزية وصعوبة التتبع 

وأعرب عن قناعته في "أن اللامركزية والتشفير وصعوبة التتبع خواص مدمجة في أساس بناء العملات المشفرة العملات الرقمية، عوامل تتيح لإيران التهرب من العقوبات الدولية المفروضة عليها، وهو أمر فعلته روسيا من قبل وسعت إليه فنزويلا وتدرسه كوبا، وربما يكون هناك تنسيق بين هذه الدول في المستقبل، من يدري. وحتى إن كانت هناك خشية من التتبع على الإنترنت لاكتشاف عمليات التعدين فهناك حل سهل يتمثل في الشبكات الافتراضية الخاصة، ما يجعل الأمر مستحيلاً من الناحية التقنية حتى الآن". 

وقال سمير رؤوف المحلل المالي إنه يعتقد أيضاً أن "تعدين العملات الرقمية عملية نشطة في إيران، حيث ظهرت في مارس (آذار) 2021 الماكينة الأولى لاستبدال العملة المحلية بالـ"بيتكوين"، وهي ماكينة قادرة على تنفيذ عمليات البيع والشراء والتحويلات الرقمية بشكل واسع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف رؤوف "من المؤكد أن إيران ستسعى لتعدين العملات المشفرة على نطاق واسع لأن ذلك سيكون مربحاً من جوانب اقتصادية عدة. ووفقاً لتقديرات مبدئية فإذا دخلت حكومة طهران هذا المجال بجدية فيمكنها أن تربح مليار دولار سنوياً، إضافة إلى أنها ستجمع نحو 22 مليون دولار كإيرادات سنوية من رسوم معاملات البيتكوين".  

وتابع "كما أن دخول سوق العملات الرقمية وتعدين البيتكوين في إيران سيزيد فرص العمل، فمقابل كل ميغاوات من الكهرباء المستهلكة سيتم توفير نحو 9 فرص عمل مباشرة في مزارع التعدين، حيث ستزداد الحاجة لتوظيف أيادٍ عاملة للمراقبة والصيانة والحراسة ومهندسي الكهرباء والفنيين الذين يرتبط عملهم بالأجهزة والبرامج". 

وتابع "بالطبع يمكن أن تستخدم إيران العملات المشفرة للهروب من مظلة العقوبات المفروضة عليها، وهناك تقارير تتحدث عن أنها تبيع حالياً النفط في الأسواق العالمية مقابل البيتكوين لتجاوز الحظر التجاري المفروض عليها، وذلك لأن سهولة إنشاء المحافظ الرقمية المشفرة اللامركزية، بخاصة إن اشتركت الأجهزة الأمنية في إدارتها، يجعلها معركة صعبة جداً أن تثبت على طهران محاولة التهرب من العقوبات الدولية أو تتبعها في هذه العملية". 

وفي حين يصعب تحديد الأرقام بدقة، إلا أن مركز كامبريدج للتمويل البديل نشر تقريراً في أبريل (نيسان) 2020، أفاد بأن مزارع التعدين في إيران تستهلك 600 مليون ميغاواط من الكهرباء سنوياً، اعتماداً على بيانات من المعدنين وشركة توليد الطاقة الإيرانية. 

طريق بديل

ويعتبر المحلل الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، أن استخدام العملات الرقمية يمنع مراقبة المعاملات المالية الإيرانية، بالتالي يمكن اعتبارها طريقاً بديلاً للتحايل على العقوبات المفروضة عليها، متوقعاً أن تزيد طهران من عمليات تعدين العملات الرقمية خلال الفترة المقبلة نظراً لحاجة النظام الإيراني لكميات كبيرة من العملات العالمية، التي قد توفرها عمليات التعدين.

وقال عجاقة: "إيران قد تستغل ثغرة تقنية في عالم العملات الرقمية أنه لا توجد إمكانية للتحكم على مصدر الأموال وتحركها، والذي يكون مجهولاً بشكل كلي على مستوى العالم، ليس فقط عقوبات ولكن التهرب الضريبي وتهريب الأموال من دولة لأخرى".

كل الوسائل ممكنة 

وقال المحلل الاقتصادي، محمد رمضان، إن إيران تستخدم كل الوسائل الممكنة للتحايل على العقوبات الدولية، وكل طريقة لها حدود في الاستخدام، ولا يمكنها كدولة استخدام طريقة واحدة، لأنها ستكون مفضوحة بسبب حجم العمليات الكبيرة.  

وأضاف رمضان، أن طهران تقوم حالياً باستخدام كل الطرق المتاحة حتى لا تكون مكشوفة، وهذا المتوقع منها وواضح من التصرفات المختلفة للحكومة الإيرانية التي تقدم الطاقة الكهربائية بأسعار رخيصة نسبياً وتسهيلات كثيرة، غير مبالية بالتأثيرات البيئية لعملية التعدين هذه، حيث تقدم كل هذه التسهيلات من أجل الاستفادة من عملية التعدين، للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها. 

تحديات هيكلية 

من جانبه، قال دكتور إيهاب خليفة الاقتصادي المتخصص إنه "على رغم اتجاه بعض الدول لتقنين العملات المشفرة مثل السلفادور وهندوراس وكوبا، إلا أن العملات المشفرة لا تزال تواجه تحديات هيكلية، فهي إما أن تكون وسيلة جيدة وآمنة للتداول بين الأفراد، وإما وسيلة آمنة للتهرب وممارسة الأعمال غير الشرعية وكسر العقوبات الاقتصادية، لكن لا يمكن لها أن تقوم بالوظيفتين معاً، حيث تعد إحدى أهم المشكلات التي تواجه العملات المشفرة هي قدرتها على إخفاء الهوية الحقيقية للشخص وصعوبة تعقب مسار تعاملاته المالية المشفرة، ما ينجم عنه تهديدات حقيقية، مثل التجارة في السلع غير الشرعية، ودعم الحركات الإرهابية، والتهرب من الضرائب، وتوفير ملاذ آمن للهروب من القيود القانونية، وكسر العقوبات المالية". 

وأضاف أن "إيران أدركت جيداً هذا الأمر وبدأت بالفعل من الاستفادة من هذه الميزة التي توفرها العملات المشفرة، ألا وهي كسر العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة عليها من خلال التعامل بالعملات المشفرة، وعلى رغم أنه لا يوجد إحصاء رسمي يوضح حجم التداول الإيراني في العملات المشفرة خارج النظام النقدي الدولي، إلا أن المؤشرات تشير إلى أنه حجم تداول ضخم". 

وتابع أنه "خلال السنوات القليلة الماضية تضاعف حجم مزارع التعدين داخل إيران بصورة كبيرة، من خلال شركات صينية وتركية، قامت بإنشاء مزارع تحوي الآلاف من أجهزة الكمبيوتر الضخمة التي تقوم بعمليات التعدين، مستفيدة من حاجة الاقتصادي الإيراني لهذا النوع من العملات للتغلب على العقوبات الاقتصادية التي تواجهه من ناحية، ومستفيدة من رخص أسعار الطاقة المدعومة في إيران من ناحية أخرى. 

وأوضح أن بعد قوننة الحكومة الإيرانية لاستخدام العملات المشفرة، ومع زيادة عدد مزارع التعدين أصبح بإمكان إيران الحصول على مزيد من العملات المشفرة وبخاصة "بيتكوين" كجوائز على عمليات التعدين، وذلك بحكم نظام الجوائز الخاص بنظام "بيتكوين" الذي يعطي المساهمين في عمليات التعدين مكافآت لهم، فأصبحت إيران تحصل على موارد إضافية من عملة "بيتكوين" نظير التعدين. 

التضخم وتذبذب العملة المحلية 

وأشار إلى أن "الحكومة الإيرانية ليست فقط المستثمر الوحيد في العملات لكسر العقوبات المالية، بل حتى الشركات الصغيرة والمواطنون العاديون أصبحوا يستخدمون هذه العملات للتغلب على مشكلات التضخم وعدم استقرار العملة المحلية، ولمزيد من الانخراط في النظام الاقتصادي الدولي خارج الهيمنة الأميركية. فمثلاً يمكن تحويل أي مبالغ نقدية عبر العملات المشفرة لأي شركة داخل إيران، أو شراء أي منتجات إيرانية عبر العملات المشفرة، ومن هنا أصبحت هذه العملات أداة لكسر العقوبات الأميركية الاقتصادية المفروضة على إيران". 

وبخلاف عملة "بيتكوين" المعروف عنها تقلبها السريع في أسعار الصرف، فعادة ما يتم الاعتماد على عملة "تيثر" في التبادل النقدي مع إيران، تلك العملة المعروف عنها استقرار سعر صرفها أمام الدولار، حيث تعادل هذه العملة نحو 0.9 من الدولار، وهو سعر صرف مستقر وآمن إلى حد كبير للتبادل النقدي على رغم كونها مرتبطة بصورة أساسية بالدولار الأميركي.