استفاق المغاربة ومعهم العالم صباح يوم الاثنين 17 ديسمبر (كانون الأول) 2018، على هول خبر العثور على جثتَي سائحتين إسكندنافيتين مشوّهتين في منطقة إمليل في ضواحي مراكش.
محاكمة المتهمين
من هم المتهمون
"الأمير" أول من شرع في ذبح السائحتين
عبد الصمد الجود، "الأمير"، لُقب بـ"أبو مصعب" وهو متزوّج وأب لطفلة، هو أول من شرع في ذبح السائحتين. ظهر هذا البائع المتجوّل (25 سنة) المتحدّر من مراكش، مبتسماً في الصف الأول للمتهمين داخل قاعة المحكمة خلال أولى جلسات المحاكمة في مطلع مايو الحالي وكان يرتدي جُبّة خفيفة على عادة السلفيين في المغرب مُسدلاً لحيته ومغطّياً شعر رأسه بطاقية بيضاء. أدانه القضاء في الماضي، لمحاولته الذهاب إلى سوريا للانضمام إلى "داعش"، ثم أُطلق سراحه في العام 2015، ليجمع حوله رجالاً مصمّمين على تنفيذ عمليات إرهابية في المغرب، وفق محققين.
البائع المتجوّل... مصور فيديو الذبح
"السبّاك" عبد الرحيم خيالي
كيفن زولر غويرفوس
هو إسباني سويسري اعتنق الإسلام، يبلغ من العمر 25 سنة، متّهم بتدريب أشخاصٍ وتجنيدهم لتنفيذ أعمال إرهابية وتقديم المساعدة لمَن يرتكب أفعالاً إرهابية. يُلقّب بعبد الله و"متشبّع بالفكر المتطرّف والعنيف" وفق محضر الاتهام. ويشتبه أيضاً في تورّطه "في تلقين بعض الموقوفين في هذه القضية آليات التواصل المشفّر، وتدريبهم على الرماية"، كما في المساعدة على تجنيد آخرين. والتقى بمؤيدين لفكر "داعش" في المسجد الكبير في جنيف، وتوجه إلى المغرب في العام 2015 للزواج.
كما أُوقف 20 متهماً آخراً تتراوح أعمارهم بين 20 و51 سنة، في مراكش ومدن أخرى لصلاتهم بالقتلة المفترَضين. وينتمي كل هؤلاء إلى الجماعة التي أسّسها المتّهم عبد الصمد الجود، ويعتنقون الأفكار ذاتها. وهم متّهمون بالتخطيط لهجمات في المغرب والسعي إلى القتال تحت راية "داعش" في العراق وسوريا، إضافة إلى بث "فيديوهات دعائية" لمتشدّدين عبر تطبيقَي "واتساب" و"تلغرام".
تفاصيل المحاكمة
إدخال الدولة المغربية طرفاً
مباشرة بعد تقديم المتّهمين أمام هيئة المحكمة والتأكّد من وجود محاميهم معهم، تقدّم محامي الطرف المدني، عائلة الضحية الدنماركية في الجريمة الإرهابية، الحسين الراجي، بطلب إلى هيئة الحكم من أجل إدخال الدولة المغربية كطرفٍ في القضية، من أجل ضمان حصول العائلتين على تعويضاتٍ عن الجريمة التي لحقت بأبنتيهما في المغرب. لكن طلبَ إدخال الدولة المغربية طرفاً في القضية أثار جدلاً داخل المحكمة، حيث اعترض عليه الوكيل العام للملك، معتبراً أن هذا الإجراء ليس من اختصاص المحكمة وإنما على المحامين التوجّه إلى القضاء الإداري، معتبراً أن نقاش تعويضاتِ الضحايا ومَن سيسدّدها هو نقاشٌ سابقٌ لأوانه.
عائلة المتّهم السويسري
عائلات المتهمين
ومن بين مفاجآت الجلسة الثانية في سلسلة المحاكمة، حضور بعضٍ من عائلات المتهمين في هذه القضية، نساءً ورجالاً بأعداد قليلة جداً، واختاروا عدم الكلام والانزواء في أقصى قاعة المحكمة مكتفين بالتلويحِ لأقربائهم المتهمين ومراقبتهم بأعينٍ دامعة.
تنفيذ جريمة إمليل
خلال التحقيق، روى عبد الصمد الجود كيف نفّذ رفقةَ عنصرين من خليته، عملية قتل السائحتين ليلة 17 ديسمبر (كانون الأول) العام 2018، في منطقة إمليل. كانوا أربعة، توجهوا من مراكش إلى إمليل، قصدَ تنفيذ العملية، لكن أحدهم هو عبد الرحمان خيالي، غادر المكان قبل تنفيذ العملية وعاد أدراجه بينما واصل جود الطريق رفقةَ يونس أوزياد، ورشيد أفاطي، وتوجهوا إلى ضريح شمهروش (طريق جبل توبقال ضواحي مراكش) بعد صلاة العصر، يوم 16 ديسمبر. وكان يونس أوزياد أعدّ في 13 ديسمبر 2018، راية "داعش" ووضعها على جدار إحدى الغرف، واتفقوا على وضع هذه الراية وتصويرها خلف جثثِ السيّاح الذين سيستهدفونهم. ثم جلسوا جميعهم قبالة كاميرا هاتفِ نقال سجلوا فيديو أعلن فيه زعيم الخليةِ مبايعة أبو بكر البغدادي، قائلاً إنهم يعتبرون أنفسهم من جنوده في المغرب الأقصى، ناعتاً نظام الحكم المغربي بـ"الطاغوت".
ترقب السياح
قطع رأسيّ السائحتين
اعترف عبد الصمد الجود بأنه قطع رأس إحدى السائحتين، فيما تولى يونس قطع رأس الأخرى. ويُقرّ الجود بأن أفاطي ساعده على قطع الرأس، بوضع رجله على عنق الضحية.
بعد تنفيذ الجريمة، قرّر الثلاثة مغادرة المكان، وساروا مسافة 20 كيلومتراً ليصلوا إلى منطقة أسني (قرية في إقليم الحوز بمراكش)، حيث ركبوا دراجة نارية كان تركها يونس أوزياد هناك. وبعد وصولهم إلى مراكش، استخدموا تطبيق تلغرام، لنشر شريطَي الفيديو، الأول يتضمّن عملية قتل وقطع رأس إحدى السائحتين، والثاني يبايع فيه الأربعة "داعش" ويتوعدون ويهدّدون بتنفيذ عمليات في المغرب.
بعد ذلك توجّهوا إلى منطقة حربيل، مكان سكنهم، وتخلّصوا من الدراجة، وصعدوا إلى جبل "برمرام" وبقوا فيه يومين. نزل عبد الصمد من الجبل وتوجه إلى أحد مقرّبيه وهو إمام مسجد في حربيل، يدعى عقيل الزغاري، فأخبره بما قاموا به، فردّ عليه بأنه اطلع على الشريطين عبر تطبيق تلغرام، وسلمهم مبلغ 1000 درهم (100 يورو) وكيسين بلاستيكيين يحتويان على مواد غذائية وفواكه.
توقيف المتهمين
وقرّر الفارون الثلاثة التوجّه إلى محطة باب "دكالة" لركوب حافلة متوجهة إلى أكادير ومنها إلى مدينة العيون. ركبوا سيارة أجرة، ومروا في الطريق على نقطة مراقبة أمنية للدرك، من دون مشاكل، ولكن شرطياً على نقطة مراقبة ثانية طلب منهم اطلاعه على بطاقات هوياتهم، فردّ عبد الصمد الجود ويونس أوزياد بأنها ليست معهم، لكن رشيد أفاطي سلمهم بطاقته. عندها، طلبت الشرطة من الثلاثة النزول من سيارة الأجرة، ليفرّوا من المكان، من دون أن تتمكن العناصر التي لاحقتهم من توقيفهم. وفيما بقيت بطاقة أفاطي لدى الشرطة، توجه الفارون إلى منطقة خلاء، مكثوا فيها فترة، قبل أن يتوجّهوا إلى باب دكالة، وركبوا حافلة متوجّهة إلى أكادير، حيث أُوقفوا.
اكتشاف الجثتين
وبدأت الشرطة المغربية منذ اكتشاف الجثّتين، في ملاحقة المجرمين حيث أُوقف مشتبه فيه في إحدى ضواحي مراكش، وبعد 3 أيام أُلقي القبض على 3 آخرين كانوا يحاولون مغادرة المدينة في حافلة.
مطالبة بإعدام المجرمين
هزّت النهاية المأساوية للسائحتين الإسكندنافيتين المشاعر الإنسانية وصورة المغرب في العالم، فطالب البعض الدولة المغربية بانتهاجِ مقاربةٍ أمنية أكبرَ ضد مَن يسعى إلى تهديد أمن البلاد والعباد المغاربة والأجانب، وطالبوا بإنزال أقصى العقوبات بحقّ المجرمين. يُذكر أن حكم الإعدام لا يزال سارياً في المغرب، لكنّ تنفيذه مجمدٌ منذ العام 1993، بينما يدور نقاش حول إلغاء هذه العقوبة.
تهديدات إرهابية
وكانت المملكة المغربية حتى العام الماضي في منأىً عن أعمال العنف المرتبطة بـ "داعش"، لكنها شهدت سابقاً هجمات وتفجيراتٍ، أعنفها جرى في الدار البيضاء في العام 2003، حيث قُتل 33 شخصاً، إضافة إلى اعتداء حصل في مراكش في العام 2011، قُتل فيه 17 شخصاً. وكان لاعتداءات الدار البيضاء، التي نفذتها مجموعةً من 12 انتحارياً يتحدّرون من "سيدي مؤمن"، أحد أحياء الصفيح في عاصمة المغرب الاقتصادية، وقعٌ شديد على الرأي العام المغربي. ومنذ ذلك الحين، شدّد المغرب إجراءاته الأمنية وقوانينه، كما عزّز تعاونه الدولي في مجال مكافحة الإرهاب وباشر برنامجاً لإعادةِ هيكلةِ الحقلِ الدينيّ.