هل يستطيع أبناء عشائر شمال بغداد مواجهة نفوذ "داعش"؟

بعد مخاض عسير خلال الأسبوع الأخير من أغسطس (آب) الماضي، والذي شهد تصعيداً في المواقف السياسية بشأن كيفية التعامل الأمني مع منطقة الطارمية شمال بغداد ذات الغالبية السنية، قرر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تشكيل قوة عسكرية مدربة من أبناء المنطقة تكون مهمتها تعقب مسلحي تنظيم "داعش" الذين زادت هجماتهم في الشهرين الماضيين داخلها، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات من عناصر القوات الأمنية.

وجاءت هذه الخطوة بعد زيارة الكاظمي للمنطقة في 23 أغسطس الماضي عقب هجوم لعناصر التنظيم في 20 من الشهر نفسه أسفر عن مقتل عدد من عناصر قوات "الحشد الشعبي" الموجودين في المنطقة، ولقائه عدداً من شيوخ عشائر المنطقة الذين أكدوا دعمهم العمليات العسكرية لملاحقة عناصر "داعش" وطالبوا بتشكيل فوج عسكري من أبناء المنطقة وربطه بوزارة الدفاع العراقية لتعزيز الأمن.

ثاني زيارة بعد عام

وتعد زيارة الكاظمي هي الثانية له إلى المنطقة منذ يوليو (تموز) 2020، والتي جاءت في حينها بعد مقتل آمر "لواء 59" في الجيش العراقي المسؤول عن المنطقة العميد علي حميد الخزرجي بعملية تبناها "داعش" في 18 يوليو (تموز) من العام نفسه.

وكانت خلية الإعلام الأمني في العراق أعلنت مقتل أربعة عناصر من اللواء 12 بـ"الحشد الشعبي"، وجرح آخر، في منطقة الطارمية شمال بغداد، بعد تعرضهم لإطلاق نار بواسطة قناص وانفجار عبوة ناسفة في منطقة ثائر الأولى في قضاء الطارمية.

وضع الطارمية سيكون جيداً

من جانبه، قال رئيس أركان الجيش الفريق الأول الركن عبد الأمير رشيد يارالله، إن الوضع الأمني في الطارمية سيكون جيداً في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى موافقة القائد العام للقوات المسلحة على تشكيل قوة من أهالي المنطقة كـ"حشد عشائري".

أضاف يارالله في تصريح صحافي، "القطعات العسكرية تقوم بعمليات في المنطقة، ولاحظنا أن هناك تعاوناً من المواطنين مع هذه القطعات، إلا أن ما يجلب الانتباه أن الأرض الوعرة والبساتين تسهل اختباء الإرهابيين"، وأوضح أن "القوة التي أمر بتشكيلها القائد العام للقوات المسلحة ستساعد قواتنا وسيكون الوضع الأمني جيداً في الطارمية".

1000 شخص

وكشف رئيس مجلس عشائر الطارمية الشيخ سعد جاسم عن ترشيح 1000 شخص ليكونوا ضمن القوة التي أمر بتشكيلها رئيس الوزراء، وقال إن الطارمية مؤمنة بنسبة 90 في المئة، وأضاف جاسم، "تشكيل قوة من أهالي المنطقة هو مطلبنا منذ 10 سنوات، وفعلاً رشح شيوخ القضاء مجموعة من الرجال ليكونوا ضمن القوة التي أمر رئيس الوزراء بتشكيلها".

عناصر "الصحوات"

ولفت إلى أن الرجال الذين تم ترشيحهم كانوا ضمن "الصحوات" السابقة ولهم دور في تحرير القضاء من "داعش"، ومسكوا الأرض بعد التحرير، مشيراً إلى وجود لواءين حالياً في القضاء من الجيش العراقي، و"الحشد العشائري"، إلا أن أهالي المنطقة لديهم معرفة بتضاريسها والمناطق التي يمكن أن يختبئ فيها "داعش".

تجفيف منطقة الهجوم

وتابع الشيخ جاسم أن استهداف قوات "الحشد" كان في أطراف الطارمية في منطقة "الهورة" التي تبعد عن مركز القضاء نحو 20 كيلومتراً، وهي منطقة مستنقعات، وطالبنا وزارة الموارد المائية بتجفيف المنطقة، الأمر الذي يتم تحقيقه الآن، وأكد رئيس مجلس عشائر الطارمية أن القضاء مؤمن بنسبة 90 في المئة، وسيكون وضعه الأمني بشكل أفضل بعد تشكيل القوة القتالية.

بدوره، قال عضو لجنة الأمن والدفاع نايف الشمري، إن الإرهابيين يختبئون تحت الأرض وفي المناطق الوعرة وأهالي المنطقة أعلم بتضاريس مناطقهم، وأضاف، "هناك تجارب كثيرة في مقاتلة التنظيمات الإرهابية من قبل أهالي المناطق وتشكيل هذه القوات سيحقق جزءاً كبيراً من الاستقرار الأمني لأهالي الطارمية وللعراق"، لافتاً إلى أن الفوج القتالي لن يكون وحده، ولديه دعم من كل القطعات العسكرية الموجودة بالمنطقة، وبين الشمري أن "الفوج القتالي يستطيع أن يجمع معلومات استخبارية ويتم إسناده بالقطعات العسكرية القريبة لا سيما أن أهالي المنطقة سيقدمون معلومات للفوج لثقتهم فيه".

لا توجد معسكرات

واستبعد الشمري وجود معسكرات لـ"داعش" في المنطقة أو أي من مناطق العراق، وإنما لديه خنادق تحت الأرض وفي المناطق الوعرة حيث ينطلق منها للقيام بعملياته ويفر بعدها، موكداً أن وجود هؤلاء المتطوعين سيحد من نفوذ "داعش" لا سيما أن الإرهابيين يقاتلون بأسلوب العصابات.

فوضى

الخطوة الحكومية لم تخل من التشكيك بمقدرتها على إنجاز مهامها ومقارعة تنظيم "داعش"، وأبدى مدير المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز عبد الحميد قلقه من أن يؤدي التشكيل الجديد إلى خلق فوضى في انتشار السلاح، لافتاً إلى أن المجندين في التشكيل غير مدربين على عمليات مكافحة الإرهاب، وأضاف، "مكافحة الإرهاب تحتاج إلى تدريب خاص من قبل الشرطة الاتحادية، ولا تكون عن طريق تسليم المدنيين قطع سلاح خفيفة"، واعتبر عبد الحميد أن هذا الإجراء خطأ، وسبق وأن كانت هناك خطوات مشابهة في الأنبار والفلوجة ومناطق سهل نينوى ما أحدث حالة من الإرباك وعدم السيطرة على الأوضاع الأمنية هناك.

وشدد على ضرورة إسناد الأمر إلى قوة متمرسة لها علم بجغرافية المنطقة ولها باع طويل في مكافحة العنف والإرهاب وقدرة على تجديد المعلومات الأمنية والاستخبارية، مشيراً إلى أن أبناء المنطقة إذا تسلموا الملف الأمني سيكون لهم ارتباط عاطفي وديني مع الأشخاص الذين يتمددون فيها من عناصر "داعش".