Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستطارد لعنة الانقسامات والنزاعات حكم "طالبان" لأفغانستان؟

عملت القيادة السياسية للحركة على تقوية علاقاتها مع العالم الخارجي، وزارت وفود منها باكستان وإيران وروسيا والصين

عمليات الإخلاء مستمرة في مطار حامد كرزاي الدولي في كابول (أ ب)

يتفق كثيرون من المراقبين والسياسيين في الولايات المتحدة على أن انتصار حركة "طالبان" الكاسح ضد القوات الأفغانية الحكومية لا يمثل نهاية 40 عاماً من الحرب في أفغانستان، لأن الحركة تواجه حكم بلد فقير، يعاني صراعات داخلية وانقسامات وجيراناً متطفلين ومتدخلين، وتهديدات باعتراضات وانتفاضات متوطنة في البلاد، وكانت دائماً لعنة تطارد جميع الحكام السابقين، فكيف ستحكم "طالبان" أفغانستان؟ وهل ستكون مهمة سهلة أم أن حكم أفغانستان أصعب بكثير من السيطرة عليها؟

أثار التحول المذهل للأحداث في أفغانستان مع تقدم "طالبان" السريع نحو كابول وانهيار الحكومة الأفغانية ومشاهد الفوضى واليأس التي أعقبت ذلك، سيلاً من الأسئلة حول الرؤية التي يتوجب على الحركة تفعيلها خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة في مواجهة التحديات الحادة التي ستظهر مع مرور الوقت.

في موقع المسؤولية

صحيح أن حركة "طالبان" أثبتت أنها المنظمة السياسية الأكثر تماسكاً وفاعلية في أفغانستان على مدى عقدين من الزمن، استناداً إلى مفاهيمها عن الوحدة والهوية الأفغانية في فشل منافسيها بسبب الصراعات بين السياسيين الأفغان وتعثر الديمقراطية، إلا أن قادة الحركة الآن في موقع المسؤولية ومن المرجح أن يظلوا في موقع المسؤولية لبعض الوقت، بينما يواجهون اختباراً عسيراً في حكم بلد فقير، يعاني صراعاً داخلياً، وجيراناً متطفلين متدخلين، في حين يتصاعد التهديد بتفجر انتفاضات طالما ظلت متوطنة في هذا البلد وأثبتت على مر العصور أنها لعنة تطارد جميع حكام البلاد.

ولعل ما قاله توماس بارفيلد عالم الأنثروبولوجيا من أن الانهيار السريع للقوات ونظم الحكم كان شائعاً في التاريخ الأفغاني، تذكير لـ"طالبان" بأن أنصارهم يمكن أن يغيروا مواقفهم أو يلقوا أسلحتهم بدلاً من القتال حتى الموت، مثلما حدث مع صعود "طالبان" إلى السلطة لأول مرة في تسعينيات القرن الماضي، وسقوط "طالبان" عام 2001.

أسباب أقل لمشاركة السلطة

ومع ذلك، فإن سرعة ونطاق انتصار "طالبان" يعنيان أنه لم يعد لدى الحركة سوى القليل من الأسباب التي يمكن أن تدفعها إلى تقاسم السلطة مع القوى الأفغانية الأخرى بعد الإعلان عن عزمها على تأسيس إمارة إسلامية، فقد أصبحت الحركة الآن في وضع يسمح لها بنزع سلاح الغالبية العظمى من المعارضين، ومن الطبيعي أن تتعرض أية قوة سياسية فاعلة تتفاوض حالياً مع "طالبان" حول تشكيل حكومة جديدة، مثل الرئيس السابق حامد كرزاي والرئيس التنفيذي السابق عبد الله عبد الله، لقهر شديد من الحركة تحت فوهة البندقية.

ومع هذه السيطرة الواضحة، بدأت الخطوط العريضة لدولة "طالبان" الجديدة تظهر للعيان، فالحركة تقول إنها ستصوغ دستوراً جديداً للبلاد، وزعيمها الملا عبد الغني برادر يناقش في كابول شكل الحكومة المستقبلية مع كرزاي وعبد الله وآخرين، لكن أياً كانت تلك المناقشات، فمن المرجح حسب مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن ترسخ الحكومة الجديدة تطبيق الشريعة الإسلامية أساساً وحيداً للنظام القانوني، وسوف تركز السلطة تحت قيادة زعيم متفرد لـ"طالبان"، وتتقاسم الحركة بشكل رمزي السلطة مع القادة الأفغان الآخرين مثل كرزاي أو عبد الله، وبقدر أقل بكثير مع بقية الزعماء الدينيين والقبليين الأقل نفوذاً الذين تعاطفوا مع قضية "طالبان"، وإذا سمح الدستور الجديد بإجراء انتخابات، فسوف يتم تصميمها على الأرجح بطريقة تحافظ على سيطرة الحركة على المناصب والوظائف الرئيسة في الدولة الأفغانية الجديدة.

لحظة اكتمال المهمة

وفي سياق لحظة الانتصار، وعدت "طالبان" خصومها بأنهم لن يصابوا بأذى إذا ألقوا أسلحتهم، ومن المؤكد أن قادة الحركة سيواصلون تقديم مثل هذه الوعود من أجل بناء قبول للنظام الجديد وقد يقدمون بعض التنازلات لشراء أعدائهم القدامى، ومع ذلك، فإن اتساع مدى سيطرة "طالبان" العسكرية حالياً، يجعل التزامها بهذه العهود بعيداً عن المنطق، فمع مرور الوقت، لن يكون لدى قادة الحركة سبب وجيه لعدم استخدام قوتهم العسكرية من أجل تعزيز سيطرتهم واحتكارهم، بخاصة أن انتصار "طالبان" أظهر درجة من التماسك من المرجح أن تستمر، فهم يتألفون من حركة "طالبان" الرئيسة من جنوب أفغانستان، وشبكة حقاني من شرق أفغانستان، ومجموعة متنوعة من الجماعات القبلية المرتبطة بها وكوادر مسلحة أصغر، لكن الهجوم المنسق عبر كامل أراضي أفغانستان أظهر التعاون والتماسك بين هذه المجموعات المختلفة، وعلى عكس المجاهدين الذين طردوا الاتحاد السوفياتي من بلادهم عام 1989، لم تنقسم "طالبان" إلى فصائل متناحرة عندما انسحب المحتل الأجنبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولهذا، فإن هذا التماسك يجب أن يساعد "طالبان" على فرض درجة من النظام في أراضيها، وبخاصة المقاطعات الجنوبية والشرقية حيث تكمن جذورها، إذ ليست الوحشية وحدها هي سبب قدرة الحركة على فرض النظام، ذلك أن أمراء الحرب الأفغان الآخرين متوحشون أيضاً لكن الفرق هو أن "طالبان" يمكن أن تمارس الوحشية من دون القتال في ما بينها.

هل من دعم شعبي؟

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن انتصار "طالبان" يشير إلى أن حكومتها الجديدة قد تتمكن من التمتع بدعم شعبي أوسع مما كانت عليه عندما كانت في السلطة بين عامي 1996 و2001، ذلك أن السنوات التي أمضتها في القتال بمناطق الشمال، تعني أن لديها درجة دعم معينة من "الطاجيك" و"الأوزبك"، الذين عارضوا الحركة في الماضي، بينما تظهر علامات مغايرة في المدن الأفغانية، حيث يلتقط شباب حليقو اللحى بشغف صوراً مع "طالبان"، ويبدو الآن أن بعض الأفغان المتعلمين في المناطق الحضرية يعملون معهم.

نقاط ضعف

ولكن على الرغم من كل نقاط القوة التي أظهرها انتصار "طالبان" العسكري، فإن هناك تحديات ونقاط ضعف أخرى ستستمر، ومن المرجح أن تتضخم وتتزايد مع مرور الوقت، وبخاصة السياسات القبلية والخلافات التي تمثل لعنة الحكومات الأفغانية، وعندما يتعلق الأمر بقضايا الأرض والمياه، ستحاول الحركة إرضاء المزارعين الذين لا يملكون أرضاً والذين كانوا مصدراً رئيساً للدعم، لكن هذه القرارات ستزعج زعماء القبائل الخاسرين، وحتى في ظل الشريعة الإسلامية، سيرغب زعماء القبائل في الدفاع عن أراضيهم، التي تمثل مصدر رزق لعائلاتهم.

ويتوقع كارتر مالكاسيان، مستشار رئيس هيئة الأركان الأميركية سابقاً، أن الاشتباكات القبلية والدعوات للانتقام ستصبح مسألة حتمية وستكون مصدر إزعاج للحركة، كما كانت الحال خلال فترة التسعينيات.

تحديات كثيرة

ومن المتوقع أن تكافح "طالبان" من أجل تحقيق التوازن بين الأولويات التي يجب أن تشرع بها في إدارة الدولة وبخاصة عندما يتعلق الأمر بزراعة الخشخاش، فقد شكلت الضرائب المفروضة على هذا القطاع غير المشروع مصدراً رئيساً لتمويل الحركة، وقد أدى السماح بزراعته إلى زيادة دعم المزارعين الفقراء لهم، وهو ما كان له أثر كبير في نجاحهم العسكري، حيث إن الملجأ الذي قدمه لهم هؤلاء المزارعون، ساعد "طالبان" على الاقتراب من مراكز المقاطعات على مدى السنوات الست الماضية، ولكن حينما تكون "طالبان" في السلطة، ستواجه بلا شك ضغوطاً خارجية كبيرة وانتقادات عالمية واسعة وبخاصة من جيرانها الأقوياء، ومع ذلك، فإن الأهمية السياسية والاقتصادية للخشخاش سوف تجعل لمثل هذا النقد الدولي تأثيراً هامشياً.

خسارة التمويل

يعني نجاح "طالبان" العسكري السريع أن الحركة ستخسر التمويل الدولي الذي كان من المحتمل أن يستمر في التدفق إلى حد ما، لو وصلت إلى السلطة من خلال تسوية سياسية أو عبر حل وسط، ولكن لا يبدو أن استمرار هذا التمويل ممكن من الناحية السياسية بالنسبة إلى معظم المانحين الآن، وهذا يجعل الحركة أكثر اعتماداً على زراعة الخشخاش والتمويل من الصين.

تواجه "طالبان" التحديات نفسها للحكم المستقر التي أثبتت أنها لعنة كل الحكومات الأفغانية قبل وأثناء هجومها، فقد عملت القيادة السياسية للحركة على تقوية علاقاتها مع العالم الخارجي، وزارت وفود منها باكستان وإيران وروسيا والصين، ولم يبد أي منها معارضة جادة لاستيلائها على السلطة.

المحيط الإقليمي

ولا شك أن رغبة "طالبان" في قبول محيطها الإقليمي لها هي أحد الأسباب التي تدفعها إلى بذل كثير من الجهد لتصوير قادتها وعناصرها على أنهم محترفون ومعتدلون ومحايدون، لكن من غير المرجح أن تستمر في تلقي الدعم المستمر من القوى الإقليمية، بالنظر إلى حركية وتغير المنافسة الإقليمية حسبما تشير دلائل وتجارب التاريخ، ففي مرحلة ما سيرى واحد أو أكثر من جيران أفغانستان سبباً لمعارضة نظام "طالبان"، ودعم قوات المعارضة التي تقاتل ضدها لتقويض نظام حكمها.

وقد تتحول هذه المعارضة في النهاية إلى تحدٍّ خطير لها، مهما طالت علامات ظهورها في الوقت الحالي، ويعتبر باحثون أميركيون أن سيطرة "طالبان" على أفغانستان لن تمر من دون منازع، إذ يعلن أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود، وأمر الله صالح، نائب الرئيس غني، أنهما يعيدان إحياء حركة المقاومة في وادي "بنجشير" في شمال أفغانستان، غير أن هناك سبباً يدعو للتشاؤم بشأن إمكانية مقاومة هؤلاء، وهو أن هذه القوات كانت في وضع أفضل بكثير للقتال قبل بضعة أشهر، وتساءل العديد من المراقبين عما إذا كان القادة في الشمال سيحشدون قواتهم ويدافعون عن مقاطعاتهم، بخاصة بعدما أكد هؤلاء القادة للمسؤولين الأميركيين أنهم يخزنون الأسلحة ومستعدون للذهاب إلى الجبال لخوض حرب عصابات أخرى إذا لزم الأمر.

برجوازية جديدة

لكن مع استثناءات قليلة، كان رد فعل هؤلاء القادة وقواتهم ضعيفاً، فقد كان قادة الميليشيات الشمالية على خلاف مع الرئيس السابق أشرف غني، وبالتالي ترددوا حينما حان وقت الدفاع عنه، وبالتوازي مع ذلك، يقفز سبب آخر لا يقل أهمية وهو أن هؤلاء القادة أصبحوا برجوازيين حسب تقدير بعض الصحافيين الأفغان، إذ لديهم الآن العديد من المنازل المريحة خارج البلاد وأنصار تعلموا الاستمتاع بالحياة الحضرية.

ومع ذلك، لم ينجح أي حاكم على مدى السنوات الأربعين الماضية، في تحقيق الاستقرار في أفغانستان، فعلى الرغم من بعض لحظات الاستقرار التي بدا فيها أن الشعب الأفغاني منهك بسبب الحرب وأن العنف قد انتهى، مثل لحظات الانسحاب السوفياتي عام 1989، وفترة أول استيلاء للحركة على السلطة عام 1996، وأثناء تدخل الولايات المتحدة عام 2001، فإنه في كل مرة، عاد العنف بسرعة إلى البلاد بسبب انقساماتها الداخلية، والتضاريس الوعرة، وندرة الموارد، والجيران المزعجين، ولا تزال العقبات نفسها التي تحول دون الحكم المستقر قائمة حتى اليوم.

المزيد من تقارير