Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اعتراف إسرائيل بأرض الصومال... مناورة الخاصرة الجنوبية

تقارير: يثير صراع السيطرة الاستراتيجية على ممرات الملاحة وصولاً إلى تقويض "المحور الشيعي"

في مسيرة تندد بإعلان إسرائيل الأخير الاعتراف بمنطقة أرض الصومال الانفصالية، مقديشو، 30 ديسمبر 2025 (أ ف ب)

ملخص

بينما يمثل هذا الاعتراف اختراقاً تاريخياً فهو بالنسبة إلى إسرائيل رهان مدروس بدقة في ساحة شديدة الحساسية، قد يوسع مجال نفوذها، لكنه قد يجرها أيضاً إلى عمق أحد أكثر خطوط الصدع توتراً في العالم.

شكل إعلان إسرائيل الاعتراف بإقليم أرض الصومال، تزامناً مع تصعيد داخلي في اليمن، تطوراً من شأنه رفع حدة التوتر مع مختلف الدول العربية، واعتبرته جهات سياسية أكثر من مجرد خطوة دبلوماسية غير اعتيادية، بل يندرج ضمن أهداف استراتيجية إسرائيلية وأيضاً سياسية مستقبلية.

 وبينما يمثل هذا الاعتراف اختراقاً تاريخياً فهو بالنسبة إلى إسرائيل رهان مدروس بدقة في ساحة شديدة الحساسية، قد يوسع مجال نفوذها، لكنه قد يجرها أيضاً إلى عمق أحد أكثر خطوط الصدع توتراً في العالم.

يرى المحلل العسكري تسفي برئيل أن إسرائيل تعطي اهتماماً كبيراً للاعتراف بأرض الصومال بسبب إمكانية تحولها إلى قاعدة أمامية في الحرب ضد الحوثيين". مضيفاً أن "الإمارات، الوسيط في العلاقات بين أرض الصومال وإسرائيل، تسعى إلى ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر وإقامة قواعد سيطرة في المحيط الهندي وخليج عدن، وهي لا تستعجل استئناف الحرب ضد الحوثيين".

شواطئ صوماليلاند

وفي تحليل عسكري لهذا الاعتراف من المتوقع أن تكون إسرائيل في أعقابه موجودة عسكرياً داخل القرن الأفريقي، لكنها ستجد نفسها مقيدة بسياسة الإمارات والتزاماتها الإقليمية لجيرانها، ولكن، يقول برئيل إن ذلك لن يمنع "الإسرائيليين من البدء في فحص الرحلات وقضاء الإجازات على شواطئ أرض الصومال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الباحث في معهد القدس للاستراتيجية والأمن عمانوئيل نافون، يرى أن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال هو نوع من النفاق السياسي. فالسؤال الحقيقي ليس ما إذا كانت تستوفي القائمة القانونية المطلوبة للاعتراف، بل لماذا تحظى كيانات سياسية لا تستوفي هذه المعايير باعتراف روتيني، في حين تقصى بصورة منهجية كيانات تلبيها فعلياً منذ أكثر من ثلاثة عقود".

وبرأيه، فإن قرار إسرائيل هذا ينطلق "من اعتبارات استراتيجية، حيث يقع هذا الإقليم على ساحل خليج عدن قبالة مضيق باب المندب، أحد أهم طرق الملاحة في العالم. وفي عصر هجمات الحوثيين والقرصنة وتزايد التنافس بين القوى الكبرى، أصبح البحر الأحمر ساحة مركزية في الأمن القومي الإسرائيلي. فمن يسيطر على الوصول إلى هذا الفضاء يؤثر في التجارة والطاقة والأمن البحري. وإسرائيل، بصفتها قوة إقليمية، لا تستطيع أن تسمح لنفسها بالبقاء متفرجة".

تحول تصوري

يأتي هذا الاعتراف خلال وقت تكاد لا توجد علاقات بين الصومال وإسرائيل، وهو ما أثار خلافات ونقاشات إسرائيلية حول مدى أهمية هذا الاعتراف لدولة تصوت باستمرار ضد إسرائيل في المحافل الدولية ولم تقم يوماً علاقات دبلوماسية معها، مما استدعى جهات معارضة لهذا الاعتراف إلى دعوة متخذي القرار للاستعداد لضغط جديد سيُمارس على إسرائيل في الساحة المتعددة الأطراف.

وفي سياق نقاش الإسرائيليين لهذا الاعتراف شدد بعض على أن إسرائيل "تتصرف كلاعب مركزي، وعليها أن تواصل المبادرة وأن تفرض الوقائع، وأن تكشف المعايير المزدوجة لمن ينتقدها في مجلس الأمن على هذا الاعتراف، وبهذه الطريقة ترسخ مكانتها كقوة إقليمية مطلوبة ومؤثرة.

الباحثة في العلاقات الدولية في "معهد مسغاف للأمن القومي" نوعا لازيمي قالت ضمن تصريحات إعلامية إن الاعتراف بما يسمى "إقليم أرض الصومال" يعكس الخطط الإسرائيلية المستقبلية داخل تلك المناطق، إذ إن هذا الإقليم يعمل ككيان سياسي مستقل فعلياً له عمله ونظامه الحاكم المنفصل، لكنه غير معترف به دولياً".

وتضيف "نحن أمام كيان سياسي استثنائي في مشهد القارة، إذ يعد نسبياً مكاناً مستقراً. جرت فيه خمس دورات انتخابية، وشهد تداولاً سلمياً للسلطة، وتوجد فيه أحزاب عدة، إضافة إلى تمثيل لمجلس شيوخ العشائر في البرلمان، مما يمنح احتراماً لمراكز القوة التقليدية. صحيح أنها ليست ديمقراطية بالمعنى الغربي، لكنها توفر حريات سياسية أكبر مقارنة بمناطق أخرى".

مكاسب إسرائيل

لم ينف مسؤولون إسرائيليون ما ذكر من أن هذا الاعتراف إلى جانب المصالحة الإسرائيلية الإقليمية، يأتي ضمن الخطة الكبرى لإسرائيل لتهجير سكان غزة، إذ طرحت إمكانية نقلهم إلى هذا الإقليم ضمن خطة منظمة تشمل أعداداً كبيرة من الغزيين.

وتنفيذ مثل هذه الخطة يحمل مكاسب كبيرة لتل أبيب، لكن لازيمي ترى أنه توجد أيضاً مكاسب لإقليم أرض الصومال جراء هذا الاعتراف. وتقول "نتحدث عن دولة متعطشة للاعتراف، فأكثر من رغبتها في الاعتراف الإسرائيلي هي تطمح إلى اعتراف قوى كبرى ومؤثرة على رأسها الولايات المتحدة. وهذا الإقليم في حاجة إلى استثمارات طويلة الأمد في البنى التحتية، فهناك معادن وموارد طبيعية لا يمكن استغلالها من دون دعم خارجي".

أما عن المكاسب الإسرائيلية من العلاقة مع هذا الإقليم، فتقول لازيمي "على المستوى الاستراتيجي، لموقع إقليم إرض الصومال أهمية كبيرة. نحن نتحدث عن فضاء البحر الأحمر، وعن قرب من اليمن ومن الحوثيين، وإسرائيل في حاجة ماسة إلى حلفاء في مواجهة الحوثيين. من منظور جغرافي أوسع، هناك أيضاً دولة الإمارات وحضورها في أرض الصومال. وإذا تمكنت إسرائيل من ترسيخ حضور استخباراتي وعسكري هناك فسيسهم ذلك كثيراً في مهام الهجوم وتشغيل الطائرات المسيرة وتحديد أهداف الحوثيين. هذا لا يغني عن عمليات معقدة وقوية لسلاح الجو، ولكنه يعزز الفعالية".

في مواجهة تركيا

تقرير إسرائيلي يرى، في أعقاب قرار الاعتراف، أنه سيساعد إسرائيل في عقد تحالفات واسعة تشكل بالنسبة إليها ضرورة استراتيجية في مواجهة المشروع التركي الساعي للهيمنة، والذي بلغ ذروته بعدما رسخ نفوذه العسكري والاقتصادي في ليبيا والصومال، ويسعى إلى استكمال ما تسميه إسرائيل "مثلث نفوذه عبر سوريا، وكل ذلك جزء من سياسة الرئيس أردوغان العثمانية الجديدة". ويضيف هذا التوجه الذي شمله التقرير أن "هذا المثلث، إن اكتمل، سيحل محل المحور الشيعي الذي أضعفته إسرائيل بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، وسيفرض قيوداً كبيرة عليه، ويصعب عليه الازدهار في الشرق الأوسط".

من هنا يستخلص في مختلف المحافل الإسرائيلية ذات الشأن أن من الضروري أن تواصل إسرائيل تعزيز نفوذها على حساب تركيا في سوريا، وأن تتجنب الوقوع في فخ "الترتيب الأمني" الذي تحاول أنقرة الترويج له. بل إن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال يمنحها تأييداً ضمنياً لمذكرة التفاهم الإثيوبية في شأن استئجار الساحل، مما يساعد أديس أبابا على التعامل مع الحصار التركي - المصري - الإريتري الذي يعوق خطواتها. علاوة على ذلك، يميز هذا الاعتراف إسرائيل عن النفوذ التركي في مقديشو، ويضعف مشروعها الرئيس في المنطقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير