Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ديزيريه" حكاية الحب الأول في حياة نابليون المضطربة

رواية جريئة ترجمت إلى 25 لغة وحولت إلى فيلم سينمائي

نابوليون وحبه الاول ديزيريه (دار أقلام)

ألقت الثورة الفرنسية بظلالها على العالم كله بمبادئها الثلاثة: الحرية والإخاء والمساواة، وكانت مسرحاً خصباً للعديد من الأعمال الإبداعية. فكثير من الروايات مثل "قصة مدينتين" لتشارلز ديكنز استمدت أحداثها منها، وكذلك سلَّط كثير من النصوص الضوء على الشخوص الذين شاركوا فيها وإسهاماتهم في انتصاراتها ونكباتها. ومنها ما قام به الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ في عدد من رواياته التي تمحورت حول سير ماري أنطوانيت، وجوزيف فوشيه وغيرهما. وتشاركه في هذا الأمر مواطنته أنيماري سيلنكو في عملها الروائي الذي ترجم إلى العربية تحت عنوان "ديزيريه: عشيقة نابليون" (دار أقلام - ترجمة فؤاد كامل عبد العزيز) وهذه الرواية تعد آخر أعمال سيلنكو الإبداعية وتُرجمت إلى أكثر من 25 لغة وتحولت إلى فيلم أميركي، من بطولة مارلون براندو وجين سيمونز، إخراج هنري كوستر. كانت أنيماري سيلنكو (1914- 1986) واحدة من أكثر الكتاب مبيعاً في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات القرن الماضي، وتحولت رواياتها إلى أعمال سينمائية مثل "كنت فتاة قبيحة"، و"غداً سيكون أفضل"، و"اليوم يتزوج زوجي".

حب نابليون الأول

وسبق أن ترجمت الكاتبة المصرية مي التلمساني رواية "ديزيريه" إلى العربية بواسطة عام 1998 (الهيئة المصرية للكتاب)، تحت عنوان "ديزيريه: ملكة السويد"، وهي تعد العمل الوحيد للكاتبة أنيماري سيلنكو الذي نُقِل إلى العربية. ويلاحظ أن الترجمتين صدرت كل منهما بعنوان فرعي، فالتلمساني وصفتها بـ"ملكة السويد" رغم أن المؤلفة تشير إلى أن الرواية تتوقف عند حياتها كمواطنة فرنسية ولم تتناول حياتها كملكة للسويد والنرويج. أما الترجمة الثانية، فكان عنوانها الفرعي "عشيقة نابليون"، وهو قد لا يكون وصفاً دقيقاً لعلاقة نابليون بديزيريه، بخاصة وأن الكلمة تحمل دلالة سلبية في الاستعمال اللغوي المعاصر، وتوصف بها المرأة التي تقيم علاقة جنسية مع رجل وتساكنه دون زواج. وهو ما لا ينطبق على علاقة ديزيريه ونابليون. كانت فقط حبيبته الأولى لكن الأحداث التاريخية وكذلك الرواية لا تكشف أن هناك علاقة غير شرعية ربطت بين الاثنين. فالرواية الأصل لا تحمل سوى عنوان "ديزيريه"، وتشير ترجماتها من الألمانية إلى الإنجليزية  إلى عبارة "القصة الأكثر مبيعاً عن حب نابليون الأول". وتلك هي الجملة التي ذكرها نابليون في مذكراته التي كتبها في منفاه. ويلاحظ أن الترجمة الأولى جاءت نقلاً عن الفرنسية. أما الترجمة الثانية، فلا يشير صاحبها إلى اللغة التي ترجم عنها النص.

المصادفة

وكما هي الأعمال التي تتناول الشخصيات التي شاركت في الثورة الفرنسية فإن روايتنا هذه تزخر بالتفاصيل والتقلبات العاصفة، ما بين صعود وهبوط من سدة الحكم إلى المعتقل ثم إلى المقصلة، من الشقاء إلى السعادة والعكس. وتأتي حكاية ديزيريه التي تتقاطع حياتها مع واحد من أشهر الشخصيات العسكرية في التاريخ، وهو نابليون بونابرت الذي نصَّب نفسه إمبراطوراً على فرنسا وعمل على إخضاع أوروبا وجانب من الشرق الأوسط تحت سيطرته.

المصادفة وحدها هي التي تصنع حياة ديزيريه؛ من ابنة تاجر حرير فرنسي كوَّن ثروته بنفسه لا بالوراثة، وحلم بأن ينال لقباً أرستقراطياً. وحين قامت الثورة آمن بمبادئها، إلى خطيبة شاب كوريسكي فقير يعمل في الجيش الفرنسي هو نابليون، ثم يتخلى عنها للزواج من جوزيفين التي أطاحت المقصلة رأس زوجها الأول فيكونت دي بوارنيه. وصولاً إلى أن تصبح ملكة للسويد والنرويج عقب زواجها من الجنرال الفرنسي برنادوت الذي اختاره المجلس السويدي كي يكون ولياً للعهد شرط تخليه عن الجنسية الفرنسية.

يوميات حب

تتخذ الرواية طابع «اليوميات» بدءاً من 1794 عندما كانت ديزيريه في الرابعة عشرة حين التقت نابليون، وصولاً إلى 1828 عام تنصيبها ملكة، بعد سبع سنوات على وفاة بونابرت في المنفى. خلال سنوات المنفى كتب نابليون مذكراته التي يقول فيها إن ديزيريه كلاري كانت أول غرام له. وبسبب قرب ديزيريه من نابليون، فإن الرواية تكشف الكثير من الجوانب حول حياته الشخصية وعلاقته بإخوته، خاصة جوزيف بونابرت الذي تزوج من أختها جولي. فقد عاشت حبيبة نابليون شطراً كبيراً من حياتها في معية أسرته. وتبدأ العلاقة بين الأسرتين عام 1794، عقب أن توفي والد ديزيريه واكتشفت حكومة الثورة أنه كان قد قدم طلباً ليحصل على أحد ألقاب النبالة، وبسبب هذا قامت باعتقال "أتيين" شقيق ديزيريه كلاري، بعد ما أصبح رب الأسرة. ذهبت ديزيريه برفقة زوجة أخيها سوزان لتقدم التماساً إلى النائب "ألبيتي" للإفراج عن "أتيين"، وهناك التقت جوزيف بونابرت ودعته لزيارة منزلهم صحبة أخيه نابليون. ليكون ذلك اللقاء مصيرياً في حياتها؛ إذ سرعان ما خطب جوزيف أختها الكبرى "جولي"، وخُطبت هي لنابليون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحرص أنيماري على الصدق التاريخي في سرد الوقائع التي جرت في حياة بطلة روايتها بوصفها شاهدة بل ومساهمة في أخطر مرحلة من حياة فرنسا والعالم بأسره. ومن هذا الجانب ترصد الرواية المراحل التي مرت بها الثورة الفرنسية والدماء التي سالت والرؤوس التي قطعت على المقاصل. ثم انقلاب نابليون على دستور الثورة وتنصيب نفسه إمبراطوراً على فرنسا وتعيينه لإخوته ملوكاً وأمراء على الدول التي احتلها في أوروبا. والمشاكل الأسرية والسياسية التي دارت داخل القصر الإمبراطوري، ومنها خيانات جوزفين المتكررة لزوجها نابليون. كما تأخذ حملة نابليون إلى مصر والشام حيزاً من أحداث الرواية وصولاً إلى فشلها الذي كان البداية لفشل مخططاته لتحطيم الإمبراطورية البريطانية عن طريق منعها من الوصول إلى مستعمراتها: «دعانا إلى حفلة وداع قبل إبحاره إلى مصر، كان يقول لأمه إنه سيتخذ من الأهرامات قاعدة يوحد بها بين الشرق والغرب، وإنه يحيل الجمهورية إلى إمبراطورية شاسعة" صـ 102.

رسم الشخصية

وتبرز الرواية السمات الشخصية والنفسية التي تميزت بها ديزيريه وعرفت عنها تاريخياً، بخاصة في ما يتعلق بعدم إجادتها لفنون الإتيكيت والشروط التي تفرضها عليها قواعد منصبها. فقد ظلت محافظة على بساطتها رافضة الالتزام بالقواعد الاجتماعية الصارمة التي تفرضها عليها حياتها الجديدة سواء في الكلام أو الأفعال ما تسبَّب في نفور الأسرة المالكة في السويد منها.

وكما منح ستيفان زفايغ جوزيف فوشيه دوراً محورياً في إنقاذ فرنسا وأوروبا عموماً من الفوضى التي تسبب فيها نابليون، تمنح أنيماري كذلك "ديزيريه" هذا الدور بعد أن أقنعت نابليون في 30 يونيو (حزيران) 1815 بالتنحي عن السلطة حقناً للدماء وصوناً لباريس من السلب والنهب. ورغم أن جميع المحيطين به فشلوا في إقناعه، بذلك الأمر، فإن نابليون أذعن لما تقوله ديزيريه وسلَّم نفسه إليها كأسير حرب، معلناً هزيمته أمام الحلفاء، ولذا أخذت الجموع تهتف لها امتناناً لإنقاذها باريس من الدمار الماحق والخراب الأكيد: "تحيا سيدة السلام".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة