Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأت حملة تبييض وجه أميركا بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان؟

الإعلام الصيني يصف عودة طالبان بـ "ناقوس موت هيمنة واشنطن" وجولة هاريس الآسيوية تدخلها عش الدبابير بشأن كابول

بعد نحو أسبوع من سيطرة حركة طالبان المتطرفة على أفغانستان مما أسفر عن فوضى عارمة ومحاولات آلاف المواطنين للفرار من البلاد، وسط انتقادات دولية واسعة للإدارة الأميركية، تقوم نائب الرئيس الأميركي كامالا هاريس بجولة آسيوية تشمل سنغافورة وفيتنام. 

وفي حين تتعلق الزيارة بالأهداف الاستراتيجية الأوسع للولايات المتحدة في آسيا، لكن تلك الجولة الأولى لهاريس إلى دول جنوب شرقي آسيا باتت تحمل هدفاً مزدوجاً، إذ إنها تسعى لتطمين الحلفاء بشأن التزام الولايات المتحدة بأمن المنطقة، وفي الوقت نفسه تبعث برسالة للصين التي روجت وسائل إعلامها لضعف واشنطن خلال الأيام الأخيرة الماضية. 

فعلى الرغم من أن الزيارة كان مخططاً لها منذ أسابيع عدة، فإن توقيتها يجعلها المهمة الصعبة لتبييض وجه واشنطن أمام حلفائها الإقليميين بعد الخروج الفوضوي من حرب هي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، فإدارة الرئيس جو بايدن تواجه اتهامات بعدم الكفاءة وسوء إدارة الانسحاب من أفغانستان بطريقة سمحت لطالبان بالاستيلاء على الحكم في غضون شهر من الانسحاب الأميركي، وقد جرت السخرية من مشهد سحب واشنطن دبلوماسييها من كابول بالطريقة نفسها التي نفذت بها إجلاء نظائرهم من سفارتها في سايغون بفيتنام قبل أكثر من 40 عاماً. 

الصين تنقض سريعاً

تزداد حاجة الولايات المتحدة لحملة دبلوماسية وإعلامية واسعة لتبييض صورتها الآن أكثر من أي وقت مضى، إذ إنها باتت في حاجة ماسة لتأكيد وجودها في المنطقة أولاً ومواجهة الدعاية الصينية المضادة، التي يبدو أنها وجدت في فوضى أفغانستان فرصتها التاريخية للانقضاض على أي نفوذ أميركي محتمل في جنوب شرقي آسيا، التي تشهد بالفعل صراعاً بين القوتين، بخاصة منطقة بحر الصين الجنوبي.

 ووصفت وسائل الإعلام الرسمية في الصين عودة طالبان إلى شوارع العاصمة الأفغانية بأنه "ناقوس موت الهيمنة الأميركية"، وجاء في مقالة نشرته وكالة أنباء الصين (شينغوا)، الإثنين الماضي، أن "سقوط كابول يمثل انهياراً للصورة الدولية وصدقية الولايات المتحدة"، بينما نشرت "غلوبال تايمز" المملوكة للدولة، تقارير عدة بشأن ما وصفته بأنه "عدم موثوقية التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها"، ولمحت إلى أن جزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي قد تواجه مصير أفغانستان نفسه في حال الصدام مع الصين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشكل تايوان نقطة أكثر حساسية وخطورة في العلاقة بين واشنطن وبكين، فبينما تصرّ الأخيرة على أن الجزيرة الواقعة في الجنوب الغربي قبالة سواحلها جزء من الدولة الصينية، ولا بد من إعادتها إلى سيادتها، فإن الأولى تدعم استقلال تايبيه وتمدها بالسلاح، فالبلد الذي يقطنه 23 مليون نسمة، وتحكمه حكومة منتخبة ديمقراطياً، استقل عن الصين منذ عام 1949، لكن تنظر جمهورية الصين الشعبية إلى الجزيرة كمقاطعة.

وتشتري تايوان الأسلحة في المقام الأول من الولايات المتحدة، إذ يعتمد أمنها الاستراتيجي على الضمانات التي تقدمها واشنطن بموجب قانون العلاقات، ففي يونيو (حزيران) 2017، أعلنت الولايات المتحدة بيع أسلحة بقيمة 1.4 مليار دولار إلى تايوان. وبين عامي 1979 و2017، احتلت "تايبيه" المرتبة التاسعة كأكبر مستورد للأسلحة على مستوى العالم. 

وخلال الفترة نفسها، زودت الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة أرباع مشتريات تايوان من الأسلحة، وفقاً لقاعدة بيانات نقل الأسلحة بمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.

وفي أعقاب مشهد الفوضى في مطار كابول حيث طارد آلاف المواطنين الطائرات في محاولة للفرار من حكم "طالبان"، قامت الصين الثلاثاء الماضي، بتدريبات عسكرية بحرية وجوية بالقرب من تايوان رداً على ما تصفه بـ "التواطؤ المتكرر لإثارة الاستفزازات" بين واشنطن وتايبيه. 

وفي تعليقات لشبكة "سي إن إن" الأميركية، وصف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تشنغتشي الوطنية في تايبيه، آرثر دينغ، الرسائل الدعائية لبكين حول أفغانستان بأنها "حرب نفسية رخيصة"، مشيراً إلى أنها كانت تستهدف بشكل رئيس أنصار المعارضة التايوانيين الأكثر تقبلاً، الذين يفضلون تأسيس علاقات وثيقة مع بكين، وبالنظر إلى هذه الحرب الدعائية تزداد مهمة هاريس صعوبة.

بحر الصين الجنوبي

التوتر بين واشنطن وبكين لا يتعلق فقط بتايوان، لكن بالسيادة على بحر الصين الجنوبي الذي تتنازع بكين مع جيرانها (ماليزيا وفيتنام والفلبين وبروناي) حوله. ومن آن إلى آخر ترسل واشنطن سفناً حربية للمرور من المنطقة تحت مسمى حرية الملاحة، وهو ما يثير غضب بكين، التي عززت نفوذها على أجزاء من البحر. 

ومطلع أغسطس (آب) الحالي أرسلت عدة قوى دولية بينها الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، سفناً حربية إلى بحر الصين الجنوبي، في إطار سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة مع دول المنطقة، وهو ما أثار استهجان بكين وتحذيرها. 

وتأتي زيارة هاريس بعد أقل من شهر من زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين، للبلدان نفسها إضافة إلى الفيليبين، ولقاء افتراضي لوزير الخارجية أنتوني بلينكن مع نظرائه من رابطة أمم جنوب شرقي آسيا مطلع الشهر الحالي، والمكونة من 10أعضاء. 

ومع توغلات بكين في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، يعد التعامل مع فيتنام وسنغافورة مفتاحاً للأهداف الدبلوماسية والعسكرية لإدارة بايدن في المنطقة، بخاصة أن سنغافورة تستضيف قاعدة بحرية أميركية مما يجعلها مرساة الوجود البحري الأميركي في جنوب شرقي آسيا. 

ولطالما اعتبرت دول جنوب شرقي آسيا دور الولايات المتحدة في "أمنها" أمراً رئيساً، وفقًا لتقرير صدر عن معهد أبحاث السياسة الخارجية في يونيو (حزيران) الماضي، على الرغم من أن كتلة جنوب شرقي آسيا تعارض الانحياز العلني لأية قوة خارجية.

ووفقاً لإذاعة "صوت أميركا"، قال الزميل لدى معهد سنغافورة للشؤون الدولية "أوه إي صن" إن دول جنوب شرقي آسيا ستريد في نهاية المطاف مزيداً من "الالتزامات الملموسة" من واشنطن أكثر مما عرضته إدارة بايدن حتى الآن، مشيراً إلى أن هاريس ربما تدلى بتصريحات حول بحر الصين الجنوبي، "لكن هذا الجزء من العالم عملي للغاية، وعليك أن تكون ملموساً بشأن ما يمكنك تقديمه بشكل أساس".

وقال أستاذ السياسة والدراسات الدولية في الجامعة المسيحية الدولية في طوكيو ستيفن ناجي، "إن سلسلة الزيارات من واشنطن تظهر أن الولايات المتحدة ستهتم بجنوب شرقي آسيا على المدى الطويل"، وأضاف في تعليقاته للإذاعة الأميركية أن "هذا يوضح مرة أخرى الالتزام الحقيقي للولايات المتحدة تجاه المنطقة، أتوقع مزيداً من هذا النوع من الدبلوماسية رفيعة المستوى".

فيتنام منطقة شائكة

يعتقد مراقبون آخرون أن هناك أيضاً أخطاراً كبيرة، فهاريس وهي محامية وسيناتور سابق في مجلس الشيوخ الأميركي تفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية الدولية والسياسة الخارجية، وربما تسفر زيارتها لفيتنام عن مقارنات غير مرغوب فيها بين الانسحاب المهين للقوات الأميركية هناك عام 1975 والفوضى الجارية في أفغانستان وإجلاء الأميركيين والحلفاء. 

وفي يوليو (تموز) الماضي، رفض بايدن المقارنات بين أفغانستان وفيتنام، وأصر على أنه "لن تكون هناك ظروف حيث نرى أشخاصاً يرفعون من على سطح سفارة في أفغانستان، في إشارة إلى صور تاريخية لطائرة هيلوكوبتر تقوم بإجلاء موظفي السفارة الأميركية في سايغون بعد الهزيمة في حرب فيتنام.

وقال بريت بروين الذي شغل منصب مدير المشاركة العالمية خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إن هاريس "تسير في عش الدبابير سواء في شأن ما يحدث في أفغانستان، ولكن أيضاً بشأن التحدي الصيني الذي يلوح في الأفق بشكل كبير في فيتنام". 

ويضيف، "في يوم جيد يشبه الأمر السير على حبل مشدود، وفي يوم غير ذلك يشبه القفز على حبل مشدود بينما تقود فيلاً. هناك مجموعة هائلة من المشكلات التي ستواجهها منذ لحظة وصول طائرة الرئاسة".

ونقلت وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية عن السفير الأميركي السابق في فيتنام ديفيد شير، قوله "إن هاريس يجب أن تكون حريصة على إرسال رسالة إيجابية إلى تلك الدول، وتجنب التركيز كلياً على الصين خلال رحلتها". مضيفاً، "علاقاتنا مع هذه البلدان مهمة في حد ذاتها، ولا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم مجرد بيدق في لعبة شطرنج بين الولايات المتحدة والصين. إنهم يريدون التفكير بشروطهم الخاصة، ويريدون مراعاة مصالحهم وفقاً لشروطهم الخاصة".

ويقول المراقبون إنهم يأملون بأن تركز هاريس بشكل خاص على قضايا التجارة خلال رحلتها، وكان البيت الأبيض يدرس إبرام صفقة تجارة رقمية جديدة مع دول المنطقة من شأنها أن تسمح بالتدفق الحر للبيانات وتفتح الفرص أمام الشركات الأميركية لمزيد من التعاون في شأن التقنيات الناشئة في منطقة سريعة النمو من العالم.

المزيد من سياسة