Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حسابات أردوغان المستجدة بعد الحدث الأفغاني

يأمل الرئيس التركي تكرار اتفاق 2016 وإجراء مساومة مع أوروبا بينما تتزايد مشاعر العداء في تركيا تجاه اللاجئين

تفيد التقارير بوصول ما بين 500 و2000 أفغاني إلى تركيا يوميا (أ ب)

تهيمن المخاوف مجدداً على قادة الاتحاد الأوروبي في شأن مواجهة أزمة جديدة تتعلق باللاجئين، إذ يتدفق آلاف الأفغان عبر إيران إلى تركيا، منذ سيطرة حركة "طالبان" على البلاد في أعقاب الانسحاب الأميركي. وفي الأيام الماضية، وأمام مشاهد الحشود التي اقتحمت مدرج الطائرات في مطار حامد كرازي الدولي في محاولة للفرار من البلاد، تحدث قادة أوروبا عن الحاجة إلى دعم الشعب الأفغاني لمنع موجة أخرى من اللاجئين الساعين للسفر إلى أوروبا.

ويتخذ اللاجئون الأفغان الساعين للوصول إلى أوروبا الطريق من إيران مروراً بتركيا ثم أوروبا. وتفيد التقارير بوصول ما بين 500 و2000 شخص إلى تركيا يومياً. وهو ما يعيدنا بالذاكرة إلى 8 مارس (آذار) 2016 عندما عقدت الحكومة التركية اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي يقضي بإنهاء تدفقات الهجرة غير النظامية من تركيا إلى الدول الأوروبية، وضمان تحسين ظروف استقبال اللاجئين في تركيا مقابل دعم بقيمة 6 مليارات يورو لأنقرة لجهودها في استضافة اللاجئين، إذ إنها استضافت نحو 3 ملايين سوري منذ اشتعال الحرب في سوريا في مارس 2011.

لم تلتزم أنقرة بالاتفاق وقامت بعد ثلاث سنوات من توقيعه وتلقي نحو 2.5 مليار دولار، بتعقب اللاجئين وترحيلهم إلى سوريا. وبحسب بيان لوزارة الداخلية التركية في يوليو (تموز) 2019، تم توقيف 6 آلاف شخص خلال أسبوعين. جاء ذلك على إثر توتر العلاقات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقادة أوروبا في ظل تنديدات أوروبية متتالية بالتصرفات التركية ضد جيرانها، لا سيما الاعتداءات على السيادة القبرصية واليونانية من خلال التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط قبالة سواحل البلدين، وقبلها التنديد بالممارسات "القمعية" في الداخل ضد المعارضة والصحافيين الأتراك.

ورقة مساومة

وبعد ما وصلت العلاقة بين الطرفين إلى أدنى مستوى لها مع فرض عقوبات أوروبية ضد أنقرة العام الماضي، ينبغي طرح السؤال عما إذا كانت الأزمة الحالية الآتية من أفغانستان ستكون فرصة للرئيس التركي لإصلاح علاقاته مع جيرانه الأوروبيين، الذين واصلوا انتقاده علناً من دون هوادة على مدار السنوات الماضية بشأن عدد من القضايا، أو استخدام اللاجئين كورقة مساومة لعقد اتفاق جديد، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن التأييد الشعبي للرئيس التركي تراجع في أعقاب أزمة العملة وركود حاد وجائحة فيروس كورونا في السنوات الثلاث الماضية.

ويقدر البنك الدولي أن أكثر من 1.5 مليون تركي تراجعوا إلى ما دون حد الفقر في العام الماضي. ويوضح مؤشر "جيني" لتوزيع الدخل والثروة أن التفاوت ازداد منذ 2011، وتسارعت وتيرته منذ 2013 فمحا المكاسب الكبيرة التي تحققت في الفترة من 2006 إلى 2011 خلال العقد الأول من تولي أردوغان السلطة.

وفي تعليق لـ"اندبندنت عربية"، قال مدير برنامج تركيا لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن والعضو السابق في البرلمان التركي، أيكان إردمير، إنه في حين يشكل التدفق المستمر للاجئين الأفغان إلى تركيا تحدياً كبيراً لحكومة أردوغان محلياً، إلا أنه يوفر أيضاً لأنقرة فرصة لاستغلالها في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

وأشار إردمير إلى تمكن أردوغان قبلاً من الاستفادة من أزمة اللاجئين السوريين من خلال اتفاق اللاجئين لعام 2016، الذي سمح له بانتزاع تنازلات مختلفة من بروكسل، بما في ذلك الحوافز المالية وكذلك التساهل مع الانتهاكات التي ارتكبها. وبالمثل، فإن الرئيس التركي يأمل، هذه المرة، أن يؤدي تهديد موجات اللاجئين الأفغان إلى منحه نفوذاً إضافياً على الاتحاد الأوروبي. ما يسمح له بانتزاع مزيد من التنازلات.

معضلة الداخل

ويمكن القول، إن تركيا تعمل كحارس بوابة للاتحاد الأوروبي مقابل مليارات الدولارات من المساعدات. وفي حين يمنح الاتفاق تركيا نفوذاً دبلوماسياً كبيراً في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، فإن المشهد المحلي يطرح معضلة أمام أردوغان لاستغلال أزمة اللاجئين، إذ تتزايد مشاعر العداء في تركيا تجاه اللاجئين.

ووفقاً لتقرير سابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، فإن "مشاعر كراهية الأجانب تتصاعد عبر الطيف السياسي ضد اللاجئين السوريين وغيرهم في تركيا". وقد انعكس ذلك على الانتخابات البلدية التركية عام 2019، عندما خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم بلدية إسطنبول، أمام المعارضة، في معركة شرسة أجبر فيها أردوغان القضاء التركي على إعادة الانتخابات، لكن حزبه خسرها مجدداً في يونيو (حزيران) من العام نفسه.

وحذر رئيس حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيس في تركيا، كمال كليجدار أوغلو، الشهر الماضي، من عقد أي اتفاق جديد مع أوروبا لاستضافة مزيد من اللاجئين. وتعهد "بإعادتهم إلى الوطن" إذا تولى حزبه السلطة. وقال إن الغرب رأى أنه بإمكانه تحويل تركيا إلى ما وصفه بـ"سجن مفتوح للاجئين"، مشيراً إلى أن تدفق اللاجئين يمثل مشكلة بقاء حقيقية لتركيا وأن للقضية ضحيتين هما الشعب التركي، وأولئك الذين يُشار إليهم بـ"أشقائنا اللاجئين".

وفي مقطع فيديو تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نقلت صحيفة "الغارديان" البريطانية محتواه، قال أوغلو إن "مشكلة البقاء الحقيقية لبلدنا هي تدفق اللاجئين... نحن الآن عالقون في الفيضان الأفغاني"، مضيفاً أن ما بين 500 ألف ومليون أفغاني نازح يأتون إلى تركيا.

وفي يوليو الماضي، أعلن عمدة مدينة بولو الشمالية الغربية الذي ينتمي إلى حزب الشعب الجمهوري، تانجو أوزكان، عن خطط لفرض رسوم على "الرعايا الأجانب" 10 أضعاف مقابل خدمات المياه والنفايات. وكتب في تغريدة على "تويتر"، "نريدهم أن يغادروا. لقد طال كرم الضيافة... أصبحت (تركيا) أرض نفايات للمهاجرين". وقد أثارت هذه التصريحات الغضب والتأييد على حد سواء، فيما فتح مكتب المدعي العام تحقيقاً في الأمر.

وفي أواخر يوليو، قُتل سبعة أفراد من عائلة كردية على أيدي مسلحين في وسط مدينة قونية، الجريمة التي وصفها محامي الأسرة بأنها هجوم "عنصري تماماً".

تكاليف محتملة

ويقول النائب التركي السابق إن "التحدي الرئيس الذي يواجه أردوغان هذه المرة هو تصاعد المشاعر المعادية للاجئين في تركيا، التي أدت إلى هجمات عنيفة تستهدف اللاجئين. لذا، سيتعين على الرئيس التركي أن يوازن بين ما يأمل تحقيقه في الخارج والتكاليف المحتملة التي سيتكبدها في الداخل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشير المحلل التركي لدى شركة "غلوبال سورس بارتنرز" للأبحاث المالية في نيويورك، أتيلا يسيلادا، إلى أن جهود زعيم المعارضة كيليجدار أوغلو لعرقلة أي اتفاق جديد للاجئين سيتردد صداها في بلد يرى فيه كثيرون أن تدفق أعداد كبيرة من الأفغان ربما يكون مزعزعاً للاستقرار.

ووفقاً لإذاعة "صوت أميركا"، فإن جميع استطلاعات الرأي السابقة تظهر أنه بغض النظر عن الحزب، يريد الأتراك عودة اللاجئين. ما يعكس استياء المواطنين. والأهم من ذلك، العمالة التي تم استبدالها باللاجئين الأفغان والسوريين.

وقد بدأت تركيا بناء جدار فاصل على طول حدودها مع إيران لمنع تدفق اللاجئين. ويبلغ طول الجدار 243 كيلومتراً بارتفاع حوالى 3 أمتار، حيث تم الانتهاء من بناء 156 كيلومتراً، فيما يجري العمل على قدم وساق للانتهاء من البناء.

وفي تصريحات عقب اجتماع لمجلس الوزراء التركي، الخميس، قال أردوغان إن تركيا لا تقبل بأن تصبح "مخزن المهاجرين في أوروبا"، وحث الدول الأوروبية على تحمل المسؤولية إزاء المهاجرين القادمين من أفغانستان. 

تغيير وجهة الأموال الأوروبية

هذه الرسائل الآتية من تركيا إلى أوروبا، ربما تقف وراء حديث القادة الأوروبيين عن ضرورة دعم الدول المجاورة لأفغانستان. فعشية المشهد المأساوي في مطار كابول الذي يشبه أفلام نهاية العالم، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مبادرة مع الأوروبيين للحيلولة دون "موجات هجرة واسعة" من أفغانستان، ومساعدة دول الجوار على استقبال اللاجئين.

وخلال مؤتمر صحافي، في اليوم نفسه، أكدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ضرورة دعم الدول المجاورة لأفغانستان لاستقبال اللاجئين، مضيفة أنه "يجب عدم تكرار أخطاء الماضي" في ما يتعلق بعدم تقديم الدعم المالي الكافي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرامج المساعدات ومن غادروا الأردن ولبنان في اتجاه أوروبا، في إشارة إلى اللاجئين السوريين. ما يعني أن الأموال الأوروبية قد تغير طريقها هذه المرة نحو الدول التي تتشارك الحدود مع أفغانستان.

المزيد من تقارير