Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقتصاد الخليجي في مرمى الحرب التجارية مع اشتعال الخلاف الأميركي- الصيني

وسط تباين أسعار النفط... والحوافز في قطاع التكنولوجيا المتطورة والذكاء الصناعي

من المتوقع تأثر الأسواق العالمية بموجات ارتفاع معدلات التضخم مما يؤثر على أسعار الفائدة وانخفاض النمو للاقتصادات المرتبطة (رويترز)

على نحو مفاجئ، ووسط مشاورات ثنائية توقع البعض أن تصل إلى اتّفاق أميركي صيني يجنّب العالم الدخول في حرب تجارية، انتهت الجمعة الماضية المفاوضات بين الطرفين من دون التوصل إلى اتّفاق، وعلى إثره رفعت الولايات المتحدة التعريفات الجمركية على بضائع صينية تقدر قيمتها بـ200 مليار دولار أميركي، بنسب من 10% إلى 25%.، بهدف الضغط على إيران وتحجيم التعاون الاقتصادي مع "بكين"، كما أصدر ترمب أمراً بالإعداد لفرض رسوم على سلع صينية إضافية بقيمة 300 مليار دولار، وهو ما سيشمل فعليا جميع الواردات الصينية برسوم.

وفي أول رد حاسم، قررت الصين فرض رسوم استيراد على سلع أميركية قيمتها 60 مليار دولار، مشيرة إلى أن رسوم الاستيراد الجديدة على السلع الأميركية ستدخل حيز التنفيذ في بداية يونيو (حزيران) المقبل.

ومع دوران رحى الحرب التجارية بشكل متسارع لدرجة أنها أصبحت الحدث الأهم بالعالم، وجدت بلدان الخليج العربي والشرق الأوسط، التي تعتبر الشريك التجاري الوثيق مع طرفي الخلاف، نفسها عالقة وسط تلك الحرب التي تترقب آثارها على اقتصاداتها وتستهدف تضييق الخناق على إيران، والتي بدأت بإثارة القلاقل في مياه الخليج.

ويرى خبراء ومحللون أن "التأثيرات السلبية للحرب التجارية بين أقطاب الاقتصاد بالعالم من الممكن أن تمتد إلى الدول التي تتعامل معها بشكل مباشر، وسط توقعات بتباطؤ النمو العالمي وتعثر عملية التعافي الاقتصادي".

صندوق النقد الدولي يرجح أن الأمد الطويل للحرب التجارية سوف يؤثر على الجميع ومن المتوقع تأثر الأسواق العالمية بموجات ارتفاع معدلات التضخم، مما يؤثر على أسعار الفائدة، وانخفاض النمو للاقتصادات المرتبطة.

وتشير مجموعة من المؤشرات الاقتصادية إلى أن النزاع الذي دام عاما له تأثير متزايد على الاقتصاد العالمي، حيث انخفضت الصادرات الأميركية إلى الصين بنسبة 30% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2019، فيما انخفضت الصادرات الصينية إلى أميركا بنسبة 9% وانخفضت بنسبة 2.7 % على أساس سنوي في أبريل (نيسان) الماضي.

الشرارة الأولى للحرب التجارية

أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشرارة الأولى للحرب التجارية مع الصين في 22 مارس (آذار) عام 2018، بعد أن أعلن عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار على السلع الصينية، وكردّ انتقامي من الحكومة الصينية فُرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجاً أميركياً، أشهرها فول الصويا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي 15 يونيو (حزيران) 2018، أعلن ترمب أن الولايات المتحدة ستفرض 25% من التعريفات الجمركية على سلع صينية بقيمة 34 مليار دولار، وتم تفعيلها في 6 يوليو (تموز)، ثم 16 مليار دولار باقية ستُفعل في موعد لاحق. حينها اتهمت وزارة التجارة الصينية الولايات المتحدة بمحاولة شن حرب تجارية وتوعّدت بالرد عليها بالمثل من خلال استهداف وارداتها التجارية. بعدها بنحو ثلاثة أيام أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستفرض رسوماً إضافية بنسبة 10% بقيمة 200 مليار دولار على الواردات الصينية؛ ثم توعّدت الصين في نفس اليوم بالردّ، فيما انطلقت مفاوضات ثنائية بين الطرفين على أمل التوصل إلى اتّفاق ثنائي، إلا أنها باءت بالفشل.

وفي هذا السياق، قال وضاح الطه، عضو الجمعية العالمية لاقتصاديات الطاقة، إن "دول الخليج ستتأثر بشكل مباشر بالحرب التجارية بسبب تراجع الطلب على النفط بالتزامن مع زيادة حجم الإنتاج، وذلك على الرغم من احتمال تراجع الطلب على النفط نتيجة الحرب التجارية إلا أن أسعاره ستشهد ارتفاعاً وسط تصاعد وتيرة الأحداث الجيوسياسية بالمنطقة، وهو ما شهدته الإمارات أخيراً".

وبرر الطه ذلك بأن "ثلث إمدادات النفط العالمية تمرّ عبر الخليج العربي ومضيق هرمز، وبالتالي فإن القلق من تأثر الإمدادات يؤدي إلى رفع أسعار النفط، بجانب احتمالات تراجع الطلب جرّاء الحرب التجارية التي اشتعلت منذ أيام".

وأوضح أن "الرسوم الجمركية، وهي أداة الحرب التجارية، تضغط على استهلاك المواطن الأميركي، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة، كما سيكون له تأثير على عملات دول الخليج نظراً لارتباطها المباشر بالدولار الأميركي، لا سيما وأن التضخم المرتفع يعني قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، ومن ثم رفع أسعار الفائدة بدول الخليج بالتبعيّة، وبالتالي رفع كلفة التمويل على الشركات والأفراد".

تفاقم الحرب التجارية يؤثر سلباً على قطاع الطاقة

وعن القطاعات الأكثر تضرراً من تفاقم الحرب التجارية، قال علي الحمودي، الخبير الاقتصادي، إن "قطاع الطاقة يأتي كأهم القطاعات الاقتصادية بدول الخليج، ومن المتوقع أن يتأثر سلبا بتفاقم الحرب التجارية".

وفي هذا الصدد، يؤكد الحمودي أن "السيناريو المرجح في ظل الأزمة التجارية العالمية بشأن النفط، أن يقلّ الطلب بسبب حالة تباطؤ وتيرة الإنتاج والتصنيع العالمي، ومن المحتمل أيضا أن نشهد حالة من الركود الاقتصادي، وهو ما سيؤثر بلا شك على الأوضاع المالية لدول الخليج والشرق الأوسط بشكل غير مباشر".

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "دول الخليج تمثل 40% من واردات الصين من النفط، وإذا انخفض النشاط الصناعي نتيجة الحرب التجارية، قد يهبط الطلب على صادرات النفط من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ولفت إلى أنه "إذا كان هناك تحفيز اقتصادي في الصين لتجنب آثار حربها التجارية مع الولايات المتحدة فمن الممكن أن يستفيد قطاع البتروكيماويات من هذا التحفيز".

وتابع الحمودي "صناعات البتروكيماويات الخليجية قد تستفيد من النزاع الأميركي الصيني، بعد فرض الصين ضرائب جمركية على واردات البتروكيماويات من أميركا، ما يمنح ميزة تنافسية للمنتجات القادمة من الخليج"، وأفاد بأن "الصين تعمل الآن على نحو متزايد على تحويل تركيزها إلى الدول غير الغربية على خلفية الحرب التجارية، كما أنها تحرص على إقامة شراكات مع دول مجلس التعاون الخليجي في مجالات البنية التحتية والتصنيع والتعاون في مجال الطاقة وآلية التمويل".

وتوقع أن تعمل الصين في المرحلة المقبلة على تعميق تعاونها مع منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وسيكون قطاع الطاقة هو المفتاح في هذه الشراكة.

أكثر تأثيراً من الحروب التقليدية

وفي ذات السياق، قال أحمد محمد الإمام، مسؤول لدى شركة "أوراق" للاستشارات الاقتصادية، إن "الحروب التجارية أصبحت أكثر تأثيراً على الاقتصاد العالمي، من الحروب التقليدية ويمتد تأثيرها ليس فقط على الدول المتحاربة، بل على نطاق أوسع حسب قوة اقتصاديات الدول المتحاربة".

وتوقع الإمام أن "الآثار لن تكون مباشرة على منطقة الخليج العربي، حيث لا تعتبر المنطقة معنية بشكل مباشر بالحرب الدائرة بين الولايات المتحدة والصين، نظراً لكونها منطقة مستوردة ذات عجز تجاري كبير".

وقال الإمام "باستثناء صادرات النفط، لا توجد أسباب لقيام دول أخرى بفرض رسوم جمركية على الصادرات، ولا يوجد أي سبب يدفع المنطقة لفرض رسوم جمركية على وارداتها، ولكن مع ذلك فإن هذه الحرب سوف تؤثر على قطاع النفط بسبب ضعف معدلات نمو الاقتصاد العالمي، مما يجعل أسعار النفط تتجه إلى الانخفاض بسبب تأثر أسواق الصين والدول الآسيوية بالحرب القائمة".

وتوقع الإمام "ارتفاع أسعار السلع المرتبطة بالعقوبات الأميركية، والتي تستوردها دول الخليج، فيما يعرف بالتضخم المستورد الذي سوف يؤثر بالتبعية على العديد من الأنشطة التجارية داخل دول الخليج"، ولفت إلى أن "الآثار السلبية غير المباشرة على اقتصادات المنطقة تتضمن تخارج رؤوس الأموال من المنطقة في اتجاه الولايات المتحدة وأوروبا للاستفادة من الفائدة المرتفعة وقوة الدولار، مما ينعكس على انخفاض الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي تزايد معدلات البطالة".

وفى المقابل، توقع الإمام اتجاه الصين بقوة إلى "تعزيز التعاون المشترك مع دول المنطقة وتعزيز وجودها مما يسهم في نقل التكنولوجيا المتطورة في قطاع الطاقة المتجددة والطيران والذكاء الصناعي بأسعار تنافسية وبسياسة أكثر انفتاحا، ما يعدّ فرصا يجب اقتناصها في المنطقة عبر شرط توطين التصنيع المشترك مع الصين".

خفض الطلب العالمي على النفط

حسام سويد الغايش، مؤسس "أوراق" للدراسات والاستشارات الاقتصادية، يرى أنه "مع مرور الوقت واستمرار الحرب التجارية سينخفض الطلب على النفط عالمياً، ما قد يؤثر بشكل كبير على دول الخليج، وسيكون هناك تأثيرات غير مباشرة من خلال التأثيرات المرتدة عبر العديد من القنوات، منها تضرر النمو العالمي، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض الطلب على الخام، وانخفاض أسعاره، فضلا عن تأثير هذه الحرب على الصين كونها ودول آسيوية أخرى من الدول المستوردة الرئيسية للنفط، والأكثر تضررا من النزاعات التجارية، مما سيفرض ضغوطا على الأسعار".

وأشار إلى أنه "قد تنخفض واردات الصين النفطية من المنطقة على المدى الطويل نتيجة لانخفاض النشاط الصناعي وانخفاض الطلب على النفط في الصين نتيجة للحرب التجارية، وقد يكون لهذا آثار سلبية للغاية على اقتصادات الخليج التي لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط كمصدر رئيسي للدخل".

وتوقع الغايش أن "تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في تعزيز علاقاتها مع الصين، كما يتضح من الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والإمارات والموقعة في منتدى التعاون الصيني- العربي الذي عقد في بكين في صيف 2018، وسط مساعٍ خليجية نحو تنويع علاقاتها مع القوى الخارجية، ولا يمكن للضغط الأميركي أن يغير ذلك" .

وأشار إلى "تعهد الصين إنشاء صندوق مخصص للتعاون الدولي في مجال الطاقة الإنتاجية للشرق الأوسط، مما سيسهل الاستثمار في القدرات الصناعية، بخاصة بعد فتح المجال المؤسسي بموجب اتفاقية التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي والصين، وهذا من شأنه أن يوفّر دفعة إضافية لدول المنطقة التي تعمل بشكل مستمر على تنويع اقتصاداتها المعتمدة على النفط".

وأضاف الغايش "من الصعب على الولايات المتحدة أن تجادل ضد نظام تجاري مفتوح لأن شرعيتها المؤسسية تتآكل بسبب تخليها عن النظام التجاري العالمي، فضلا عن أن دول الخليج لها مصالحها الخاصة"، مشيرا إلى أن "الديناميكية الدولية الحالية ليست ما رأيناه في الحرب الباردة، ودول الخليج ليست مضطرة إلى اختيار جانب على حساب الآخر".

وقال إنه "في النهاية من المؤكد أن المسؤولين في جميع أنحاء الخليج سيبحثون طرقًا لزيادة نفوذهم في بيئة تتنافس فيها القوى الكبرى في العالم مع بعضها البعض دون تأثر اقتصاداتها بهذه الحروب التجارية".

ورجح الغايش أن "تصبح إيران النقطة المحورية في الحرب التجارية، فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران في مايو (آيار) 2018، تعيش طهران تحت ضغوط اقتصادية وسياسية، كما أن قرار تصفير النفط الإيراني يستهدف بشكل غير مباشر تهديد الإمدادات الصينية من النفط الخام، علاوة على ذلك، فإن أي تقلّب في النفط قد يضعف الثقة بين المستثمرين ويؤثر على الأسواق الإقليمية، وفي أسوأ السيناريوهات قد تحاول إدارة واشنطن، التي لا يمكن التنبؤ بأفعالها، دفع دول الخليج لاختيار جانب في خلافها مع بكين".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد