Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خرائط "غوغل" تحجم مسؤوليات تل أبيب تجاه الفلسطينيين

قانون "كايل بينجامان" وجد لحماية الأمن القومي الإسرائيلي

شركة "غوغل" كانت أوضحت في وقت سابق أن اسم فلسطين لم يكن مستخدما أصلا في خدمة خرائطها (رويترز)

من بين ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في المنفى، يحاول سعيد غنام (20 سنة) استخدام التكنولوجيا كأداة لتخيل قريته التي هُجر أجداده منها بطريقة محسوسة، فهو لا يملك سبيلاً للعودة ولا حتى للزيارة، شركة "غوغل" الأميركية العملاقة التي وفرت لسعيد وغيره فرصة رؤية العالم ودهاليزه الدقيقة من خلال الخرائط بطرق حديثة، وبنظام ثلاثي الأبعاد، فاجأته أيضاً خلال البحث أنه لا اسم لـ"فلسطين" على خرائطها، وأن قريته الفلسطينية التي يطمح لرؤيتها أصبحت مستوطنة "غير شرعية"، وأن القدس التي ترعرع على عروبتها أصبحت عاصمة لإسرائيل.

تجاهل مقصود

يرى مراقبون أن "غوغل" وغيرها من الشركات، تتجاهل وضع اسم فلسطين على خرائطها، ولا تكترث بكل تقييدات الحركة المفروضة على الفلسطينيين كنقاط التفتيش، والشوارع المحظورة التي تعيق حركتهم، بما قد يعرضهم للخطر الشديد حال استخدامهم خدمة توجيه الطرق التابعة لخرائط "غوغل"، إذ تُدرِج الطرق الافتراضية المقترحة والمتاحة في معظم الأحيان للإسرائيليين فقط، ما قد يعتبر مخالفة واضحة للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وتدرج "غوغل" المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية عبر خرائطها، بينما تخفي القرى والتجمعات الفلسطينية المهمشة في خرائطها.

وبينما تستمر سياسات "غوغل" التخطيطية في تجاهل وعدم إدراج اسم فلسطين على خرائطها، يؤكد المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملة"، استمراره في سلسلة التصعيد والتحركات ضد الشركة للضغط عليها، وإلزامها بالقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان في تصويرها فلسطين.

ترويج أجندة الحكومة الإسرائيلية

مدير المركز نديم الناشف يقول، إن "غوغل" وخدماتها باتت ضرورية للحياة اليومية حول العالم، في حين أنها تقدم هذه الخدمات وتدعي أنها محايدة على الرغم من تبنيها مواقف سياسية جداً، وتدرك "غوغل" بشكل علني، مسؤوليتها تجاه زبائنها وأصحاب الأسهم والعالم بشكل عام، ولكن يبدو أنها تستثني الفلسطينيين من هذا التعهد، ويعتبر الناشف هذا التمييز ضد الفلسطينيين تناقضاً واضحاً للقيم التي تدعي "غوغل" أنها تحملها، كما أن عدم استعدادها لتوفير صورة واضحة للواقع الفلسطيني يعكس انحيازها تجاه ترويج أجندة الحكومة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين، إذ عليها تضمين كل القرى الفلسطينية "غير المعترف بها" في الطبقة الأولى من خرائطها، كما ينبغي أن تزود درجة التفصيل نفسها عند تمثيل القرى الفلسطينية في منطقة "جيم" (خاضعة للسيطرة الإسرائيلية)، كما تفصل المستوطنات، فهي لا تشير أو تميز المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على خرائطها وفقاً للبند 49 من معاهدة جنيف الرابعة، والبند 55 من أنظمة لاهاي. "إذ، وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، على خرائط "غوغل" تسمية فلسطين في تطبيقاتها كما يجب، والاعتراف بالمكانة العالمية للقدس وفقاً للقرار رقم 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن تعمل بحسب قيمها ومثلها ومسؤولياتها لعكس هذه القيم في كل خدماتها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف الناشف، "خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو (أيار) 2021، ظهر القطاع على خرائط غوغل في صورة غير واضحة ومشوشة، الأمر الذي عرقل مهمة توثيق آثار الدمار من خلال خرائط غوغل من قبل المدافعين عن حقوق الإنسان، ورداً على ذلك، قام المركز بالشراكة مع "كايروس فلسطين" (منظمة دينية مسيحية)، بإطلاق عريضة تطالب غوغل بتحديث خرائطها، لكنها لم تستجب لتلك العريضة".

محاولات رسمية

وكانت شركة "غوغل" أوضحت في وقت سابق أن اسم فلسطين لم يكن مستخدماً أصلاً في خدمة خرائطها، وأنها لم تدخل أي تعديلات حديثاً على خرائط المنطقة، الأمر الذي دفع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطينية لاتخاذ خطوات قانونية ضد الشركة.

وزير الاتصالات إسحق سدر قال، "هناك فريق عمل وخلية أزمة في الوزارة، تعمل بشكل ممنهج وعلمي ومكثف بالتعاون مع وزارة الخارجية الفلسطينية في هذا الإطار، بما يشمل رفع قضايا قانونية على مرتكبي تلك الأخطاء، فخرائط "غوغل" تشترك في جريمة انتهاك القانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان، ولذلك تقع عليها مسؤولية الانصياع للمعايير العالمية لحقوق الإنسان وتقديم خدمة تعكس الواقع الفلسطيني، لكن بدلاً من الارتقاء نحو هذه المسؤولية، تبنت خرائط "غوغل" الرواية الإسرائيلية، وسمحت في حالات نادرة فقط رسم خرائط لمدن فلسطينية في الخدمة التابعة لها، كما أن الحكومة  الفلسطينية ستعمل مع الشركاء المحليين والمؤسسات الخاصة، لإيجاد بدائل لمحرك "غوغل" بخاصة مع توفر بديل روسي وآخر صيني، وهذه المحركات والمواقع لا تنحاز لتل أبيب، ولا تعتمد العنصرية في التعامل مع روادها".

صور ضبابية

ولا تقتصر معاناة الفلسطينيين مع خرائط "غوغل" بالكفاح من أجل تعديل المسميات والحدود وأسماء المدن والقرى والطرق وحسب، فمع التطورات المتلاحقة في نظام التموضع العالمي "GPS"، ونُظم المعلومات الجغرافي، "GIS" وازدياد عدد أقمار الاستشعار عن بُعد في العقود القليلة الماضية، أدرك خبراء فلسطينيون أن ناشري صور الأقمار الصناعية مثل "غوغل"، ماضون في تقويض وجود فلسطين بنشر صور متدنية الوضوح، إذ ينسحب تركيز خرائط "غوغل" في خدمة "ستريت فيو" (التجوال الافتراضي) على المناطق الإسرائيلية، وتغطيتها معظم إسرائيل ومستوطناتها غير القانونية، في المقابل لا تتسنى رؤية هذه الخدمة في فلسطين، باستثناء بعض المدن في الضفة الغربية وأخرى في قطاع غزة، حيث إن خدمة "غوغل إيرث" مُلزمة بموجب القانون الأميركي "كايل بينجامان 1997"، حظر وإتاحة صور الأقمار الصناعية الملتقطة لفلسطين وإسرائيل بدقة وضوح عالية، بذريعة "حماية أمن إسرائيل القومي".

رئيس دائرة الجغرافيا في جامعة بيرزيت محمد كتانة يقول، إن تضبيب صور الأقمار الصناعية الملتقطة لفلسطين يعوق عمل علماء البيئة والجغرافيين والعاملين في المجال الإنساني، بل إن تدني دقة صور الأقمار الصناعية والخرائط الحديثة يعرقل الجهود المبذولة في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، مثل النشاط الاستيطاني في استيلاء إسرائيل على الأرض، وهدم البيوت، ويضيف أن على الحكومة الفلسطينية توعية الناس بأهمية الخرائط على الصعيد العالمي وقدرتها على تثبيت المتغيرات على الأرض الفلسطينية، ففي الوقت الذي تعي فيه إسرائيل أهمية ذلك، وتعمل بشكل حثيث على فرض سياساتها على الشركات العالمية مثل "غوغل" وغيرها، مقابل تسهيلات تجارية، لا تزال السلطة الفلسطينية مهملة ومتخاذلة وضعيفة في هذا المجال، وأبسط ما قد يثبته الفلسطينيون من خلال الخرائط والأقمار الصناعية، هو دحض الرواية الإسرائيلية أن فلسطين "أرض بلا شعب".

الجيومعلوماتية

يتابع كتانة، "جامعة بيرزيت أدركت أهمية التطورات في مجال الجغرافيا المكانية وقدرتها على تغيير الشباب للأفضل، فاستحدثت هذا العام تخصص "الجيومعلوماتية" الذي يعتبر الثالث من نوعه في جامعات الشرق الأوسط، بسبب شموليته على التقنيات الجغرافية المختلفة، مثل نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، ونظم تحديد المواقع والخرائط الرقمية والمحمولة، والمساحة الجوية الرقمية والفضائية، وهي تخصصات ستعيد أولويات الفلسطينيين بأهمية التصدي للقوى الإسرائيلية التي تسعى لإزالة اسم فلسطين عن الخريطة العالمية".

ويرى مختصون فلسطينيون أن قانون "كايل بينجامان" الأميركي، وتواطؤ شركات التكنولوجيا مثل "غوغل" لصالح إسرائيل في تعزيز سيطرتها المكانية، دفع الفلسطينيين لابتكار طرق جديدة لتثبيت حقهم في الخرائط بالتقاط الصور الجوية بأنفسهم، بدقة وضوح أعلى من الصور التي توفرها "غوغل"، مستخدمين أساليب عديدة مثل تعليق الكاميرات الرقمية بالطائرات الورقية، أو البالونات ونشرها بشكل مجاني للفضاء الإلكتروني.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط