Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فضيحة الدم الفاسد تذكر بعقود من بحث الضحايا عن العدالة

لا تزال المقاومة المؤسسية للشفافية قوية ومجموعات الناشطين أثبتت أن المثابرة يمكن أن تفضي إلى الفوز في النهاية

شارات التضامن مع ضحايا فضيحة الدم الملوث في بريطانيا (هيموفيليا.أورغ.يوكيه)

  توفي حوالى 3000 شخص نتيجة حقنهم بدم ملوث بـ"فيروس نقص المناعة المكتسبة" (أتش آي في) المسبب لمرض الإيدز، والتهاب الكبد الوبائي، من قِبَلْ "خدمة نقل الدم" التابعة لـ"خدمة الصحة الوطنية"، إبان حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. ونظراً لطبيعة المرض، تستمر معاناة عدد من المصابين بالهيموفليا (الناعور) وهو مرض من أعراضه عدم تخثر الدم بشكل طبيعي، ومصابين بأمراض غيرها، من سوء الصحة والموت المبكر جراء ما حصل لهم في وقت كانوا فيه تحت عناية "خدمة الصحة الوطنية" (أن أتش أس) ويتوقعون عن حق، تلقي الرعاية الصحية بطريقة مناسبة. ومع ذلك، فقد عولجوا بواسطة منتجات مشتقة من دم مستورد من مصادر شتى، جاء بعضه  من سجناء خطيرين للغاية في الولايات المتحدة.

  وصفتْ تلك المشكلة بأنها أسوأ  فضيحة علاجية في تاريخ الـ"أن أتش أس"، ولا يبدو أن هناك سبباً يدعو إلى الشك في سلامة ذلك التوصيف. في المقابل، يبقى حتى ذلك الحكم نفسه أقل من حجم الظلم الذي وقع على تلك المجموعة من الناس. وقد حاربت العائلات والضحايا طويلاً من أجل حصول التحقيق المستقل المتواصل حالياً، وذلك في سياق سعيهم إلى معرفة الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن القرارات التي أسفرت عن تلك النتائج الكارثية.

  ويرأس السير برايان لانغستاف، وهو من قضاة المحكمة العليا، التحقيق الحالي الذي انطلق في 2018 بهدف اكتشاف ملابسات الفضيحة التي دارت فصولها قبل حوالى ثلاثين عاماً. وآنذاك، كان اللورد كلارك أوف نوتنغهام، السياسي المخضرم الشهير باسمه الكامل كينيث كلارك، آخر الشهود الذين مثلوا أمام التحقيق بوصفه وزيراً للصحة (1982- 1985) ثم سكرتيراً للصحة في مجلس الوزراء ( 1988-1990)، أي أثناء حصول الفضيحة والفترة التي أعقبتها. ويصر كلارك على أنه لم يكن وزير الدولة المسؤول بشكل مباشر عن إمدادات الدم. ويُرجح أن يتمثل أحد محاور التحقيق في معرفة مدى علم الوزراء أو المسؤولين بأن منتجات تخثر الدم مثلاً استُخدِمَتْ مع مرضى الهيموفيليا حتى بعد أن عَلِمَ المسؤولون بخطر التلوث الذي تنطوي عليه تلك المنتجات. وفي تلك الآونة أيضاً، تمثّل موقف حكومة مارغريت تاتشر في أنه "لا يوجد دليل قاطع" على أن "فيروس نقص المناعة المكتسبة" (الإيدز) يمكن تمريره أثناء عملية نقل الدم ، وذلك أحد الأسباب المؤدية إلى تداعيات قاتلة بالنسبة إلى بعض المصابين، أو حدوث تجارب غيرت حياة آخرين تغييراً نهائياً.

  وتثبت فضيحة الدم الملوث نقطتين على المستوى السياسي. الأولى هي أن سعي الضحايا إلى محاسبة المخالفات والإهمال واللامبالاة من جانب الجهات الرسمية، يجب ألا يضيع سدى. ومع ذلك، وفق الحال مع تحقيقات "الأحد الدامي" ومساع مماثلة، هدفها اكتشاف الحقائق خلال فترة الاضطرابات في إيرلندا الشمالية، يمكن أن تكون النتائج في أفضل الحالات، مجرد حل جزئي للمظالم، حتى بعد محاولات استغرقت عقوداً من الزمن بهدف العثور على إجابات شافية. وعلى نحو مماثل، يقدم التحقيق بشأن القرصنة الهاتفية المتعلقة بانتهاكات طاولت صحافيين وترأسه اللورد برايان  ليفيسون، تحذيراً مفاده أن التوصيات التي يخلُص إليها المحققون يمكن أن تتعرض للتجاهل في نهاية المطاف حتى حين تكون مقبولة لدى الحكومة، وكذلك يمكن إنهاء التحقيق قبل الموعد المقرر إذا كان ذلك مناسباً للحكومة من الناحية السياسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبطرق مماثلة، توضح تحقيقات أخرى كذاك الذي أُجري بشأن اعتداءات جنسية مزعومة مِنْ قِبَلْ كبار الشخصيات، أو حول حريق سفينة "غرينفيل"، كيف تستطيع العائلات وجماعات الضغط في حال تلقيها مشورة قانونية جيدة، ضمان أن يكون رئيس هيئة التحقيق وأعضاؤها مقبولين لديها. وللأسف، يبرهن التحقيق المتعلق بفضيحة "ويندراش" أن حتى أكثر القضايا إلحاحاً، تلك التي تعترف الحكومة فيها بأخطائها وتتعهد بدفع تعويضات بسببها، فإن الإنصاف يمكن أن يصل بعد فوات الأوان ويكون على شكل مساعدة بعض المتضررين، وذلك نظراً للتأخير المفرط في الوصول إلى خواتيم العملية.

تتمثل النقطة الثانية التي يشتمل عليها تحقيق الدم الملوث، في التذكير الذي يثير المشاعر والموجه إلى الجميع، بمن فيهم أولئك الموجودون في السلطة والناس العاديون ومن يقومون بوظائف الإدارة ويطيعون الأوامر، بأنه ليس هناك "قانون تقادم" عموماً، وأنهم يتحملون دوماً مسؤولية ما فعلوه لوقت طويل وسنوات عدة مقبلة. في المقابل، ثمة استثناء جدير بالملاحظة لتلك القاعدة، ستؤدي إليه التغييرات المقترحة بشأن قانون الجرائم التي ارتكبها إرهابيون وأفراد القوى الأمنية خلال الاضطرابات في إيرلندا الشمالية.

  في سياق متصل، تؤكد التحقيقات المختلفة التي تركزت على الدور البريطاني في غزو العراق سنة 2003، أن ليس هناك حد لعدد الاستقصاءات المتنوعة التي تُجرى من أجل معرفة التفاصيل الحقيقية لحوادث معينة.

  وكخلاصة، توحي القيود التي تطرح الحكومة حالياً فرضها على المراجعات القضائية، وكذلك النهج الرجعي في التعامل مع فترة الاضطرابات في إيرلندا الشمالية، بأن المقاومة المؤسسية للشفافية لا تزال قوية كعهدها دوماً. في المقابل، من المستطاع تماماً أن تنتصر جماعات الناشطين شريطة أن تحافظ على أعصابها. وعلى الرغم من ذلك، فإن عملية البحث عن الحقيقة، منهكة تستنزف طاقة من ينهضون بأمرها.

© The Independent

المزيد من آراء