Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذوو الاحتياجات الخاصة العرب وثلاثية الإهمال والإنكار والصمت

القوانين حبر على ورق وبحسب "يونيسف" يكون الأطفال هم الأكثر عرضة للبيئات غير الداعمة

أشخاص من ذوي الإعاقة في الأردن خلال وقفة احتجاجية (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)

تتضامن عوامل عدة في "صنع" معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في عالمنا العربي، من جهل فئة كبيرة من العائلات في كيفية التعامل معهم، وتنمّر المجتمع عليهم، وحرمانهم من أبسط حقوق التعلم والتنقل والعمل، وصولاً إلى القوانين المثالية التي تبقى حبراً على ورق ولا يطبّق من موادها إلا القليل.

البعض من ذوي الاحتياجات الخاصة، يستسلم لواقعه، في حين تعمد فئة بمساعدة ذويها إلى الانطلاق صوب الحياة والتعلم ومراكمة الخبرات، وبرهنة أن الإعاقة الجسدية لا تقف أمام تطوّر العقل وتنميته بالعلم والكفاح والإرادة الصلبة. لكن الإرادة وحدها لا تكفي إذا لم تؤمّن الدولة أبسط الحقوق لهؤلاء، ومراعاة المواصفات اللازمة عند بناء المؤسسات والشركات، وتأمين فرص العمل لاحقاً لهم لنيل حياة شريفة وعدم الاعتماد على المساعدات الاجتماعية، إن وُجدت أصلاً لهم.

أصحاب الهمم في الجزائر يعانون في صمت

تعرف الجزائر ارتفاعاً نسبياً في فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، في وقت تسود حالة من عدم الرضا من الاستراتيجية الحكومية المنتهجة للاهتمام بهذه الفئة التي تعيش في ظل ظروف قاسية تحول دون اندماجها مهنياً واجتماعياً، ما دفع جمعيات ونقابات فاعلة عدة في المجتمع إلى العمل على نقل انشغالاتها للسلطات العامة، تطالب فيها بضرورة الالتفات إلى هذه الفئة "المهمشة"، كما يصفونها.

وتكشف إحصاءات رسمية عن وجود مليون و49 ألفاً من أصحاب ذوي الاحتياجات في وقت تتكفل الدولة بـ30 ألف تلميذ منهم، ما دفع الحكومة أخيراً إلى إعادة النظر في القوانين الخاصة بهم ومنحهم رعاية واهتماماً أكبر.

ضعف المنحة الشهرية

يشتكي أصحاب الهمم، مثلما يحبذ الكثير تسميتهم من مشكلات عدة حالت دون اندماجهم في المجتمع، من ضمنها ضعف المنحة الشهرية المخصصة لهم، فعلى الرغم من رفعها أخيراً من 4000 دينار إلى 10000 دينار، فإنها تظل في نظر كثيرين ضعيفة جداً ولا تسدّ حاجتهم، لا سيما في ظل تهاوي قيمة العملة الجزائرية والارتفاع الكبير في أسعار السلع، وهو ما تؤكده ربيعة (52 سنة) من العاصمة التي تضطر إلى تكلّف مصاريف ابنها محمد، والتي تقدر بنحو 30 ألف دينار شهرياً.

وتقول في هذا الصدد، "المنحة الشهرية التي رفعتها الحكومة أخيراً لا تكفي بتاتاً لسد حاجات ابني الشهرية، خصوصاً في ظل الغلاء الفاحش للأسعار"، في وقت جدّد محمد مطالبه ومن يشاركونه همه بضرورة التفات الحكومة إليهم "لأنهم من المهمشين"، على حد تعبيره.

نقاوم في صمت

وعلى الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لإدماج هذه الفئة في سوق العمل من خلال رفع النسبة الدنيا لتوظيفهم في مختلف القطاعات من 10 إلى 30 في المئة، فإن كثيرين منهم ما زالوا يقاومون قساوة الظروف المحيطة بهم حتى بعد توظيفهم، مثل المواطن عبد الحفيظ من البليدة (40 كلم عن العاصمة) الذي يعاني ضعفاً في البصر والسمع، فوجد نفسه يتخبط في مكان عمله للاندماج مع زملائه.

ويقول، "على الرغم من أنني أثمّن رفع النسبة المخصصة لتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنني ما زلت أطالب بضرورة الاهتمام بنا من خلال توفير الإمكانات أثناء أداء عملنا، لأن هناك الكثير من الحالات في الجزائر تقاوم في صمت ليتقبّلها المجتمع".

استراتيجية حكومية للتكفل الصحي

في مقابل ذلك، تكشف إحصاءات قدمتها وزارة التضامن وقضايا الأسرة عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تزايد حالات الإعاقة في الجزائر، بحيث أرجعتها إلى سوء التغذية وحوادث المرور وزواج الأقارب، في وقت أظهرت الإحصاءات ذاتها أن الإعاقة الذهنية هي الأكثر انتشاراً وسط المجتمع. وعلى هذا الأساس، عمدت الوزارة إلى انتهاج استراتيجية للاهتمام بهذه الفئة تعتمد على ثلاثة أسس هي التربية والتعليم والتكفل النفسي، إذ يتكفل القطاع بجهاز مؤسساتي يضم 238 مؤسسة تشمل جميع أنواع الإعاقة من بينها 160 مؤسسة تهتم بالرعاية الطبية النفسية والبيداغوجية و46 مدرسة للذين يعانون الإعاقة السمعية و8 مراكز متخصصة في الطب النفسي الحركي و24 مدرسة للأطفال ذوي الإعاقة البصرية، في وقت تحصي الجزائر نحو 970 قسماً خاصاً لمرافقة قطاع التربية، فضلاً عن دور الجمعيات والفيدراليات التي تنشط في مجال التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة، إذ هناك 101 جمعية تضم 147 مدرسة تتكفل بـ9 آلاف طفل.

 

 

مصر تنتصر لحقوق ذوي الإعاقة وفجوة بين النية والتطبيق

تسع مواد كاملة مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في مصر. الحقوق المنصوص عليها في الدستور أقل ما يمكن أن توصف به أنها مثالية. الحقوق مضمونة ومكفولة، وتتراوح بين عدم التمييز وتخصيص نسبة لهم في مقاعد المجالس المحلية والتمثيل في مجلس النواب. حتى إتاحة أماكن مخصصة لهم في الحجز والحبس منصوص عليها بشكل واضح وصريح.

وتضمّن القانون رقم 10 لعام 2018 عشرين بنداً لشرح وتفصيل حقوق من تُقدّر نسبتهم بنحو 10.67 في المئة من مجموع السكان البالغ عددهم نحو 102 مليون مصري ومصرية.

حريات وحقوق و"كوتا"

حريات وحقوق وواجبات ومساواة و"كوتا" في التمثيل النيابي وفرص العمل وبناء القدرات والتدريب، بما في ذلك تدريب الأشخاص المتعاملين معهم في المصالح الحكومية، وتوفير البيئة الآمنة والحصول على المعلومات والتمكين التقني، بعض من قائمة طويلة لاستحقاقات جموع ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر خرجت إلى النور على مراحل في خلال الأعوام السبعة الماضية، لكن سبعة أعوام مهما بُذل فيها من جهود خارقة وصدر خلالها من قوانين منصفة، لا تكفي لإصلاح عقود طويلة من تجاهل قضايا الإعاقة حيناً، والتعامل معها نظرياً حيناً آخر، واعتبار الحقوق المنتقصة لهم نوعاً من المساواة مع المواطن العادي.

وما نشأ عليه ملايين المصريين من اعتبار الشفقة واجباً وطنياً لا جرحاً نفسياً غائراً لأصحاب الإعاقات، وما فطروا عليه من طبيعة طيبة لنجدتهم تعثّر في رصيف مكسور أو عجز عن صعود سلم باص طائش، أو وقف بلا حول أو قوة محاولاً عبور شارع لا يعترف بإشارة مرور، أو متطلبات شخص لا يتمتع بلياقة بدنية تتيح له الركض والقفز ومناورة المركبات، فما بالك بفاقد للبصر أو فاقد طرف أو اثنين لا تكفي لتيسير التفاصيل الصغيرة والكبيرة لحياة نحو 22.5 مليون مواطن بمن في ذلك المصابون بإعاقات ذهنية (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء).

وعي كان غائباً

وعلى مدار عقود طويلة، ظل الوعي بحقوق ذوي الإعاقات الجسدية، لا سيما في ما يتعلق بتوفير أكواد مبانٍ وأرصفة وتقنيات في وسائل النقل العام وإشارات المرور ومنحدرات لتسهيل الأمور على مستخدمي المقاعد المتحركة، منقوصاً وشبه غائب تماماً، لكن الوعي زاد وأضيف إلى عمل المنظمات الأهلية والأممية لرفع الوعي الشعبي وحث التحرك الرسمي لتوفير حقوق بديهية من حقوق المواطن صاحب الإعاقة، ما أثمر ثقافة آخذة في الانتشار وتحركات رسمية لا تخفى على أحد.

المجلس القومي لشؤون الإعاقة تأسس عام 2012. ودشنت وزارة التضامن الاجتماعي "بطاقة الخدمات المتكاملة لأصحاب الإعاقات" لتنهي عقوداً من العقبات أمامهم، للحصول والاستعلام عن الخدمات السكنية والتعليمية والصحية العام الحالي. ووزارة الصحة والسكان وجهات رسمية عدة يسّرت حصول أصحاب مشكلات جسدية ذات معايير محددة على سيارات مجهزة، متحملة سداد قيمة الضرائب والجمارك عنهم.

كما أصدر الرئيس المصري عام 2018 قرارات بدعم موارد صندوق "عطاء" الخاص برعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة بمقدار 100 مليون جنيه تموّل من صندوق "تحيا مصر".

اتفاقات وبرامج

اتفاقات عدة أبرمت خلال الأعوام القليلة الماضية بين وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومنظمات أممية وأهلية تُعنى بشؤون الإعاقة، تضمنت برامج تدريب للعاملين في الأكاديمية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات للأشخاص ذوي الإعاقة، في مجال تنمية الاقتصاد الإبداعي والمشاريع ذات العائد المجتمعي، وأخرى لتوفير البرامج والخدمات التكنولوجية الناطقة لأصحاب المشكلات البصرية. وأُبرم اتفاق بين الحكومتين المصرية والفنلندية لتصميم مناهج دراسية وتدريب نحو 22 ألف معلم مصري على طرق تدريس تناسب الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة.

مثل هذه الاتفاقات والقرارات والإجراءات ستستغرق بعض الوقت ليشعر المواطن المصري بأثرها في تفاصيل حياته اليومية، لا سيما أن غالبية البنى التحتية الموجودة في المدن وبالطبع في القرى، لا تضع حاجات هؤلاء في الحسبان، لكن التحسن يحدث ببطء. ويبقى الطفل صاحب الإعاقة يحمل وذووه هماً مضاعفاً. فقد نشأ الصغير في عصر الوعي بحقوق المعوقين والمصحوب بضيق يد الموازنة الرسمية لبناء دولة صديقة لأصحاب الإعاقات، مع نقص وعي المواطن العادي الذي يتعامل معه من منطلق شفقة ورحمة فطريتين فقط.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإنه في كثير من الأحيان يكون الأطفال ذوو الإعاقة هم الأكثر عرضة للبيئات غير الداعمة، وهو ما يزيد من ضعفهم ويقلص الفرص المتاحة لهم للتعلم والمشاركة بطرق مجدية. ولهذه العوامل تأثير معرقل من شأنه أن يفاقم مغبة هذه المعضلة. ولكسر هذه الحلقة المفرغة، يتحتم فهم هذه الحالة أولاً حتى يمكن رسم خريطة للتفاعلات بين الصفات المميزة للشخص والبيئة المحيطة به.

فجوة النظرية والتطبيق والتعاطف

البيئة المحيطة بعددٍ من الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة تقف حائط صدّ أمام التمتع بقوانين وقرارات بالغة الإنصاف. فمثلاً وبحسب المادة 20 في اللائحة التنفيذية لقانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الصادر عام 2018، "يحق للشخص ذي الإعاقة الاستفادة من نظام التعليم الدامج من سن الحضانة وروضة الأطفال وفي مختلف أنواع ومسارات التعليم وجميع مستوياته، على قدم المساواة مع الأشخاص من غير ذوي الإعاقة. ويُحظَّر حرمان الشخص ذي الإعاقة من حقه في التعلم".

هذا النص الرائع يقف عاجزاً أحياناً أمام البيئة المحيطة بالطفل أو الطالب ذي الإعاقة، فهناك صعوبة التنقل من البيت إلى المدرسة، أو البعد الجغرافي، أو عدم توافر وسيلة مناسبة للتنقل أو حتى نزول درج البيت وصعوده. لكن ما أفسده تجاهل ومشكلات عقود لن يتم حله في غمضة قانون أو قرار، إلا أن رحلة الألف ميل لتيسير حياة نسبة معتبرة من المصريين تبدأ بخطوة واحدة. وواقع الحال يشير إلى اتخاذ عشرات الخطوات.

وإلى أن تؤتي القوانين والقرارات ثمارها، فإن التعاطف الشعبي وفطرة المساعدة يخففان حدة الصعوبات، ولكن تظل نظرة الشفقة جارحة.

 

خطة سعودية لتحسين واقع "ذوي الاحتياجات" قبل 2030

يوجد أكثر من مليار مريض يعانون شكلاً من أشكال الإعاقة أو العجز، وهذا يمثل 15 في المئة من عدد السكان في العالم، بحسب معلومات صادرة عن وزارة الصحة السعودية، التي ذكرت أن المؤسف على الرغم من ذلك أن "نصف أولئك الأشخاص المصابين بالعجز أو الإعاقة لا يحصلون على رعاية طبية جيدة". ويُعدّ الأطفال المعاقون أقل حظاً في الالتحاق بمقاعد الدراسة، مقارنة بالأطفال الأصحاء، بالتالي أقل فرصة في الحصول على وظيفة.

ويأتي تعريف ذوي الاحتياجات الخاصة ليقرر أن "كل شخص مصاب بقصور كلّي أو جزئي بشكل مستقر في قدراته الجسمية، أو الحسية، أو العقلية، أو التواصلية، أو التعليمية، أو النفسية، إلى المدى الذي يقلل من إمكانية تلبية متطلباته العادية"، فهو من تلك الفئة.

​​​​​​المساواة في التعليم

تحاول السعودية سد جزء من الفجوة التي كانت قائمة، إذ تضمنت القواعد التنظيمية لمعاهد وبرامج التربية الخاصة بوزارة التعليم في البلاد عدداً من الأسس والثوابت في التربية الخاصة، بحيث أكدت استراتيجية التعليم 2016-2020 على "ضمان التعليم الجيد المنصف للجميع وفق البيئات الأقل تقييداً وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع، من خلال تقديم فرص تعليمية متساوية في الجودة والشمولية إلى جميع عناصر المجتمع من الجنسين سواء كانوا طلبة عاديين أو موهوبين أو من ذوي الإعاقة أو كبار السن أو محو الأمية".

 ويشمل ذلك جميع مراحل التعليم والتدريب في جميع مناطق السعودية ومحافظاتها، إضافة إلى تحسين مرونة التنقل بين البرامج الأكاديمية أو برامج التدريب التقني والمهني، وبين المؤسسات التعليمية أو مؤسسات التدريب التقني والمهني. وتضمّن برنامج التحول الوطني 2020 (السعودي) الهدف الاستراتيجي الأول لوزارة التعليم، وكانت إتاحة خدمات التعليم لشرائح الطلاب كافة من خلال رفع نسبة الطلبة المستفيدين من برامج ذوي الإعاقة (6-18 سنة) من 77.575 إلى 200.000 من الطلاب السعوديين.

في المقابل، يقول أستاذ التربية الخاصة عبدالإله الحسينان، "إننا نحتاج إلى بعض إمكانات التكنولوجيا الحديثة في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يساعد الجهاز التعليمي على أداء واجباته تجاه هذه الفئة ويراعي الفروق الفردية بين المتعلمين منهم". ولفت أنه "تم تفعيل برامج تربية خاصة في مدارس التعليم العام، وذلك لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم العاديين بهدف نقل السلوكيات الإيجابية إليهم والرفع من قدراتهم".

الفرص الوظيفية

وتوضح هيئة حقوق الإنسان في السعودية أن "من أبرز الجهود المتخذة لتعزيز وحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مجالات التعليم والعمل، وتشمل التوظيف في الأعمال التي تناسب قدرات المعوق ومؤهلاته لإعطائه الفرصة للكشف عن قدراته الذاتية، وتمكينه من الحصول على دخل كبقية أفراد المجتمع، والسعي لرفع مستوى أدائه أثناء العمل عن طريق التدريب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن أبرز الخطوات المتخذة في هذا الصدد، برنامج "توافق" الذي يهدف إلى توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة من المواطنين، وتوفير بيئة العمل المناسبة لهم، وتشجيع منشآت القطاع الخاص على تشغيلهم من خلال منح تلك المنشآت ميزات نسبية في احتساب ذوي الإعاقة العاملين في برنامج "نطاقات" الذي يهدف إلى توطين الوظائف في القطاع الخاص.

لكن مع ذلك، لا تزال التقارير السعودية تلاحظ أن الجهود المبذولة على هذا الصعيد تحتاج إلى مزيد من التركيز لتصبح أكثر جودة وشمولية للمستهدفين من الذكور والإناث، خصوصاً في مجال العمل بعد تلقّي التعليم.

 

أحلام وصعوبات في العراق

محمولاً على أكتافها، تنقله من مكان إلى آخر لمراجعة الطبيب، إنها أم محمد، التي لا تمتلك المال لتشتري لابنها محمد فياض، الكرسي المتحرك، اضطرت إلى حمله على كتفها لتكون وسيلته لتحقيق حلمه بتعلم برمجيات الأجهزة الإلكترونية والالتحاق بدورة تدريب لصيانتها.

يقول محمد، الذي يعاني من إعاقة حركية شديدة لم تمكّنه من الالتحاق بالمدرسة، "لم أستطع الذهاب إلى المدرسة لكنني علّمت نفسي بنفسي واقتنعت أن هدية الله العقل". ووجد في تقنيات الأجهزة الإلكترونية شغفه، وتمكّن من التسجيل في دورة تدريب مجانية، ووفّر له أصدقاؤه كرسياً متحركاً لتسهيل تنقله، ولتحقيق حلمه أن "يكون لي مشروعي الخاص لصيانه الأجهزة الذكية".

جهود غير حكومية للتأهيل

في المقابل، يوضح ليث سلمان، مدير إحدى أكاديميات التدريب على صيانة الإلكترونيات وتصنيعها، أن المعهد خصص قسماً لذوي الاحتياجات الخاصة، يقدّم دورات التدريب لهم مجاناً، ومدة الدورة شهر واحد. ويعتبر سلمان أن جهودهم تبقى محدودة في وقت تمتلك مؤسسات الدولة ورشاً عملاقة بإمكانها استيعاب كثيرين من الشباب لغرض التدريب، لكن مؤسسات الدولة تدور بالغالب في سلسلة لا تنتهي من بيروقراطية العمل، والنتيجة حرمان كثيرين من الاستفادة من هذه الورش الخاصة بالتدريب.

الجهود الحكومية

في سياق متصل، توضح عبير الجلبي، المديرة العامة لذوي الاحتياجات الخاصة والوكيلة الأقدم لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أن العراق يخلو من أي قاعدة بيانات أو إحصاءات تخص أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة، وتبقى الأرقام المتداولة غير دقيقة كونها لم تصدر عن جهة رسمية.

وترى الجلبي أن انضمام العراق إلى اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2013، قانون رقم 38 لعام 2013، وما يتضمنه من مواد، جاء لتلبية حاجات ومطالب هذه الشريحة في ما يتعلق بتوفير راتب للمُعين المتفرغ للأشخاص شديدي الإعاقة، وكذلك توفير فرص عمل للقادرين عليه من هؤلاء الأشخاص، وتخصيص مقاعد للدراسات العليا والإعفاء الضريبي واستيراد السيارات وحسم نصف سعر تذكرة السفر.

اللجوء إلى فرص عمل غير ملائمة

يبدو أن الإجراءات الحكومية غير كافية لاستيعاب أعداد هذه الفئة من الأشخاص. ويقول أحمد هولكر إنه لم يوفَّق بعمل في الدوائر الحكومية، الأمر الذي اضطره إلى الاتجاه صوب مجال البناء على الرغم من صعوبته بالنسبة لحال إعاقته، "الآن أعمل أحياناً بالأجر اليومي، وأحياناً لا أستطيع الحصول على راتب رعاية اجتماعية لأن إصابتي سببها حادث سير لا عمل إرهابي". ويضيف أن صعوبات الحصول على العمل ليست وحدها ما يجابه ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق، بل إن وسائل النقل العامة لا تراعي ظروفهم. وتتحدث فرح طاهر عبد الرحمن عن غياب أي وسيلة نقل مناسبة في البلاد لذوي الإعاقة.

المكفوفون... صعوبات لا حدود لها

يعتبر العراق من الدول غير المهيأة لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما المكفوفين منهم، فالبلاد تحتاج إلى خطوات جادة لتوفير أدوات مساعدة لتعليم المكفوفين، وتتحدث فرح عن تجربتها بالالتحاق بالمدارس الحكومية، وتقول إنها غير مؤهلة تماماً للطالب الكفيف، الذي عليه طلب المساعدة من أحد الأشخاص ليكتب له الإجابات وقت الامتحانات، "اعتمدت على إحدى المدرّسات في المرحلة المتوسطة، وكانت متسرعة، ولم أفهم بشكل واضح السؤال، الأمر الذي أدى إلى إخفاقي في مواد عدة".

وتتابع فرح أن المدارس العراقية تخلو من مناهج خاصة للمكفوفين، كما أن المعاهد الخاصة بهم مهملة ولا تعتمد الطرق الحديثة لتدريسهم، والدراسة تتوقف فيها لغاية مرحلة السادس ابتدائي.

خطة التعيين

من المعلوم أن الحكومة تؤمن ما نسبته خمسة في المئة من التوظيف في المؤسسات التابعة لها لذوي الاحتياجات. وفي هذا الخصوص، تقول فرح إننا بحاجة لإقناع الحكومة والمجتمع بأننا أشخاص لدينا القدرة على العمل أسوة بالآخرين، "في الغالب تكون الوظيفة المتاحة في المؤسسات الحكومية غير مناسبة لذوي الإعاقة". أما في مجال التعليم، فترى أن فكرة دمج المكفوفين في المدارس العادية هي الأنسب مع توفير مناهج تناسب حالتهم، وهذا ما تسعى إلى تحقيقه "الجمعية الوطنية للمكفوفين في البصرة".

تنمّر

وتستذكر فرح طاهر عبد الرحمن ما تعرّضت له من تنمّر من الكادر التدريسي في مرحلة الدراسة المتوسطة، وكيف أن إحدى المدرّسات نصحتها بترك الدراسة، والبقاء في البيت لقناعتها بعدم قدرتها على إكمال التعلم. وعلى الرغم من كل هذه الظروف، تمكّنت فرح من تحقيق جزء مما تطمح إليه، ومن الحصول على فرصة عمل بسبب تفوقها، وهي تعمل حالياً معلمة لمادة اللغة الإنجليزية في إحدى المدارس، "بداخلي، أشعر بأن هذه الفرصة لم تكن على قدر طموحي، فأنا أطمح لتدريس الطلاب المكفوفين لأكون مفيدة أكثر لهم".

حاجات غائبة لذوي الإعاقة في الأردن

على الرغم من ارتفاع نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن إلى 11 في المئة من مجمل السكان، إلا أن ذلك لم يحسّن من واقع وحاجات وحقوق هذه الفئة التي ما زالت تعاني من عدم دمجها في المجتمع والتنمية على نحو كافٍ. ففي عام 2008، صادق الأردن على اتفاق الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يتطلب من الحكومات ضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لكن مشكلة هذه الفئة تكمن أيضاً في غياب الوعي الاجتماعي بحقوقهم.

واقع مؤلم

وفقاً للمجلس الأعلى للسكان، فإن الإعاقة البصرية هي الأكثر انتشاراً بين الأردنيين، تليها الإعاقة الحركية، ومن ثم الإعاقة السمعية، وما يزيد في معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة أن نحو 33 في المئة منهم غير مؤمّنين صحياً، بينما لم يسبق لـ22 في المئة منهم أن التحقوا بالمؤسسات التعليمية، كما أن ثلثي هذه الفئة لا يعملون أو يبحثون عن عمل. وتتحدث وزارة التربية والتعليم الأردنية عن وجود نحو 21859 طالباً وطالبة فقط، ومن مختلف أنواع الإعاقة على مقاعدها الدراسية، وهي نسبة متواضعة لم تزِد عن 1.6 في المئة من مجمل عدد الطلاب، وإلى جانب معاناة ذوي الإعاقة من الأردنيين، ثمة نحو 30 في المئة من ذوي الاحتياجات الخاصة بين اللاجئين السوريين في المملكة.

توفير الإجراءات الاحترازية

وتطالب الجهات المهتمة بشؤون المعاقين في البلاد بضرورة توفير الإجراءات الاحترازية والخدمات الصحية لهؤلاء من دون تمييز، بخاصة أن المعاناة تكون أكبر لدى الإناث مقارنة بالذكور، إذ يعشن أسيرات للتقاليد والأعراف الاجتماعية.

وبالنسبة إلى كثير من هؤلاء، ثمة حرمان من الحصول على السكن اللائق والخدمات الصحية والتعليم والتدريب المهني والأجهزة المساعدة.

أزمة تمويل

وتقول منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن تمويل حقوق الإعاقة في الأردن غير كافٍ، وإن عمان تقاعست عن دعم تنفيذ قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على نحو كامل، وهو القانون الذي صدر عام 2017 بهدف توفير حماية شاملة لهذه الفئة في كل المجالات، إلا أن الحكومة لم توفر مخصصات مالية كافية لهذا القانون. ويؤكد نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" مايكل بيج أن قانون حقوق الإعاقة في الأردن رائع نظرياً، لكنه ليس قيد التنفيذ بعد.

ويتحدث مراقبون عن وزارة التربية والتعليم الأردنية كمثال على غياب برامج التمويل لحقوق ذوي الإعاقة، فلا توجد مخصصات مالية كافية لدعم التعليم الشامل لهؤلاء في المدارس الحكومية، بينما خصصت وزارة الأشغال العامة والإسكان مبالغ متواضعة من موازنتها السنوية لصيانة الطرقات وتحسين وصول هذه الفئة إلى المباني وارتياد الطرقات في كل أنحاء البلاد.

قانون من دون تنفيذ

ويتضمن قانون ذوي الإعاقة في الأردن مواد إيجابية ومتقدمة، لكن معظمها من دون تنفيذ على أرض الواقع، كما أن أبسط حقوق هذه الفئة يتم تجاوزها، والنظر إليها بسلبية، مثل تخصيص مواقف لذوي الاحتياجات الخاصة على سبيل المثال، ومن ضمن هذه الحقوق الغائبة أيضاً المشاركة السياسية، إذ يتيح القانون لهم ممارسة الترشح والانتخاب في المجالات المختلفة وتهيئة أماكن ومرافق مناسبة وسهلة الاستعمال تمكّنهم من التصويت بالاقتراع السري في الانتخابات.

كما يدعو القانون إلى إنشاء الهيئات الرياضية والثقافية ودعمها بهدف فتح المجال للأشخاص المعوقين لممارسة أنشطتهم المختلفة بما يلبي حاجاتهم ويطور قدراتهم، وأيضاً مراعاة الظروف الصحية للشخص المعوّق من حيث الأماكن العامة كلها بما فيها المؤسسات الحكومية والوزارات.

حق تكوين الأسرة

وبعيداً من الحقوق المادية، ينبّه متخصصون إلى ضرورة الالتفات لحق الأشخاص ذوي الإعاقة في تكوين أسرة، على الرغم من النظرة المجتمعية التي ربما تحول دون حصولهم على هذا الحق. ويؤكد هؤلاء ضرورة تعزيز الشعور بالمسؤولية والواجب، والإشباع الروحي والعاطفي والعقلي لهذه الفئة من خلال تنفيذ برامج توعية حول أهمية احترام البيت والأسرة، وتوجيه الخطاب الديني والإعلامي للتوعية، وكسب التأييد بهذه الحقوق.

وفي الأثناء، ثمة مطالبات بضرورة تعديل نص المادة (12) من قانون الأحوال الشخصية وإلغاء القيود على حق ذوي الاحتياجات الخاصة بالزواج، إضافة إلى العمل على تعزيز تقديم خدمات الصحة الإنجابية لهذه الفئة.

 

قوانين ذوي الاحتياجات الخاصة في فلسطين شبه منسية

"لم تقبل أي مدرسة تسجيل طفلتي التي تعاني من إعاقة حركية شديدة، وحين أردت أن تلتحق بمركز خاص، كانت التكاليف باهظة لا قدرة لنا على تحمّلها، ما حرمها من التعليم"، تقول إحدى الأمهات عن محاولاتها توفير فرصة تعليم لابنتها. أما أخرى، فلم ترسل ابنها إلى المدرسة لأن مرافقها غير مؤهلة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه الحالات هي من بين 10 في المئة من أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين حُرموا من فرصهم التعليمية، بحسب آخر الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.

أما نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين، فوصلت إلى 2.1 في المئة من مجمل عدد السكان، وتتنوع ما بين السمعية والحركية والعقلية والبصرية والنفسية وغيرها.

قلة مراكز التأهيل وغياب مواءمة المرافق العامة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة عوامل تؤثر في فرصهم لتطوير قدراتهم والاندماج في المجتمع، ما يجعلهم أكثر عرضة للحرمان من أبسط الحقوق كالتعليم والعمل، والاضطهاد مجتمعياً بحسب نوع تأخرهم، وهذا يجبرهم على البقاء في المنزل وعدم الخروج، على الرغم من أن القانون يكفل لهم الكثير من الحقوق.

التعليم والعمل والمواءمة إجبارية قانونياً

تتضمن مواد قانون رقم 4 لعام 1999، حقوق هؤلاء من إعفائهم من الرسوم والجمارك والضرائب لجميع المواد التعليمية والطبية والوسائل المساعدة ووسائط النقل اللازمة للمدارس والمؤسسات الخاصة بهم، ووسائل النقل الشخصية، إضافة إلى تقديم الخدمات الصحية والرعائية والإيوائية والإغاثية والتدريبية والتعليمية. كما أن القانون يجبر كل مؤسسة على تشغيل خمسة في المئة على الأقل من ذوي الاحتياجات الخاصة من عدد العاملين فيها، بشكل يتناسب مع طبيعة العمل فيها، ومواءمة المكان مع حاجاتهم، وتشجيع تشغيلهم في المؤسسات الخاصة، إلى جانب مواءمة الأماكن والمرافق العامة كافة لضمان سهولة واستقلالية التنقل والحركة والاستعمال الآمن لهذه الأماكن.

قوانين موجودة وتطبيقها ضعيف

تقول الناشطة الحقوقية لذوي الاحتياجات الخاصة شذى أبو سرور إنه على الرغم من الإجراءات كافة التي تعلنها وزارة التنمية الاجتماعية لهؤلاء الأشخاص، إلا أن قطاعات التعليم والعمل والصحة ما زالت غير فاعلة كما يجب حتى الآن، فالقوانين موجودة لكنها إما غير فاعلة أو مطبقة بشكل ضعيف.

فعلى سبيل المثال، توضح أبو سرور أن الناس ما زالت تشتكي من تطبيق نظام التأمين الصحي، وتراجع خدمات التأهيل في بعض المناطق، وعدم التزام مواءمة الأماكن والمرافق العامة لتتناسب معهم.

وتعزو أبو سرور أسباب التقصير إلى غياب التمثيل الحقيقي والقوي لذوي الاحتياجات الخاصة في المؤسسات الرسمية، إضافة إلى أن المشاريع المخصصة لهم لا تلتزم بالضرورة أولويات وحاجات هذه الفئات، كما أن ضعف إقبالهم على التعليم والعمل يتعلق أيضاً بجاهزيتهم للانخراط في سوق العمل.

خطط حكومية لتطوير الخدمات

من جانبه، يوضح مدير الإدارة العامة لذوي الاحتياجات الخاصة في وزارة التنمية الاجتماعية عجاج عجاج أن التنسيق بين الوزارات ذات العلاقة في هذا الإطار ليس كما يجب حتى الآن، ولكن سيُعقد اجتماع في الفترة المقبلة مع الجهات الحكومية كافة التي تعمل مع أصحاب المشكلات الصحية والذهنية في فلسطين، لتحديد أطر تكامل العمل بينهم وتقديم الخدمات لهم، والرقابة على تنفيذ القانون، والبدء بتنفيذ مشاريع لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة اقتصادياً، وتوفير خدمة الرعاية منزلياً.

أما على صعيد الخدمات الحالية، فيوضح عجاج أن الوزارة تقدم أكثر من برنامج لتأهيل هؤلاء ودمجهم في المجتمع، تتمثل في مراكز التدريب والتشغيل المهني والمراكز الإيوائية والرعاية النهارية وتوفير الأدوات المساندة وتوسيع خدمة الإعفاء الجمركي لتشمل الإعاقات كافة وليس الحركية منها فقط.

 

أمنيات ذوي الاحتياجات الخاصة تترقب الإنصاف في لبنان

ينصّ القانون اللبناني على حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة تفصيلاً بما يضمن حصولهم على حقوقهم كاملة ويؤمّن لهم حياةً مثلى. لكن وللأسف، تظهر في الواقع صورة مغايرة، بعيدة كل البعد من مضمونه. فقد تناول بالفعل مختلف الجوانب الحياتية، إنما كثرت التحديات التي منعت التطبيق في بلاد يفتقر فيها أي مواطن أصلاً إلى أبسط حقوقه.

يبدو الوضع أكثر صعوبة بعد بالنسبة إلى المعوّقين، فهم يتمسكون بالحياة ولا يتخلّون عن الابتسامة، على الرغم من الواقع المرير الذي يصطدمون به في لبنان حيث الإجحاف واضح بحقّهم، فيما تُعلّق الآمال على مستقبل أفضل.

قانون عادل وتطبيق مجحف

وعام 2000، صدر القانون 220 المتعلّق بذوي الاحتياجات الخاصة، وأظهر آنذاك تقدماً تشريعياً كبيراً واعتُبر من أكثر القوانين تطوراً في ما يخصّ حقوق هؤلاء الأشخاص. وأوكلت إلى النائب السابق غسان مخيبر مهمة كتابة مسودة القانون، الذي يشير إلى أن هذا القانون كان ريادياً في نقل طريقة التعاطي مع ذوي الاحتياجات الخاصة من مقاربة الإحسان والبرّ إلى طابع الحقوق المشروعة، ومن مقاربة وضعهم على هامش المجتمع إلى مقاربة الدمج فيه، وهنا كان هدفه الأساسي في الواقع. 

وتميّز بخصوصيات عدة، أبرزها تناول أنواع الإعاقات الأربع مع تطوير الحقوق المتعلّقة بكل منها على مختلف المستويات المعيشية والحياتية والاجتماعية والمهنية، بما يؤمّن المساواة بينهم وبقية المواطنين من دون امتيازات إضافية في العمل. لكن في مقابل التطوّر المهم الذي حققه القانون، ظهرت تحديات عدة أمام التنفيذ، فهو يتطلب، وفق مخيبر، تغييراً في السلوكيات والذهنية في الإدارات وفي المجتمع بالدرجة الأولى، وأيضاً تطويراً للأدوات التقنية وشروط تأهيل الأبنية لاستقبالهم مع ما يتطلبه ذلك من تمويل.

وتضمن القانون عقوبات للتحفيز على التغيير في السلوكيات والعمل على تخطي هذه العقبة، من خلال إنشاء الهيئة الوطنية لشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، فكانت هيئة متخصصة في متابعة تنفيذ القانون ولها حق الادعاء في القضاء، إلى جانب لجان متخصصة هي صلة الوصل بين الإدارات الرسمية وذوي الاحتياجات الخاصة. لكن لم تُطبّق إلا نسبة 10 في المئة لا أكثر من هذا القانون المتكامل من حيث المضمون.

لم تُؤهّل الأبنية بطبيعة الحال إلا بنسبة ضئيلة، فالتزام ما حدّده القانون كان قليلاً، نظراً إلى الإمكانات المادية الضخمة التي يتطلبها التنفيذ، سواء بالنسبة إلى الشركات الخاصة أو بالنسبة إلى الإدارات الرسمية.

وفي البعد الثقافي، من الطبيعي أن يكون التغيير فيه وفي نمط التعامل الأكثر صعوبة، وإن كان قد حصل تطوّر مهم في هذا المجال. "ثمة صعوبة في تأمين أدوات المتابعة لتنفيذ القانون نظراً إلى صعوبة تفعيل دور اللجان والهيئة الوطنية، التي بقي دورها محدوداً على الأرض. حتى إن وجود الهيئة كان متقطّعاً، ولم تكُن فاعلة بالقدر المرجو منها، فبقي الدور الأساسي مرتبطاً بوزارة الشؤون الاجتماعية". وبحسب ما يبدو واضحاً أنه حصل تحسّن ملحوظ في نظرة المجتمع إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، ولعبت جهود الجمعيات الخاصة الدور الأساسي في ذلك، وفي تحسين وضعهم بشكل عام.

كذلك بالنسبة إلى فرص الوصول إلى سوق العمل، وإن كانت لم تبلغ المستوى المحدد في القانون. بقيت التحديات أهم من الجهود المبذولة، والعوائق أهم من القانون ومن إمكان تنفيذه. وربما يكون الأهم، بحسب مخيبر، تفعيل دور الهيئة الوطنية لاعتباره جوهرياً، في سبيل تنفيذ القانون على نطاق أوسع. فهي المحرّك الرئيس للتطبيق في مواجهة التحديات التي زادت اليوم مع الانهيار المالي الحاصل.

حلم تحقق جزئياً

لم تقف الإعاقة في وجه رئيس الجمعية الوطنية لحقوق المعوّق نواف كبارة وإرادته الصلبة، إذ لم يتخطاها فحسب، لا بل شكّلت انطلاقة له لينهض بذوي الإعاقة ويتوسع في نضالاته في مقاومة شاملة لتطال الآخرين من هؤلاء الذين يقفون في الظل، ولمواجهة المفاهيم السلبية التقليدية العالقة في الأذهان حول الإعاقة.

يقول "في التسعينيات، عملنا جاهدين لاستصدار القانون الذي كان حلماً لنا حتى تصبح مطالبنا حقوقاً، وبدا متقدماً جداً في المجال. لكن كان واضحاً أن إصداره لم يكن كافياً، خصوصاً أن الهيئة الوطنية لم تلعب الدور المطلوب منها لضمان تنفيذه". ويأسف كبارة لكثرة التحديات التي تواجه هؤلاء الأشخاص حتى اليوم، بدءاً من التربية إذ لم يحصل التغيير الجذري المطلوب لتأهيل المدارس، إلا بشكل محدود.

وإضافة إلى الحاجة للمدارس المؤهلة، ثمة حاجة لوسائل النقل المناسبة للوصول إلى المدارس أو التنقّل عامةً. وبينما لعبت الجمعيات الخاصة الدور الأهم لضمان حصولهم على حقوقهم، لا يزال الطريق طويلاً، في حين لم تقُم الدولة بأي خطوة، وفق ما يوضحه كبارة.

القانون لم يُنفَّذ وثمة بطالة واسعة بين ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يؤدي إلى حالة فقر قاسية في صفوفهم. فمن دون تربية ولا عمل ولا تسهيلات، كيف لذوي الإعاقة أن يتابعوا حياتهم بشكل طبيعي كما يستحقون كغيرهم من المواطنين؟

أما التغطية الصحية التي يُفترض أن تؤمَّن لهم بنسبة 100 في المئة، فبعيدة من هذه النسبة في الواقع. إلا أن النقطة الإيجابية الأهم هي في تبدّل نظرة المجتمع إليهم، بشكل أصبحوا منخرطين في الحياة الاجتماعية، ومنهم من أصبح عضواً في المجالس البلدية، ومنهم من ترشح للانتخابات النيابية، ومنهم من له مناصب في شركات، وضعت "كوتا" حددت فيها نسبة معينة لذوي الاحتياجات الخاصة. لكن، وفق كبارة، هذا التغيير لا يزال غير كافٍ، والأسوأ أن الدولة غائبة تماماً عن المساعي والجهود التي تُبذل لتأمين العدالة في المجتمع، بإعطاء ذوي الاحتياجات الخاصة حقوقهم كأفراد في المجتمع يشكلون جزءًا لا يتجزّأ منه.

 

(نشر هذا التحقيق للمرة الأولى بتاريخ 12 أغسطس (آب) 2021) ويعد نشره اليوم بمناسبة اليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة)

المزيد من تحقيقات ومطولات