Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا ينكئ جراح ذوي الاحتياجات الخاصة

فاقم الوباء من معاناتهم والقوانين ما زالت حبراً على ورق والمبادرات الاجتماعية طوق نجاة

في زمن كورونا أصبح ذوو الاحتياجات الخاصة فريسة سهلة للفيروس (مؤسسة سيسوبيل اللبنانية)

"التجاهل الرسمي قدرهم"، ربما تلخص هذه الجملة مدى المعاناة التي يكابدها ذوو الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي، فمن منا لم تصادفه مشاهد مؤلمة على شاكلة، أب يحمل ابنه المراهق مثل الطفل، ويصعد به سلم هيئة حكومية ليستخرج له شهادة تثبت أنه معاق، وزوجة ترفع زوجها على كتفيها، ليتلقى علاجه في المستشفى، وأم أصابتها الحسرة بعدما لم تجد مدرسة تقبل ابنها صاحب الإعاقة، لأن المباني والكوادر غير مؤهلة لاستضافة هذه الفئة، أو طالب جامعي توقف عن الذهاب إلى الجامعة، لأن محاضراته في الطابق الثالث ومبنى الكلية يخلو من مصعد كهربائي.

وفي زمن كورونا أصبح هؤلاء فريسة سهلة للفيروس، إذ يعانون بالأساس ضعف المناعة، فأصحاب "متلازمة داون"، على سبيل المثال، يواجهون تضخماً بحجم اللسان، بالتالي فإن مهمة إغلاق الفم بشكل دائم شاقة عليهم، ومن ثمّ يصبحون في مرمى أمراض الجهاز التنفسي وجفاف الحلق وغيرها. وإذا نجا هؤلاء من الإصابة بكورونا فإنهم يظلون أسيري إجراءات الغلق، التي تمثل حلقة جديدة في سلسلة قيود لا سبيل لهم للفكاك منها، فالوباء وضع أهالي ذوي الاحتياجات الخاصة بين نارين، إما صحة الطفل وإما تعليمه وتنمية مهاراته.

وعلى كثرة القوانين التي شرِّعت من أجل هؤلاء فإن غالبيتها يبقى حبراً على ورق، في وقت يبحث ذوو الاحتياجات الخاصة عن السلام الاجتماعي، أقله توعية المجتمع في نظرته إليهم شعبياً، وحياة كريمة تضمن لهم مصدر رزق، بعدما أغلقت أبواب العمل في وجه كثير منهم رسمياً. فهل لهم ما يريدون؟

إجحاف وتهميش

في لبنان يبدو المشهد قاتماً، فذوو الاحتياجات الخاصة مهمشون، وليس لهم أولوية ضمن الحكومات المتعاقبة، خصوصاً في ظل الانقسام الواضح في البلاد، بينما علقت الآمال على القانون 2000/220، الخاص بهذه الفئة. لكنه، وكغيره من القوانين في لبنان، بقي حبراً على ورق، في حين ظل نحو 120 ألف معاق بانتظار نظرة خاصة إليهم.

ولعل ما يزيد مرارة هؤلاء في لبنان، أن بعضهم جاءته الإعاقة من حيث لا يدري، ففي زمن الحرب القذائف تنهال، وكل يأخذ نصيبه، ومن هرب من الموت لحقته الإصابة، ومن ثمّ الإعاقة. يتذكر عياد واكيم عام 1989، حين فقد القدرة على المشي بسبب إحدى القذائف، "كان على المعاق أن يتدبر أموره بنفسه كي يتابع حياته في هذا البلد، وهذا ما فعلته، لأن الاعتماد على الذات ضروري هنا".

ولم يكن الكرسي المتحرك عائقاً بالنسبة إلى واكيم، الذي صنع من ضعفه قوةً، وتابع دراسته في مدرسة لم تكن مجهزة لاستقبال هذه الفئة، فوفّر بنفسه التسهيلات لتنقلاته فيها، وكذلك في الجامعة اليسوعية في بيروت، حيث درس الحقوق، كما تقدم بفحص القيادة الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة ليقود سيارته المجهزة لذلك.

لا يشك واكيم أن اعتماده على نفسه، إلى جانب دعم أهله اللامتناهي له، ساعده على المُضي قدماً. عندما رفض طلبه للتقدم إلى امتحان القضاة بسبب حالته كتب رسالةً إلى رئاسة الحكومة، معبراً عن رأيه بالقرار غير المنصف وغير المبرر. وقال "تلقيت اتصالاً من وزير العدل آنذاك بهيج طبارة وعرض عليّ منصب مستشار له. كما اقترح عليّ العمل على قانون خاص بذوي الاحتياجات الخاصة. فصدر عندها قانون 2000/220، الذي وضع نصوصه النائب السابق غسان مخيبر".

أثبت واكيم لنفسه وللمجتمع أن الإعاقة الجسدية ليست عائقاً أمام النجاح، لكن لا ينكر أن التحديات كثيرة في لبنان، لأن لا قبول بعد للاختلاف والقانون لا يطبق والدولة لا تضع المعاق ضمن أولوياتها.

قانون لا يطبق

نشأ القانون بعد مساعٍ كثيرة بذلتها الجهات المعنية مع الوزارات، بحسب عضو الهيئة الوطنية لشؤون المعاقين، مدير "مؤسسة الهادي" لذوي الاحتياجات الخاصة إسماعيل الزين، وتناول مختلف الشؤون الحياتية والحقوق الخاصة بتلك الشريحة من الناس، وسجل بعض التحسن على الأرض إثر صدوره، لكن الاستهتار لا يزال واضحاً.

والسبب في عدم تطبيق القانون، بحسب الزين، "هو تشكيل لجان ثبت عدم فعاليتها في تطبيق القوانين. وقد يكون الحل في تعديل القانون بشكل يرتبط فيه برئاسة مجلس الوزراء، لأن البداية مع إصدار القانون جيدة".

 

تكلفة عالية وإمكانات قليلة

في غضون ذلك، تعجز المؤسسات عن تحمل مزيد من الأعباء في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، ما يهدد هذه الشريحة. وفق ما توضحه رئيسة مؤسسة "سيسوبيل" التي تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة فاديا صافي، "لا انتظام في تجديد العقود، ولا في تسديد الدفعات المستحقة التي باتت تشكل مئة في المئة من تكلفة التشغيل، مع غلاء المعيشة. ولا يستهان بتكاليف علاجات المعاق ومتابعته من قبل الاختصاصيين من مختلف المجالات والمستويات. فتطلق المؤسسات الصرخة بعد أن أصبحت على شفير الانهيار، وهي مهددة بالإغلاق ما لم يؤمن الدعم اللازم لها. ومن يقف إلى جانب المعاق لدعمه وتأمين احتياجاته عندها؟".

في المرحلة الحالية، لم يبقَ أمام المؤسسات، وفق صافي، إلا "الاعتماد على التبرعات التي لم تعد بالمعدلات نفسها، خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الماضي، والتركيز على المتضررين منه. حتى إن تنظيم النشاطات الخيرية لجمع التمويل لم يعد ممكناً في ظل جائحة كورونا، وتردي الوضع الاقتصادي".

في مثل هذه الظروف، تستمر "سيسوبيل"، وهي إحدى الجمعيات الـ103 الموجودة في لبنان، بتقديم الدعم إلى أبنائها وعائلاتهم، ومن بينهم المتضررون جراء انفجار المرفأ. كما تحاول مواكبة التطور في متابعتها للأفراد المعاقين، لكن المشكلة المادية تعود إلى الواجهة. وتغطي الدول عادةً نسبة 80 أو 90 في المئة من تكاليف متابعة المعاق، بينما لا تتخطى تلك التغطية في لبنان الـ10 في المئة في الظروف الحالية، لذلك تعتبر صافي أن "مستوى المتابعة مقبول في لبنان اليوم، لكنه ليس بمثالي نظراً إلى ضعف الإمكانات المادية".

مشاريع ووعود بالتنفيذ

وكشف المدير العام في وزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبدالله أحمد، عن استراتيجية شاملة توضع حالياً، وتعنى بشؤون المعاقين مع خطط فورية، وتجهز خلال شهرين. وقال "يجب الانطلاق من التوصيف والتصنيف الدقيق لتحقيق العدالة ومنع الإجحاف بحق المعاقين، وتأمين توزيع عادل للدعم. وثمة جزء مادي في المشكلة وآخر يرتبط بتحديد الأولويات". واللافت على حد قوله هو أن "الإجحاف بحق المعاقين ليس من قِبل المجتمع المحلي فحسب، بل المجتمع الدولي أيضاً، إذ لا تتجه المساعدات صوب تلك الشريحة".

واعتبر القاضي أحمد أن "القانون الجديد أقرب إلى المثاليات وكأنه وضع كي لا يطبق، حتى وإن كانت الحقوق التي أدرجت فيه جيدة". وأشار في الوقت ذاته إلى أن المشكلة أيضاً "في المواطن المعاق الذي لا يطالب بحقه من الإعفاءات والإعانات. أما التغطية الصحية التي تقدمها البطاقة فهي حق له، لكن لا تخلو المسألة من العوائق والمشكلات مع المستشفيات".

مسؤولية المجتمع

تقصير الدولة ترافقه مسؤولية المجتمع، فتبرز الحاجة إلى تغيير النظرة المهمشة وانخراط المعاق. وتذكر المسؤولة في برنامج الجندرة والدمج في اليونيسيف، مي أبي سمرا، أنه في دراسة أجرتها المنظمة التابعة للأمم المتحدة في عام 2017، يعتقد 70 في المئة من المستطلعين أنه يجب دمج من يعاني إعاقة جسدية في المجتمع، بينما يرى 25 في المئة فقط أنه يجب دمج من يعاني إعاقة عقلية.

وتشير أبي سمرا إلى برامج تخصصها "يونيسيف" لذوي الاحتياجات الخاصة، مثل Twin- track Approach التي تعنى بالتعليم غير النظامي ودمج ذوي الإعاقات البسيطة، إضافة إلى تخصيص 30 مدرسة بالتعاون مع وزارة التربية، لتوفير تعليم مدمج وفق برامج خاصة موجهة.

كما تعمل "يونيسيف" على برامج لدعم المنظمات الخاصة بالأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعددهم 400 طفل من السوريين، كون وزارة الشؤون والمؤسسات المحلية تدعم الأطفال اللبنانيين.

معاناة سوق العمل

وفي الأردن، يقدّر عدد ذوي الاحتياجات الخاصة بنحو مليون و200 ألف شخص، وبما نسبته 11 في المئة من عدد السكان، 43 في المئة ذكوراً و57 في المئة إناثاً، عانوا جميعاً خلال مراحل الإغلاق والحجر المنزلي، غير أن أبرز ما واجهته هذه الفئة من الأردنيين، بحسب مختصين، كانت تضاعف مخاطر إصابتهم بالوباء، بسبب ضعف مناعتهم وصعوبة إعادة دمجهم بالمجتمع في موازاة التداعيات الاقتصادية جراء الجائحة.

وينصف قانون الأشخاص ذوي الإعاقة الذي صدر عام 2017 هذه الفئة، لكن البعض يشكو من عدم تطبيقه أو إنفاذه.

وأشار الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مهند العزة، إلى أن ذوي الاحتياجات معرضون للفصل من العمل بسبب كورونا أكثر من غيرهم، لكونهم من الفئات الأكثر عرضة للإقصاء والتمييز، بسبب الصورة النمطية المأخوذة عنهم بما يتعلق بإنتاجيتهم بالعمل.

وأكد العزة أن حزمة من التشريعات كرّست عديداً من الممارسات الفردية والمؤسسية الظالمة بحق هؤلاء الأشخاص، التي أسهمت بإقصائهم عن سوق العمل، إذ إن الشروط التي يتضمنها نظام اللجان الطبية الذي صدر عام 1977، واشترط توافر اللياقة الصحية بالمتقدم للعمل في القطاع العام حرم عدداً كبيراً من هؤلاء من شغل الوظيفة.

ورأت مديرة جمعية "أنا إنسان" لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة آسيا ياغي، أن أهم تحد يواجه هؤلاء الفئة هو ضعف قناعة معظم أصحاب الأعمال بقدراتهم، وعدم توفير الأدوات المساندة لهم في بيئة العمل، بسبب ارتفاع تكلفتها، فضلاً عن انخفاض أجورهم وعدم شعورهم بالأمان الوظيفي واستقرارهم.

عواقب سلبية

وفي سياق متصل، قال هاني جهشان، المتخصص بحقوق الإنسان، إن عواقب كورونا السلبية كانت أكثر عمقاً وألماً على الأشخاص ذوي الإعاقة، لا سيما على الأطفال منهم، وكانت العواقب أكثر شدة في المجتمعات المهمشة، والفقيرة، ومخيمات اللجوء، والدول التي في حالة حرب.

وتحدث جهشان عن بعض التحديات الصحية المتزايدة لذوي الاحتياجات الخاصة، من بينها تعثر إعادة الدمج المجتمعي لهم خلافاً لممارسات سلبية، تعتقد أنه يجب إبقاؤهم في بيئات مغلقة تقليدية من أجل حمايتهم، ما يؤدي إلى مزيد من تهميشهم وانتهاك حقوقهم بالحياة والصحة والعلاج والتأهيل والتعليم والمشاركة بالمجتمع.

خطورة مرتفعة

وأكد جهشان أن ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم عوامل خطورة مرتفعة للإصابة بكورونا، بسبب ضعف المناعة لديهم، وانخفاض في وظائف الرئة ما يعرضهم إلى مزيدٍ من العواقب والمضاعفات، لا سيما التعليم والعمل وممارسة الرياضة. وأضاف، "ذوو الاحتياجات الخاصة أكثر تأثراً بتدني مستوى الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية خلال الجائحة، كالحجر والعزل وإجراءات الإغلاق وانخفاض جودة الخدمات الصحية وخدمات التأهيل التي يحتاجونها ونقص العقاقير الطبية".

ورأى أن ثمة تمييزاً ضد هؤلاء الأشخاص خلال كورونا من حيث انخفاض أو فقدان الدعم الاجتماعي والمالي لهم من قبل المؤسسات التي تقدم لهم الدعم بالعادة، وعدم توفير خدمات التعلم عن بعد، ووسائل الاتصال المناسبة لنوع الإعاقة التي يعانونها.

كما جرى توثيق ارتفاع نسبة العنف الأسري خلال الجائحة على النساء والأطفال، بمن فيهم ذوو الإعاقة، وتبين أن هؤلاء معرّضون للعنف الأسري أكثر من بقية أفراد الأسرة، وطالب جهشان بنشر المعرفة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والوسائل الخاصة بالتصدي للوباء لكل شكل من أشكال الإعاقة، وإعطاء الأولوية لهم في فحوص كورونا.

حياة غير طبيعية

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما ذوو الاحتياجات الخاصة الجزائريون فحياتهم لم تكن سهلة قبل وباء كورونا، فكيف يمكن تصورها بعده. نافذةُ الحياة التي كانوا يُطلون من خلالها على العالم أُغلقت تماماً، وبقي هؤلاء رهينة أربعة جدران.

لا تعيش السيدة باية منصوري حياة طبيعية، بعدما ارتفع منسوب التوتر عندها ليصل حدوداً لا تُطاق في ظل افتقادها لمنزل يؤوي عائلتها المكونة من خمسة أفراد باحتسابها، اثنين منهم، في العشرينيات من عمرهما، يُعانيان إعاقة بنسبة مئة في المئة.

تقول، "ممنوع علينا المرض، لأن إصابة أي شخص مِنا بكورونا تعني أن حياتنا جميعاً في خطر، إذ لا يُوجد مكان للحجر في حال وقوع الإصابة. نعيش في كراج، نضع فيه كل مستلزماتنا، ولا توجد نافذة أو مكان نستنشق منه الهواء".

وتضيف، "في السابق كنت أخصّص بعض الوقت لولديّ المعاقين، لكنْ مستحيل الآن في ظل انتشار الفيروس. على الرغم من أنهما يعانيان من وضع نفسي كارثي، يجلسان في مكان واحد طول اليوم أمام شاشة التلفزيون، وليس لدينا خيار آخر".

وأمام هذا الوضع المأسوي، فقدت منصوري الأمل في الجمعيات الخيرية، التي عجزت عن مساعدتها، بينما لا تزال كل الطرق المؤدية لحصولها على سكن لعائلتها، مُوصدة. تقول "أكبر مشاغلي في الحياة أن يكون لي منزل"، و"كل الوزراء السابقين للتضامن لم يقدموا شيئاً لذوي الاحتياجات الخاصة غير الوعود".

يذكر أنه وُجهت لوزيرين للتضامن في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهُما جمال ولد عباس والسعيد بركات، تهماً بالفساد بما في ذلك التلاعب بأموال الإعانات المخصصة للفئات الهشة والمعاقين. وفرضت المحكمة عقوبة السجن لسنوات ثمان في حق ولد عباس، وبركات بأربع حبساً نافذاً.

وأخيراً، رفعت الحكومة الجزائرية المنحة المالية للمعاقين إلى 10 آلاف دينار جزائري (80 دولاراً)، عبارة عن دعم شهري يستفيد منه من إعاقتهم بنسبة 100 في المئة، ولا يزال العديد منهم يتقاضى منحة شهرية 4000 دينار (25 دولاراً تقريباً)، لا تمكّنهم من الصمود أمام المتطلبات الصحية وغلاء المعيشة.

ويرى المجتمع المدني هذه المنحة "هزيلة"، وهناك من يصفها بـ"المحنة"، إذ يُستفاد منها بعد بلوغ المعاق 18 سنة، يعني أن الأقل عمراً لا تصلهم، ما يعتبره كثيرون "غير منصف"، ولا يحل مشكلاتهم.

وتلفت جمعيات خيرية إلى عدد يحملون شهادات عليا، إلا أنهم عاجزون عن العمل لرفض أرباب العمل توظيفهم. على الرغم من رفع الحكومة نسبة توظيفهم إلى ثلاثة في المئة، فالواقع مخالف تماماً، لأن نسبة واحد في المئة التي كانت سارية المفعول من قبل لم تكن مطبقة إلا قليلاً على مستوى بعض الهياكل التابعة للدولة.

 

كابوس حقيقي

تقول عتيقة معمري، رئيسة الفيدرالية الجزائرية للأشخاص ذوي الإعاقة، إن أزمة كورونا كابوس حقيقي لهم، إذ ضاعفت معاناتهم بشكل كبير، و"مأسوي". وذكرت أن الجائحة كشفت خللاً كبيراً في السياسة المنتهجة تجاه المعاقين، مع غياب المساعدة الاجتماعية، إذ برزت الحاجة إليها بعد إصابات بينهم أو لدى من يتكفلون بإعالتهم.

وتضيف، "تلقينا اتصالات من أشخاص أصابهم الفيروس يحتاجون مساعدة، وهو أمر محزن. أنا متخوفة كثيراً من هذه الحالة"، مشيرة إلى أنه "في العادة هناك فرد من العائلة يتكفل بالمعاق، عادة تكون الأم بالنسبة إلى الأولاد والزوجة في حال كان الزوج معاقاً، وما عدا ذلك فهم ضحية الفراغ".

وحتى الآن، لا مساعدات اجتماعية للتكفل بالمسنين والمرضى وللعاجزين عن التوجه إلى المؤسسات الاستشفائية. وتقول معمري "بعد كورونا، علينا كمجتمعات عربية إعادة النظر في هذه المهن كما هو معمول به في بلدان أوروبية، لأنه من غير المعقول أن تتحمل العائلة وحدها عبء التكفل بهؤلاء، لأن لها انشغالات أخرى".

وعن التمويل، تقول معمري "تستفيد الجمعيات عادة من إعانات مالية من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، لكنها متوقفة منذ عامين تقريباً".

وتعتقد أن تأمين مطالب الناشطين في القطاع الخيري والإنساني، قد يمكّن ذوي الإعاقة من أن يعيشوا حياتهم بصورة طبيعية، ليشعروا بنوع من التكافؤ والعدالة الاجتماعية.

الهروب نحو المجهول

وأشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى أن أكثر من مليار شخص عالمياً هم الأشد تضرراً من الجائحة، موضحاً أن الوفيات الأكبر كانت في دور الرعاية من قبل كبار السن من ذوي الحالات الخاصة. وأفاد غوتيريش إلى أن هؤلاء لا يحصلون على حقوقهم كافة بطبيعة الحال، مثل التعليم والصحة وغيرها، الأمر الذي زاد من حدة الوباء وضاعف التهديدات.

وتطالب الأمم المتحدة الدول والسلطات بتوفير كامل المعلومات الصحية العامة بشكل مناسب لهؤلاء وتسهيل الوصول إليها، مثل استخدام لغة الإشارة أو التصاميم التوضيحية والرسائل النصية، جاء ذلك على لسان مقررة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة، كاتالينا ديفانداس أغيلار.

اتفاقية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة

وانضمت السعودية إلى اتفاقية حقوق هؤلاء الأشخاص وبروتوكولها الاختياري منذ عام 2008، وتعد إحدى اتفاقيات الأمم المتحدة الأساسية في ملف حقوق الإنسان، التي تهدف إلى تقديم الخدمات لفئات تتفرّد بخصوصية معينة. ويقوم النص الأساسي في الحكم السعودي على "تكفل الدولة بحق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجع المؤسسات والأفراد على الأعمال الخيرية"، وهو ما يشمل فئات الإعاقة المختلفة باعتبارها أحد أشكال العجز.

وشرحت هيئة حقوق الإنسان حقوق هؤلاء وواجباتهم بإسهاب وتفصيل تام، وأوضحت الحقوق الصحية والتعليمية والاجتماعية لهم، والتي كان من أبرزها تخفيض أجور السفر 50 في المئة للمريض ومرافقه، وصرف إعانة مالية للأسر التي ترعى شخصاً مماثلاً.

صناديق ومبادرات صحية

وتلقّى صندوق الوقف الصحي السعودي دعماً مالياً كبيراً خلال جائحة كورونا، قُدر بأكثر من مليار ريال (نحو 266 مليون دولار)، وأطلق عدداً من المبادرات خلال الجائحة، كان أبرزها خدمة إيصال الأدوية والعلاجات للمرضى الذين لا يستطيعون تسلمها من الصيدليات الحكومية والتجارية، حفاظاً عليهم من الاختلاط بالحالات المحتملة والتقاط العدوى.

ويعد الصندوق السعودي كياناً حكومياً يهدف إلى تعزيز الصحة العامة للمجتمع عبر تقديم حلول مستدامة ومؤثرة.

وفي سياق متصل، أطلقت وزارة الصحة السعودية مبادرة "نبغاك مرتاحاً" بهدف تهيئة وتطوير المحاجر الصحية لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، لتكون متوافقة مع معايير الوصول السهل لجميع فئات المجتمع على حد سواء.

واستهدفت المبادرة ما نسبته عشرة في المئة من إجمالي المحاجر في السعودية، لتتوافق مع نسبة الذين يعانون من حالات خاصة في المجتمع والذين يمثلون أيضاً عشرة في المئة من إجمالي السكان، وذلك بهدف التأكد من توفير حقوقهم كاملة داخل محاجرهم، ويشمل هذا توفير الترجمة من وإلى لغة الإشارة وغيرها.

غياب الإحصاءات الدقيقة

وفي العراق توضح عبير الجلبي، المديرة العامة لدائرة ذوي الاحتياجات الخاصة والوكيل الأقدم لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أن ما تعرضت له البلاد من حروب وأزمات أسهم في زيادة أعداد ذوي الإعاقة، موضحة أنه "لا توجد قاعدة بيانات أو إحصاءات دقيقة بشأنهم"، نظراً لعدم وجود أي تعداد سكاني، بالتالي تبقى الأرقام المتداولة غير دقيقة.

وتشير الجلبي إلى أن العراق انضم إلى اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2013، وأن القانون رقم 38 لعام 2013، جاء لتلبية حاجات ومطالب هذه الشريحة في ما يتعلق بتوفير راتب للأشخاص المتفرغين لرعاية أصحاب الإعاقات الشديدة. كما ينص على تسهيلات أخرى لهذه الشريحة، تتمثل بتوفير فرص عمل للقادرين عليه وتخصيص مقاعد للدراسات العليا للراغبين منهم بإكمال دراستهم، وكذلك الإعفاء الضريبي وتقليل أجور تذاكر السفر.

أم براء، وهي والدة لأربعة أبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة، تعمل في أكثر من مهنة خلال اليوم؛ لكي تؤمن لأبنائها حاجاتهم، بعدما عجزت عن إيجاد فرص عمل لهم تناسب ظروفهم الصحية. تروي أم براء كيف تمكنت من تعلم لغة الإشارة عن طريق مدرسة متخصصة؛ لتقوم بعدها بتعليم أبنائها لغة الصم والبكم، لعدم قدرتها على دفع أجور النقل لأبنائها الأربعة للوصول إلى مدرسة خاصة.

تأمل أم براء في أن يجد أبناؤها فرصة عمل تناسب إعاقتهم، موضحة أن هذه الفرص محدودة أمامهم، لكون أصحاب العمل لا يفضلون أشخاصاً لا يمكن التعامل معهم إلا بلغة الإشارة.

 

دور منظمات المجتمع المدني

غالباً ما تكون الجهود الحكومية غير قادرة على تلبية حاجات هذه الفئة، التي اتسعت بسبب الحروب، فأخذت بعض منظمات المجتمع المدني تمد يد العون لها. ويقول عمر الوليد، سفير دولي لحقوق الإنسان ورئيس منظمة الوليد للإغاثة والتنمية البشرية، إن المنظمة أعدت برنامجين لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، الأول إغاثي يتعلق بتجهيز الكراسي المتحركة لهم، وإكمال معاملاتهم في المؤسسات الحكومية، وتوفير العلاج لهم داخل وخارج البلاد. أما الجانب الآخر فهو التنمية البشرية، موضحاً أنه يتعلق بتدريب عدد منهم، خصوصاً من لديهم مواهب، بهدف إعادة الثقة إليهم.

ويقول إن معاناة هذه الفئة كبيرة، والإحباط والعوز سيدا الموقف، مشيراً إلى أن الوباء أسهم في تفاقم الحالة النفسية السيئة لهذه الشريحة، لأنه أبعدهم عن المجتمع خوفاً من العدوى، كما أن تراجع الأوضاع الاقتصادية للمعيل أثر في حصول أفراد هذه الفئة على حاجاتهم اليومية.

وازدادت أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق بشكل ملحوظ مع الاضطرابات الأمنية بعد عام 2003. وبحسب ما يتم تداوله، فقد قاربت أعداد المسجلين من ذوي الاحتياجات الخاصة ثلاثة ملايين عراقي، يعاني كثير منهم غياب فرص العمل الملائمة ومشاريع التأهيل التي تجعلهم أكثر اندماجاً في المجتمع.

حملات توعية

وفي مصر تقول الأرقام إن بين 10 و15 مليون مواطن يعانون إعاقة واحدة على الأقل، ما يعني أن ما يزيد على عشرة في المئة من السكان لديهم نوع من الإعاقة، (بحسب وزارة التضامن الاجتماعي)، وهي النسبة التي لا تحوي كبار السن الذين يصابون بإعاقة ما بسبب التقدم في العمر.

وكان 2018 في مصر "عام ذوي الاحتياجات الخاصة"، فشهد حملات توعية عديدة عن الإعاقة وأصحابها وحقوقهم وواجباتهم. كما شهد إنجازاً قانونياً تمثل في صدور قانون الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، والذي نص على حقوق مختلفة تضمن تأهيل وتمكين ودمج ذوي الإعاقة، والأهم تحديد أنواع الإعاقات لتضمن أمراضاً تعيق أصحابها عن خوض حياة طبيعية ما يمكنهم من الاستفادة بنصوص قوانين الإعاقة، وذلك بعد عقود من معاناة إثبات وجود إعاقات معينة لأن "الموظف المختص" غير ملم بها.

كما نص القانون على أن تلتزم الجهات الحكومية وغير الحكومية وأصحاب الأعمال حيث يعمل 20 عاملاً فأكثر بتعيين نسبة خمسة في المئة من ذوي الإعاقة مع وضع قواعد مرنة لعملهم بحسب ظروفهم. وعلى سبيل المثال حث أصحاب الأعمال على التزام نسبة الخمسة في المئة، نص القانون على مميزات وإعفاءات ضريبية للملتزمين بها.

وبحسب الأرقام الواردة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد بلغ عدد المعينين في منشآت القطاع الخاص من ذوي الإعاقة 5213 شخصاً في عام 2019.

طفرة ولكن

وعلى رغم الطفرة الكبيرة التي طرأت في ملف أصحاب الإعاقة، على الأصعدة التشريعية والصحية والرسمية، فإن الطريق ما زال طويلاً جداً. كثيرون من أصحاب الأعمال يلتزمون على الورق بنسبة الخمسة في المئة من الوظائف المخصصة لأصحاب الإعاقة. لكن واقع الحال يشير إلى تخصيص البعض رواتب متدنية جداً لهم، وتشجيعهم على البقاء في بيوتهم.

من جهة أخرى، فإن البنى التحتية من مواصلات عامة وشوارع وأرصفة وكود مباني المعاقين الغائبة ما زالت تحول دون انخراطهم في الحياة بشكل جيد. كما أن المجتمع ما زال يحتاج إلى الكثير من التوعية.

فقر وبطالة وفجوة

كما تقف عوامل مثل نسبتي الفقر والبطالة المرتفعتين، والفجوة الحقوقية بين الجنسين، وترتيب الأولويات المتذبذب بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تزلزلت أركانها في عام 2011 لتمثل مشكلات وضغوطاً إضافية لذوي الإعاقة، لا سيما من الإناث. ثم جاء كورونا وما أدى إليه الوباء من إغلاق ومحدودية حركة للجميع واضطرار العديد من أماكن العمل الاستغناء عن عاملين لديها لتفاقم من صعوبة الحال، وتؤجل العديد من جهود إصلاح أوضاع ذوي الإعاقة.

وعلى رغم ذلك، فالمحاولات مستمرة. المركز التقني لخدمات الأشخاص ذوي الإعاقة أطلق قبل أشهر خدمة "واصل" للرد على الاستفسارات والشكاوى الخاصة بالخدمات الحكومية، وللحصول على المعلومات الخاصة بفيروس كورونا المستجد للصم وضعاف السمع.

وظروف حياة الأشخاص ذوي الإعاقة قد تجعلهم أكثر عرضة للإصابة. فمثلاً الشخص الذي تستوجب إعاقته التقارب الشديد مع آخرين بهدف الرعاية حيث النظافة الشخصية أو الإطعام يكون أكثر عرضة للإصابة من الممرض أو مقدم الرعاية. كذلك الحال بالنسبة لأصحاب الإعاقات التي تحول دون التواصل الصحيح للحصول على المعلومات، أو لغير القادرين على شرح ما يعانونه من أعراض.

تجاهل الدولة

يحدد إحصاء 2013 نسبة المعاقين الموريتانيين بين السكان البالغ عددهم يومئذ 3 ملايين و600 ألف شخص بـ0.9 في المئة.

ويعلق السيد محمد سالم ولد أبوه، الأمين العام لاتحادية المعاقين الموريتانيين على هذه النسبة قائلاً، "إحصاء غير دقيق، لأن الأعداد التي نتعامل معها في الاتحادية هائلة، ولو قمنا بمسح شامل لمعوقي موريتانيا، لكانت النتائج مخيفة".

تنتمي غالبية المعاقين الموريتانيين لشريحة الفقراء، وقد تبنت الدولة منذ سنوات استراتيجية، سمتها مكافحة الفقر، جرى بموجبها إنشاء مفوضية خاصة بحقوق الإنسان والفقر، كما أعلنت تبنيها شعار التمييز الإيجابي الخاص بالفئات الهشة، فهل انعكس كل هذا على فئة المعاقين في موريتانيا؟ يجيب ولد أبوه، بأن "الدولة الموريتانية منذ تأسيسها ظلت تتجاهل ذوي الاحتياجات الخاصة ولغاية 2019، ففي هذه السنة مولت للمرة الأولى من خزينتها بناء مقر لاتحادنا، أما مقاربات محاربة الفقر التي قامت بها الدولة سابقاً، فلم تحدث أثراً".

لكن الناشط الموريتاني أقر بأن التوجه السابق، بدأ النظام الحالي يراجعه في البلاد، مضيفاً في هذا السياق أنه تلقى بفرح كبير "الدعم المادي الذي أعلن عنه الرئيس في خطاب عيد الاستقلال أخيراً، القاضي بصرف مبالغ شهرية دائمة لبعض المصابين بإعاقات خاصة".

معاناة مضاعفة

أثّر كورونا في معاقي موريتانيا، وزاد من معاناتهم، فقد فرض عليهم  التباعد الاجتماعي، والبقاء في المنازل وعدم مزاولة بعض الأنشطة الاقتصادية، التي كانت على الرغم من بساطتها تفيدهم في حياتهم اليومية، إذ ترى آمنة بنت محمد المختار رئيسة تكتل النساء المعاقات، أن "الجائحة أضرت كثيراً بالمعاقين الموريتانيين، لا سيما فئتي النساء عموماً، والمكفوفين خصوصاً، فقد توقفت ورش الخياطة والصباغة، التي كانت تتيح لبعضهن دخلاً ولو بسيطاً، ولا ندري متى تعود تلك الورش لسابق نشاطها، لأن الجائحة عادت بقوة إلى العالم، أما فئة المكفوفين فيعتمد أفرادها على أشخاص آخرين. باستثناء قلة تستخدم العصي البيض، وقد فرض عليهم التباعد الاجتماعي عدم الاستفادة من خدمات أولئك الأشخاص المساعدين، ما ضاعف المعاناة".

ويؤكد ولد أبوه، أن الدولة حتى في ظل أزمة الجائحة لم تعط المعاقين امتيازاً خاصاً، "إنما جعلتهم ضمن المجموعة العامة، التي قررت السلطات دعمها، وفي هذا الإطار حصلنا من الدولة على مساعدات غذائية، كما صرفت مبالغ مالية لبعضهم، وقد حصلت اتحاديتنا على دعم مباشر من صندوق الأمم المتحدة للسكان، تمثل في كثير من المعقمات الجيدة، والكمامات مع مبالغ مالية تحفيزية".

البحث عن الدعم

على الرغم من اهتمام الشركاء الغربيين بالجمعيات الأهلية الموريتانية فإنهم لا يعطون اهتماماً كبيراً لذوي الاحتياجات الخاصة في موريتانيا، وفقاً لآمنة التي تفيد بأن جمعيتها لم تتلق أي دعم من هيئات المجتمع المدني الغربي، التي قالت "يبدو أنها لا تدعم غير النشطاء الحقوقيين أو السياسيين المندسين تحت لواء حقوق الإنسان، وقد ركزنا على تحسين العلاقات مع منظمات ذوي الاحتياجات الخاصة العربية، مثل المنتدى العربي لحقوق الإنسان، حيث إن ظروف المعاقين الموريتانيين هي الأصعب بالنسبة إلى المعاقين في الدول العربية الأخرى، باستثناء تلك التي عرفت حروباً أهلية".

المزيد من تحقيقات ومطولات