Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شابان من ذوي الاحتياجات الخاصة... يفتتحان منشرة في غزة

يتوجب على المؤسسات وفقاً للقانون الفلسطيني تشغيل 5 في المئة من كادرها من ذوي الإعاقة

إبراهيم ينجز عملاً في منشرته (اندبندنت عربية)

يتنقل إبراهيم مستعيناً بعكاز بلاستيكي بين ألواح الخشب، يحاول أنّ يسند نفسه على قطع أثاث منزلي، ليصل إلى المفك في أعلى الرف.

مسرعاً يتوجه إلى ماكينة الرسم على الخشب، ليعطيها الأوامر الإلكترونية لبدء حفر أوّل رسمة أنتجها صديقه المقعد عصام، والذي يعمل معه في أوّل منشرة يشرف عليها فنياً ومهنياً شخصان من ذوي الاحتياجات الخاصة.

إبراهيم من ذوي الإعاقة الحركية الجزئية، التي تأتي على شكل صعوبة كبيرة أثناء المشي، نتيجة نقص الأوكسجين عن خلايا الدماغ، ما يسبب لديه مشاكل في الحركة، ألزمته مرافقة عكازه الطبي، منذ ولادته.

رفقة عمر 

يشارك إبراهيم الحياة مع رفيق دربه عصام، الذي يعاني هو الآخر من ضمور عضلات جسده، ما ألزمه الكرسي المتحرك، وحرمه الحركة. يتكئ في حياته على رفيقه إبراهيم، الذي يعد بمثابة شريان الحياة له.

بدأت قصتهما معاً في افتتاح أوّل منشرة يعمل فيها ذوو الإعاقة، بعد تخرجهما من الجامعة، فأنهى إبراهيم دراسته في تخصص إدارة الأعمال، بينما حصل عصام على شهادته من قسم المحاسبة.

 يقول عصام "كنت أحلم بفرصة عمل، لو صغيرة، أعيش منها، لكن البطالة التي تفشت في كلّ مكان حرمتني من ذلك".

فكّر الصديقان كثيراً في فكرة تجلب لهما المال، ليصبحا شخصين منتجين، ويهربا من فكرة الاستهلاك، والاعتماد في حياتهم على الآخرين، حتى وإن كانوا من ذويهم.

ويوضح إبراهيم "خطر في بالي افتتاح منشرة تعمل على فكرة الحفر على الأخشاب، ولكن الموضوع كان يحتاج إلى كثير من الجهد".

وبعد حديث مطوّل بين الصديقين، اتفقا على بدء رحلتهما في مهنة النجارة، هرباً من البطالة، وبحثاً عن فرصة عمل يعيشان منها.

البحث عن وظيفة

يشير عصام إلى أنه بحث عن العديد من الوظائف، لكنه فشل في الحصول على أيّ فرصة، ما أثّر فيه نفسياً بشكلٍ كبير، وتحدياً لكلّ الظروف، قرّر خوض فكرة النجارة والعمل الحر.

بعد البحث استقبلتهم إدارة مؤسسة تعليمية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، وتتبع بشكلٍ أساسي للجامعة الإسلامية في غزّة (أكبر جامعة على مستوى القطاع)، وبدأت مرحلة تدريبهم على استعمال الماكينات المخصصة للأخشاب وطريقة العمل عليها، والرسم بواسطتها.

وبعد ستة أشهر، تمكن الشابان الطموحان، من الإبداع في العمل على ماكينة الحفر على الأخشاب، وشقا طريقهما في المهنة، عصام حصر نفسه في العمل على برامج التصميم، بسبب الضمور في عضلاته وعدم قدرته على الوقوف خلف ماكينات النجارة.

بينما إبراهيم يعمل وحده في المنشرة، في رحلة عملٍ شاقة قد تصل في كثيرٍ من الأوقات إلى 12 ساعة متواصلة، تبدأ منذ استلامه التصميم من صديقه بعد إدخاله على النظام الداخلي لماكينة الحفر على الأخشاب، وبعدها يتولى عملية تثبيت اللوح الخشبي على أرضية الألة.

ومن ثمّ يعطيها الأوامر المباشرة في رسم الزخارف الهندسية على الأخشاب، وعند الانتهاء، يتولى عملية فك المسامير الخشبية الصغيرة والألواح، ويجري هذه العملية بصعوبة بالغة جداً نتيجة إعاقته الحركية وعدم مقدرته على السير بخطى ثابتة.

وعلى رغم الصعوبة في المشي، إلاّ أنّه يستمتع في عمله الذي يوفّر له نهاية الشهر راتباً لا يزيد على 120 دولاراً، لكنه يصف نفسه بالشغوف على العمل الذي جعله من الأشخاص المنتجين على الرغم من أنّه من ذوي الإعاقة الحركية.

لجأ إبراهيم وعصام إلى العمل الشاق في المنشرة، بعد بحثٍ استمر سنوات عن فرص عمل ضمن الوظائف الحكومية لكنهما لم يجدا. يقول إبراهيم إنّه لم يتمّ تطبيق قانون حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ولم يعمل به أحد من المؤسسات في قطاع غزّة.

غياب القانون

ووفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني فإنّ فرص ذوي الإعاقة من الوظائف تصل إلى خمسة في المئة من إجمالي عدد الموظفين.

لكن بحسب متابعة "اندبندنت عربية" للميدان فإنّه منذ عام 2008 لم تستقبل المؤسسات الرسمية أيّ شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن كوادرها.

يتجول إبراهيم بصعوبة في منشرته الصغيرة، يبحث عن ماكينة المسامير الهوائية، ليثبت قطع الأخشاب، وينتقل إلى الحاسوب ليعمل على إعطائها الأوامر الإلكترونية لتبدأ في تنفيذ الرسومات التي عادة ما تقوم لأعمال المنازل كجزء من الأثاث البيتي.

وحول أعمالهم يشرح إبراهيم أنّهم يعملان على تصميم وصناعة الزخارف الهندسية على القطع الفنية والأثاث المنزلي، ويرسمان شخصيات الكرتون على ألواح الخشب، وأطقم النوم الخاصة بحديثي الزواج.

ومن بين الصعوبات التي واجهتهما انقطاع التيار الكهربائي والذي يسبب خسارة كبيرة لهما، ففي غزّة تصل ساعات قطع الكهرباء حتى 20 ساعة بشكلٍ متواصل، ما يؤثر في طبيعة عملهم.

وتعد فكرة افتتاح منشرة يشرف عليها فنياً ومهنياً شخصان من ذوي الاحتياجات الخاصة بالأمر الغريب في غزّة، وتعد فكرة إبداعية يتحدى إبراهيم وعصام فيها النظرة النمطية السائدة في مجتمعهم حول ذوي الإعاقة.

المزيد من العالم العربي