Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"دمج" ذوي الاحتياجات الخاصة بالمدارس يطلق بشائر النور في مصر

وزارة التعليم المصرية تدعم "أصحاب القدرات الخاصة" بقانون الدمج

غادة طوسون أم مصرية 54 عاماً وابنتها لجين 18 تخرجت من المدرسة مؤخراً مصابة بمتلازمة داون أدت امتحان الثانوية العامة في منطقة حلوان جنوب القاهرة 11 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

من دورة مياه غير مؤهلة، إلى فصل في طابق علوي يستحيل الوصول إليه، إلى معلم غير مُرحِّب، ومنهج طارد، وأقران متنمرين، يعيش الصغار من أصحاب القدرات الخاصة، الذين يطلق عليها البعض "إعاقات" بين نارين: نار التعلم في مدارس معزولة، ونار عدم التعلم من الأصل.

الواقع والمأمول

الأصل في الصغار من ذوي الاحتياجات الخاصة هو الدمج في المدارس العادية، لكن جرى العرف على عزلهم في مدارس خاصة، وفي أحوال أخرى حيث لا تتوافر هذه المدارس أو تتعاظم الوصمة أو تتفاقم صعوبة التنقل والتعامل مع الجهات المعنية يتم عزلهم في بيوتهم دون تعلم ألف باء.

ألف باء الدمج التعليمي والتربوي للصغار من أصحاب القدرات الخاصة تكمن في تقبل القائمين على العملية التعليمية للفكرة، وتدريبهم عليها، وتأهيل الصغار من الأقران عليها، وتوعية أولياء أمور الأطفال الأصحاء وأصحب القدرات الخاصة عليه، وقانونية الدمج، بالإضافة بالطبع لاستعداد التجهيزات في المدرسة لاستقبال أولئك الصغار فعليًا وسهولة تنقلهم في داخل المدرسة.

بوادر النور

وفي داخل المدرسة، قصص وحكايات. فبين إعاقات بصرية وسمعية وجسدية، يجد أولياء أمور الصغار أنفسهم في (حيص بيص). منهم من يتمنى أن يلتحق ابنه أو ابنته بمدرسة عادية، عله لا يشعر بأنه مختلف عن غيره ويحصل على التعليم نفسه الذي يحصل عليه الأصحاء. ومنهم من يتخوف من إلحاق الصغير بهذه المدرسة العادية خوفًا من تعرضه لسخرية من الأقران، أو تململ من المعلم، أو صعوبة في التعامل مع الأجواء المحيطة التي ربما لا تكون مهيأة له جسديًا ونفسيًا. وتظل هناك فئة، ربما بدافع ضغوط الحياة التي لا تتسع لضغط إضافي، وربما تحت وطأة "وصمة" ثقافية تجبر الكبار على عزل الصغار بعيدًا عن أعين الجيران.

لكن جيران "أم الفضل" دفعوها في اتجاه معاكس لما تمليه وصمة عزل الابن المعاق، وهو ما يعني بوادر وبشائر تغيير إيجابي في الثقافة. فـ"الفضل"، واسمه الحقيقي أحمد، خرج إلى الحياة بتوليفة من الإعاقات الجسدية جعلت من التحاقه بالمدرسة حلمًا بعيد المنال.

أسباب البعد كثيرة. تقول والدته: "المدرسة المتاحة في الحي بعيدة عن البيت. كما أن أحد العاملين في المدرسة أخبرني أن المدرسة لن تقبله لأنه معاق رغم أنه بالغ الذكاء. والأهم من كل ذلك إنني ووالده شعرنا بأن تعريضه لنظرات الناس والجيران يوميًا سيلحق الضرر بنا جميعًا. لكن إحدى جاراتي أخبرتني بحكاية الدمج. في البداية لم أصدق، واعتبرته كلام جرائد لا يعني شيئًا، لكن جارتي اصطحبتني إلى المدرسة ذات يوم. ووجدت أن ابني لديه فرصة للالتحاق بها، وهو ما فعلته". وتضيف "أم الفضل" أنه رغم أن المدرسة في حي آخر مجاور، أي أبعد من المدرسة الأولى، إلا أنها معدة لدمج الصغير.

معاناة "أم الفضل" تكللت بالنجاح. لكن معاناة الآلاف غيرها من آباء وأمهات الأطفال من أصحاب القدرات الخاصة لا تتكلل بالنجاح بالضرورة. ضرورة إصدار قرار يسمح لفكرة وثقافة دمج الصغار مع أقرانهم في مدارس عادية أسفرت عن قرارات وزارية تنص على ذلك.

 وزارة التعليم تدعم

فقد أصدر وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور طارق شوقي قرارًا ينص على أن جميع مدارس التربية والتعليم في مصر دامجة للطلاب ذوي الإعاقة، بما فيها المدارس الحكومية والخاصة والدولية ومدارس الفرصة الثانية. ومن حق الطالب ذي الإعاقة أن يدمج بأقرب مدرسة لمحل إقامته، والتى يجب أن تتوافر فيها غرفة مصادر أو غرفة مناهل المعرفة، وألا تزيد نسبة التلاميذ ذوي الإعاقة على 10 في المائة من العدد الكلى للفصل بحد أقصى أربعة تلاميذ، على أن يكونوا من نفس نوع الإعاقة. كما نص القرار على أن تكون سن الالتحاق بالصف الأول الابتدائى في مدارس الدمج بين ست وتسع سنوات وفقا لقانون التعليم.

القانون وحده لا يكفي

ولأن القانون وحده لا يكفي، والقرارات فقط لا تلزم، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فاجأ المصريين في كانون أول (ديسمبر) الماضي بإطلاق حملة "قادرون باختلاف". وقد تزامن ذلك واليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة. تضمنت الحملة توجيهات للحكومة المصرية بتطبيق مبادئ تكافؤ الفرص والمساواة وعدم التمييز فعليًا، وذلك فيما يختص بعدد من الإجراءات التنفيذية لتوفير قدر أكبر من الدعم والرعاية للطلاب والطالبت من ذوي الاحتياجات والقدرات الخاصة.

 

تراوحت الإجراءات بين التوسع في توفير كود الإتاحة الهندسي لذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك في المنشآت الشبابية والرياضية، وزيادة مشاركاتهم الدولية في الأنشطة الفنية والثقافية والاجتماعية والرياضية، ومساواة الحاصلين منهم على ميداليات أولمبية وعالمية وقارية على المستوى الدولية بالأصحاء، وذلك في الجوائز المالية المقدمة لهم.

لكن غيرهم من الطلاب والطالبات من ذوي الاحتياجات الخاصة لا يمارسون رياضة، أو يشاركون في أنشطة، أو يضلعون في فعاليات ثقافية. فقط يبحثون عن مقعد في فصل، ومعلم مدرب، وأقران متفهمين، وبيئة مدرسية قادرة على استيعابه.

مسألة وقت

استيعاب فكرة وجود أطفال أو طلاب من ذوي القدرات الجسيدة والعقلية الخاصة جنبًا إلى جنب مع الأصحاء ليست سهلة أو قابلة للتفعيل بين ليلة إصدار قرار وضحاه. مستشارة وزير التربية والتعليم والتعليم الفني للتربية الخاصة الدكتور إنجي مشهور تقول لـ"اندبندنت عربية" أن المصريين، لا سيما أولئك الذين لديهم ابن أو ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة ظلوا عشرات السنوات منتظرين أي شكل من أشكال التقنين لمصائر أبنائهم وبناتهم التعليمية.

لذلك حين صدر القرار الوزاري كان بمثابة بداية الغيث، لكنه لم يأتي قطرة بل جاء زخات. فحسب القرار، فإن كل المدارس المصرية، سواء الحكومية أو الخاصة، تتحول إلى دامجة، وذلك بنسبة عشرة في المائة بحد أقصى أربعة طلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في الفصل.

وينص القرار على تنظيم عملية الدمج فى المدارس وذلك بنسبة عشرة في المائة فى كل مدارس مصر، أى بما يعادل أربعة طلاب فى الفصل الواحد. بالإضافة إلى تقديم الوزارة حوافز مادية للمعلمين والعاملين على عملية الدمج بنسبة 25 في المائة، وذلك تشجيعا لهم على الاهتمام بتسيير عملية الدمج وتبسيط المعلومات وفق حالة كل طالب، كما تم تغيير صيغة وطريقة الاختبارات، إذ يتم  تحديد اختبار لكل إعاقة. وبالنسبة إلى الصم والبكم والمكفوفين،  فإن لأولياء الأمور حق الاختيار بين اختبار الدمج أو الاختبار العادى، مع تقديم التيسيرات اللازمة لهم أثناء الاختبار.

الاختبار الحقيقي يكمن في تطبيق الدمج بتفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة. تقول مشهور إن كل فئة من فئات الاحتياجات الخاصة لها متطلبات خاصة بها. "فمثلاً المصابون بالتوحد ومتلازمة داون لهم احتياجات وقدرات مختلفة، ويتم مراعاة ذلك أثناء وضع الامتحان لهم. صحيح أنهم يمتحنون في المناهج ذاتها، ويتم وضع أسئلة تقيس المعلومات ذاتها، ولكن بطريقة تناسب القدرات المختلفة للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.

وتوضح مشهور أن البعض من أولياء الأمور يفضلون إلحاق أبنائهم وبنانهم بمدارس متخصصة في التعامل مع احتياجات الأبناء والبنات الخاصة، لا سيما المكفوفين في مدارس النور، والصم في مدارس الأمل. وهي تعزو السبب في ذلك إلى خوف الأهل على الأبناء وكذلك لأن المدارس المتخصصة في هذه النوعية من الاحتياجات تكسبهم مهارات مثل لغة الإشارة أو استخدام الأدوات والإمكانات الخاصة بالمكفوفين مثل برايل وأجهزة الكمبيوتر المخصصة لهم.

يشار إلى أن مدارس التربية الفكرية والخاصة موجودة في أغلب المحافظات المصرية، إلا أن بعضها يعاني قلة الإمكانات أو أعداد المعلمين المدربين.

المعلمون في المدارس العادية الذين يتعاملون مع طلاب وطالبات من ذوي الاحتياجات الخاصة في فصولهم ضمن منظومة الدمج يخضعون كذلك للتدريب على التعامل مع احتياجات وطبيعة الإعاقات. وتشير مشهور إلى أن البعض من المعلمين يشعر بأن وجود هؤلاء الطلاب في الفصل، لأنهم في نظرهم يمثلون حملاً إضافيًا عليهم في الفصل.

محاضرات توعية

أما الطلاب والطالبات أنفسهم، فإن رد الفعل أفضل كثيرًا. أكرم شريف (14 عامًا) طالب في مدرسة خاصة تطبق سياسة الدمج. يقول إن معه في الفصل طالبين من ذوي الاحتياجات الخاصة الفكرية. يعترف أنه في البداية بدت الفكرة غريبة. لكن المدرسة أهلت الطلاب الأصحاء عبر جلسة تعريفية لشرح معلومات علمية ونفسية حول الزميلين الجديدين. يقول أكرم: "في البداية كان هناك شعور غريب لدينا. والبعض من الطلاب كان يسخر من القادمين الجديدين. لكن الحقيقة إنه بمرور الأشهر، اعتدنا على وجودهما، بل ونمت علاقة أخوة بيننا".

أما عن أبرز ما تعلمه أكرم من هذه المعايشة، يقول: "تعلمت ألا أشعر بشفقة على أصحاب القدرات الخاصة، بل أشعر بشفقة على من يحرم نفسه من فرصة ومتعة التواصل معهم. مشاعر الشفقة ارتقت إلى مشاعر مودة ومحبة".

تترجم "مشهور" كلمات أكرم بشكل آخر وتقول: "من أكبر مميزات الدمج تعليم الصغار عبر الممارسة قبول الآخر واحترام الاختلاف. يتعلمون أنه لا يشترط أن يكون جميع البشر اللون نفسه، والدين نفسه، والشكل نفسه. يتعلمون قيمة الاختلاف بالمعايشة، وحين يكبرون ينقلون ذلك إلى المجتمع فيصبح مجتمعًا متسامحًا متقبلاً للآخرين فعلاً وليس قولاً فقط".

الدمج مازال في أول الطريق، وهو طريق صعب وطويل. فالتحديات المادية كثيرة حيث تطبيق أكواد المعاقين في المدارس من حمامات مجهزة وممرات مؤهلة لغرف خاصة تسمى "وحدة مصادر" مزودة بأدوات إضافية تساعد الصغار من أصحاب الاحتياجات الخاصة للتعلم. وهناك كذلك التحديات الثقافية من موروثات مثل الوصمة المتصلة بالإعاقة، والسخرية من أصحاب الإعاقات أو سكب مشاعر الشفقة عليهم وكلاهما ضار، لمقاومة فكرة الدمج من قبل الأهل حينًا والمعلمين حينًا. لكن الفكرة آخذة في الانتشار، والوصمة مستمرة في الاندثار، وأصحاب الاحتياجات الخاصة آخذون في الاندماج.

المزيد من