Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أرملة أولى ضحايا "أسترازينيكا" في بريطانيا تدعو إلى إصلاح نظام التعويضات البالي

يعتقد الخبراء أن ستيفن رايت كان أول شخص في المملكة المتحدة، وربما في العالم، يلقى حتفه من اللقاح. تقول شارلوت، أرملته، لسامويل لوفيت فيما يلي إن على الحكومة أن تفعل المزيد لدعم العائلات الثكلى كعائلتها

 شارلوت رايت وزوجها الراحل ستيفن. وهي تقوم بحملة لإصلاح مخطط تعويضات اللقاحات في المملكة المتحدة (شارلوت رايت)

استغرقت شارلوت عدداً من الأشهر قبل أن تتقبل السبب الذي أدى إلى مقتل زوجها. كانت وفاته صادمة وغير متوقعة، كما كانت أسبابها في ذلك الوقت غامضة تماماً. فعندما بدا وكأن الدكتور ستيفن رايت قد تعرض إلى سكتة دماغية، تم نقله على وجه السرعة إلى المستشفى فجر يوم 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، بيد أن وفاته أعلنت في الساعة 6،33 من مساء ذلك اليوم.

لكن أرملته شارلوت لم تقبل إلا الآن، بعد أن تلقت تأكيدات طبية، أن زوجها، 32 عاماً، ووالد طفليها الصغيرين، قد توفي فعلاً جراء جلطة دموية تشكلت في الدماغ بسبب اللقاح. وتقول، "باعتبار أننا، نحن الاثنين، كنا نؤيد أخذ اللقاح... فقد كنت في حالة إنكار لكل شيء، وخائفة من الإشارة إلى أنه كان السبب".

وستيفن، المتخصص بعلم النفس السريري لدى الأطفال الذي اشتغل بانتظام في قسم الطوارئ والاسعاف، هو واحد من 66 شخصاً في المملكة المتحدة توفوا بسبب متلازمة نادرة، وذلك في أعقاب تلقيه الجرعة الأولى من لقاح "أكسفورد – أسترازينيكا" في 16 يناير. ومع وجود ما يزيد على 40 مليون حقنة من اللقاح أعطيت حتى 2 يونيو (حزيران) الحالي، فإن الأرقام تحكي بوضوح عن حقيقة اللقاح. كان موت ستيفن الفاجع لسبب نادر في لحظة بالغة القسوة حملت نتائج كارثية لأحبائه.

ويزيد الواجب الذي كان يؤديه في المجتمع من صعوبة تحمل رحيله. يموت كثيرون على الدوام، وهم يقومون بأعمال أقل أهمية تشكل حياتنا اليومية، مثل عبور الطريق، وقيادة السيارة إلى مكان العمل أو حتى أثناء هبوط السلالم، بيد أن الظروف الاستثنائية التي تحيط بوفاة ستيفن تكاد تكون عصية على الفهم. وثمة 65 عائلة تواجه المأزق المروع نفسه.

مرت أسابيع عدة قبل أن يتصل طبيب متخصص بأمراض الدم بشارلوت في 19 أبريل (نيسان)، واستوعبت إثر المكالمة ما الذي حصل لزوجها. فقد قال لها ذلك الخبير، إن "التاريخ الطبي لم يشهد من قبل" تسجيل حادثة كتلك التي وقعت لستيفن، كما تكهن بأن يكون زوجها هو أول شخص في المملكة المتحدة "وربما في العالم" يموت بسبب لقاح كوفيد، كما تذكر. وتضيف، "تلك كانت اللحظة التي تقبلت فيها السبب".

إلا أن هذا القبول لم يجعل التعامل مع الفاجعة أكثر سهولة. فلا تزال تلاحقها صور تلك الليلة الشتائية في يناير (كانون الثاني)، حين انهار عالمها أمام عينيها، وطغت مسحة ضبابية مرعبة على المشهد مع وميض سيارات الإسعاف، فيما كان زوجها مرتبك يجد صعوبة في السير بخط مستقيم، وكان العناق الأخير بينهما. وتتذكر "بالكاد، قلنا وداعاً لبعضاً بعضاً مرتين، وكم أحب كل منا الآخر... أواصل التفكير بتلك اللحظة، وأنا أتساءل لماذا لم أقل أكثر مما قلته حينها، لكنني ربما لم أشأ أن أقلقه".

وحين دعيت شارلوت لكي تذهب إلى المستشفى في الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم التالي، كان ستيفن صار قاب قوسين أو أدنى من الموت، فهو كان يعاني نوبات وحالات نزف عدة في الدماغ خلال الليل حتى وصل عدد صفائحه الدموية إلى نحو 10 آلاف صفيحة، علماً بأن لدى الجسم السليم 150 ألف صفيحة، وهبوط عددها إلى أقل من 100 ألف صفيحة عند شخص ما يجعل إجراء عملية جراحية له محفوفاً بالمخاطر. وبعد أن فشل اختبار للخلايا الجذعية الدماغية عند ستيفن مرتين وتم التأكد من أنه قد توفي دماغياً، اتخذ القرار بوقف عمل الأجهزة التي كانت تبقيه على قيد الحياة.

وتشرح شارلوت، "حين تلقيت المكالمة من المستشفى، كان قد توفي فعلاً. وقد اتصلوا بي ليخبروني بأنه قد لقي حتفه. كانت وفاته سريعة على نحو غير منطقي، ولم نستطع أن نتفكر في التفكير في الأمر".

غير أن الأحداث التي تلت وفاة ستيفن هي التي دفعت الأرملة الشابة على التحدث علناً عن تداعيات ذلك. إنها ليست معنية بالتشكيك باللقاحات، بل لا تزال تؤيدها. وتوضح، "أنا لا أعارض الاستمرار في طرحها... وأعرف الدواعي التي أملت أن يعطوه اللقاح".

وبدلاً من الاعتراض على اللقاح، تأمل الأرملة الشابة أن تثير قدراً من الاهتمام يكفي لإطلاق نقاش مناسب حول الحاجة إلى تقديم الدعم السريري والعاطفي والمالي إلى عدد صغير من العائلات والأشخاص الذين تأثروا بمضاعفات سلبية جراء تلقي لقاحات كوفيد، في الماضي، ومن سيواجهون التجربة نفسها في المستقبل.

في الأيام التي تلت وفاة ستيفن، لم تلقَ شارلوت أي مساعدة تعينها على فهم الأمر، بل تركت هي وعائلتها تتخبط بحثاً عن إجابات. وفي تلك المرحلة، عندما كان كوفيد ينشر الموت والبؤس في مستشفيات بريطانيا ودوائرها المجتمعية [الأهلية] المختلفة، في إطار موجة ثانية حادة، ولم تكن قضية التجلط المرتبطة باللقاح قد برزت بعد. لم يكن هناك من يعرف شيئاً عن هذه المسألة. وكانت آراء أولئك الذين بدا أنهم يشككون باللقاح قد قوبلت بالرفض.

لم تبلغ "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" أن ستيفن قد توفي حتى 8 فبراير (شباط) إذ لم يكن الخبراء الذين عالجوا ستيفن يعرفون قبل ذلك التاريخ كيف يشرحون أسباب وفاته. وتفيد أرملته بأنه في حين أخذت تتضح العلاقة بشكل بطيء بين تجلط الدم واللقاحات، بقيت العائلة مهملة [متروكة لمصيرها].

وتتابع، "كنا نبحث عن الدعم ونريد معرفة ما يمكننا أن نفعله... نعلم أنه كان هناك العديد من العائلات ممن عانى أحبتها من ردود فعل سلبية على اللقاح، لكن هؤلاء الناس لا يتلقون الدعم والمعلومات الضرورية".

وجاء القدر الأكبر من الإحباط والغضب اللذين عانت منهما شارلوت وعائلتها من محاولاتهم التعامل مع "مخطط تعويضات أضرار اللقاح". يشار إلى أن ثمة تشريع جرى إقراره في عام 1979، ينص على حق أولئك الذين ألحقت بهم لقاحات قدراً من الأذى أن يطالبوا بتعويضات قد تصل إلى 169.28 ألف دولار أميركي (120 ألف جنيه استرليني)، شرط أن يبرهنوا ويثبتوا أن التلقيح هو سبب إصابتهم بإعاقات نسبتها لا تقل عن 60 في المئة، وهذه تمثل عتبة يعتقد أنها مرتفعة أكثر مما يجب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد جرى طرح "مخطط تعويضات أضرار اللقاح" في الأصل في سياق الجهود الرامية إلى إبقاء لقاح دي تي بي DTP الذي كان يعطى للأطفال الرضع موضع ثقة، وذلك في أعقاب إثارة بعض القلق بشأنه من دون داعٍ. ويقول الدكتور كلاس كيرشيل، وهو مؤرخ طبي في جامعة دبلن كوليج، إن توفير التعويضات كان الطريقة التي اتبعتها الحكومة لطمأنة الناس "أننا سنهتم بكم فيما لو حصل أي خطأ". وأدى المخطط إلى تسوية كل تعويضات الأضرار الناجمة عن تلقي لقاحات بعيداً عن المحاكم.

وعلى الرغم من إضافة لقاحات كوفيد العام الماضي إلى تلك التي يشملها مخطط التعويضات، فإن آلية عمل المخطط وصياغته الباليتين ساهمتا في جعله غير مناسب لمعالجة القضايا المتعلقة ببرنامج التلقيح الخاص بالجائحة الذي تلقى ملايين الناس اللقاح بموجبه.

وتلفت شارلوت إلى أنه "حين وصل الأمر إلى مرحلة تعبئة الاستمارة، بات الوضع فظيعاً للغاية". لم يكن هناك خانة مناسبة لحالة ستيفن". ونظراً إلى عدم وجود حقل لذكر الوفاة في الاستمارة التي تبدو مصممة للتعامل مع حالات أطفال ربما يعانون إعاقات لها صلة بلقاح ما، اضطرت عائلة شارلوت إلى إضافة خانة جديدة للإشارة إلى أن ستيفن قد توفي. وتشير أرملته إلى أن "ذلك كان أكثر إيلاماً بالنسبة لي، لأنه لو أنه أصيب بإعاقة لكان اليوم لا يزال معنا".

ولزيادة الطين بلة، فإن العائلة لم تتلقَ حتى الآن تأكيداً رسمياً بأن الجهة المختصة قد استلمت طلبها أو درسته. وتتابع شارلوت، "لم نسمع منهم أي شيء على الإطلاق حتى الآن... ليس لدينا أي فكرة ما إذا كانوا قد تسلموه".

وهناك أيضاً قضية أخرى مفادها أن مبلغ الـ120 ألف جنيه استرليني، الذي يعادل اليوم نحو 470 ألف جنيه استرليني (نحو 663.03 ألف دولار) بمعايير الوقت الحالي، لن يكفي لتغطية قسط بسيط من الخسائر في الدخل التي تكبدتها العائلة نتيجة وفاة ستيفن. وسيواجه الكثير من العائلات الـ65 الأخرى مخاوف مالية من هذا النوع أيضاً.

 أما بالنسبة لعديد من الأشخاص الذين عانوا أضراراً طويلة الأمد بسبب رد الفعل السلبي على اللقاح، فيجدر بهم أن يستوفوا شرط الوصول إلى عتبة الإعاقة العالية المنصوص عنها في مخطط التعويضات. والواقع أن الغالبية الساحقة من طلبات هؤلاء الضحايا قد رفضت ولم ينجح منها سوى 15 في المئة فقط.

من ناحيتها، ترى شارلوت أن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة. وتقول إن "بإمكانهم إصلاح هذا المخطط. من الصعب القبول بتركه هكذا على حاله".

وتضيف أن هناك ضرورة لتقديم مزيد من الدعم العاطفي أيضاً "حتى ولو كان على شكل خط هاتفي ساخن لمساعدة هذه العائلات"، على حد تعبيرها. وتتابع، "كما ينبغي تأكيد تسلم طلباتنا أيضاً".

وقد بدأت شارلوت جمع التواقيع على عريضة تدعو مجلس العموم إلى مناقشة الأمر. وتحمل العريضة 3000 توقيعاً حتى الآن، بيد أن هناك حاجة إلى 7000 توقيع آخر كي يكون من الممكن أن ينظر فيها مجلس العموم. وعائلة شارلوت هي واحدة من عشرين عائلة متضررة وقعت العريضة التي نظمتها ساره مور، وهي محامية تعمل لدى شركة هاوسفيلد للمحاماة. وقد أرسلت العريضة إلى عدد من أعضاء مجلس العموم "التماساً لمساعدتهم في الضغط من أجل إجراء تعديل تشريعي" بهدف ضمان توفير "دعم معقول" للأشخاص المتضررين.  

في غضون ذلك، استقطبت حملة شارلوت انتباه عائلات أخرى في أوضاع مماثلة. وقد عرضت تقديم الدعم لعدد من الأشخاص من خلال "توجيههم في الوجهة الصحيحة"، وذلك لعدم توفر أي معلومات متاحة للجميع. وهي ترى أن "الحكومة تتحمل مسؤولية القيام بذلك... يسرني أن أستطيع أن أساعد الناس، لكن المعلومات يجب أن تكون سلفاً متاحة للجميع".

إلا أن محاولاتها لرفع مستوى الوعي بين الناس استهدفها العابثون المتصيدون على وسائل التواصل الاجتماعي الذين اتهموها بمحاولة الاعتراض على اللقاحات. وتقول، "وكأن لا يكفي إلقاء اللوم على الذين فقدوا أحبتهم، ووصفهم بأنهم معارضون للقاح وتركهم لمصيرهم في التعامل مع كل الجوانب السلبية في غياب أي دعم". وكما في كثير من المسائل، فقد جرى طمس الفروق الدقيقة التي تتميز فيها هذه المسألة الدقيقة في دوامة وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من كل شيء، تجد شارلوت شيئاً من الراحة في شبكة الدعم التي تحيط بها، والتي تضم طفليها ووالديها وشقيقها الأكبر وعائلة زوجها والأصدقاء المقربين. وتضيف، "أنا محظوظة... لو كنت أكبر سناً، ولم يكن لديَّ هاتف جوال أو حاسوب، وفقدت زوجي، لما عرفت ماذا أفعل".

لقد تحملت شارلوت هذا العبء، انطلاقاً من رغبتها بضمان أن يتمخض موت زوجها عن بعض الخير. وهذا ما يساعدها على المضي قدماً على الأمام. من المؤسف أن ثمة حقيقة لا يمكن تجنبها، وهي أنه مع تلقيح مزيد من الناس في الأشهر والسنوات المقبلة، ستعاني اقلية من الناس من ردود الفعل النادرة التي يمكن حتى إن تكون قاتلة. ويجب أن تعتني الحكومة بهؤلاء الأفراد وتفعل ما في وسعها "للحفاظ على ثقة الجمهور باللقاحات"، حسبما تؤكد شارلوت. فنجاح مكافحة فيروس كوفيد يتوقف على هذه الثقة.

© The Independent

المزيد من صحة