Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا فشل الدب الروسي في بناء حاملة طائرات؟

بعد ثلاثة عقود من انهيار الاتحاد السوفياتي تفتقر موسكو إلى المال والخبرة والقدرة الصناعية

حاملة الطائرات الروسية الأميرال كوزنتسوف (أ ب)

منذ مطلع العام الحالي، تردد مراراً عبر وسائل الإعلام الروسية أن موسكو تتجه لبناء حاملة طائرات عملاقة باسم "فاران"، التي وصفتها مجلة "ميليتري ووتش" بـ"حاملة الطائرات الثورية" التي يمكنها استيعاب 50 طائرة - بما في ذلك 24 طائرة مقاتلة ثقيلة الوزن و20 طائرة من دون طيار و6 طائرات هليكوبتر.

وفي مايو (أيار) الماضي، كشف عضو اللجنة الصناعية العسكرية الروسية فلاديمير بوسبيلوف، في مقابلة مع وكالة "نوفوستي" الروسية، عن بناء حاملة طائرات جديدة ربما تصل كلفتها إلى 7.5 مليار دولار. وتحدث بوسبيلوف عن بناء 3 حاملات طائرات مستقبلية ضمن برنامج تسليح الجيش الروسي المقدر بين 2024 و2033. 

الأميرال كوزنتسوف

جهود روسيا لبناء حاملة طائرات ضخمة يعود إلى أعوام ماضية عدة مع تداعي حاملة الطائرات الوحيدة لديها "الأميرال كوزنتسوف"، التي تعود إلى الحقبة السوفياتية. 

وعلى الرغم من أن موسكو استثمرت الكثير من الأموال في تحديث الحاملة كوزنتسوف على مدار أعوام، غير أن المشكلات والأعطال الميكانيكية المستمرة، جنباً إلى جنب مع نقص الموارد وسوء المرافق، أثّر بشكل كبير في قدرتها على منافسة نظرائها في حلف شمال الأطلسي "ناتو". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 أحرجت كوزنتسوف موسكو في أواخر عام 2016، عندما تم نشرها في شرق البحر المتوسط ​​لدعم القوات الروسية في سوريا. فالسفينة لا تعمل بالطاقة النووية، وأدى عيب في المحرك إلى إطلاقها عموداً أسودَ كثيفاً من دخان الزيت أثناء دورانها حول شبه الجزيرة الأوروبية. 

علاوة على ذلك، انتهى الأمر بمقاتلتين على الأقل بالغرق في مياه المتوسط بعد عملية هبوط فاشلة نتيجة عيب في السفينة. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2019، بينما كانت الحاملة تخضع لأعمال صيانة منذ أكثر من عام ونصف العام، شبّ حريق عليها امتد، بحسب وكالة "إنترفاكس" لمساحة 600 متر مربع. سبق تلك الحادثة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، انهيار رافعة على سطح السفينة، مما أسفر عن إصابة أربعة أشخاص بجروح.

وخلال المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبورغ، يونيو (حزيران) 2019، حذّر أليكسي رخمانوف، رئيس شركة بناء السفن المتحدة في روسيا، أن كوزنتسوف ستظل الناقلة الروسية الوحيدة "لمدة 15 عاماً على الأقل" وربما لفترة أطول كثيراً، ما لم تلتزم موسكو استبدالها قبل أن تضطر إلى توقيفها عن الخدمة، مما يترك روسيا من دون وسيلة رئيسة لتأمين قواتها، بعيداً من الحدود. 

الحالة المتداعية لحاملة الطائرات الوحيدة التي تمتلكها روسيا والتي تُعدّ مفخرة البحرية الروسية، جعلت من الضروري بناء سفن أخرى تحلّ مكانها، بالنظر إلى الأهمية التي تحظى بها مثل هذه "المدارج البحرية العائمة" والتي توفر غطاءً جوياً لسفن الأسطول البحري، لا سيما أن الولايات المتحدة تمتلك 10 حاملات طائرات نووية، و10 سفن هجومية برّمائية أصغر غير نووية. 

سجل سيّء من بناء الحاملات

بحسب مؤسسة "جيمس تاون" البحثية في واشنطن، يشير الباحث في الشؤون العسكرية الأوكراني ميخائيل غيروخوف، إلى أن "الأدميرال كوزنتسوف هي أحدث مثال نادر على طموحات الاتحاد السوفياتي في المحيطات". 

ففي أوائل السبعينيات، قررت موسكو بناء خمس حاملات طائرات وفعلت ذلك بين عامي 1975 و1991، وهي كييف ومينسك ونوفوروسيسك والأدميرال غورشكوف، وأخيراً الأميرال كوزنتسوف. لكن مصير الحاملات الخمس كان "حزيناً" منذ عام 1991، فتم إيقاف تشغيل كييف وبيعها للصينيين الذين حوّلوها إلى مركز ترفيهي، وتقبع مينسك في المتحف البحري في جيانغسو بالصين. فيما بيعت نوفوروسيسك كخردة إلى كوريا الجنوبية، وغورشكوف إلى الهند. وبينما لا تزال كوزنتسوف في الخدمة، لكنها قضت أعوام في التجديد على الساحل أكثر من عملها في البحر. 

 

ووفق تقرير سابق لوكالة "رويترز"، فإن الكرملين فشل في الحفاظ على مرافق أحواض بناء السفن باهظة الثمن ومهارات العمال، ومن ثم لا يمكنها استكمال بناء حاملات جديدة متطورة في وقت قريب. فعندما انهار الاتحاد السوفياتي عام 1991، فقدت روسيا حوض بناء السفن الرئيس الذي كان يطل على البحر الأسود في أوكرانيا، التي أصبحت دولة مستقلة في ذلك العام، وتوقف برنامج حاملات الطائرات. 

وعام 1998، باعت أوكرانيا حاملة الطائرات "فارياغ" التي لم تكن اكتملت إلى الصين التي أمضت 13 عاماً في استكمال بنائها وتحديثها لتحويلها إلى أول حاملة على الإطلاق في الصين، وتم تغيير اسمها إلى "ليانونغ". 

لم تحصل روسيا سوى على كورنتسوف، وحُرمت من الأموال ومساعدة أوكرانيا، بينما كافحت للحفاظ على السفينة في حالة صالحة للعمل. 

ومنذ أن دخلت السفينة الخدمة في الخطوط الأمامية في أوائل التسعينيات، تم نشر كوزنتسوف خمس مرات فقط. وشهدت كل عملية انتشار، استمرت ما بين ثلاثة وستة أشهر، إبحار السفينة المسطحة من مينائها الأصلي في شمال روسيا حول أوروبا وإلى البحر المتوسط كعرض للقوة وإظهار الدعم لحلفاء روسيا في المنطقة، بما في ذلك سوريا.

الافتقار إلى المال والقدرة الصناعية

مع إعلان موسكو عن بناء حاملات ناقلات جديدة، تحدّث مراقبون عن المشروع باعتباره عودة روسية قوية إلى البحار، وأشار البعض إلى أن موسكو ستخرج من عام الوباء بأسطول أكثر قوة. ومع ذلك، يعتقد مراقبون أن تظل الناقلات الجديدة حبراً على ورق، إذ إنه بعد ثلاثة عقود من انهيار الاتحاد السوفياتي، تفتقر روسيا إلى المال والخبرة والقدرة الصناعية لبناء حاملات الطائرات.

ويقول مراقبون روس إن تكلفة هذه السفن تعني أن موسكو لن تستطيع بناء سفن وأنظمة أسلحة أخرى أكثر فائدة بالنسبة إليها، فبالنظر إلى حجم وموقع روسيا، فإن مثل هذه السفن أقل أهمية لها مما هي عليه للولايات المتحدة التي تعتمد تقليدياً على القوة البحرية وليست البرية، فضلاً عن أن الدقة والقوة الجوية بعيدة المدى تجعل حاملات الطائرات معرّضة للخطر بشكل متزايد في حالة اندلاع صراع خطير. 

وتفيد مؤسسة جيمس تاون بأنه عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبيل ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد،  عن خطط لتزويد البحرية بحاملة جديدة، أشار المحللون العسكريون الروس إلى مخاوف عدة.

 فأولاً، "روسيا ليست لديها أموال كافية حتى لحاملة طائرات واحدة"، ناهيك عن أسطول جديد. ثانياً، لا تسمح قيود الحجم لساحاتها البحرية ببناء حاملة طائرات ضخمة. وفي حين اقترح أحد المسؤولين إنتاج حاملة طائرات في ثلاثة أماكن ثم دمج الأجزاء في سفينة واحدة، لكن مثل هذا المشروع سيكون مكلفاً للغاية. 

ثالثاً، تحتاج موسكو بشدة إلى مزيد من السفن الأصغر، بخاصة كاسحات الجليد بدلاً من أي سفينة فخمة واحدة. والأسوأ من ذلك، بحسب بعض المراقبين الروس، فإن مصممي السفن الروس متأخرون كثيراً عن نظرائهم في الدول الأخرى لدرجة أن أي شيء قد يقترحونه سيكون إعادة رسم للهندسات السوفياتية القديمة. ووفقاً لمسؤولين تحدثا لوكالة "تاس" الروسية العام الماضي، فإن حاملة طائرات جديدة قد يتم بناؤها في الواقع وفقاً للمواصفات الموضوعة لحاملة طائرات سوفياتية. 

ليس ذلك فحسب، إذ هناك عوائق جديدة يشير إليها المراقبون ومن بينها العقوبات الغربية المفروضة على روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، مما يعني أنها لن تكون قادرة على الحصول على المعدات المتخصصة التي تحتاج إليها لسفينة حديثة. 

وتأتي الضربة الأخيرة التي تلقّتها روسيا في هذا الصدد من قرار الحكومة النرويجية بعدم بيع محركات بحرية نرويجية للأسطول الروسي. إضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الجديدة المتعلقة بمحاولة التسميم المزعومة واعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني، ستفرض ضوابط صارمة على نوع تقنيات المراقبة التي يجب توافرها. 

وحاولت موسكو الاعتماد على شراكات مع الدول الأكثر تطوراً في هذا المجال، لاستعادة قدرتها على بناء السفن، إذ عقدت صفقة مع فرنسا لشراء حاملات "ميسترال" قبل أعوام، لكن الاتفاق أُلغي نتيجة العقوبات الأوروبية ضدها بعد ضم القرم. 

ويقول مراقبون إن فشل روسيا في تطوير ناقلات يلقي بظلاله على الأسطول بأكمله. فحتى السفن الصغيرة التي تخطط الدولة لبنائها لن تكون حديثة بالشكل الكافي لتصير بديلاً عن ناقلات جديدة تتوافر فيها التكنولوجيا الأكثر تقدماً. بالتالي، فإن معاناة كوزنتسوف، التي تعكس مشكلات الموازنة وغيرها من المشكلات، من المرجح أن تلقي بظلالها على مستقبل البحرية الروسية والقوة العسكرية الروسية. 

المزيد من تقارير