Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتخلى الدول العظمى عن حاملات الطائرات؟

"جيرالد فورد" وزنها 100 ألف طن وثمنها 13 مليار دولار

حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" (غيتي)

في عام 2016 اتخذت "الأدميرال كوزنتسوف"، حاملة الطائرات الروسية اليتيمة، سبيلها في البحر عابرة القناة الإنجليزية نحو الشمال وهي تنفث سحابة كثيفة من الدخان الأسود. كانت السفينة الحربية عائدة من مهمة عسكرية لم تتمكن من إنجازها شرق البحر المتوسط قبالة السواحل السورية؛ إذ سقطت واحدة من مقاتلاتها القاذفة الـ15 المُكلّفة قصف أهداف شمالي سوريا في البحر، فيما غرقت أخرى في مياه المتوسط بعدما تخطى قائدها نهاية مدرج الحاملة إثر عملية هبوط فاشلة. ولتكتمل قائمة مصائب "كوزنتسوف"، هوت رافعة فولاذية وزنها 70 طناً بكل قوة فوق سطحها مُحدثة به أضراراً جسيمة، بعدما اصطدمت به خلال رسوّها في ميناء مورمانسك.
"كوزنتسوف التعيسة"، هكذا وصفها مايكل كوفمان، الخبير المتخصص في الشؤون العسكرية الروسية، الذي يعتبر أن حاملة الطائرات المتقادمة هذه باتت أشبه بـ"فيل أبيض غير قادر على أداء أي مهمة حقيقية". وقد يتساءل المرء هنا: لماذا إذن تكلف روسيا نفسها عناء دفع تكاليف باهظة نظير إبقاء هذه الحاملة في الخدمة رغم ثبوت عدم جدواها ميدانياً؟ الإجابة ببساطة، كما يقول كوفمان: "من أجل الظهور في مظهر قوة بحرية عالمية عظمى".

معيار للقوة

لطالما عُدّت هذه "المدارج البحرية العائمة" دليلاً قاطعاً على قوة وعظمة بحريات العالم خلال القرن الماضي. وقد أوكلت إلى هذه الحاملات في البداية، مهمة توفير غطاء جوي لسفن الأسطول الأخرى. وقد أدت الحاملات المهمة الموكلة إليها على أحسن وجه خلال الحرب العالمية الثانية، إذ لعبت الأسراب المقاتلة التي كانت تقلع وتهبط من على سطح مدرجاتها أدواراً رئيسة في حسم العديد من المعارك. لكن هذا الدور تراجع إلى حد كبير مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945؛ ذلك أن الاتحاد السوفياتي لم يعر اهتماماً لبناء قوة بحرية كبيرة، وكثّف جهوده بدلاً من ذلك على تشكيل قوة برية قارية كبيرة كان جل تركيزها موجهاً نحو مسرح الحرب الباردة في سهول وسط أوروبا وكذلك المناطق النائية من العالم الثالث. وعلى الرغم من عدم وجود منافس لها في أعالي البحار، إلا أن الولايات المتحدة واصلت تطوير أجيال جديدة من حاملات الطائرات أكثر قوة وحمولة وبقائية وقدرة على المناورة، واستمرت في إرسالها إلى مناطق النزاع حول العالم ضمن استعراضات للقوة دعماً لحليف هنا أو تحذيراً لعدو هناك.

وقد نفذت المقاتلات المنطلقة من أسطح حاملات الطائرات الأميركية، ما نسبته 41 في المئة من الطلعات الحربية خلال الحرب الكورية، وأكثر من نصف الغارات على فيتنام الشمالية. وفي الأشهر الثلاثة الأولى لاجتياح أفغانستان عام 2001، شنت الأسراب المنطلقة من الحاملات الأميركية 75 في المئة من مجمل الضربات الجوية. بعد ذلك بعامين، عندما رفضت دول الجوار العراقي السماح باستخدام أراضيها لشن هجمات على العراق، نشرت الولايات المتحدة قوة ضاربة مشتركة مؤلفة من خمس حاملات طائرات أنجزت 8000 طلعة جوية في الشهر الأول من عملية غزو العراق. وعندما اقتطعت قوات تنظيم "داعش" أجزاء واسعة من الأراضي العراقية والسورية عام 2014، غادرت حاملة الطائرات "جورج بوش" موقعها في بحر العرب إلى الخليج العربي، لتكون منصة الانطلاق الوحيدة، على مدى أكثر من شهر، للطائرات المغيرة على معاقل التنظيم الإرهابي.

تساهم حاملات الطائرات الـ11 التي تمتلكها البحرية الأميركية، في منح واشنطن قوة مهيبة لا مثيل لها على الإطلاق. إذ لا يتوافر نظام قتالي يتيح للقوات الأميركية شن هجمات متواصلة لعدة أشهر من دون حاجة للاستعانة بقواعد أرضية، مثل حاملات الطائرات. فهذه السفن العملاقة طولاً وعرضاً ووزناً تعد عنواناً رئيساً للقوة الساحقة الماحقة؛ إذ تستضيف في جنباتها أكثر من خمسة آلاف فرد بين بحار وطيار وتقني، ويزخر سطحها بعشرات المقاتلات الحربية القاذفة والمعترضة، والحوامات متعددة المهام، وطائرات الرصد والاستطلاع والإنذار المبكر المعقدة. وتجوب الحاملة الواحدة منها محيطات العالم دون توقف ولو بغرض التزود بالوقود بفضل محركات جبارة تستمد طاقتها من مفاعل نووي تكفي قوته لإنارة مدينة كاملة، في ما يوفر أسطول مرافق لها قوامه مدمرات وغواصات وسفن دعم، شبكة حماية متعددة الطبقات فوق الماء وتحته ما يجعلها شبه منيعة ضد أي هجمات.

مُكلِّفة وضخمة، وتشكل أهدافاً دسمة للصواريخ الحديثة المتطورة المضادة للسفن.. ومع ذلك تبقى ضرورية للحفاظ على هيبة ومكانة القوى العظمى

تنافس دولي

لا يقتصر اقتناء حاملات الطائرات على البحرية الأميركية، ذلك أن بريطانيا والصين وفرنسا والهند وإيطاليا وروسيا وإسبانيا تمتلك بدورها حاملات، لكنها أصغر وأقل قدرة من نظيراتها الأميركية. وفي السنوات الأخيرة أطلقت بريطانيا برنامجاً طموحاً لبناء حاملتين جديدتين، وكذلك الهند (ثلاث حاملات). أما الصين فقد تبنّت مخططاً استراتيجياً يهدف إلى بناء ست حاملات على الأقل بحلول عام 2035. كما انضمت اليابان إلى نادي الدول المالكة للحاملات، إذ أعلنت في ديسمبر 2018 عن تعديل مدمرتيها الثقيلتين من طراز "إيزومو" وتحويلهما إلى حاملتي طائرات.

ويحذر خبراء في الشؤون العسكرية من مغبة "تفشي موجة اقتناء حاملات الطائرات" على الصعيد العالمي. ويتساءل هؤلاء حول ما إذا كانت الدول الراغبة في الانضمام إلى هذا النادي المكلف مالياً، تُدرك المخاطر المترتبة على مثل هكذا قرار، خصوصاً وأن هذه السفن الضخمة تمثل أهدافاً دسمة للغواصات والصواريخ المجنحة وغيرها من الأسلحة الهجومية الدقيقة بعيدة المدى. ويسوق هؤلاء المثال حول ما جرى خلال حرب جزر فوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982، حين أبقت البحرية الأرجنتينية حاملة طائراتها الوحيدة راسية داخل الميناء، جراء انعدام شبكة الحماية الدفاعية الضرورية لها أمام غارات طوربيدات الغواصات البريطانية.

وقد باتت حاملات الطائرات، في حروب عالم اليوم، عُرضة بشكل متزايد للتهديدات الآتية من فوق سطح البحر، وتحديداً الصواريخ الدقيقة القاتلة المنطلقة من منصات برية أو بحرية أو جوية بعيدة المدى. ولتحييد هذه التهديدات، تم اعتماد تكتيكات تقتضي بمرابطة الحاملات على مسافات بعيدة في عمق البحر بعيداً عن قواعد إطلاق مثل هذه الصواريخ. لكن لهذا التكتيك مساوئه، إذ إنه يؤدي إلى تآكل قدرات الحاملات الردعية مع كل كيلومتر تبتعد فيه عن منطقة الاشتباك، وكذلك هي حال المقاتلات المنطلقة من سطحها التي باتت مطالبة بقصف أهدافها من مسافات وارتفاعات تحميها منصات الدفاع الجوي الحديثة. وبهذا الصدد يقول جيري هندريكس، القائد المتقاعد في البحرية الأميركية، إن "ملكة الأسطول الأميركي في خطر، فهي بصدد أن تصبح مثل البوارج التي صُممت أصلاً لدعمها: كبيرة وباهظة ومكشوفة وغير مرتبطة بواقع الحرب الحديثة". وتطرح فكرة هندريكس إشكالية مهمة؛ فهل إن الدول التي تكرس ميزانيات ضخمة لبناء حاملات طائرات ترتكب خطأ هائلاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يعني الأمر بالنسبة للولايات المتحدة التي تعتمد عليها بشكل رئيس؟

نفقات أسطورية

يُحبذ الأميركيون حاملات الطائرات الكبيرة، تماماً كما هو الأمر بالنسبة لسياراتهم، ويصرون في الوقت عينه على أن تؤدي الحاملات مهامها بشكل جيد، ما يجعلها باهظة الثمن. فعلى سبيل المثال، عندما تم تدشينها عام 2017، أصبحت حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" (وهي الأولى ضمن جيل هو الأحدث من الحاملات اعتمدته الولايات المتحدة) بحمولتها البالغة 100 ألف طن، أغلى سفينة حربية على مر التاريخ بتكلفة ناهزت 13 مليار دولار؛ وهو مبلغ يعادل ما تنفقه إيران على كامل قواتها المسلحة خلال عام واحد، وما يقرب ضعف تكلفة الحاملة "جورج بوش" التي بُنيت قبل عقد من الزمن، والتي كانت الأخيرة ضمن جيل "نيميتز" الأقدم.

وللدلالة على النفقات الأسطورية لعمالقة البحار هذه، يسوق الخبراء قصة حدثت مع توني سكوت، مخرج فيلم "توب غن" الذي أُنتج عام 1985 وكان يتغنى بقدرات طياري البحرية الأميركية. إذ وردت إلى مكتبه فاتورة مقدارها 25 ألف دولار أميركي نظير مناورة واحدة نفذتها حاملة الطائرات "إنتربرايز" طلب تنفيذها ليحصل على لقطة سينمائية ذات إضاءة مثالية. وإذا تمعنا في التكاليف الديناصورية يكفينا أن نعلم أن تكاليف صيانة حاملة واحدة من فئة "نيميتز" تبلغ 726 مليون دولار في العام الواحد. كما يتكلف شراء المقاتلات التي تؤلف أسرابها الجوية ما بين ثلاثة وخمسة مليارات دولار، فيما تصل تكاليف تشغيل هذه الأسراب 1.8 مليار سنوياً.

لكن بعيداً عن "خيار التبذير الأميركي الاستعراضي" تتبنى دول أخرى ترغب في اقتناء حاملات  طائرات أساليب أكثر رشداً وتوفيراً، ومن هذه الدول بريطانيا. إذ تكلّفت حاملة الطائرات "الملكة إليزابيث"، بحمولتها البالغة 65 ألف طن والتي تتضمن أحدث المقاتلات من طراز "إف-35" أقل من خمسة مليارات جنيه إسترليني (زهاء 6.2 مليار دولار). وتشير التوقعات إلى أن تكاليف بناء الحاملة الثانية "أمير ويلز"، قيد الإنشاء، ستنخفض لتلامس الأربعة مليارات جنيه إسترليني. ثمة أيضاً سوق مستعملة للراغبين في شراء حاملات قديمة وتجديدها. فحاملة الطائرات الصينية الأولى "لياونينغ" بدأت حياتها كحاملة شقيقة لـ"الأدميرال كوزنتسوف"، لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي توقفت عمليات بنائها وبقيت راسية في أحد أحواض أوكرانيا قبل أن تُباع خردة إلى قطب صيني من هونغ كونغ مقابل 20 مليون دولار. وتكلف نقلها إلى الصين 100 مليون دولار أخرى، قبل أن تدخل في الخدمة لدى البحرية الصينية التي أعادت تأهيلها بالكامل.

وتلتهم الحاملات نسبة لا بأس بها من الميزانيات المخصصة للدفاع. إذ تستحوذ التكلفة الرأسمالية للحاملة فئة فورد، أقل بقليل من اثنين في المئة من ميزانية البنتاغون السنوية؛ وتبتلع "الملكة إليزابيث" زهاء 15 بالمئة من ميزانية دفاع بريطانيا. وفي هذا الصدد، حث الجنرال السير ديفيد ريتشارد، الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش البريطاني في الفترة من 2010 إلى 2013، حكومة بلاده على إلغاء برنامج الحاملة "أمير ويلز" لأن الأموال المرصودة لها "ستُمكننا من شراء خمس فرقاطات جديدة نحن في أشد الحاجة إليها". وفي مايو الماضي، اشتكى الجنرال نيك هوتون، خليفة السير ريتشارد، من أن قوة بريطانيا "سوف تنهار" في اليوم الذي تُقرر فيه نشر الحاملتين في البحر، "إذ لا يمكننا تحمل تكاليف هذه المعدات. تشغيلها الحاملتين سيكون على حساب سفن الأسطول الأخرى".

تهديدات متعاظمة

في عام 2006، طاردت غواصة صينية، من نوع "سونغ" تعمل بالديزل والكهرباء، بصمت حاملة الطائرات الأميركية "كيتي هوك" بينما كانت متجهة إلى "أوكيناوا" في بحر الصين الشرقي. لم يدرك الأميركيون شيئاً عن عملية المطاردة إلا حينما طفت الغواصة على بعد زهاء 8000 متر من الحاملة. ويقول الخبراء إن حدوث مثل هذا الأمر وقت الحرب يعني "قتل الحاملة". ومع استمرار الصين في بناء وإرسال المزيد من الغواصات، استنتجت نماذج تحليل استقصائية أجرتها "مؤسسة راند" أن "فرص الهجوم الصينية"، أي عدد المرات التي يمكن أن تصل فيها غواصات صينية إلى مواقع جيدة ومناسبة لمهاجمة حاملة أميركية خلال فترة مدتها سبعة أيام، قد تضاعف عشر مرات بين عامي 1996 و 2010.


لكن الغواصات لم تعد مضطرة اليوم إلى الاقتراب كثيراً من حاملة الطائرات لإلحاق الأذى بها؛ إذ بات بإمكانها -مثل سفن السطح والقاذفات- إطلاق صواريخ مضادة للسفن بشكل متزايد من مناطق بعيدة خارج المظلة الدفاعية المحيطة بالحاملة. فعلى سبيل المثال، يبلغ مدى القاذفة الصينية "إتش-6 كيه" ثلاثة آلاف كيلومتر ومدى صواريخ كروز طراز "واي جي-12" التي تحملها 400 كيلومتر. وفي يوليو الماضي، نشر الجنرال ديفيد بيرغر، قائد مشاة البحرية الأميركية، مبادئ توجيهية جديدة تحذر من أن الأسلحة الدقيقة بعيدة المدى تعني أن "المنصات البحرية التقليدية الكبيرة"، أي السفن الكبيرة التي تظهر بوضوح على شاشات الرادار وعلى رأسها الحاملات، ما فتئت تتعرض لمخاطر متزايدة.
ومن أبرز الصور تجسيداً لهذه المخاطر منصة طولها 200 متر، أي ما يقارب طول سطح حاملة طائرات، تم بناؤها في صحراء غوبي الصينية. إذ يُعتقد على نطاق واسع أن هذه المنصة ما هي إلا هدف اختبار للصاروخ الباليستي "دي إف-21 دي" الصيني، وهو سلاح متطور للغاية يقول البنتاغون إنه مصمم خصيصا لقتل حاملات الطائرات. ويرجح الخبراء أن بإمكان بكين بناء ونشر أكثر من 1200 صاروخ "دي إف-21 دي" بتكلفة حاملة طائرات أميركية واحدة فقط. وقد دخلت نسخة محسنة بمدى أطول من الصاروخ حملت تسمية "دي إف-26" الخدمة في أبريل 2018. ووفقا لدراسة أجرتها مؤسسة بحثية في واشنطن، فإنه يتعين على حاملات الطائرات الأميركية خلال حروب المستقبل أن تبقى على مسافة تزيد على 1850 كيلومترا بعيدا عن سواحل عدو قادر مثل الصين للبقاء آمنة إلى حد معقول. أما إذا اقتربت أقل من ذلك، فستواجه ما يصل إلى 2000 مقذوف متنوع القدرات في يوم واحد. مع ذلك، لا تخلو حاملات الطائرات من دفاعات مضادة. إذ يمكن لمقاتلاتها الخاصة تحييد قاذفات العدو المتجهة نحوها. فيما يقيها أسطول السفن المرافق شرور الغواصات العدوة والصواريخ البعيدة المدى. فعلى متن المدمرة "كارني" التي ترافق الحاملات، أنظمة قتالية صاروخية مصممة لمواجهة أسوأ سيناريوهات الهجمات المشبعة. لكن ماذا لو واجهت "كارني" إغراقاً بمئات الصواريخ، هل يمكنها لأنظمتها مواكبة ذلك؟
وما يزيد الأمور سوءاً هو أن مديات المقاتلات تقلصت تماماً فيما تعاظم نطاق الصواريخ. إذ كان متوسط مدى المقاتلات في الماضي زهاء 1700 كيلومتر. صحيح أنه لا يزال بإمكان مقاتلات "رافال" الفرنسية المنطلقة من على متن الحاملة "شارل ديغول" بلوغ مدى مماثل، إلا أن مقاتلات "أف-35" المنطلقة من أسطح الحاملات الأميركية والبريطانية والإيطالية لا يمكنها الوصول إلى نصف هذه المسافة. حتى عندما نأخذ في الاعتبار مدى الصواريخ المتقدمة التي تتسلح بها هذه المقاتلات والبالغ 500 كيلومتر، فإن الحاملات الأميركية التي تهاجم الصين ستكون ضمن نطاق الرد المضاد قبل أن تصل طائراتها إلى الأهداف المراد تدميرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قنصها ليس سهلاً
لكن هذا لا يعني أن عصر حاملات الطائرات قد ولى. إذ يقول نيك تشايلدز، الخبير في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن: "إن الكثير من أنظمة قتل الحاملات غير مجرّب بشكل أساسي". فالصاروخ الذي يمكنه الوصول إلى الحاملة من مسافة بعيدة هو جزء واحد فقط من نظام معقد. فالنظام بحاجة أيضا إلى عيون يمكنها تتبع الفريسة، ولا يمكن لأي رادار أرضي اكتشاف أهداف على بعد مئات الكيلومترات في عرض البحر. صحيح أنه يمكن للأقمار الصناعية أن تساعد، لكنها لا توفر بيانات عالية الجودة بما يكفي للدقة المطلوبة لإصابة الهدف. إذ يمكن للقمر الصناعي إخبارنا تقريبا عن مكان وجود الحاملة، وربما اتجاهها. لكن تجميع مصادر مختلفة من بيانات الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار وتحديث معلومات الصاروخ حول الهدف أثناء طيرانه ليس أمرا سهلاً، لأسباب ليس أقلها أن الحاملة المستهدفة من غير المرجح أن تظل ثابتة. كما أن بإمكان الحاملة الأميركية فئة "فورد" الإبحار أكثر من سبعة كيلومترات في اتجاه جديد خلال الدقائق الثماني التي يستغرقها وصول صاروخ "دي أف-21 دي" صيني إليها.

مع ذلك، تبقى حاملات الطائرات الأميركية المحاطة بمجموعاتها الدفاعية المرافقة، أكثر عرضة للنجاة من أي هجوم خطير على خلاف الحاملات الأصغر التابعة للبحريات الأخرى. ويعود هذا جزئيا إلى أن تلك البحريات الأصغر لا يمكنها تحمل نفقات تخصيص مجموعات دفاعية مرافقة بما يكفي لحماية حاملاتها. إذ يتعين لذلك تخصيص أربع أو خمس فرقاطات ومدمرات لتشكيل مجموعة قتالية مرافقة نموذجية. وعلى سبيل المقارنة تمتلك البحرية البريطانية 19 فرقاطة ومدمرة فقط، فيما تمتلك البحرية الفرنسية أقل من ذلك. ويقول مارك سيدويل، مستشار الأمن القومي البريطاني، إن وجود نقص في المجموعات الدفاعية المرافقة أمر يمكن تجاوزه. لأن الزج بهذه الحاملات سيأتي في سياق عمليات مشتركة مع الحلفاء وتحديداً الولايات المتحدة، وبالتالي فإن هذه الأخيرة ستضم الحاملات البريطانية تحت مظلتها. لكن مناقشات لجنة الدفاع في البرلمان البريطاني شهدت جدلاً قوياً حول هذه النقطة إذ تساءل أعضاؤها حول مدى استقلالية قرار تشغيل حاملات الطائرات من دون قدرة سيادية على حمايتها.

منذ معركة "ميداوي" خلال الحرب العالمية الثانية، اعتمدت الولايات المتحدة على قواتها البحرية التي تقودها الحاملات لإظهار قوتها في آسيا. لكن تقريراً صادراً عن جامعة سيدني نشر في أغسطس الماضي خلص إلى أن "أنظمة الاعتراض" الصينية ساهمت في إحداث تحول كبير في ميزان القوى، ما أدى إلى وضع استراتيجية الدفاع الأميركية في المحيطين الهندي والهادي في خضم أزمة غير مسبوقة. ذلك أن من شأن انطلاق رد فعل الحاملات الأميركية من منتصف المحيط بعيدا، أن تتراجع سمعة واشنطن في مجال الاستجابة أمام أي عمل صيني ضد تايوان أو الجزر اليابانية أو المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. لكن المنطق أيضاً يقول إن هذه الحاملات لو تدخلت من مسافات قريبة، فيمكننا أن نشاهد إحداها وهي تحترق وتغرق.

وتكمن إحدى الحلول لمشكلة تأمين الحاملات الكبيرة هي بجعلها أصغر حجماً وأكثر مرونة. لكن الاستجابة لهذا الاحتمال يعني تغيير مفهوم المقاتلات التي تنطلق من سطح الحاملة. إذ يمكن للطائرات من دون طيار الطيران تنفيذ رحلات أطول وأكثر خطورة من الطائرات المأهولة وأن تنجو من تسارع أعلى. ومن شأن ذلك السماح لها بالاقتراب من أهدافها بينما تبقى الحاملات بعيداً في مأمن. لكن للأسف، تقاوم ثقافة تبجيل الطيارين هذا النوع من التغيير. فقد تم إلغاء برنامج الطائرة المسيرة "إكس-47 بي" الواعد عام 2016، وتم التركيز بدلاً منه على برنامج الطائرة المسيّرة الجديدة "أم كيو-25 ستينغراي"، التي سيقتصر دورها على تزويد المقاتلات التي يقودها الطيارون بالوقود. ويقول إريك سايرز، المستشار سابق في قيادة المحيطين الهندي والهادي في البحرية الأميركية: "إنها خطوة قصيرة النظر من جانب البنتاغون في ما يتعلق باستراتيجية الدفاع".
من الممكن أيضا الاستجابة لضعف حاملات الطائرات عن طريق القيام بما هو أكثر من جانب سفن المجموعة القتالية المرافقة المسلحة بالصواريخ. إذ يمكن لصواريخ "توماهوك" الموجودة لدى المدمرة "كارني" ضرب أهداف على بعد 1600 كيلومتر. لكن على عكس حاملات الطائرات، لا تمتلك مثل هذه المدمرات أسراباً مقاتلة لدرء الطائرات المعادية. حتى لو لم تعد الحاملات تقوم بحصة الأسد في العمليات الهجومية، فإنه لا يزال يتعين عليها حماية السفن التي تتولى تأمين الحماية اللازمة لها. ربما في المستقبل قد تفعل ذلك بواسطة الليزر، إذ يمكن للمفاعلات النووية التي تسيّرها أن توفر الطاقة اللازمة التي تحتاج إليها مدافع الليزر عالية الطاقة، لكن هذه النوعية من الأسلحة لا تزال قيد التطوير حتى الآن.

رغم تعاظم نفقاتها تبقى الحاملات خياراً مفضلاً للدول العظمى في عالم يموج بشتى أنواع التحديات الجيو-سياسية والأمنية. وعلى رغم تبرم المسؤولين من تكاليف عمالقة البحار هذه، إلا أن خيار استمرارها يبقى شبه محسوم على المدى المتوسط على الأقل. فها هو رئيس الأركان البريطاني الجنرال السير نيكولاس ‏هوتون، يعترف بأن حاملتي الطائرات "الملكة إليزابيث" و"أمير ويلز" ستكونان رمزاً مهماً "لتعزيز مكانة بريطانيا في العالم". أما فرنسا فقد فاخر رئيسها السابق فرانسوا هولاند عام 2015، عندما أرسل الحاملة "شارل ديغول" لقصف أهداف لداعش في سوريا قائلاً إنها "أداتنا لإظهار القوة والنفوذ... إنها رمز استقلالنا".

المزيد من تحقيقات ومطولات