مع تصاعد النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين والاحتجاجات في الضفة الغربية والقدس الشرقية والمدن المختلطة في إسرائيل بسبب الغارات الجوية على قطاع غزة والممارسات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح، وجه الفلسطينيون ضربة إلى تل أبيب، تمثلت في إنعاش الحملات الداعية لمقاطعة منتجاتها.
وأطلقت "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" (BDS) في الضفة الغربية، صبيحة الأربعاء 19 مايو (أيار)، حملة واسعة ومنظمة لدعوة الفلسطينيين وكبار التجار لوقف استيراد المنتجات الإسرائيلية بمختلف أنواعها، وتصعيد الحملات الاستراتيجية ضد الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل مثل شركة "تنوفا" و"G4S" و"Puma" و"HP" و"Axa".
المنسق العام لحركة (BDS) محمود نواجعة تحدث لـ"اندبندنت عربية" قائلاً "لطالما كانت المقاطعة تعتبر شكلاً من أشكال العصيان المدني، فمن غير المنطقي أن تقوم إسرائيل بقتل الأطفال في غزة، وضرب النساء في القدس والشيخ جراح، ولا نزال نشتري بضائعها وندعم منتجاتها اقتصادياً، بخاصة وأننا على دراية بأن 16 في المئة من أرباح المنتج الإسرائيلي في الضفة تعطى للجيش لاستكمال التزاماته من الأدوات العسكرية. ليكن عام 2021 عام مفاقمة عزلة إسرائيل عالمياً في كل المجالات، وذلك عبر تصعيد حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، فمنذ الساعات الأولى لإطلاق الحملة انتشرت مقاطع الفيديو والصور والشعارات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي التي تشدد على فكرة دعم المنتج الوطني والمحلي وترك المنتج الإسرائيلي. وفي حال قاطع المستهلك الفلسطيني 10 في المئة فقط من المنتجات الإسرائيلية التي تغرق الإسواق، سيوفر ذلك 70 ألف فرصة عمل لشباب وخريجين غارقين في وحل البطالة سنوياً".
ويضيف نواجعة "المنتجات الإسرائيلية مسمومة وغير صحية، فإسرائيل تعتبر السوق الفلسطينية مكباً للنفايات، كما أن وزارة الصحة الفلسطينية ومختبرات صحية متعددة، تكلمت عن سقوط 14 منتجاً إسرائيلياً، حيث يتم استخدام 18 مادة حافظة في الأغذية ممنوع استخدامها بحسب معايير الصحة العالمية، وبذلك يجب توعية الفلسطينيين ودول العالم حول المخاطر التي قد تسببها المنتجات الإسرائيلية على الصعيد الوطني والصحي والاقتصادي أيضاً".
"نفع ابن بلدك"
بالتزامن مع حملات المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية وطرح بديلها الفلسطيني والعربي التي انطلقت في الضفة الغربية، واتساع رقعتها على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، دعا ناشطون فلسطينيون داخل إسرائيل مع بدء الإضراب الشامل في 18 مايو لحملة "نفع ابن بلدك" التي نادت بمقاطعة المحال والشركات التجارية والمؤسسات التي تعود ملكتيها لإسرائيليين، كرد على التصعيد الذي اتخذته تلك الشركات والمحال بفصل موظفيها الفلسطينيين، ممن شاركوا بالمظاهرات الأخيرة التي خرجت احتجاجاً لما يجري بالقدس وحي الشيخ جراح.
أحد الناشطين في حركة "أبناء البلد" الذي فضل عدم ذكر اسمه يقول "حملة التحريض والفصل التعسفي التي طالت عشرات الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل، يجب أن تجابه بمقاطعة شاملة في البضائع والمشتريات، فمن باب أولى أن نتوجه لمحال عربية فلسطينية بدلاً من تلك التي يملكها إسرائيليون ومستوطنون أطلقوا الرصاص الحي لقتلنا، وقاموا بتحطيم محالنا التجارية في يافا وعكا وحيفا واللد".
تطور ملحوظ
أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والبحثية، أن ما نسبته 86 في المئة من المقيمين في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 يؤيدون "حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أمين عام حزب المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي يقول "مقاطعة إسرائيل ومنتجاتها وإن كانت محدودة، لم ولن تتوقف على الفلسطينيين في الضفة الغربية، بل وصلت تحركاتها لكل دول العالم ولا تزال، حيث تسببت في انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 46 في المئة سنة 2014، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة. وتتوقع مؤسسة راند الأميركية بأن تلحق حركة المقاطعة خسارة بإجمالي الناتج المحلي الإسرائيلي تتراوح بين 1 و2 في المئة، أي ما بين 28 و56 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. كما كشف آخر تقرير للبنك الدولي أن الصادرات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية انخفضت بنسبة 24 في المئة، كما تبنت عدة شركات عالمية وبنوك وصناديق استثمارية منطق حركة المقاطعة BDS، فيما بدأ بعضها بسحب استثماراته من السوق الإسرائيلية، حيث دعت 310 من المؤسسات والأحزاب الأوروبية قيادة الاتحاد الأوروبي لتجميد اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد وإسرائيل. فضلاً عن تبني العديد من نقابات العمال لنداء مقاطعة إسرائيل".
ويردف "اليوم تتصدر حركة مقاطعة إسرائيل BDS عناوين رئيسة في الإعلام، وتلعب دوراً مهماً في التأثير على الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية، كما أنها تشكل الاتجاه السائد في عدة دول حول العالم".
توجهات مضادة
من جانبه، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق من "يهود العالم" المساهمة في محاربة "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل قائلاً "ساعدونا ضد حركة المقاطعة، وانزعوا الشرعية عمن يحاولون نزع الشرعية عنا".
في حين رصدت وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، التي يتولاها وزير الأمن الداخلي جلعاد إردان مطلع عام 2018 مبلغاً يقدر بنحو 128 مليون شيكل (36 مليون دولار)، إضافة إلى 36 مليون دولار كمنحٍ خاصة وتبرعات من مختلف أنحاء العالم، لشركة خارجية خاصة شكلتها حديثاً باسم "كلاع شلومو" (مقلاع سليمان)، بهدف الترويج للرواية الإسرائيلية في الخارج، ومكافحة "حملة نزع الشرعية عن إسرائيل"ومواجهة النشاط الدولي لحركة المقاطعة BDS.
حملات موسمية
في المقابل رصدت "اندبندنت عربية" مخاوف عديدة من ناشطين فلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي قولهم "إن حملات المقاطعة أصبحت موسمية، إذا ما حصلت حرب على غزة، أو توقفت عائدات الضرائب. هناك اتفاقيات اقتصادية مبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي (اتفاقية باريس الاقتصادية 1994)، ومن الملاحظ أن السلطة الفلسطينية نأت بنفسها عن حملات المقاطعة، إضافة إلى أن الحسومات على المنتجات الإسرائيلية، تجعل المواطن يقبل على شرائها بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وازدياد الفقر".
يذكر أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يواجهون صعوبة بالغة في استيراد العديد من السلع من غير إسرائيل، لأسباب مرتبطة ببروتوكول باريس الاقتصادي، وأسباب لوجستية أخرى، فالطاقة والوقود يشكلان أكبر فاتورة واردات فلسطينية من إسرائيل بمتوسط سنوي يقترب من 5.1 مليار دولار أميركي، ثم الأعلاف بقيمة تتجاوز 600 مليون دولار سنوياً.