Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحبس المنزلي" سياسة إسرائيلية ترهق الأطفال المقدسيين وذويهم

تلجأ إليه السلطات كبديل عن الاعتقال مبررة أنه يتماشى مع القانون الدولي والإنساني

عبر نافذة صغيرة ومن وراء القضبان، يشاهد مؤيد طه (13 عاماً) أحداث حي الشيخ جراح في القدس الشرقية وما يجري فيه من صدامات واحتجاجات ومواجهات يومية بين الفلسطينيين والمستوطنين بالتزامن مع شاشة التلفاز. وعلى الرغم من محاولاته الكثيرة الخروج من المنزل للتضامن مع رفاقه من سكان الحي، فإن والدته تقف له بالمرصاد، وتوصد الأبواب والنوافذ خوفاً من خروجه، فالسلطات الإسرائيلية أخضعت مؤيد للحبس المنزلي الإجباري لـ8 أشهر، حظر فيه من الخروج للمدرسة أو المشاركة بأي نشاط مهما كان، كما منعته من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وأجبرت ذويه التعهد خطياً بحبسه في المنزل، حتى لا تتكبد العائلة دفع غرامة مالية باهظة حال خرقهم للقانون، والتي قد تصل إلى 13 ألف دولار.

عقوبة جماعية

والدة مؤيد تقول لـ"اندبندنت عربية" قبل عدة أسابيع، "اقتادته الشرطة الإسرائيلية في منتصف الليل إلى مركز التحقيق بطريقة مروعة، ومنعتنا من رؤيته، أو مرافقته، لنفاجأ بعد عدة أيام أنه حول إلى الحبس المنزلي لعدة أشهر". وأضافت، "خلال الإقامة الجبرية عاش ابني تحت ضغط نفسي كبير. حاول الهرب من المنزل خمس مرات، وعلى الرغم من مرور شهرين على بدء الحبس المنزلي، فإنه لا يزال في حالة من الخوف والعصبية، إلى جانب اضطرابه المستمر في النوم، والصراخ على أبسط الخلافات الأسرية، كيف لا وقد حرم وهو طفل من اللعب والدراسة، واستخدام الهاتف في الوقت نفسه، والأصعب من ذلك، أننا تحولنا كأهل الى سجّانين عليه، نراقب تحركاته، ونمنعه الاقتراب من الأبواب أو النوافذ حتى لا يخرق شروط الحبس، ومع كل تلك الضغوط التي نمر بها أرافقه إلى المحكمة مرتين في الشهر، وأمضي ساعات طويلة هناك. لقد انفصلت معه عن العالم الخارجي، وتأثرت علاقاتي به وبعائلتي ككل، فخلال هذه الفترة أصبحت العلاقة بيننا متوترة للغاية، لقد سجنت مع طفلي الذي لم يفعل شيئاً سوى أنه شارك رفاقه في الهتافات لحماية حي الشيخ جراح".

قانون نظري

تلجأ السلطات الإسرائيلية إلى فرض عقوبة الحبس المنزلي على الأطفال المقدسيين، الذين لا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً كبديل للاعتقال والسجن الفعلي، لحفظ صورتها أمام المجتمع الدولي بتجنب اعتقال الأطفال. وعلى الرغم من أن القانون المدني (قانون الأحداث) لإسرائيل يتماشى نظرياً مع الإطار القانوني الدولي، فإن هناك فجوة كبيرة بين القانون والممارسة.

 

يقول محامي هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية، مفيد الحاج، "القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، يوفر مساحة كبيرة لضمان حرية الأطفال وتمتعهم بالأمن والحماية والكرامة، فاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 في مادتها (37-أ) تكفل ألا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتنص الفقرة (ب) على أنه لا يجوز حرمان أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية، كما تؤكد المادة نفسها أنه في حالة الاعتقال (كحالة استثنائية) فإنه يجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقاً للقانون، ولا يجوز ممارسته إلا كتدبير أخير، ولأقصر فترة زمنية مناسبة، فضلاً عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة مستقلة ومحايدة. كما دعت اتفاقيات جنيف الأربع لأن يكون الأطفال خارج دائرة الاستهداف في حالات النزاعات المسلحة وتجنيبهم آثار الحروب، لكن في حالة الحبس المنزلي الإسرائيلي فالوضع عكس ذلك تماماً، لأن معايير القانون الدولي اتفقت على أن اعتقال الأطفال يجب أن يكون الخيار الأخير، ولأقل فترة ممكنة، إلا أن إسرائيل تجعل الاعتقال هو الخيار الأول بالتعامل مع الطفل، وتتعامل معهم وكأنهم بالغون، بل ويتعرضون للضرب والإهانة منذ لحظة الاعتقال، ويتم التحقيق معهم واستجوابهم في ظل غياب وجود المحامي أو الوالدين بشكل مخالف للقانون الدولي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحقيق ومحكمة

ويضيف الحاج، "ما إن تنتهي عملية التحقيق وتبدأ إجراءات المحاكمة، يحتجز الطفل في منزله كخيار أول ولفترة زمنية طويلة قد تتجاوز السنة، ويتم خلالها إجراءات المحاكمة الطويلة، وبمجرد الحكم عليه بالسجن الفعلي (إن ثبتت التهمة) لا يتم احتساب أي يوم له من مدة الحبس المنزلي ضمن فترة السجن الفعلي الذي يمتد ما بين ثلاثة وستة أشهر كحد أقصى، حيث يبقى الطفل حبيس منزله لفترة قد تتجاوز السنة، وبذلك جريمة كبيرة بحق الطفولة تخالف كل اتفاقيات ومعايير الأمم المتحدة الخاصة بالطفل".

ظروف أفضل وتأهيل 

أكد متخصصون إسرائيليون في علم النفس وسلوكيات الطفل في وقت سابق، أن "الحبس المنزلي للطفل بالبقاء بالقرب من عائلته يتماشى والقانون الدولي الإنساني، وقد يسمح له بالخروج إلى المدرسة في المرحلة المتقدمة لإجراء الامتحانات النهائية مثلاً. كما أن التحقيق ومحاكمة الطفل وهو قيد الحبس المنزلي سيكون في ظروف أفضل بكثير من السجن الفعلي، بحيث يبتعد الطفل عن الضغوط، ولن يجبر على الاعتراف بأمور لم يقم بها. كما أن وجود الطفل في المنزل أثناء المحكمة يؤكد أنه لا يشكل خطورة على المجتمع. فالقانون الإسرائيلي يفرق في التعامل بين القاصرين والكبار، لأنه يفترض دائماً أن القاصرين يرتكبون المخالفات من منطلق عقلية الطفولة، التي لا تفرق بين المسموح والممنوع، بالتالي فهم يحتاجون للتأهيل لا للعقاب".

سجون جنائية

في المقابل، أكد رئيس الحركة العالمية للأطفال - فرع فلسطين، خالد قزمار، لـ"اندبندنت عربية"، أن "السلطات الإسرائيلية تمارس سياسة خطيرة تجاه الأطفال المقدسيين، بحيث تفقدهم الشعور بالأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي، فهذه السياسة (الحبس المنزلي) تهدف إلى تدمير نفسية الطفل، وتشكيل أعباء مالية واقتصادية على عائلته، وفقدانه حقه بالتعليم وممارسة حياته بشكل طبيعي كسائر الأطفال، الأمر الذي يؤدي إلى تراكم ضغوط نفسية واجتماعية داخل الأسرة، كما أن القانون الدولي وضع كل القيود الممكنة بهدف الحفاظ على حرية الطفل حتى حال ارتكابه عملاً شديد الخطورة، ولكن السلطات الإسرائيلية تحتجز الأطفال الفلسطينيين على الرغم من أن أفعالهم ليست خطيرة، ضمن إطار سياسي ناعم المظهر طويل الأمد، وهي سياسة ممنهجة لتدمير شخصية الطفل وتحطيم مستقبله".

وحول خطورة الأحكام يقول قزمار، "عندما يتم اعتقال الأطفال الفلسطينيين المقدسيين تتجاوز السلطات الإسرائيلية القوانين بشكل ممنهج، والتي تحتم عليهم التعامل بشكل خاص مع هذه الفئة. ففي كثير من الأحيان يزجون بهم بسجون جنائية أو مراكز أحداث (تأهيل) إسرائيلية تعج بالجنائيين من عرب ويهود متهمين بالسرقة والاغتصاب وتجارة المخدرات، وغيرها من القضايا، ما يشكل خطراً جسيماً عليهم، وقد تتأثر نفسيتهم بما قد يشاهدونه داخل تلك المراكز والسجون".

اضطرابات نفسية

بحسب المتخصص في علم الاجتماع والنفس محمد الطويل، فإن "85 في المئة من أطفال القدس، عانوا اضطرابات نفسية إثر تعرضهم للاعتقال والحبس المنزلي، فقد كانت العصبية والتبول اللاإرادي من أكثر العلامات التي ظهرت عليهم"، في حين قال مراد عمرو متخصص علم النفس الإكلينيكي في مركز الإرشاد الفلسطيني، إن "إلاقامة الجبرية تؤثر على علاقات الطفل، بما في ذلك العلاقات مع والديه، بما يؤدي إلى القلق ومشاعر العجز، وكذلك الأعراض النفسية السلوكية والألم الجسدي، فالتجربة تؤثر على قدرتهم في الحفاظ على التنظيم الذاتي وإتقان الذات، وهي أمر ضروري للعمليات النفسية والاجتماعية".

ووفقاً لبيانات لجنة أهالي الأسرى المقدسيين، يوجد في السجون الإسرائيلية نحو 340 شخصاً من القدس، بينهم 11 سيدة و22 طفلاً يعانون ظروفاً قاسية في سجني الدامون وأوفك المخصص للسجناء الجنائيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير