Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يجب التنازل عن براءات اختراع لقاحات كورونا؟

يتزايد زخم الدعوة إلى إزالة القيود المفروضة على الملكية الفكرية للطعوم المضادة لـ "كوفيد-19". هل يساعد ذلك حقاً في دحر هذه الجائحة بسرعة أكبر؟

بدأت الحملة الرامية إلى إرغام شركات المستحضرات الصيدلانية على الإلغاء المؤقت لبراءات الاختراع الخاصة بلقاحات فيروس كورونا في استجماع قواها، ومن الواضح أنها تحرز بعض التقدم. ووفق برنامج "نيوزنايت" الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وافقت البلدان الأعضاء في "منظمة الصحة العالمية" للمرة الأولى على أن هذا التنازل قد يشكل جزءاً مهماً من جهود التلقيح العالمية. وفي الأسبوع الماضي، أشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، إلى أن إدارة بايدن تنظر الآن في تلك الخطوة.

وإذا توجب على الاقتصاد الأكبر عالمياً الذي يضم عدداً من كبرى شركات العقاقير العملاقة المتعددة الجنسيات، تغيير يغير موقفه من هذه المسألة، فمن المتصور أن يشكل ذلك نقطة تحول، فيشجع ربما "منظمة التجارة العالمية" على التنازل عن أجزاء معينة من الاتفاقية التي تحمي الملكية الفكرية على مستوى عالمي.

وعلى الرغم من ذلك، لا تزال هناك معارضة قوية من جانب قطاع المستحضرات الصيدلانية المشهور بممارسة الضغوط الصارمة في موضوع الملكية الفكرية لبراءات الاختراع، إذ يزعم أنصار الوضع السائد أن التنازل عن براءات الاختراع من شأنه أن يقوض الحوافز الدافعة إلى البحوث في المستقبل، وبالتالي يصبح هدّاماً.

ولا شك في أن لدى القطاع مصالح مالية في الحفاظ على براءات الاختراع.

في المقابل، لا يشكل بيل غيتس الذي تركز مشاريعه الخيرية على تلقيح العالم النامي لعقود من الزمن، رمزاً واضحاً في مسألة تضارب المصالح المتعلقة بالملكية الفكرية لبراءات الاختراع، وقد أضاف غيتس صوته إلى معارضة التنازل عن براءات الاختراع هذا الشهر، وأخبر "سكاي نيوز" أن الخطوة لن تشكل أمراً مساعداً لأن المعروض الضعيف من كميات اللقاح يعود إلى نقص في الخبرة والقدرة الإنتاجية، وليس إلى قيود الملكية الفكرية.

إذاً، ما الذي ينبغي لنا أن نفهمه من هذا الخلاف؟ هل يكون إلغاء براءات الاختراع أقل نفعاً حقاً، بل ربما يكون مضراً؟ أم أنه جزء مهم من تلقيح العالم ورفع آفة هذه الجائحة الفتاكة؟

في إطار واسع، يتقبل أغلب الخبراء المستقلين حتى أولئك الذين يؤيدون التنازل عن الملكية الفكرية، أن التوسع في المعروض ليس بمثل سهولة إلغاء براءات الاختراع.

إذ إن اللقاحات ليست مثل ما يسمى بالأدوية النوعية ["جنريك" generic]، التي يمكن تصنيعها استناداً إلى صيغة كيمياوية بسيطة، إذ يتطلب إنتاج اللقاحات خبرة ودراية تقنية عميقة، يكونان عادة منغرسين في موظفي شركات المستحضرات الصيدلانية ذاتها. ووفق ما يظهر من الصعوبات الإنتاجية التي تواجهها "أسترازينيكا" في منشآتها الأوروبية والتي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، فإن تلك الأمور قد تسير بشكل سيء.

ويقدم تشاد باون من "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" في واشنطن، تفسيراً عن ذلك. ووفق كلماته، "يختلف تصنيع اللقاحات بشكل جوهري عن المنتجات الصيدلانية الأخرى. فبمجرد اكتشاف المرء للأخيرة، يكتب المركب الكيميائي حصراً، فيكون وصفة يستطيع كل شخص أن يصنعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، فاللقاحات أشد تعقيداً. إنها ليست مجرد وصفة، بل تتطلب قدراً هائلاً من الإشراف التنظيمي، والاختبار في مراحل متعددة من المنتج".

ويضيف السيد باون بأن هذه الحواجز التقنية والتنظيمية تعني أن من غير الممكن أن نتصور وجود قدرة فعلياً لدى عدة بلدان أخرى في إنتاج لقاحات "كوفيد-19" بأمان وبسرعة. وبهذا يرى باون في الحملة من أجل التنازل عن الملكية الفكرية، وسيلة لتشتيت الانتباه.

وفي المقابل، يحض باون البلدان الأكثر ثراء على تركيز الوقت والطاقة والموارد في الالتزام بزيادة الإنتاج محلياً، وتسليم اللقاحات إلى كل مكان يحتاج إليها على كوكب الأرض من خلال مبادرات كخطة "كوفاكس" التابعة لـ "منظمة الصحة العالمية".

وبحسب رأيه، "في الوقت الحالي، أخشى أن القدر الأعظم من الطاقة يُنفق على مسألة الملكية الفكرية، إلى درجة أنهم يفوتون تلك العوامل الأخرى". من جهة أخرى، يزعم المدافعون عن التنازل عن الملكية الفكرية كمنظمة "المواطن العام"، أن جزءاً كبيراً من المشكلة يتلخص في أن شركات الأدوية الغربية غير راغبة في تشارك خبراتها. ويشيرون أيضاً إلى أن بعض شركات تصنيع الأدوية في البلدان النامية تزعم أنها قادرة على زيادة إنتاج اللقاح إذا حصلت على الدعم اللازم.

في ذلك الصدد، تشير مديرة مجموعة "قوانين العقاقير وسياساتها"، إيلين تي هووين، إلى إنه "لا يمكن للمرء أن ينقل براءات الاختراع إلى نقطة تنعدم لديها القدرة على إنتاج اللقاحات على الإطلاق. في المقابل، ثمة شركات بيّنت أنها قادرة على فعل ذلك [إنتاج اللقاح] لكنها لم تحصل على أي استجابة من شركات الأدوية الكبرى المصنعة للقاحات".

وتضرب هووين أمثلة على ذلك، بما حدث مع إسرائيل وكندا وكوريا الجنوبية وبنغلاديش.

وتلاحظ السيدة تي هووين أن شركات العقاقير، فضلاً عن مقاومة التنازل عن الملكية الفكرية، ترفض تخصيص أي موارد لـ "مجموعة الوصول إلى التكنولوجيا الخاصة بكوفيد-19"" التابعة لـ "منظمة الصحة العالمية"، وقد تأسست قبل سنة.

وبالنسبة إلى السيدة تي هووين، هناك نوع من تفكير دائري، بمعنى أنه يغذي نفسه من نفسه، بشأن الزعم القائل بعدم وجود منفعة في نقل الخبرة لتصنيع اللقاح، بدعوى أن البلدان المطلوب نقل المعرفة إليها لا تمتلك حالياً القدرة التصنيعية.

ووفق تي هووين، "إن لم يعرف المرء أن هناك رغبة في نقل الملكية الفكرية والتكنولوجيا، فمن سيستثمر في بناء القدرة التصنيعية؟ يشبه الأمر مسألة من سبق الآخر، الدجاجة أم البيضة".

وحتى لو كان من غير الواقعي بالنسبة إلى عدد من البلدان أن تبدأ الإنتاج من الصفر، إلا إن إنريكو بوناديو، المتخصص في قانون الملكية الفكرية في "سيتي يونيفرسيتي أوف لندن"، يرى أن التنازل عن الملكية الفكرية لا بد أن يمكن الهند، التي تتمتع بالفعل بقدرة وخبرات تصنيع كبيرة، من زيادة حجم إنتاجها.

ويضيف، "أن هذا من شأنه أن يساعد في المناطق حيث تتوفر القدرة التصنيعية".

وفي سياق متصل، يشكّل ذلك الرأي الأخير ما تعتقد به على ما يبدو الحكومة الهندية، التي تحتل الصدارة في حملة الضغط التي تسعى إلى التنازل عن براءات الاختراع. ويشير مشككون إلى أن "معهد سيروم" في الهند يعاني اختناقات في الإنتاج على الرغم من الترخيص له بالفعل بإنتاج لقاح "أسترازينيكا". في المقابل، يبدو أن هذه الاختناقات ترجع جزئياً إلى القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على صادرات مكونات تصنيع اللقاحات.

وإذا رُفعت أيضاً إجراءات الحماية هذه إلى جانب التنازل عن تدابير حماية الملكية الفكرية، فليس من غير المعقول أن نتصور أن البلاد ستتمكن من زيادة المعروض من اللقاحات.

هل تؤدي إزالة قيود الملكية الفكرية إلى تثبيط استثمار شركات العقاقير في اللقاحات في المستقبل؟

يرى منتقدون أن المشكلة في هذه الحجة تكمن في أن نصيب الأسد في تمويل المحصول الحالي من اللقاحات الناجحة ضد فيروس كورونا، يأتي من حكومات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ففي الولايات المتحدة وُجه 12 مليار دولار من التمويل العام إلى البحث والتطوير الخاصين باللقاحات. وقدّر الباحثون أن 97 في المئة من تمويل تطوير لقاح "أوكسفورد- أسترازينيكا" جاء من القطاع العام أو صناديق خيرية. وعلاوة على ذلك، يظهر تحليل أجرته مؤسسة "الحماية الشاملة" أن الحكومات أنفقت حوالي 86.5 مليار يورو على اتفاقات ملزمة قانوناً مع شركات الأدوية بهدف شراء لقاحات قيد التطوير، وتُعرف تلك الاتفاقات بأنها التزامات سوقية مسبقة.

وفي ذلك الصدد، توضح السيدة تي هووين، "لقد عملت على هذا الموضوع حوالي 30 سنة. وفي كل مرّة يشكك المرء في الملكية الفكرية أو حتى يقترح بعناية أنها يجب أن تُدار في شكل مختلف بعض الشيء، تكون رد الفعل التلقائي من شركات العقاقير دوماً "إن هذا من شأنه أن يلحق الضرر بالابتكار". وفي هذه الحال من المؤكد أنها ليست حجة صحيحة لأن القطاع العام يحمي الشركات تماماً من أي أخطار".

وهناك حجة مضادة أخرى للزعم بإن التنازل عن الملكية الفكرية من شأنه أن يسحق حوافز القطاع الخاص، ومفادها بأن ما يُقترَح الآن يتلخص في التنازل المؤقت عن حقوق الملكية الفكرية أثناء الجائحة، وليس التنازل الدائم.

وعلى الرغم من أن السيد بوناديو يشير إلى ذلك، إلا أن الأمر يعتمد في جانب كبير منه، استناداً إلى منظور شركات العقاقير، على كيفية تحديد فترة الجائحة.

ويتساءل، "يقول المؤيدون إن التنازل سيكون محدوداً زمنياً، لكن ماذا يعني الحد الزمني؟ حتى بلوغ حصانة القطيع؟ قد يستغرق ذلك لثمانية مليارات شخص ست أو سبع سنوات".

ونظراً إلى توقعات المحللين الماليين بأن تتدفق غالبية أرباح قطاع المستحضرات الصيدلانية من حملة تلقيح تكون مستدامة مع تحوّل فيروس كورونا وباء موسمياً مثل الأنفلونزا، فلربما يساعد ذلك في تفسير عداء القطاع لمبدأ أي تقليص لحقوق الملكية الفكرية. واقترح الخبير الاقتصادي ريكاردو هوسمان أن الحل المحتمل ربما يتلخص في شراء الحكومات للملكية الفكرية من شركات العقاقير من خلال دفعة إجمالية، ثم السماح لأي شركة قادرة في مختلف أنحاء العالم، بتصنيع اللقاحات بموجب ترخيص مجاني.

واستطراداً، يقترح هوسمان أيضاً أن الحكومات يتوجب عليها أن تحفز شركات الأدوية بهدف تطوير لقاحات ضد فيروسات متغيرة في المستقبل، أو أمراض جديدة، وذلك من خلال منافسات أو مناقصات لشراء الملكية الفكرية التي تولدها.

من الناحية النظرية، تستطيع آليات كهذه حقاً معالجة مشكلات الحوافز المالية التي تواجه شركات الأدوية، وكذلك تساعد أيضاً في تعزيز الإنتاج والمعروض من المنتجات العامة.

في مقابل ذلك كله، يبدو أن زخم الحملة في الوقت الحالي على الأقل، سواء أكان ذلك أفضل أو أسوء، يدعم بصلابة المطالبة بالتنازل الإلزامي عن الملكية الفكرية.

© The Independent

المزيد من تقارير