Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رهاب التحول الجنسي يلاحق الروائية الأميركية توري بيترز

روايتها الأولى أثارت سجالاً وطرحت سؤالاً شائكاً حول مفهوم الهوية النسائية

الروائية الاميركية توري بيترز التي تثير سجالاً (جائزة المرأة للإبداع)

بعد إدراجها في القائمة الطويلة لجائزة المرأة للإبداع، أثارت الأميركية توري بيترز بروايتها الأولى "Baby Detransition, " كثيراً من الجدل، بصفتها كاتبة متحولة جنسياً، بعض الجدل يتعلق بشروط الجائزة، وبعضه يمس الرواية التي صدرت عن  الفروع  الخمسة لمؤسسة بنغوين راندوم هاوس.

  تدور رواية بيترز "المُلغمة" حول امرأة متحولة تدعى ريس، استطاعت أن تحوز كل ما يمكن أن تحلم به امرأة متحولة عبر تاريخ المتحولات، علاقة حب مع إيمي، شقة في مدينة نيويورك، وظيفة معقولة، تحديد هويتها على نحو قاطع. لكن ثمة شيئاً مفتقداً بعد كل هذا، حاجتها الماسة لوجود طفل.

بعد تلك البداية يتحرك الزمن ذهاباً وإياباً مثل بندول الساعة، مزيحاً في كل حركة ضباباً كثيفاً حول تاريخ العلاقة بين إيمي العابرة للنوع، التي أصبحت أميس (رجل)، وريس التي تقع تحت وطأة تدمير الذات، فتقيم علاقات عابرة مع رجال متزوجين.  وكيف أن أميس بدوره لا يشعر بالتحقق، على الرغم من أنه كان يعتقد أن عودته عن التحول والعيش كرجل سيجعل حياته أسهل. لكن هذا القرار كلفه علاقته مع ريس، الذي يعني فقدانها، فقدان عائلته الوحيدة. وعلى الرغم من انتهاء علاقتهما العاطفية، يتوق إلى إيجاد طريقة للعودة إليها. وعندما تكشف كاترينا، مديرة أميس وعشيقته، أنها حامل بطفله (وأنها غير متأكدة مما إذا كانت تريد الاحتفاظ به)، فلم تكن تعرف في البداية تاريخ حبيبها كفتاة متحولة، يتساءل أميس عما إذا كانت هذه هي الفرصة التي كان ينتظرها، فهل يمكن لثلاثتهم أن يشكلوا أسرة غير تقليدية، وأن يربى الطفل في كنف هذه الأسرة؟

تتنقل بيرز بحرفية وبلا وجل بين أخطر المحرمات المتعلقة بالجنس والعلاقات، لتشيد عالماً يصبح فيه الجميع متحولين جنسياً بسبب الحجب الشامل للهرمونات الداخلية، وتحاول الشخصيات العابرة للنوع خلق أنماط مغايرة. وعلى الرغم من ثقل عالمها، وحظر الخوض فيه هكذا، فإن روح الدعابة والخفة تظهر في ثنايا سرد بيترز وهو ما أكسبها استحساناً نقدياً وجماهيرياً واسعاً.

لا يعد العنوان الذي يمكن ترجمته مبدئياً إلى "لا للتحول أيها الطفل"، بمثابة دعوة لإعادة تغيير جنس المرء، أو لتثقيف القارىء حول موضوع مشحون سياسياً،  بقدر ما هو بلورة لحبكة الرواية، التي تفجر قضايا شائكة حول الأنوثة، والأمومة، والأبوة، والأبوة الشاذة، والعلاقات التي نشيدها ونقطع فيها أشواطاً مختلفة ثم نقوضها من جديد. وكيف يمكن للمرء أن يمزق الروابط التي تربطه، بينما يعمل الطفل على العكس من ذلك، سواء كان رضيعاً بالمعنى الحرفي أو فتاة متحولة حديثاً. إذ إنه الوسيلة الوحيدة لإعادة تلك الروابط الممزقة مع الرغبة العارمة والصادقة في إكساب هذا الطفل مهارة أن يميز بحرص بين "أن يكون عابراً للنوع" و"أن يقوم بالفعل بتغيير نوعه محدداً هويته الجنسية تحديداً واضحاً".

ضربة مسددة للمرأة

بعد أسبوع من ترشيحها لجائزة المرأة، كتبت بيترز، "أنا فخورة بترشحي، لكنني تلقيت، لأول مرة في حياتي، سيلاً جارفاً من الكراهية، جرح مشاعري وأخافني، كما كان من المفترض أن يفعل... تاريخياً، حين يتم تكريم شخص من جماعة مهمشة بجائزة لأول مرة".

هكذا فوجئت الكاتبة الأميركية في أول رواية تنشر لها بهجوم عنيف يندفع في وجهها من صندوق رسائلها الخاص، ورسالة علنية على الإنترنت موقعة من عديد من الكاتبات الراحلات ومنهن إميلي ديكنسون ودافني دو مورييه، وتدعي الرسالة المركّبة لأن بعض الموقعين استخدموا أسماء مستعارة تجنباً للتهديد بالتحرش من متطرفي المتحولين جنسياً أو شطبهم من قبل صناعة الكتاب. 

يجادل هؤلاء الموقعون بأن قرار إدراج بيترز في القائمة الطويلة لجائزة المرأة، التي تأسست قبل 25 عاماً كرد فعل على  قائمة البوكر القصيرة، لأنها مكونة من كتاب ذكور فحسب آنذاك. ويشير بقوة إلى أن النساء لا يستحققن جائزة خاصة بهن، وأن لا بأس من السماح للذكور بدخول المنافسة، وفي اللحظة التي قررت فيها هيئة التحكيم أن كاتباً ذكراً مؤهلاً للفوز، "لم تعد الجائزة جائزة المرأة وأصبحت ببساطة جائزة في الأدب". أما عن الرواية، فقد وصفها الموقعون بأنها "معادية للمرأة"، وأنه "عمل إباحي مخنث مليء بكراهية النساء" وقالوا، إن ترشيح بيترز الذي أعلن عنه في مارس  (آذار) السابق، شهر المرأة، "يبدو وكأنه إهانة مسددة للمرأة".

النساء المتحولات

حين علم ناشر بيترز بالأمر، عرض نسخاً مجانية من الرواية للقراء، وقامت المؤلفة آنا جيمس مع مجموعة من الأفراد بشراء 50 نسخة للتبرع بها عبر "تويتر"، كما باعت مكتبة "الرف الثاني"  أكثر من 130 نسخة في هذا اليوم، متبرعة بما قيمته جنيه استرليني من كل عملية بيع لصالح منظمات المتحولين جنسياً.

في الصدد نفسه، أصدرت جائزة المرأة للإبداع التي ترأس لجنة تحكيمها هذا العام الكاتبة برناردين ايفاريستو، بياناً شديد اللهجة قالت فيه "تستنكر التمييز على أساس العرق والعمر والجنس والهوية الجنسية وجميع الخصائص المحمية الأخرى، وتأسف لأي محاولة للنيل من هيئة التحكيم أو المؤلفين أو التنمر عليهم"، وأضاف المنظمون أن أهلية الجائزة لم تتغير منذ إنشائها، "يمكن لأي شخص يتم تعريفه قانوناً على أنه امرأة أن يحصل على الجائزة... وكلمة" امرأة "تعني امرأة متوافقة، أو متحولة جنسياً تُعرّف قانونياً على أنها امرأة... كما أننا فخورون جداً بالقائمة الطويلة الاستثنائية والمتنوعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانب آخر، أدان العديد من الكتاب في جميع أنحاء العالم تلك الرسالة المركّبة الموقعة من مجهولين، ومنهم المرشحة السابقة إليف شفق التي هنأت بيترز على ترشيحها للجائزة وكتبت تقول، "بعد نشر الرسالة غير المقبولة وغير الأخلاقية عن بيترز، نحتاج أن نقول مراراً وتكراراً #TransWomenareWomen النساء المتحولات شقيقاتي. الكاتبات المتحولات شقيقاتي". ووصفت  ناويز دولان، المرشحة معها للفوز بالجائزة، رواية بيترز بأنها "تحفة فنية أشعر بالفخر لكوني على القائمة الطويلة معها، وهذه الرسالة وصمة عار على الذين يعانون من رهاب التحول الجنسي".

لم تسلم الأسماء المستعارة بدورها من النقد اللاذع، فكتبت ميليندا ساليسبري، "اشتريت للتو كتاباً جديداً! عنوانه "لا للتحول أيها الطفل"، أوصت به صديقتي العزيزة إميلي برونتي. إنها معجبة جداً به". بينما استنكرتهم الكاتبة جوان هاريس قائلة، "إذا كنت تتوقع مني أن أصدق أنك لا تخجل سراً من آرائك، أو محرجاً من أفكارك، فلن تختبئ وراء هوية شخص ميت بينما تحاول في نفس الوقت تجريد شخص منها مازال على قيد الحياة".

في كتابه "اللهب المزدوج"، يستدعي أكتافيو باث كلمات أرسطوفانيس عن أسطورة الخنثى الأصلي، المكون من كائنات مزدوجة قوية وذكية تمثل تهديداً للآلهة، ولذلك قرر زيوس بغية قهرها، فصلها عن بعضها بعضاً. ومنذ ذلك والأنصاف المفصولة لا تكف عن السعي بحثاً عن أنصافها المكملة، وهو ما يفسر سر الجاذبية على مر التاريخ بين الذكر والأنثى. وبمهاجمة بيترز وغيرها لمجرد ورود اسمها في قائمة جائزة المرأة للإبداع، يقرر هؤلاء أن من لا يشبهوننا، ليسوا بشراً كما ينبغي، وكأن لديهم خياراً آخر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة