Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميرال الطحاوي تتأمل البعد الصحراوي في المتخيل العربي

استخدام عنوان "الانثى المقدسة" لجذب القراء بينما الكتاب يدور حول أدبيات الصحراء والقبائل

الكاتبة ميرال الطحاوي (صفحة الكاتبة على فيسبوك)

يخالف متن كتاب "الأنثى المقدسة: أساطير المرأة في الصحراء" (بتّانة) للروائية ميرال الطحاوي، عنوانه الذي لا يبدو أنه الأنسب لذلك المتن، ومن ثم فإنه (أي العنوان) يعتبر مجرد عنصر جذب، وهو الأمر الذي يهتم به عادة بعض الناشرين، خصوصاً عندما يكون الكتاب ذا طابع بحثي رصين، كما هو الحال مع الكتاب الذي نعرض له هنا. منذ "المبتدأ" الذي افتتحت به ميرال الطحاوي كتابها نعرف أن موضوعه هو الصحراء العربية وما أنتجته من أعمال روائية "جديرة بالدراسة"، و"ليس الأنثى المقدسة"، و"أساطير المرأة في الصحراء"، وهما موضوعان يشكلان مجرد جزء من كل.

نحن بصدد، تقول الطحاوي، رواية الصحراء أو الرواية التي اتخذت من القبيلة وأعرافها وأنساقها الاجتماعية، سواء في المشرق أو في المغرب العربي، عالماً، مع ملاحظة أن البدو الرحل يؤلفون نسبة ضئيلة، ليس فقط من مجموع السكان في العالم العربي، وإنما حتى في المناطق الصحراوية منه. وإذا اعتبرنا، تضيف الكاتبة، أن الاستقرار والزراعة من أول المتغيرات التي طرأت على حياة البدو، فإن اكتشاف البترول وما واكبه من نشاط الرحالة الأجانب في منتصف القرن الماضي، سيحمل الكثير من المتغيرات في صميم تلك الجماعات التي بات محتماً عليها على الرغم من عزلتها التحول إلى النموذج المديني.

الصحراء كمتخيل روائي

الكتاب يتألف من ثلاثة فصول، ويعالج الفصل الأول موضوع "الصحراء كمتخيّل روائي"، ويحمل الفصل الثاني عنوان "المقدس الاجتماعي والسياسي والتاريخي في الجزيرة العربية روائياً"، فيما يتناول الفصل الثالث "الناموس... مقدس الطوارق المفقود".

في البداية، تقول صاحبة روايات "الخباء" و"الباذنجانة الزرقاء" ونقرات الظباء"، وهي روايات تتكئ على ثقافة بدوية إذا جاز التعبير، "لم أعرف لماذا كانت القبيلة التي انحدرتُ منها تحتفي بكل هذه التقاليد. لماذا كان العرف يقهر الشرع، والعيب يفرض وصايته على الحرام؟ وماذا كان الخوف باباً مغلقاً على ضحاياه؟".

هكذا تنطلق ميرال الطحاوي هنا من الذاتي، لتمارس ما اكتسبته من خبرة أكاديمية في مجال النقد الأدبي بحكم عملها أستاذاً للأدب العربي في جامعة أريزونا، وتضيف، "والكتابة التي أهدتني أسئلتها الحائرة وضعت في يدي مغزلاً ينقض نسجه، ويهتك كل الذي ستره، الصمتُ، والعزلة، والنسب الواحد، والقوانين غير المعلنة. لم تكن كتابتي بمعزل عن هذين القطبين، الصحراء وعُرفها، القبيلة وتابوهاتها، المجتمع الرعوي ومحرماته، ولم يكن شغفي بهذا العالم الروائي كتابة ومكتوباً، سوى محاولة للفهم، محاولة لتفسير هذه العلاقة. كان المقدس يحتل هذا الجدل، ويتخذ من أشكاله المتعددة سياقاً للسؤال، ومن هنا اشتبكت أسئلة الرواية والتاريخ والمكان والعالم، الذي تشتغل عليه، مع أسئلة الذات عن دلالة كلمات أخرى تظلل هذه المساحة، كمعنى الشرف، ونقاء النسب، وتقديس كبار السن والأولياء الصالحين والقوى الروحية".

الرواية ابنة المدينة؟

الكتاب في مجمله يبدو رداً على مقولة أن الرواية هي جنس أدبي مديني، وفي هذا السياق تذهب الطحاوي إلى أنه على الرغم من أن الربط الحصري والتسليم بأن الرواية ابنة المدينة في طرح الناقد المصري حسين حمودة، ومحاولته الموازاة بين بنية المدينة وبنية الرواية في أعمال عدد كبير من كتاب الستينيات، فإن ظروف نشأة الرواية لم تنفِ أنها تطورت في أنواع روائية أو عوالم روائية بمعزل عن المدينة" (ص 14).

وترى ميرال الطحاوي كذلك أن الرواية العربية في تطورها اكتشفت الكثير من الممكنات الجمالية الخاصة بها لغة وتراثاً، وهي كذلك وجدت بديلاً من تجريب المستويات اللغوية والإرث الكلاسيكي للسرد العربي الذي في بعض الأحيان كان سطواً على النص القديم، الليالي، المقامات، كتب التاريخ، في نصوص تتكئ في تجربتها على استقراء هذا الموروث واستنهاضه.

وبحسب الطحاوي فإنها لا تحاول الربط الآلي بين مكان محدد وآليات بنائه، كما استخدم البعض البنيوية التكوينية في ربط المدينة بالنص جمالياً، وإن كان ذلك المنهج يحول النص إلى بناء اجتاعي أكثر منه بناء جمالياً، حين يربط أحد الباحثين (تقصد جابر عصفور) عالم المدينة "بتنوعها واتساع عالمها وتناقضاتها وعلاقاتها" بمفردات الفن الروائي، محاولاً الوصول إلى موازاة في البنية والتحول بين النص والمدينة، لكن بشكل انعكاسي آلي.

وتخلص ميرال الطحاوي إلى أن روايات الصحاري العربية التي جعلت منها نماذج تطبيقية في هذا الكتاب، تعكس واقعاً ثقافياً أكثر منه جغرافياً، يشمل الوطن العربي الذي هو "صحراء ثقافية" باستثناء مواقع الحضارات الزراعية الكبرى.

"النهايات" و"الحزام"

وفي سياق التطبيق، تجد الكاتبة أن الصحراء عند عبدالرحمن منيف في "النهايات" اتخذت من قرية هي "الطيبة" مكاناً للرواية، ولكنها قرية لا يمكن اعتبارها إلا إفرازاً للحياة البدوية، كما تدور أحداث رواية أحمد أبو دهمان "الحزام" في قرية من قرى الجزيرة العربية يحكمها العُرف القبلي، وعموماً فإن المدن في قلب الجزيرة العربية، ومنها مكة مثلاً، أو في قلب الصحراء الأفريقية، مثل تيمبكتو، لا تمت إلى المدينة الغربية بصلة، وبالتالي فنحن لسنا أمام معنى لغوي كما في لسان العرب لمادة "صحر"، ولا أمام الفضاء الراسخ الذي لا نبات فيه، بل أمام ثقافة بدائية صحراوية رعوية ما زالت تعمل وتشكل بنية خاصة بها. ولا تقف "مدن الملح" أو "النهايات" لعبدالرحمن منيف إلا ضد هذه المدنية، كما أن جوهر صراع الصحراء هو التغيير الذي يطرأ عليها ويحولها روائياً إلى الجنة المفقودة "واو"، كما هي لدى إبراهيم الكوني، فهي النقاء والبساطة.

كما أن الصحراء محكومة بمقدسها الأول "الناموس" كما يطلق عليه الكوني مثل كل المجتمعات البدائية، أو كما يقول مارت، "في المجتمعات البدائية عموماً لا أحد يحلم بالخروج على القواعد الاجتماعية"، وحينما تلجأ رجاء عالم إلى تاريخ مكة وبيوتها في حقبة ما، فإنها بالطبع تعود إلى المصادر والمراجع ومتون النصوص القديمة، والذاكرة الشفاهية لتستطيع رسم هذه المدينة القديمة والعلاقات الاجتماعية السائدة فيها، وكذلك يفعل إبراهيم الكوني في تناص واضح مع كتب الرحالة العرب مثل "المسالك والممالك" للعُمري، وقد يصل الأمر إلى "التاريخ الوثائقي" كما عند منيف.

ويؤخذ ما تقدم في الاعتبار، مع ملاحظة أن مسمى "روايات الصحراء" فضفاض والصحارى العربية متنوعة عرقياً. الصحراء الكبرى الأفريقية، شديدة الجفاف، تضم أجزاء من موريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا، وهي موطن الطوارق والأمازيغ، فيما صحراء الجزيرة العربية تنطوي على عوالم مختلفة ثقافياً واجتماعياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ذلك تعتمد ميرال الطحاوي قول شاكر عبدالحميد، "إن المكان إضافة إلى خصائصه الطبيعية والجغرافية المميزة، لا بد أن ينظر إليه على أنه تكوينات أو بنى أو حالات معرفية ووجدانية تكون لدى الأفراد والجماعات، وتسهم على نحو واضح في تحقيق إحساسها بالهوية الفردية والجماعية في استمرارية وجود هذا الإحساس لديهم".

وأخيراً تتساءل الطحاوي، "هل كانت الصحراء هي التي تخلق مدنها السرابية وجناتها المختبئة وتفرض أضحياتها البشرية؟ أم كان التيه الذي يتهدد القبيلة هو الذي أفرخ كل هذه المخاوف؟ أم كان مناخ الندرة هو الذي لوى الأعناق باتجاه سحابة طائرة قد لا تحط على الوديان العطشى، وهو الذي دفع لكل هذا الهلع من عقاب سماوي يحل على الذين يجرؤون على مساءلة القدر؟ إن تكوين العقل الرعوي يرتكن اجتماعياً وروحيا وسلطوياً وأسطورياً إلى تصوره للمقدس وعلاقته به".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة