Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هيلين ماكروري... ممثلة استثنائية وواحدة من قلة أدركت قوة الصمت

كان حضور هذه الفنانة التي توفيت بالسرطان عن عمر يناهز 52 عاما باهرا سواء في الأدوار التقليدية على شاشات التلفزيون المعروفة أو في الأعمال الشهيرة على خشبة المسرح

ماكروري بصحبة زوجها داميان لويس وهما بكامل أناقتهما والضحكة لم تفارق وجههما يوماً (رويترز)

كان وجه هيلين ماكروري معبراً للغاية لكن حاجبيها كانا أكثر ملامحها تعبيراً. فقد امتلكت قدرة غريبة على رفعهما بالقدر المناسب فيحل البرود في الأجواء فجأة. في واحدة من آخر إطلالاتها التمثيلية، استخدمت حاجبيها في الحلقة الختامية لمسلسل "كويز" على محطة "آي تي في" (ITV’s Quiz) أثناء أدائها دور محامية تدافع عن الرائد إنغرام المتواصل السعال وزوجته. كان أداؤها المتقن في دور المحامية مقنعاً إلى حد أنها تحولت إلى خبر رائج على تويتر لفترة وجيزة.    

قلة من الممثلات أدركن قوة الصمت والسكون كما فعلت ماكروري. أقامت خلال مسيرتها المهنية توازناً ناجحاً بين الأدوار التقليدية في الأعمال التلفزيونية الرائجة من جهة والعمل المسرحي الشهير والناجح من جهة أخرى، وكان ظهورها استثنائياً في الموقعين. ولعبت أدوار الشر ببراعة وإتقان، فأضفت على أكثر مشاهدها العصية على النسيان على الشاشة نوعاً من البرودة القاسية التي لا تضاهى- سواء في دور كبيرة العائلة العمة بولي في مسلسل بيكي بلايندرز الذي طال عرضه، وهو الدور الذي رسخها في قلوب معظم الناس، أو في دور نارسيسا مالفوي الخسيسة في سلسلة أفلام هاري بوتر. كان في تلك الأدوار شيء من الإحجام الخطير، الأشبه بالشر المكتوم. 

لكن شخصية ماكروري كانت قوية ومذهلة في مسيرتها الفنية وحياتها الواقعية. وقد بدت في المقابلات ممتعة جداً بكل بساطة- أي امرأة يتوق المرء لقضاء أمسية من الثرثرة غير المشروطة معها، أثناء احتساء الويسكي. تمتعت بأسلوب مذهل. كانت لعوباً ومضحكة وسخية. ولم تكن سهلة الخداع أو غبية بل استخفت بصفة "المرأة القوية" التي تلصق بالأدوار النسائية قبل أن تصبح رائجة حتى. لكن القوة هي الصفة التي كانت علماً عليها في كل الأدوار التي أدتها. فنساؤها كن معقدات ومخالفات وذكيات؛ من دور شيري بلير الذكية اللاذعة في "ذا كوين" (The Queen)، إلى دور النائب الماكرة المثيرة في سكايفول (Skyfall)، ورئيسة الوزراء الرائعة في رود كيل (Roadkill) من إخراج ديفيد هير. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غير أنها تألقت بشكل خاص على خشبة المسرح. وكان آخر أدوارها المسرحية في عرض "ذا ديب بلو سي" (The Deep Blue Sea) لتيرينس راتيغان على خشبة المسرح الوطني في عام 2016. أسند إليها دور هيستر كولير التي تنتمي إلى الطبقة المخملية، وقد هجرت زوجها من أجل طيار متهور أصغر سناً وتبدأ المسرحية والميول الانتحارية تستحوذ عليها داخل شقة تتألف من غرفة واحدة صغيرة. لم ينجح أداؤها في إظهار التوق البائس لامرأة واقعة تحت رحمة شغف يائس فحسب، بل تمكنت من عكس الإدراك المؤلم بعبثية الوضع وأثره المدمر عليها كذلك. قبل سنتين من هذه المسرحية، قدمت على الخشبة نفسها شخصية ميديا العازمة بشكل مخيف والمأساوية، فدخلت مباشرة إلى العمق النفسي للشخصية بتركيز هائل وذكاء حاد ولماح جعلا مشاهدة أدائها متعة كبيرة. لعبت دور يلينا الشهوانية في الخال فانيا وآنا الساحرة في الزمن الماضي (Old Times) للمسرحي البريطاني هارولد بينتر. كما أدت في بدايات مسيرتها المهنية دور الليدي ماكبيث، وكم تمنيت لو أني شاهدتها. فهمت كيف يمكن لأصغر الحركات أن تنقل في أغلب الأحيان أقسى وأصعب المشاعر لكن حتى في أكثر حالاتها سكوناً على المسرح، ظلت أهم الممثلين، تضج كل ذرة من روحها حياة.  لطالما شكل إدراك ضآلة حجمها في الواقع صدمة مفاجئة.

 أما صوتها- الدسم كالحلوى والحاد كالشظايا- فجعل من البديهي اختيارها لأداء أدوار النساء الثريات الضجرات (مثل The Late Middle Classes لسايمون غراي) لكن مهما كانت البشرة مصقولة ومشدودة، امتلكت ماكروري القدرة على فضح الأعصاب التي تختبئ تحتها. لم تحرز نجاحاً كبيراً في السينما، وأتساءل عن السبب: ربما لم تعتقد أن هوليود مناسبة لها، وربما فضلت العمل في المملكة المتحدة. كانت ممثلة غير متباهية على الرغم من صورها التي ظهرت من وقت لآخر بصحبة زوجها داميان لويس وهما بكامل أناقتهما، يضحكان دوماً وكانت من أفضل ممثلينا. بموتها، لا نحزن فقط لإنجازاتها العديدة لكن أيضاً على الأدوار التي كان بإمكانها تأديتها: كنت أحب أن أراها في دور كليوباترا. 52 عاماً فقط لا غير. يا لها من خسارة كبيرة. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات