Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدام رهانات ودوران حول التفاوض

البرنامج النووي الإيراني مجرد ورقة في ملف المشروع الإمبراطوري الفارسي بثياب دينية

تزدري إيران شركاءها في الاتفاق النووي وكأنه مع أميركا فقط (أ ف ب)

كل شيء يوحي بأن الحواجز تكبر بدل أن تصغر على الطريق إلى المفاوضات الأميركية - الإيرانية. ولا يبدّل في الأمر أن تكرر مسقط الدور الذي لعبته في الماضي عبر الوساطة، ثم ترتيب مفاوضات سرية بين وفدين أميركي وإيراني.

فما ركّزت عليه إدارة الرئيس دونالد ترمب التي انسحبت من الاتفاق النووي، وهو انتظار أن تأتي طهران تحت سيف "الضغط الأقصى" إلى التفاوض على اتفاق أقوى، لم يحدث. وما تسرّعت إدارة الرئيس جو بايدن في الإلحاح عليه، وهو الاستعداد للعودة إلى الاتفاق، لم يفتح أي باب.

حتى تعيين روبرت مالي موفداً لشؤون إيران، الذي طمأن طهران وأقلق دولاً عربية وإسرائيل، فإنه بدا مثل إلقاء حجر في بركة راكدة. ثم جاء تعيين ريتشارد نيفيو نائباً له صدمة لإيران، وهو صاحب كتاب "فن العقوبات" الصادر عام 2017، الذي عمل على توسيع العقوبات أيام كان مدير شؤون الأمن في مجلس الأمن القومي بين 2010 - 2013.

المسألة ليست انتظار الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو (حزيران) المقبل. فالكل يعرف أن الكلمة العليا هي للمرشد الأعلى علي خامنئي. والعقبات الظاهرة ليست نوعاً من تكتيك السقوف المرتفعة قبل التفاوض بمقدار ما هي تعبير عن مواقف أساسية لدى الطرفين.

الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان ركّزوا على أمرين: أولهما أن المطلوب هو التفاوض على اتفاق "أقوى وأكثر استدامة" كما على برنامج الصواريخ الباليستية وملف السلوك الإيراني "المزعزع للاستقرار" في المنطقة. وثانيهما أن أميركا حريصة على تنسيق المواقف مع فرنسا وبريطانيا وألمانيا الشركاء في الاتفاق، والتشاور مع بقية الحلفاء والأصدقاء ومشاركة السعودية ومصر وإسرائيل في المفاوضات المقبلة.

والنائب الجديدة لوزير الخارجية ويندي شيرمان، التي كانت المفاوضة الرئيسة في الاتفاق النووي أيام أوباما وجون كيري، أعلنت بوضوح أمام مجلس الشيوخ "أن عام 2021 مختلف عن عام 2015" عندما جرى التوصل إلى الاتفاق. قالت: "الوقائع على الأرض تغيّرت. المعالم الجيوسياسية في المنطقة تغيّرت. وهذا يعني أن الطريق تغيّرت، ولا بد من التطرق إلى برنامج الصواريخ الباليستية ودعم إيران للإرهاب، ومبيعات الأسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان في أي اتفاق جديد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل، حدد خامنئي الموقف الإيراني الذي قال إن "لا تراجع عنه". فهو اشترط أولاً "أن ترفع أميركا كل العقوبات، وأن نأخذ فترة للتأكد من رفعها عملياً قبل أن نعود إلى التزاماتنا بموجب الاتفاق". وهو ردّ على حديث أميركا عن الأوضاع المتغيرة بالقول: "هذا صحيح، لكن التغيير لمصلحتنا وليس لمصلحة أميركا، ويجب أن يكون أي تغيير في الاتفاق لمصلحتنا لا لمصلحة أميركا".

وكان قد كرر مراراً رفض أي تفاوض على ملف الصواريخ وعلى النفوذ الإيراني في المنطقة كما على السلوك. فالصواريخ هي من مصادر القوة في الدفاع عن الجمهورية الإسلامية. والنفوذ هو واحد من أسس الثورة. والسلوك هو "الضامن للاستقرار" في المنطقة، بحسب رأيه: خطان مستقيمان لا يلتقيان.

وفي البدء كان الخطأ. خطأ الرهان في إدارة الرئيس باراك أوباما على الاتفاق النووي من ضمن رهانات على شرق أوسط محكوم بتوازن القوى بين محور شيعي تقوده طهران ومحور سني تقوده أنقرة والقاهرة بالاعتماد على "الإخوان المسلمين".

وخطأ تصوّر روبرت مالي أن الاتفاق النووي يقود إلى "الحدّ من الأعمال العدائية ومخاطر المواجهة العسكرية، ومن الممكن رؤية إيران ودول الخليج ودول أخرى حول طاولة واحدة". وهذا ما جرى عكسه تماماً، بحيث ازداد "تنمّر" الملالي.

وخطأ الرهان في إدارة ترمب على "الضغط الأقصى" لدفع طهران إلى التفاوض، من دون أي خيار آخر إن لم تأتِ إلى طاولة المفاوضات، إذ تحمّلت إيران العقوبات على الرغم من قسوتها، ورفضت التعاون، وزادت في زعزعة الاستقرار في المنطقة وصولاً إلى دعم انقلاب الحوثيين والحرب في اليمن، ولم تفعل واشنطن أي شيء.

لا أحد يعرف كيف تتطور الأمور اليوم. فالموقف الأميركي صلب، والموقف الإيراني صلب. وليس من المعقول أن يبقى الدوران حول التفاوض هو الخيار الوحيد. طهران تزيد من خرقها الالتزامات وتزدري بالشركاء في الاتفاق، أي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، كأنّ الاتفاق هو مع أميركا فقط.

والإدارة الأميركية تتحدث عما سمّاه بلينكن بـ"اقتراب إيران من امتلاك المواد الكافية لصنع قنبلة". والمنطقة تعاني من كون البرنامج النووي الإيراني مجرد ورقة في ملف المشروع الإمبراطوري الفارسي بثياب دينية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل